استطاعت ايران أن تستغل غفلة الحكومات العربية المتتابعة على مدار العقود الفائتة وغياب الرؤية الجمعية للقادة العرب ، واستثمرت في بلدان العالم العربي والإسلامي وأحدثت خروقات حقيقية في تلك البلدان وفق رؤية كلية خططت لها ، فصنعت أنظمة موالية لها ولاءً مباشراً في سوريا والعراق وحزب الله في لبنان والمعارضة البحرينية والحوثيين في اليمن، هادفة إلى تكوين امبراطورية مترامية الأطراف، تكون بغداد عاصمة لها ، وتطويق بلدان الخليج العربي وخاصة السعودية العدو الاستراتيجي لها في المنطقة والامتداد من الخليج إلى البحر الأحمر والتحكم في مضيقي هرمز وباب المندب.

وقد بدأت جني هذه الثمار في اليمن عن طريق الحليف المباشر لها هناك والمتمثل في الحوثيين ، فحاولت ابتلاع اليمن بكليته، وهذا التسرع الإيراني- الحوثي جعل القيادة السعودية الجديدة تتخلى عن سياسة النفس الطويل وتستشعر المخاطر الاستراتيجية على أمنها القومي بصفة خاصة وأمن الخليج بصفة عامة ، فقادت عاصفة الحزم ضد الحوثيين لتصبح اليمن أمام سيناريوهات عدة يمكن إجمالها فيما يأتي :

السيناريو الأول :

تمكن التحالف من السيطرة على الأوضاع في اليمن وإعادة هادي منصور إلى صنعاء حاكماً شرعياً للبلاد ونزع سلاح الحوثيين ، وهو سيناريو يرتكز على استسلام الحوثيون لهذه السيطرة وإنكماشهم وتراجعهم وهزيمتهم وهو يتصادم مع الطموحات الإيرانية في اليمن ومع سقف الآمال الذي بناه الحوثيون هناك حيث حاولوا فرض أمر واقع وخلق شرعية جديده من خلال السيطرة على العاصمة صنعاء وغالب مدن الشمال والغرب ومحاولة ابتلاع عدن ، فضلاً عن أن ميزان القوى داخل اليمن لا يرجح استئثار أى فصيل بالهيمنة على مقاليد الأمورمما يجعل هناك استحالة لاستبعاد أى فصيل أو إقصاءه أو العمل على استقرار اليمن بدونه فضلا عن أن الحوثيون يعتبرون أن المبادرة الخليجية – التي من الممكن أن ترتكز عليها السعودية كأساس للحل السياسي – قد تجاوزها الزمن.

السيناريو الثاني :

إستمرار الصراع وعدم قدرة أى من الأطراف المتنازعة على حسم الأمور لصالحه وهو سيناريو يرتكز على أن كلا الطرفين يملك أوراقاً للضغط على الأطراف الأخرى فالتحالف حصل على تأييد دولي لضرب الحوثيين في اليمن واستطاع حشد اكثر من 150 ألف جندي شمالاً إضافة إلى البوارج الباكستانية والمصرية في الجنوب والغرب مما جعل مهمة امداد إيران للحوثيين بالسلاح مهمة شبه مستحيلة مما يسهل نظرياً مهمة القضاء على الحوثيين ولكن الواقع العملي يثبت أن الضربات الجوية لا تحسم المعارك بشكل قاطع والدخول البري محاط بجملة من العقبات والتحديات التي تجعل نجاحه محل شك كبير مالم يستطع التحالف التعاون مع القوى الداخلية الموجودة في اليمن مثل القبائل والاخوان والسلفيين وربما القاعدة وهى قوى يتردد التحالف كثيرا في التعاون معها.

وفي المقابل يملك الحوثيون أسلحة وذخائر تم الاستيلاء عليها من مخلفات الجيش النظامي فضلا عما أمدتهم به إيران على مدار الأعوام الفائتة مما يجعل قدرتهم على المقاومة تطول إضافة إلي امتلاك ايران لأوراق ضغط هامة ومساحات كبيرة للمناورة ، فهي قد دخلت في مفاوضات مع أمريكا والغرب بشأن البرنامج النووي ،وبإمكانها من خلال شركائها في المنطقة إشعال الأوضاع في البحرين وإحداث فوضى أمنية في لبنان وتحريك الشيعة في شرق السعودية وهى أوراق ضاغطة هامه ولها شركاء أقوياء مثل روسيا والصين ، كل ذلك يمكن أن يصُب في صالح تخفيف الأحمال عن الحوثيين في اليمن واستمرار الصراع لأطول فترة ممكنة للحصول على أعلى عائد سياسي ممكن في المنطقة.

السيناريو الثالث :

العودة إلى ما قبل مايو 1990 ما قبل الوحدة اليمنية بين الشمال والجنوب وهو يرتكز على السيناريو الثاني حيث إطالة أمد المعركة وزيادة كلفة الصراع إلى الحد الذي لا يطيقه الشعب اليمني ذاته مما يسهل الدعوة إلى انفصال الجنوب وإعلان دولته وترك الشمال كدولة يسيطر عليها الحوثيون.

وهو سيناريو يرضي الإيرانيون بشكل كبير إذ يهيئ لهم الحصول على دولة ذات سيادة مستقلة في جنوب المملكة العربية السعودية ولكنه في المقابل يهدد الأمن القومي السعودي بشكل مباشر كما يضع أمن الخليج كله وأمن البحر الأحمر تحت مرمى التهديد الإيراني المباشر؛ وهو سيناريو ستقاومه السعودية بكل ما لديها من قوة عسكرية وسياسية ودبلوماسية.

السيناريو الرابع :

الحفاظ على وحدة اليمن وتكرارالنموذج اللبناني وفق محاصصة السلطة وتقاسم مؤسسات الدولة ” رئاسة الدولة – رئاسة البرلمان – رئاسة الحكومة”K وهو سيناريو نموذجي لإسرائيل وأمريكا ويمثل الحد الأدنى الذي يمكن أن تقبل به إيران حال أى محاولات للتسوية السياسية.

ولكنه يبقى رهين قدرة إيران وحلفائها على ممارسة الضغوط المختلفة لإقناع المجتمع الدولي بذلك وانتزاع الموافقة السعودية والداخل اليمني على هذا السيناريو.

السيناريو الخامس :

تحول جماعة الحوثي إلى ما يشبه حزب الله في لبنان وهو سيناريو يرتكز على عدم قدرة إيران على الوصول إلى تسوية سياسية بشأن التفرد بالسلطة أو التشارك فيها ومن ثم اللجوء إلى خلق قوة عسكرية موازية داخل الدولة تملك إمكانية التحكم في القرار السياسي وإمكانية التحرك بالإرادة المنفردة ، والمتابع لكلمات عبد الملك الحوثي يدرك دون أدني عناء كيف يحاول الرجل صناعة حسن نصر الله جديد رغم فوارق الكاريزما والامكانات الشخصية.

والمرجح هو استمرار الصراع حتى حدوث قناعات لدى أطراف الأزمة بالوصول إلى مفاوضات تسعي السعودية فيها إلى تمكين هادي منصور وإعادة الحوثيون إلى حجمهم الطبيعي ونزع سلاحهم وإشراكهم في العملية السياسية بشكل مسيطر عليه وترتيب الداخل اليمني وفق المبادرة الخليجية وآلياتها ، ويسعي الحوثي وإيران الي خيارات تنازلية تبدء بالتقسيم ثم التشارك.

وتبقى مصائر المفاوضات بحسب المكاسب التي حققها كل طرف علي الأرض بصورة عملية ، وفي كل الأحوال فقد حققت إيران مكاسب علي الساحة اليمنية فلن تعود الأوضاع في اليمن إلي ما قبل سيطرة الحوثيون وإنما سيحصل الحوثي وجماعته حتما علي مكاسب سياسية تؤهله أن يسعي مستقبلا لمحاولاته السيطرة علي مقاليد الحكم هناك.

إقرأ المزيد

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (1) : اليمن.. صراع التدخلات الخارجية

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (2) : تطورات الثورة اليمنية : كيف وصلنا للمشهد الحالي ؟

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (3) : ما قبل “عاصفة الحزم” : الصراع الايراني – السعودي في اليمن ( مترجم )

كيف نفهم حرب اليمن ؟ (4) : عاصفة الحزم.. ضربة استراتيجية في اللحظة الفارقة