أقدم ضباط كبار بالجيش الجابوني، اليوم الأربعاء، على الانقلاب على الرئيس علي بونجو (64 عاماً)، عقب إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات فوزه، وعلت أصوات إطلاق نار في العاصمة ليبرفيل، وانطلقت مظاهرات شعبية مؤيدة للانقلاب.

وأكد القادة العسكريون أنهم يمثلون كل قوات الأمن والدفاع، وأعلنوا إلغاء نتائج الانتخابات، وإغلاق الحدود، وحل مؤسسات الدولة كالبرلمان بغرفتيه، والحكومة، والمحكمة الدستورية، ومركز الانتخابات، كما قرروا وضع الرئيس تحت الإقامة الجبرية مع عائلته وأطبائه، وتوقيف أحد أبنائه بتهمة «الخيانة العظمى».

وفي مقطع فيديو تم عرضه على شاشة التلفزيون الحكومي بعد هذا الإعلان، ظهر رئيس الحرس الجمهوري، بريس أوليغوي نغويما، وهو محمول فوق الأعناق في مسيرة لمئات من العسكريين، وسط هتافات «أوليغوي الرئيس».

نهاية عهد آل بونجو

لم يهنَأ الرئيس بونجو بفوزه بولاية ثالثة في انتخابات 26 آب/أغسطس، وهي الانتخابات التي حصل فيها على 64.27 بالمائة من الأصوات، فيما حصل منافسه الرئيسي ألبير أوندو أوسا، على 30.77 بالمائة، وشكك الأخير في النتائج المعلنة وأعلن فوزه وطالب بونجو بتسليم السلطة بشكل سلمي.

وتم التصويت في غياب أي مراقبين دوليين، وقطع بونجو الإنترنت عن البلاد، وفرض حظر تجول ليلي، فجاء الانقلاب وسط لغط حول مصداقية النتائج المعلنة، وأعلن الضباط الذين ظهروا على قناة «جابون 24»، الأربعاء، إلغاء نتائج الانتخابات، وأعادوا تشغيل خدمات الإنترنت بعد انقطاعها منذ يوم السبت، وحظروا عدة قنوات فرنسية، متهمين تغطيتها للانتخابات بـ«الافتقار إلى الموضوعية والتوازن».

وظل علي بونجو في سدة الحكم منذ 14 عامًا؛ إذ انتخب عام 2009، بعد وفاة والده عمر بونجو، الذي تولى السلطة في 1967، وقد وُلد باسم «ألان برنار»، لكنه غيّر اسمه في عام 1973 إلى «علي»، وأصبح اسم والده «عمر»، بعد اعتناقهما للإسلام، على الرغم من أن المسلمين يعيشون كأقلية وسط أغلبية مسيحية كبيرة.

كان علي بونجو زعيم المحفل الماسوني في الجابون بشكل معلن، وفي العام الماضي، تم نشر أخبار احتفاله بتجديد قيادته للماسونيين في بلاده، في حضور وفود من المحافل الماسونية الأمريكية والكندية. وشغل عليّ منصب وزير الخارجية من عام 1989 إلى عام 1991، ثم صار وزيراً للدفاع منذ عام 1999 قبل أن يصبح رئيساً في عام 2009.

شكك المعارضون في فوز علي بونجو في كل انتخابات خاضها، واعتبروه غير منتخب ديمقراطياً بل مجرد خليفة لوالده الذي كان أطول رئيس دولة في أفريقيا بقاءً في السلطة عندما توفي، بعد أن ظل في السلطة لمدة 42 عاماً. وخلال عهد آل بونجو، حافظت الجابون على علاقة وثيقة مع فرنسا وتلقت الأسرة الدعم السياسي والعسكري مقابل الخدمات الاقتصادية، لكن العلاقات شهدت فتوراً لبعض الوقت في عهد علي بونجو، ففتحت السلطات الفرنسية تحقيقاً طويل الأمد في فساد عائلته.

ظل الرئيس يواجه معارضة داخلية طوال حكمه. ففي عام 2016، تم إحراق مبنى البرلمان عندما اندلعت احتجاجات عنيفة في الشوارع ضد إعادة انتخابه لولاية ثانية، وأغلقت الحكومة خدمات الإنترنت لعدة أيام في ذلك الوقت أيضاً. كما أصيب بجلطة دماغية في عام 2018 أقعدته لمدة عام تقريباً وأدت إلى دعوات له بالتنحي. وخلال رحلة قام بها إلى المغرب لتلقي العلاج في عام 2019، وقعت محاولة انقلاب عندما اقتحمت مجموعة من الجنود وضباط الجيش مقر الإذاعة والتلفزيون الحكومي، واحتجزوا الموظفين كرهائن، وأعلنوا أنهم سيطروا على البلاد، وتعهدوا «باستعادة الديمقراطية» قبل أن تتحرك قوات الدفاع والأمن الغابونية لإنهاء الانقلاب وإنقاذ الرهائن.

أنهى الانقلاب الحالي 56 عاماً من الحكم المطلق لآل بونجو، بعد وقت قليل من خطاب الرئيس بمناسبة عيد الاستقلال في 17 أغسطس/آب، قال فيه: «بينما اهتزت قارتنا في الأسابيع الأخيرة بسبب أزمات عنيفة، كونوا مطمئنين إلى أنني لن أسمح أبداً لكم ولبلدنا، الجابون، أن تكونوا رهائن لمحاولات زعزعة الاستقرار أبداً».

وفي خطابه هذا، أقر بونجو بالإحباط الواسع النطاق بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة، وذكر الإجراءات التي اتخذتها حكومته لاحتواء أسعار الوقود، وجعل التعليم في متناول الجميع، وتحقيق الاستقرار في أسعار الخبز.

غروب النفوذ الفرنسي

أكد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن وزراء دفاع الاتحاد سيبحثون أمر الجابون، وأن الانقلاب سيتسبب في المزيد من الاضطرابات في المنطقة، معتبراً ما حدث «قضية كبيرة» لأوروبا.

وكالعادة تعد فرنسا الخاسر الأكبر من الانقلابات الأفريقية، فهي تخسر أرضاً جديدة كل فترة، وتنتشر المشاعر المعادية لها في مستعمراتها السابقة، وكانت الجابون إحدى الدول الباقية على عهدها معها، فقد زار علي بونجو -الذي اقترن بزوجة فرنسية وتلقى تعليمه في باريس- الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أواخر يونيو/حزيران، كما تحتفظ باريس بنحو 400 عسكري في الجابون يقودون عملية تدريب عسكرية إقليمية.

وأتى الانقلاب المعادي لفرنسا بعد نحو شهر من انقلاب النيجر في يوليو/تموز الماضي الذي أعلن القطيعة مع باريس أيضاً، ويعد انقلاب الجابون الثامن في غرب ووسط أفريقيا منذ عام 2020، كما استولى عسكريون على السلطة في غينيا وتشاد، وتم طرد الجيش الفرنسي من مالي وبوركينا فاسو بعد انقلابات هناك في العامين الماضيين.

وتحظى الجابون بثروات طبيعية جعلتها محط اهتمام فرنسا، فهي إحدى دول منظمة «أوبك» المصدرة للنفط، حيث تضخ نحو 200 ألف برميل يومياً تقريباً، مما يجعلها ثامن أكبر منتج للنفط في أفريقيا جنوب الصحراء وتعمل بالقطاع النفطي بها شركة توتال إنيرجي الفرنسية وشركة بيرينكو الأنجلو-فرنسية، كما تحتل المركز الثالث عالمياً في إنتاج المنجنيز، إذ بلغ إنتاجها عام 2018 2.3 مليون طن متري، ويسيطر الفرنسيون على استخراجه، لكن عقب الانقلاب أعلنت شركة التعدين الفرنسية «إراميت» تعليق عملياتها في الجابون، فهبط سعر سهم الشركة بنحو 5 بالمئة، بعد هذا القرار.

ورغم كون الجابون منتجة للنفط والمنجنيز لكن ثلث سكانها البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يعيشون في فقر مدقع.