يهل شهر فبراير/شباط من كل عام بذكريات أليمة على جمهور الرياضة المصرية؛ مرت 6 سنوات كاملة على تلك الليلة المظلمة التي فقد خلالها جمهور الأهلي 72 من خيرة أبنائهم بمباراة كرة قدم، كما مرت 3 سنوات على ذلك المشهد المأساوي حين خرجت جماهير الزمالك تحتفل بصدارة الدوري وعادت أدراجها تودع 20 شابًا ومسنًا وطفلًا، مأساتان لم تعرفهما الملاعب المصرية بهذا الشكل من قبل وقعت خلال شهر فبراير وهزت ضمائر كل محبي الرياضة المصرية، لتترك تلك الفجيعتان فقيدًا في كل محافظة ومدينة في بر مصر.


بيرو 1964

تصنف إذاعة BBC البريطانية حادثة مباراة بيرو والأرجنتين كأسوأ حادثة جماهيرية بالتاريخ، أقيمت المباراة في ليما عاصمة بيرو، وكانت ضمن تصفيات قارة أمريكا اللاتينية المؤهلة لدورة الألعاب الأوليمبية المقامة في طوكيو. احتل منتخب بيرو وصافة المجموعة، وكان يحتاج الفوز على الأرجنتين أو التعادل على أقل تقدير خاصة أن منتخب البرازيل كان ينتظرهم في ختام مباريات المجموعة، لذلك كانت المباراة مرتقبة من جموع جماهير بيرو، تُقدر BBC أن ما يزيد عن 53 ألف مشجع كانوا متواجدين بمدرجات المباراة لمساندة منتخبهم، وهو ما يوازي 5 بالمائة من تعداد شعب بيرو آنذاك! كان العداء بين المنتخبين: بيرو والأرجنتين على أشده، لذلك كان هناك تشديد أمني استثنائي يواجه الجماهير المتحمسة، بدأت المباراة بهجوم واندفاع من بيرو يقابله صمود واستبسال من لاعبي الأرجنتين، ثم نجح منتخب التانجو في خطف هدف التقدم ليزداد المشهد تعقيدًا على أصحاب الأرض. استمر منتخب بيرو في الهجوم، حتى نجح بالدقائق الأخيرة من المباراة بتسجيل هدف التعادل عن طريق كرة ارتدت من مدافع أرجنتيني لتصطدم بقدم أحد لاعبي بيرو وتسكن الشباك، انتفضت جماهير بيرو محتفلة بجنون قبل أن تكتشف بعد لحظات أن حكم المباراة قد ألغى الهدف بداعي اللعبة الخطيرة والالتحام! في لمح البصر تحوّل الاحتفال إلى بركان غضب من الصراخ والاعتراض، حتى تجرأ اثنان من جمهور بيرو على اقتحام الملعب بهدف الاعتداء على الحكم، لتتمكن شرطة بيرو من القبض عليهما فورًا قبل أن تبرح أحدهما ضربًا لدرجة أنه عانى بعد ذلك من مشاكل دماغية، تضاعف الغضب الجماهيري ليبدأ الأمن بضرب القنابل المسيلة للدموع، همت أغلب الجماهير بمغادرة الملعب لتكتشف أن بوابات الإستاد مغلقة، وازدحمت الأنفاق بسبب هلع واضطراب الناس وبدأت حالات الاختناق تسقط الضحايا. تقول الرواية الرسمية إن الحادثة تسببت في سقوط 350 شخصًا وإصابة رقم ضخم آخر.


هيسل 1958

خلال رحلة المنتخب الإيطالي في 2015 لملاقاة نظيره البلجيكي في مباراة ودية،توجهت الكتيبة الإيطالية لإحياء ذكر ى كارثة ملعب هيسل في العاصمة بروكسل، ظهر على قائد الأتزوري «جيجي بوفون» التأثر وهو يحمل رفقة زميله «جورجيو كيلليني» إكليل ورد قبل وضعه إلى جوار النصب التذكاري، وعندما توجه الصحفيون لـ«بوفون» بالسؤال خلال مؤتمر المباراة عن حادثة هيسل أجاب بأن كل ما في وسعنا أن نحاول الاستفادة من تجربة قاسية كتلك، وأن نزرع في نفوس الأبناء أن ما حدث لا يمت بصلة للتشجيع والانتماء! بدأت كارثة هيسل قبل ساعة كاملة من مباراة نهائي كأس أوروبا بأواخر مايو عام 1985 التي جمعت فريقي ليفربول بيوفنتوس، كان الجميع متحمسًا بطبيعة الحال لفريقه، لكن لم يتوقع أحد ما حدث، فقد فاجأ بعض جمهور ليفربول الجميع عندما بدأوا في تجاوز السور العازل بين مدرجاتهم ومدرجات جمهور اليوفي، فانتشر الذعر بين الجمهور الإيطالي الذي بدأ في الركض باتجاه أحد الأسوار الخرسانية بهدف تفادي الاشتباك مع الإنجليز، لكن شدّة التدافع تسببت في إنهيار السور وسقوطه على رؤوس كثير من مشجعي اليوفي الحاضرين! تسبب الحادث في سقوط 39 مشجعًا، من بينهم 32 من مشجعي اليوفنتوس، وأربعة من الجمهور البلجيكي، واثنين من الفرنسي، ومشجع من إيرلندا الشمالية؛ أصر حكم المباراة على أن تبدأ المباراة في موعدها ورفض أن تُلغى أو تؤجل حتى لا يخرج جمهور الفريقين لشوارع بروكسيل وتندلع المزيد من الاشتباكات بعد أن قامت الشرطة بالقبض على عدد من المشجعين الإنجليز، أدين 14 منهم لاحقًا بتهم القتل غير المتعمد.أبدى نادي ليفربول أسفه على سقوط الضحايا في أكثر من مناسبة، آخرها كان العام الماضي عندما قام بتعليق لوحة على جدار ملعب الأنفيلد تحيي ذكرى كارثة هيسل، كما يشمل متحف النادي الإنجليزي نصبًا تذكاريًا للحادثة الأليمة. أما على المستوى الجماهيري، فقد بادر جمهور ليفربول بالاعتذار عن الواقعة، وشهدت المباراة التي جمعت بين الفريقين بدوري أبطال موسم 2005 لافتة جميلة من جمهور ليفربول عندما اقتصر دخوله على ملعب الأنفيلد برسم كلمة amicizia وهي ما تعني بالإيطالية: الصداقة في تعبير عن أسفهم على ما جرى قبل أعوام مضت، قابل كثير من الجمهور الإيطالي الحاضر اللافتة بالتصفيق، فيما رفض البعض الآخر الاعتذار وأدار ظهره، ورفع البعض الآخر من الرافضين لوحات تلوم الكارثة على من وصفتهم «الجمهور الإنجليزي المخمور».في تحقيق نشرته BBC عام 2015 عن الواقعة، قابل الصحفيون عددًا من جمهور ليفربول الذي حضر المباراة، وأبدى أغلبهم شعوره بالأسف والعار مما جرى وتمنى لو نظم الناديان فاعليات مشتركة لإحياء الذكرى.


هيلزبروه 89

بعد مرور أربع سنوات على حادثة هيسل، وقعت أشهر الكوارث الجماهيرية في عالم كرة القدم خلال المباراة التي جمعت ليفربول بنوتنجهام فورست بنصف نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي؛ واقعة هيلزبروه التي حدثت في أبريل/نيسان 1989.كانت الحادثة نتيجة لسوء إدارة وتصرف من الشرطة الإنجليزية على أرض الملعب، بدأ الأمر عندما فوجئ جمهور ليفربول بازدحام أحد المدرجات نتيجة سوء توزيع جماهير الفريقين، لكن المعضلة تضاعفت بوجود عدد آخر كبير خارج الملعب يود حضور المباراة من أنصار ليفربول، حاول بعض أفراد الأمن لفت انتباه القيادات المشرفة لضرورة توجيه الجماهير خارج الملعب بعيدًا عن المدرج المزدحم، لكن القيادات رفضت، ولم تجد سوى فتح أبواب ذلك المدرج لمزيد من الزحام!بالتأكيد لم يتحمل المدرج الحمولة المضاعفة، وبدأت الشروخ تضرب فيه من كل جانب مما أصاب جمهور الريدز بالذعر الشديد، كان المشهد مرعبًا للغاية عندما حاول بعض الجماهير في المدرجات الأخرى مساعدة هؤلاء الذين يختبرون أسوأ لحظات حياتهم وسط الاختناق والصراخ، بالفعل نجا البعض بصعوده للمدرج العلوي، لكن في النهاية انهار المدرج المزدحم وتسبب في وفاة 96 مشجعًا لليفربول.حاولت قيادات الشرطة تفسير ما حدث بعيدًا عن مسئولياتهم في ادارة المباراة، في البداية ادعوا أن أصل المشكلة يعود لتصميم المدرج، ثم اتهموا روابط الأولتراس/الهوليجانز من جمهور ليفربول بالشغب مما تسبب في عملية الاختناق وسقوط المدرج، وأخيرًا ألقوا باللائمة على الخمور التي أذهبت عقول جمهور ليفربول فلم ينتبهوا لما يحدث إلا بعد أن وقعت الفأس بالرأس؛ ما أشبه اليوم بالبارحة! أخبرت القيادات الأمنية «مارجريت تاتشر» بتلك الأسباب الواهية خلال زيارتها لملعب المباراة مباشرة بعد الكارثة، لكن أهالي الضحايا وسكان مدينة ليفربول بالإضافة إلى النيابة لم يقبلوا برواية الشرطة أبدًا، حيث بدأ تحقيق موسع أشرف عليه القضاء الإنجليزي ويقوم على مراجعة كل تفاصيل الواقعة وسط مساندة شعبية وإخلاص جماهيري فريد لحق الضحايا، التحقيق امتد منذ 89 وحتى 2016 حين طرأ أمر شديد الأهمية! في عام 2016، أصدرت محكمة إنجليزية حكمها الذي برأ جمهور ليفربول بشكل مبدئي من كارثة هيلزبروه وأقر أن الضحايا لقوا مصرعهم خارج القانون بسبب تقصير من الشرطة والإسعاف الإنجليزي، هذا الحكم جاء بعد اعتراف الضابط «دوكنفيلد»، أحد هؤلاء الذين أوكل إليهم إدارة المباراة، بقلة خبرته بأمور إدراة الملاعب وقصر علمه بالأزمات التي قد يواجهها جمهور الكرة!


بورسعيد والدفاع الجوي

لا يوجد محب للكرة المصرية لا يعرف ماذا دار على وجه التحديد مساء الأول من فبراير عام 2012؛ سلسلة من المشاهد تقفز إلى ذاكرة المرء عن الواقعة الأليمة، سلسلة تبدأ من اقتحام جمهور المصري للملعب تحت أنظار الأمن، ثم إغلاق إضاءة الإستاد، وبالطبع اكتشاف أن بوابات الإستاد مغلقة أو ملحومة، هذه المشاهد لا ترجح أن يكون الحادث قد تم بمحض الصدفة أو دون معرفة أحد ما في مكان ما.لا يختلف الأمر كثيرًا عند تأمل حادث الدفاع الجوي، كل الشواهد تؤكد أن جمهور الزمالك سقط في فخ استهدف امتهان كرامته، وسلب إرادته، وإجباره على الخضوع، لا يتصور أي مشجع للعبة كرة قدم حول العالم أن يُزَج بجماهير كرة داخل قفص حديدي فقط لأجل العبور لملعب، ثم يتم التستر على المتسببين الحقيقيين عن سقوط الضحايا قبل إلحاق التهم ببعض القيادات الجماهيرية لتصفية حسابات أخرى.

في أغلب كوارث كرة القدم نكون عادة الحيرة وعدم التأكد من المنفذ هو المسيطر على المشهد، ولكن في مصر الأمر مختلف عن بقية العالم حاله حال أغلب شؤون الناس في مصر. فالمُنفذ معلوم والحيرة بسبب أنه لم ينل عقابه حتى الآن.