في البداية، قررت الذهاب للمقهى المجاور لمنزلك لمشاهدة فريقك المفضل، وبعد هزيمة تلو الأخرى، غلبك التشاؤم، حتى قررت أخيرًا تغيير المقهى، كم مرة فعلت ذلك؟ وكم مشجعًا مر بمثل هذه الظروف؟ لا تقلق، أنت لست وحدك، فالتفاؤل والتشاؤم في كرة القدم لا يتوقفان على المشجعين فقط.

من ينسى بدلة حازم الهواري عضو مجلس إدارة اتحاد كرة القدم المصري سابقًا؟ تلك البدلة التي ساهمت -داخل عقله فقط- بالفوز ببطولتي كأس الأمم الأفريقية 2008 و2010، واستمر مفعولها حتى تصفيات كأس العالم 2018.

وإذا كنت لا تعرف حازم الهواري، فإنك بكل تأكيد تعرف المعلم حسن شحاتة. تفاءل حسن شحاتة بحضور حفيده حسن إلى التدريب الأخير للمنتخب المصري قبل كل مباراة هامة في كأس الأمم الأفريقية عام 2006، ونزوله بالكرة لأرض التدريب قبل بدايته.

أما في 2008 فكان تفاؤله مرتبطًا بإجراء اللاعب محمد فضل للإحماء البدني حتى ولو استنفد تبديلاته الثلاثة. وفي 2010 كان الأمر مرتبطًا بلعب الطاولة مع أشخاص معينة ليلة المباراة ونزول جدو بعد الدقيقة 60 بالطبع.

الأمر ذهب بالمعلم لما هو أبعد من ذلك حين كان لاعبًا، فكان يتفاءل بإشارات المرور الخضراء والجنازات في طريقه لملعب المباراة ويتشاءم إذا حدث العكس.

وبقدر السذاجة التي يبدو عليها الأمر، إلا أننا مضطرون للتسليم بوجوده، بل والاعتراف بتسلله إلى داخل الملعب. فبفضل إحساس التشاؤم المدعوم ببعض النتائج، ظهر مصطلح «الكعب العالي» الخاص بالقاموس الكروي المصري، وتحولت العديد من الفرق، والملاعب والمدربين إلى عقدة لغيرهم. هل هذه العقدة موجودة حقًا؟

فيل ضد فيل

إن كنت مشجعًا لأرسنال فحتمًا تكره زيارة ملعب الأولد ترافورد لأن أرسنال لم يفز – في الدوري – على مانشستر يونايتد هناك منذ 2006، وإن كنت مشجعًا لأتلتيكو مدريد، فأنت مستعد لمواجهة أي فريق في دوري الأبطال عدا ريال مدريد، وعلى الجانب المحلي، يتذكر مشجعو الزمالك المصري انتهاء مبارياتهم أمام الأهلي قبل أن تبدأ، في حقبة المدرب البرتغالي مانويل جوزيه.

كل عقدة من هؤلاء بدأت بحدث، امتد لآخر ثم آخر، لينتج تاريخ قصير يزداد طولاً وكأنه كرة ثلج تضرب اللاعبين تباعًا، بدايةً ممن عاصروا تلك النتائج وصولاً باللاعبين الجدد. يعتقد دكتور «دان أبراهامز» المختص بعلم النفس الرياضي، أن الحديث السلبي بين اللاعبين عن سوء الطالع أمام فريق بعينه، ينتقل إلى كامل النادي، خالقًا حالة من التفكير الجماعي «A collective mental model»، تؤمن بذلك الاعتقاد، الذي يسهم بتراجع أدائهم.

ومن هذا المنطلق، تتعدد العقد، كعقدة منتخب كوت ديفوار أمام مصر، والأرجنتين أمام ألمانيا بخسارة نهائيين لكأس العالم، وألمانيا أمام إيطاليا -رغم فوز الماكينات أخيرًا في يورو 2016- أو أرسين فينجر أمام مورينيو بتحقيق انتصارين فقط في 19 مواجهة، ومؤخرًا جوارديولا أمام يورجن كلوب، بفوز الإسباني في 3 مباريات فقط من آخر 11 مواجهة.

يظل كل ما سبق مدرجًا تحت بند مواجهات الكبار، فيل ضخم ضد آخر، يهابهما الجميع تلقائيًا، ومن الطبيعي أن يتفوق أحدهما تكتيكيًا وفقًا لأسلوب اللعب والأدوات المتاحة مع قليل من التوفيق، مما يعطي الظاهرة شيئًا من المنطقية، إلى أن يتمكن فأر صغير من إسقاط فيل ضخم.

فيل ضد فأر

تمامًا كمشهد محمد هنيدي بفيلم «وش إجرام»، عندما كان يصرخ مذعورًا، مرددًا «أنا يطلع لي دا؟ أنا يطلع لي دا؟» لنجده في الأخير خائفًا من جرو صغير، لا حول له ولا قوة. وهنا تتخذ ظاهرة الفريق البعبع «The bogey team phenomenon» تعريفًا آخر، فريق عادي، محدود الإمكانيات، يستطيع الجميع هزيمته، لكنه يمثل لفريق واحد كما مثل الجرو لهنيدي.

لنبدأ بمشجع لنادي سيلتيك الإسكتلندي، عند سؤاله عن البعبع، أجاب بفريق يدعى «Inverness Caledonian Thistle F.C»، ولولا الحرفين الأخيرين لما كنا علمنا أنه فريق كرة قدم من الأساس. يلعب فريق «إنفيرنيس» في دوري الدرجة الأولى الإسكتلندي، وقد استطاع إقصاء سيلتيك من الكأس 3 مرات، للدرجة التي جعلته محفورًا بأذهان المشجعين.

في فرنسا، لم يفز مارسيليا على بوردو في ملعب الأخير منذ 1977. وفي ألمانيا أيضًا، على الرغم من سيطرة بايرن ميونيخ شبه المطلقة، إلا أنه أخيرًا وجد البعبع خاصته، بروسيا مونشنجلادباخ. الفريق المتراجع تاريخيًا منذ آخر ألقابه بالدوري عام 1977، هو الأكثر حصدًا للنقاط أمام البايرن، والأكثر إحرازًا للأهداف أيضًا، منذ عام 2014 حتى 2020.

أما في البريميرليج فهناك ذكريات سيئة لليفربول مع كريستال بالاس. حيث كان الأخير سببًا رئيسيًا في ضياع دوري 2013/14 على الريدز بالتعادل 3-3، بعد التأخر بثلاثية نظيفة. ثم بعدها قرر كريستال بالاس إفساد وداعية ستيفن جيرارد بالتغلب على ليفربول في الأنفيلد 3-1. وبالصدفة، كانت أول هزيمة ليورجن كلوب مع الريدز على ملعب الأنفيلد، على يد نفس الفريق.

وبسبب الفارق الواضح في الإمكانيات، يبتعد التأثير النفسي للبعبع عن المنطقية، ومع كل حدث في الملعب، يبدأ اللاعبون في الربط مع التاريخ الأسود؛ كرة في العارضة، أو هجمة محققة ضائعة، ينظرون إلى بعضهم بنظرات صامتة، وكأنهم يذكرون أنفسهم بأن هذا اليوم ليس يومهم.

يقول دكتور «دان أبراهامز» إن علم النفس الرياضي يتدخل في مثل هذه الحالات، لمحاولة توجيه تركيز اللاعبين بعيدًا عن البعبع، ليركزوا أكثر على أنفسهم، وعلى قدراتهم كأفراد وكفريق.

فالبعبع يتواجد بخيالهم أكثر من الواقع، ومهما امتدت سطوة أحد الفرق على الأخرى، فإن الأمر سينقضي عاجلاً أم آجلاً، وفقًا لمتغيرات أخرى غير الحظ. لذا فإن عقدة النتائج أو الملاعب لا تمثل هذه الخطورة، بل إن هنالك عقدة أخرى أعقد بكثير.

عقدة الذنب

نحن نقصد تلك التي يمكن أن تصيب اللاعبين أنفسهم، بعيدًا عن الخوف من خصم معين، أو ملعب معين، بل هي مرتبطة بتحديد قدرتهم على استكمال مسيرتهم والارتقاء بها. مجرد لقطة، مجرد خطأ واحد كافٍ لتحديد مسارك، قد يكون خطأ ارتكبه ناشئ في اختبارات أحد الأندية، وقد يكون خطأ ارتكبه لاعب بالمستوى الأعلى بنهائي بطولة كبرى كدوري أبطال أوروبا على سبيل المثال.

سرعان ما سيتبادر إلى ذهنك ما فعله حارس مرمى ليفربول، الألماني «لوريس كاريوس» بنهائي دوري الأبطال في عام 2018. ارتكب الخطأ الأول ليمنح ريال مدريد هدف التقدم عبر كريم بنزيما، ولم يستطع عقله أن يتجاوز ما حدث، ليخطئ مرة أخرى في التعامل مع تسديدة جاريث بيل السهلة، وبعدها انهالت عليه اللعنات.

وفقًا لدكتور «فيل جونسون» المختص بعلم النفس الرياضي، فإن علامات القلق والضغط كانت واضحة على «كاريوس» منذ بداية اللقاء، ثم بدأ الأمر يتحول بعد الخطأ الأول، وكأنك على قمة جبل بمفردك، مع مزلاج، وأمامك مسافة كيلو متر عرضًا. لا يوجد أي شخص آخر على الجبل، فقط هذه الشجرة التي تقع على بعد نصف كيلومتر، ثم صرت تردد بداخلك «لن أصطدم بالشجرة»، وإذا بك تصطدم بها. بدلاً من تجنب الشجرة، تركز أدمغتنا على شيء لا نريد القيام به كثيرًا مما يجعلنا نفعله دون أن ندري.

حينما نرجع لهذا الموقف حيث ارتكبنا الخطأ، تتذكر عقولنا وأجسادنا كل شيء، ما نتذكره هو شيء لا واعٍ، وتصبح أفعالنا في هذه الذكريات أوتوماتيكية، تمامًا كما نتنفس. وبالعودة ل«كاريوس»، فإن التفكير المفرط بتلك الليلة سينتهي به إلى تكرار رد فعل مشابه، وبالتالي ارتكاب خطأ جديد.

خطأ جديد ل «لوريس كاريوس» أثناء الإحماء في بداية فترة إعداد ليفربول، قبل الرحيل إلى بشكتاش التركي.

أوضح دكتور «فيل جونسون» عدم سهولة عكس هذه الاستجابة لذاكرة الدماغ والجسم من خلال العلاج السلوكي المعرفي، المسمى ب«Brain Spotting»، لكنه يعد الطريق الأفضل ل«كاريوس» للتخلص من عقدة الذنب، والارتقاء بمسيرته مرة أخرى.

لكن اطمئن، ما سبق لا يعني بالضرورة أن كل خطأ قد يدمر مسيرة اللاعب، لأن استجابتنا للصدمة تختلف تبعًا لشخصياتنا، فلدينا أربع استجابات: الإثارة المفرطة، الشعور بأنك مخدر، المبادرة للتدخل كرد فعل، والتجاهل.

قد يكون التجاهل هو الطريق الأسهل، بتجنب الموقف أو الشخص أو المكان، كما تجنب «جون تيري» تسديد أي ركلة جزاء لمدة 18 شهر، عقب انزلاقته أثناء تسديد ضربة جزاء بنهائي دوري الأبطال عام 2008. وكما تجنب «كاريوس» مدينة ليفربول بأكملها ورحل إلى تركيا.

بإمكانك قياس حالات مشابهة في مختلف الدوريات والأعمار السنية، خاصةً مع ازدياد رغبة الكثيرين في اللحاق بقطار كرة القدم المربح. ومع زيادة الضغوط وعدم قدرة الجميع على التعامل منها، ستظل عقدة الذنب أعقد بكثير من عقدة الفوز والخسارة من البعبع الخيالي.