بعد الفضائح الأخيرة لكبريات الشركات، بدأ الناس بالتساؤل بشكل جدِّي: هل دخولي إلى شبكة المعلومات وتسجيل معلوماتي الشخصية عليها هو فعل آمن؟حسب تقرير نورتون لأمن شبكة المعلومات لعام 2017، فإن القراصنة قد حصلوا على 172 مليار دولار من 20 دولة، ويبدو أن هذا الرقم يثير المزيد من القلق.


تسريبات مخيفة

كشفت فضيحة موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك المدوية أنه ربما علينا التفكير مجددًا في مدى أمن معلوماتنا على الموقع الأزرق، فقد أعلن موقع فيسبوك أن شركة كامبريدج أناليتيكا قد وصلت إلى معلومات حوالي 87 مليون مستخدم، حيث تم استخدام تلك المعلومات لصالح حملة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب. وقد تلقى فيسبوك انتقادات كثيرة على إثر تلك الحادثة، حيث كان على رئيسه التنفيذي مارك زوكربورغ أن يقدم تفسيرات لما حدث. ومؤخرًا فقط، في ديسمبر/ كانون الأول 2018 أعلن فيسبوك عبر مدونته أنه قد تم تسريب صور 6.8 مليون مستخدم بسبب خلل تقني.عملاق محركات البحث غوغل قد أعلن أيضًا أنه سيقوم بـ إغلاق تطبيق غوغل بلاس للتواصل الاجتماعي، وذلك بسبب خلل أدى إلى تسريب بيانات نصف مليون حساب، حيث سيتم إغلاقه بشكل نهائي في مارس/ آذار 2019.لا شك أن عام 2018 قد حمل معه مخاوف لمستخدمي الإنترنت، بخاصة أولئك المدمنين على شبكات التواصل الاجتماعي. لكن حقيقة أن بياناتنا غير آمنة قد بدأت ملامحها بالوضوح منذ وقت سابق. ففي يونيو/ حزيران من عام 2013، كانت تسريبات إدوارد سنودن، التي تم نشرها في صحيفة الغارديان البريطانية، قد أثارت سخطًا عالميًّا، حيث اتضح أن الاستخبارات الأمريكية ووكالة الاتصالات الحكومية البريطانية قد حصلتا على كمية كبيرة من بيانات المستخدمين.وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من نفس العام، قالت صحيفة نيويورك تايمز إن وكالة الأمن القومي الأمريكية قد تمكنت من ولوج موقعي غوغل وياهو عبر شبكات شركة ليفل 3 للاتصالات، وهي إحدى شركات العمود الفقري للإنترنت، والتي يتم نقل البيانات في الشبكة العنكبوتية عن طريقها. شركة ليفل 3 قالت مدافعة عن نفسها، في حديث لها مع بي بي سي، إن التكهنات، التي أطلقتها بعض وسائل الإعلام، بأن هناك اتفاقيات بينها وبين الحكومات تتيح بموجبها الدخول إلى بيانات الشركة، حتى في الوقت التي لا تكون فيه الشركة ملزمة بذلك، هي تكهنات خاطئة، وأضافت الشركة أن خصوصية العملاء تمثل أهمية قصوى بالنسبة لها.


ماذا نعني بأمن الإنترنت؟

نعني بتأمين الإنترنت كل إجراء يجب اتباعه للحماية من التهديدات التي قد تواجهنا على شبكة المعلومات. وقد تتنوع تلك التهديدات بين الاحتيال، وانتهاك الخصوصية، والتجسس، والإرهاب، والتشهير؛ ولا يمكن التعرض لمثل هذه التهديدات إلا إن تم الوصول إلى المعلومات ثم بثها أو المتاجرة بها. من هذا المنطلق، ندرك أن أمن الإنترنت لا يخص التقنية فقط، فهي حتمًا جزء مهم لحماية أي نظام من عمليات الاختراق، لكن القدرات والتوعية والتدريب ونقل الخبرات هي أيضًا عوامل مهمة لضمان أمن الشبكة، حيث إن تقنيات الحماية تحتاج لكادر بشري بتعليم متميز ولبنية تحتية ملائمة، وكذا منظومة من المؤسسات المستقرة.هناك عامل مهم آخر يجعلنا نتساءل عن مدى الاهتمام بأمن المعلومات، حيث إن انتشار وسهولة الوصول لأدوات ووسائل القرصنة لها نصيب أيضًا من الجرائم الإلكترونية، فمواقع كثيرة ووثائق تعليمية تمنح القرصان المتعلم معلومات عن كيفية استغلال نقاط الضعف في مختلف الأنظمة. لكن حسب أحمد فرَّاج، وهو متخصص في الحلول الأمنية في شركة مايكروسوفت لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط، فإن الخطأ البشري هو أحد أبرز أسباب الاختراقات والجرائم الإلكترونية، وذلك بسبب ضعف الإدراك والوعي بأمن المعلومات لدى موظفي المؤسسات التي وقعت ضحية للقرصنة. كذلك أوضح فرَّاج، في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث عشر لمنع الجريمة والعدالة الجنائية، أن رسائل التصيد الإلكترونية هي إحدى أهم الطرق التي يستخدمها المخترقون للوصول إلى المعلومات، والتي لا زالت تحصد الكثير من الضحايا من خلال الملفات الخبيثة المرفقة فيها.


حرب إلكترونية؟

يرى البعض أن المستقبل، في ظل التطور الهائل للعالم الرقمي، قد يجلب لنا حروبًا إلكترونية تكون لها آثار تدميرية كبيرة كما لبقية أنواع الحروب من آثار، حيث سيكون على الدول أن تواجه إرهاب قراصنة الإنترنت، كما يجب أن تحصِّن الدول نظام حماية بياناتها وإلا كانت لقمة سائغة لمطامع دول أخرى. ويقول إسماعيل صبري مقلد، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة أسيوط المصرية: «ما سيتحقق من تحولات بعيدة المدى، بفعل الثورة المعلوماتية/المعرفية، من شأنه أن ينقل قريبًا علاقات توازن القوى من مرحلة التوازن الاستراتيجي العسكري إلى مرحلة التوازن الاستراتيجي المعلوماتي»، وذلك في مقاله المنشور في العدد 15 من مجلة آفاق المستقبل لسنة 2012. وقد أوضحت الدكتورة منى الأشقر جبور في حلقة علمية بعنوان «الإنترنت والإرهاب» كانت قد أقيمت في جامعة القاهرة سنة 2008، أن خير مثال، يبرّر هذه المخاوف، ما فعلته روسيا حينما هاجمت جميع مواقع جورجيا الرسمية، وكذا نظام التنصت الأمريكي العملاق الذي يعتمد على 12 قمرًا اصطناعيًّا، والذي يُعتبر أحد أقوى أنظمة التجسس في العالم، حيث تديره خمس دول هي الولايات المتحدة، وإنجلترا، وكندا، وأستراليا، ونيوزيلندا، والتي يربط بينها اتفاق سري. ويبدو أن هذا النظام الذي يُطلق عليه اسم «إشلون» هو حقيقة نفضت الغبار عنها تسريبات سنودن، وذلك حسب الصحفي دانكن كامبل، الذي عانى كثيرًا وهو يحاول أن يكشف العلاقة الغامضة بين وكالة الأمن القومي الأمريكية ووكالة الاتصالات الحكومية البريطانية.


تفاؤل الخبراء

يبدو أن خبراء المعلومات متفائلون بمستقبل الإنترنت وأمنها، رغم كل المخاوف التي ترعبنا كمستخدمين، فقد قال تيم بيرنرز لي، مخترع الإنترنت، إنه من المحتمل أن تكون لنا في المستقبل ملكية أكبر للمعلومات الخاصة بنا، وأردف في حوار له مع صحيفة تلغراف البريطانية تعليقًا على الفضائح الأخيرة المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي: «عندما تنظر إلى كل قضايا الأخبار المزيَّفة، أعتقد أننا بحاجة للتحرك بسرعة، لأنك لن تعرف أبدًا متى ستكون الانتخابات القادمة.. من المهم التأكد من أن الشبكات الاجتماعية وكل الأنظمة التي لدينا مصممة بأكبر قدر ممكن لإثارة نقاش بنَّاء، وإنتاج أنظمة يمكن من خلالها محاسبة الناس على الأشياء التي يقولونها ويتبيَّن أنها غير صحيحة». يرى بروس شنيار، خبير أمن المعلومات، في حديث لموقع بي بي سي، أن المخاوف بشأن انتهاك الخصوصية ستكون على نطاق أضيق بحلول عام 2040، وسيكون التجسس وجمع المعلومات منخفضًا، وسنتمتع بخصوصية قانونية وتقنية أكثر على الإنترنت. أضاف شنيار أيضًا بشأن المخاوف الحالية: «بعد عشرات السنين، سينظر الناس القلقون على مسألة الخصوصية إلى ما يحدث حاليًا من اختراق للخصوصية كما ينظر الناس إلى عمالة الأطفال التي كانت سائدة في الماضي على اعتبار أنها شيء لا يقبل بوجوده معظم الناس».في نفس السياق، قال بيرنرز لي، في حديث لموقع بي بي سي: «نريد مواصلة الكفاح من أجل حيادية الإنترنت»، والحيادية هنا تعني وجود شبكة مفتوحة يمكن الدخول إليها على مستوى العالم، بدل شبكة مقسمة تجعل الوصول للمعلومات المهمة فيها حكرًا على فئة معينة فقط. مخاوف كهذه وكفرض الرقابة على المواطنين وعلى الإعلام من قبل الدولة، إضافة إلى التحكم في رغباتنا كمستخدمين من خلال استغلال معلوماتنا على الشبكة، هي مخاوف لا يمكن أن ينكرها حتى الخبراء المتفائلون. وقد أطلق بيرنرز لي حملة عالمية لإنقاذ الشبكة العنكبوتية من الآثار المدمرة لإساءة الاستخدام وعدم الحيادية والتلاعب السياسي وغيرها من التهديدات التي تمس العالم الرقمي، وذلك على هامش حديثه في قمة الويب التي انعقدت في نوفمبر/ تشرين الثاني سنة 2018 في لشبونة. حيث يريد بيرنرز لي، من خلال الاتفاقية الذي سيتم طرحها بشكلها النهائي في مايو/ أيار 2019 أن تضمن الحكومات والشركات للمواطنين المستخدمين حرية دخول الإنترنت بشكل مفتوح، حر وآمن دون خوف، وقد وقَّعت على هذه الاتفاقية أكثر من 50 مؤسسة كرقم أوَّلي.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.