من رئيس وزراء إلى مطعم شاورما!

عام 2011 بعد قيام ثورة يناير، حيث كانت الأحلام والطموحات تناطح السحاب، كنا نعتقد أن مصر سوف تكون أفضل من ألمانيا في ظرف ستة أشهر أو أقل، وكنا نظن أن الواقع سوف يكون كما قالت نوارة نجم من إن: «مفيش ظلم تاني، مفيش خوف تاني»، أعتقد لا داعي للتوضيج أن نوارة أخطأت وأننا جميعًا كنا نتميز بسذاجة مفرطة.

في لقاء مع مجموعة من الأصدقاء بعد تنحي مبارك بما يقرب من عام، تحدثنا عن المستقبل والتطلعات، وكان لكل منا نصيبه، فمن أراد العمل في شركة مرموقة، ومن أراد العمل في وظيفة حكومية، وآخر أراد الهجرة، ورابع أراد تأسيس عمله الخاص، أما أنا فبكل ثقة تصل أي مرحلة من العته، تحدثت عن أملي في تمكين الشباب بعد تلك الثورة التي قادها الشباب – أو ما كنا نعتقد أنها ثورة- ثم تحدثت عن تطلعي لأكون رئيسًا للوزاء في يوم من الأيام؛ نظر الجميع إليّ بدهشة وتبدو في أعينهم حيرة وتساؤل، ثم لحظة صمت وبعد ذلك بدأت الأسئلة.

الأول : لماذا رئيس للوزراء وليس رئيسا للجمهورية؟ أجبت بأني مؤيد للنظام البرلماني أكثر من الجمهوري وأعتقد أنه سوف يكون نظاما أصلح للوضع الحالي. الثاني: ومتي تريد أن تكون رئيسًا للوزراء؟ أجبته بأني أتمنى حدوث ذلك قبل الأربعين أو على الأكثر قبل الخامسة والأربعين حتى أكون بعقلية أقرب للشباب منها للشيوخ، وضربت لهم مثال جون كنيدي رئيس الولايات المتحدة الخامس والثلاثين الذي تولى الرئاسة وهو في الثالثة والأربعين. الثالث: ألا تعتقد أن افتتاح مطعم لبيع الشاورما سوف يكون فكرة أفضل! وبدأت السخرية وسرد النكات، وما أدراكم بالمصريين والسخرية.


ترودو: «مهند» كندا

في صبيحة يوم الخامس عشر من نوفمبر عام 2015، بينما كنت أجلس في مدرج الجامعة أنتظر قدوم المحاضر، كانت أمامي زميلتان لي، كانت إحداهما تتصفح الفيس بوك، ثم ظهر أمامها صورة جاستن ترودو وهو يؤدي اليمين الدستورية بعد أن أصبح رئيسًا لوزراء كندا، تنظر الفتاة في إعجاب إلى ترودو وتُري الصورة لزميلتها بجانبها وتقول لها: «انظري إلى رئيس جمهورية كندا الجديد»، أردت أن أصحح المعلومة وأبيّن لها أن كندا ليست جمهورية، وأن نظام الحكم فيها ديموقراطي تمثيلي وملكي دستوري، وأنه رئيس للوزراء وليس رئيس الجمهورية، ولكني آثرت الصمت وأحمد الله أني آثرته.

تنظر زميلتها للهاتف وتبدي إعجابها بالخبر وترودو، اعتقدت للحظة أنهما معجبتان بفكرة أن شابا يحكم دولة بحجم كندا، أو بفكرة تداول السلطة بالصورة الديموقراطية تلك، لكن جملة الفتاة فاجأتني، حين قالت: «إنه أجمل من مهند»!


زوجة ماكرون أهم من ماكرون

كان اهتمام الصحافة العالمية بمانويل ماكرون وزوجته بريجيت ماكرون مميزًا، ليس فقط لأنه مرشح رئاسي ثم رئيس لفرنسا، وأن زوجته وقصة زواجهما قد أثارت انتباه الجميع، كما أن زوجته ستصبح سيدة الإليزيه، كما أن النظر إلى حياة الرجل ونشأته وأفكاره أمر مهم، فلا بد من تحليل شخصية الرجل وفهم أبعاده النفسية والفكرية حتى نستطيع فهم قراراته والتنبوء بها وتحليلها.

لكن على السوشيال ميديا كان الوضع مختلفًا قليلًا، عند الحديث عن الانتخابات الفرنسية لم يتطرق الكثير من رواد العالم الأزرق في العالم العربي إلى الصراع بين لوبان وماكرون، أو عواقب فوز ماكرون أو حتى تأثير ذلك على المسلمين في فرنسا أو وضع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو وملف اللاجئين، لكن كان نصيب الأسد من نقاشات العرب منصبا على سبب زواج ذلك الشاب الوسيم بزوجته الستينية، أو هل سوف يبقى معها بعد نجاحه في الانتخابات، وهل فرغت فرنسا من النساء الشقراوات الجميلات ليبقى معها، كان الرجال ينظرون إلى ماكرون على أنه أحمق لبقائه مع زوجته، وكانت النساء ينظرن إلى بريجيت ماكرون بعين الحسد وينعين حظهن العَثِر، لكن الوضع السياسي وما سوف يحدث وكيف سيؤثر فوز ذلك الرجل في موازين السياسة الدولية، لا يعني أحدًا!


كيف يفكر العرب

هو ذلك السؤال الذي طرأ على ذهني عندما واجهتني تلك المواقف، في الوقت الذي كانت فيه مصر تعيش عصرًا ديموقراطيًا، كانت العقول تأبى أن تعيش في ذلك العصر وتسعى للخلاص من ذلك الوضع الجديد والعودة للقديم السيئ، أو تكوين وضع آخر يحتوي على كل عيوب الوضع القديم وإضافة عيوب جديدة.

نعم كانت وسامة ترودو إحدى ميزاته في الانتخابات الكندية واستطاعت أن تلفت انتباه الصحافة والكثير من المعجبات، لكن كل ذلك كان في إطار الانتخابات الكندية والعملية السياسية، فهو أولًا وأخيرًا رجل سياسة ورئيس للوزراء وليس ممثلًا هوليوديًا، لماذا نتعامل معه نحن على أنه جورج كلوني!

نعم بريجيت ماكرون تكبر زوجها بأكثر من 24 عامًا، وقصة زواجهما وحبهما لن تكون متقبلة ومألوفة لنا نحن كمشرقيين وعرب، لكن أعتقد أن الصراع العالمي والحرب على الإرهاب الذي تشارك به فرنسا وصعود اليمين المتطرف في أوروبا وتأثير ذلك علينا كعرب ومسلمين ومشرقيين أهم من قصة زواج ماكرون وعلاقته بمعلمته السابقة.

أعتقد أن فكرة افتتاح مطعم شاورما أكثر جدوى من تولي رئاسة وزراء مصر!

يقول يوسف السباعي في كتابه أرض النفاق: «هذا الشعب لا بد أن يكون أحد اثنين، إما شعب يكره نفسه لأنه رغم ما يشيعون عنه من أنه مصدر السلطات يأبى أن يصلح حاله ويعالج مصابه ويزيل عن نفسه ذلك القيد الثقيل من الفقر والجهل والمرض، وإما أنه شعب زاهد قد تعود ذلك البؤس الذي يرتع فيه والحرمان الذي يأخذ بخناقه».

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.