هذه ترجمة لمقال نشرته «نيويورك تايمز» للصحفيين «رونين برغمان – Ronen Bergman» و«باتريك كينجسلي – Patrick Kingsley» حول قصة انهيار الدفاعات الصهيونية أمام عملية «طوفان الأقصى» التي أطلقتها حماس في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ويحوي انفرادات لعدد من المسئولين العسكريين الصهاينة يوضحون فيها التسلسل الزمني للأحداث ويشرحون الثغرات الاستراتيجية التي نجحت حماس في استغلالها لضرب المستعمِر الصهيوني في معقله، وقد راعينا مطابقة المصطلحات مع المقال الأصلي رغم اختلافنا معها، مراعاة لأمانة الترجمة، والغرض من الترجمة هو تأكيد زيف أسطورة الجيش الذي لا يقهر، حتى في ظل تقدمه التكنولوجي الساحق، وذلك على لسان قادته. وإبراز المتغيرات الجديدة التي نجحت المقاومة في فرضها على معادلة الحرب الحديثة.

تحدث الصحافيان إلى عدد من المسئولين الأمنيين الإسرائيليين الحاليين والسابقين، في محاولة لفهم كيف فشلت إسرائيل في توقع ومجابهة هجوم حماس؟

كيف فشلت أجهزة الأمن الإسرائيلية المرتعشة في إيقاف هجوم حماس؟

قبيل تسلل مقاتلين من غزة إلى إسرائيل، صباح السبت 7 أكتوبر، رصدت الاستخبارات الإسرائيلية ارتفاعًا لنشاط بعض شبكات اتصال ميليشيا غزة الواقعة تحت رقابتها، التي دلّت عن أن شيئًا غير طبيعي كان يحدث، أرسل العناصر إنذارًا للجنود الإسرائيليين المكلفين بحراسة الحدود مع غزة، وذلك بحسب اثنين من كبار المسئولين الأمنيين الإسرائيليين. 

لكن الإنذار لم يؤخذ بالاعتبار، إما لأنه لم يصل للمجندين أو أنهم لم يقرءوه.

بعد فترة وجيزة، أرسلت حماس مسيراتها لضرب محطات الاتصال وأبراج المراقبة الإسرائيلية على طول الحدود، لمنع ضباط الخدمة من مراقبة المنطقة عبر الكاميرات. حطمت المسيرات كذلك الرشاشات الآلية الموجهة عن بعد والمثبتة فوق التحصينات الإسرائيلية، مقصية بذلك عنصر قتال أساسيًا من أرض المعركة. 

سهّل هذا على مقاتلي حماس تفجير واختراق بعض أجزاء السياج، وتهديمه بواسطة الجرافات في عدة أماكن بأريحية مدهشة، ما سمح لآلاف الفلسطينيين بالتوغل عبر الثغرات.

مثلت تلك الأخطاء ونقاط الضعف حلقة في سلسلة الهفوات اللوجستية والاستخباراتية التي مهدت الطريق للتوغل داخل جنوب إسرائيل وفقًا لأربعة من كبار المسئولين الأمنيين الإسرائيليين الذين فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم مراعاة لحساسية المسألة والتقييم المبدئي للفشل الحادث.  

مَثل الاقتحام الجريء لـ20 بلدة وقاعدة عسكرية إسرائيلية أسوأ اختراق للدفاعات الإسرائيلية منذ نصف قرن، وقد تسبب في تحطيم مشاعر الأمان لدى الأمة. طوال ساعات، وقف الجيش الأقوى في الشرق الأوسط عاجزًا عن الرد على عدو أضعف منه بمراحل، تاركًا قرى بأكملها دون دفاعات على مدار الجزء الأكبر من اليوم في مواجهة مجموعات الإرهابيين الذين قاموا بقتل ما يزيد على ألف إسرائيلي، بينهم جنود بملابسهم الداخلية، واختطاف 150 على الأقل، واجتياح أربعة معسكرات على الأقل، والانتشار عبر مساحة تبلغ 30 ميلًا مربعًا داخل الأراضي الإسرائيلية. 

تحدث المسئولون الأربعة عن أن نجاح الهجوم يكمن في العدد الهائل من السقطات الأمنية لكل من الاستخبارات الإسرائيلية والجيش، التي شملت:   

  • فشل عناصر الاستخبارات في مراقبة قنوات الاتصال التي استخدمها المهاجمون الفلسطينيون. 
  • الاعتماد المفرط على وسائل المراقبة التقنية التي تم تحييدها بسهولة من قبل المهاجمين، مما سمح لهم بمباغتة القواعد العسكرية وقتل الجنود في فراشهم. 
  • تجمع القادة الميدانيين في قاعدة حدودية واحدة تم اجتياجها مبكرًا مع بداية التوغل، مما قطع الاتصالات مع بقية الجيش. 
  • الميل لتصديق التأكيدات الظاهرية للقادة العسكريين الفلسطينيين حول استبعاد أي تحضير للقتال، والمنقولة عبر قنوات اتصال يعلم الفلسطينيون أنها مخترقة من قبل إسرائيل. 

«لقد أنفقنا مليارات الدولارات لجمع المعلومات عن حماس» يتحدث يوئيل جوزنسكي المسئول السابق بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، «وسرعان ما انهار كل ذلك في ثانية كقطع الدومينو». 

يرجع السبب الأول للفشل إلى شهور سبقت الهجوم، عندما صاغ القادة الأمنيون الإسرائيليون افتراضات خطأ حول حجم التهديد الذي تمثله حماس على إسرائيل من داخل القطاع.

نأت حماس بنفسها عن المعركتين الأخيرتين خلال العام الماضي، سانحة لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، وهي جماعة مسلحة غزيّة أصغر من حماس، بالهجوم على إسرائيل. في سبتمبر الماضي، أنهت قيادة حماس فترة من المناوشات على الحدود ضمن اتفاق برعاية قطرية، مانحة انطباعًا بأنها لا تنوي التصعيد. 

«إن حماس في غاية، غاية الحذر، وهي تدرك عواقب التصعيد جيدًا»، كما ذكر تساحي هانغبي مستشار الأمن القومي الإسرائيلي في لقاء إذاعي قبل الهجوم بستة أيام.

في مذكرتهم الأخيرة الأسبوع الماضي حول التهديدات الأمنية العاجلة، ركز كبار مسئولي الأمن على المقاتلين اللبنانيين  على الحدود الشمالية. بالكاد لمّحوا إلى تهديد حماس.

تحدثت المذكرة بثقة عن أنه تم ردع حماس، وفقًا لأحد المسئولين الأمنيين. 

عبر المكالمات المخترقة من قبل عناصر الاستخبارات الإسرائيلية، أوحى عناصر حماس بحرصهم على تجنب حرب أخرى مع إسرائيل بهذه السرعة عقب أسبوعين من الاقتتال المدمر في مايو 2021، بحسب اثنين من المسئولين الامنيين الإسرائيليين، وأضافا أن الاستخبارات الإسرائيلية تبحث حاليًا فيما لو كانت تلك المكالمات حقيقية أم مُدبرة مسبقًا.

أما الخطأ الثاني فكان عملياتيًا. حيث تحدث اثنان من المسئولين عن منظومة مراقبة الحدود واعتمادها شبه الكامل على الكاميرات ومستشعرات الحركة والرشاشات الآلية الموجهة عن بعد. 

تضخمت ثقة القادة في مناعة المنظومة. وظنوا أن مزيج الرقابة والتسليح عن بعد والحواجز فوق الأرضية والجدار تحت الأرضي لمنع حماس من حفر الأنفاق جعل التسلل الجماعي مستحيلًا، وأنه قد قلص الحاجة لقيام عدد أكبر من الجنود بالحراسة على طول الخط الحدودي. 

في ظل تلك المنظومة، قلص الجيش عدد الجنود على الحدود، ناقلًا إياهم إلى نقاط تماس أخرى، بما في ذلك الضفة الغربية، بحسب إسرائيل زيف، الجنرال المتقاعد الذي سبق له قيادة القوات البرية في الجنوب لعدة سنوات، كما شغل منصب قائد عمليات الجيش الإسرائيلي من 2003 حتى 2005 والذي تم استدعاؤه مجددًا ضمن الاحتياط لدواعي الحرب.

يقول زيف: «لقد بدا تقليص عدد القوات معقولًا عقب بناء السياج والهالة التي أضفوها عليه، كما لو أنه لا يقهر، كما لو أنه مستحيل على أي أحد مهما كان اختراقه».

لكن لأنظمة التحكم عن بعد نقطة ضعف: أنه يمكن تحطيمها عن بعد أيضًا.

استغلت حماس نقطة الضعف تلك واستهدفت مُسيراتها أبراج الاتصال الخلوية التي تنقل الإشارات من وإلى منظومة المراقبة، بحسب المسئولين وبحسب المواد المصورة التي نشرتها حماس يوم السبت وقامت النيويورك تايمز بتحليلها.

أصبحت المنظومة عديمة الفائدة دون الإشارات الخلوية. هكذا لم يتلق الجنود الجالسون في غرف التحكم خلف خطوط الاشتباك أي تحذير حول اختراق السياج الفاصل بين غزة وإسرائيل، وغابت الصور التي تبين لهم نقاط الحاجز المدمرة. والتي تبين أن اختراقها كان أسهل  مما توقع المسئولون الإسرائيليون. 

سمح ذلك لـ1500 مقاتل بالتسرب من 30 نقطة  عبر الحدود، بعضهم بواسطة الطائرات الشراعية التي طارت فوق الحواجز، وقد وصلوا لأربع قواعد عسكرية إسرائيلية على أقل تقدير دون اعتراض من أحد. 

تكشف الصور بحوزة أحد المسئولين عن عشرات الجنود الإسرائيليين المقتولين في فراشهم، بعضهم بملابسه الداخلية.

تمثل الفشل العملياتي الثاني في تجمع قادة فرقة غزة داخل قاعدة وحيدة على الحدود. وبمجرد اجتياحها، كان معظم الضباط الكبار ما بين قتيل وجريح وأسير وفقا لاثنين من المسئولين.

 تسبب ذلك – إضافة لتعطل الاتصالات بفعل المسيرات – في غياب رد الفعل المنظم. كما غاب عن الجميع المدى الحقيقي للهجوم، بمن فيهم القادة الذين هرعوا من أماكن أخرى لإطلاق الهجوم المضاد. 

«كان تكوين صورة متماسكة عن الهجمات الإرهابية صعبًا للغاية» يتحدث الجنرال دان غولدفوس، أحد القادة الذين أطلقوا الهجوم المضاد.

في مرحلة معينة من القتال، قابل العميد دان –بالصدفة- قائدا من لواء brigade آخر، وإذا بهما يقرران بما توافر لديهما من معلومات، أي قرى سوف تستعيدها وحداتهما. 

«قررنا ذلك بين أنفسنا»، يضيف العميد: «وهكذا تحركنا، إلى قرية تلو أخرى». 

يكشف ذلك عن صعوبة إبلاغ القيادة العليا للجيش في تل أبيب بخطورة الموقف على الأرض بخاصة في المراحل الأولى للهجوم.

كنتيجة لما سبق، لم يشعر أحد بالحاجة العاجلة لغطاء جوي عنيف وخاطف، حتى مع تداول أخبار على وسائل التواصل الاجتماعي حول هجمات في مناطق مختلفة. استغرق سلاح الجو ساعات كي يصل إلى موقع الحدث، رغم امتلاكه قواعد على بعد دقائق جوا من هناك، وفقًا لاثنين من المسئولين الإسرائيليين وبعض الناجين من الهجوم.

كان سقوطًا ذريعًا للأمن الإسرائيلي، ومن المحتمل أن يحطم سمعة إسرائيل في المنطقة كشريك عسكري يعتمد عليه. 

قبل يوم السبت، مثلت إسرائيل ذُخرًا لعدد من دول المنطقة لمواجهة التحديات الأمنية يقول السيد جوزنسكي: «لكنها لم تعد كذلك الآن». 

لا تختلف أجهزة الأمن الإسرائيلية حول حجم الفشل المبدئي. لكنها ترجئ التحقيق في ذلك حتى تنتهي الحرب. 

«لننهي ذلك أولا» صرح المقدم ريتشارد هيكت المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، بينما حاول الجيش استعادة السيطرة على المناطق التي خسرها يوم السبت. وأضاف: «ثم كما تعلم، سيخضع كل شيء للتحقيق».