هذا التقرير جزء من مشروع «الحج إلى واشنطن» الذي أنجزه فريق ساسة بوست لتغطية أنشطة لوبيات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة بين 2010-2020. ومعظم المعلومات الواردة في التقرير تستندُ لوثائق من قاعدة بيانات تابعة لوزارة العدل الأمريكية، تتبع لقانون «تسجيل الوكلاء الأجانب (فارا)»، الذي يُلزم جماعات الضغط بالإفصاح عن أنشطتها وأموالها، وكل الوثائق متاحة للتصفح على الإنترنت.

أطاحت الثورة الليبية بنظام معمر القذافي القمعي، لكنها خلَّفت انقساماتٍ سياسية وتوتراتٍ عسكرية مزّقت البلاد اقتصاديًا. أدى هذا الصراع إلى تبديد المليارات من ثروات الليبيين من خلال عمليات احتيال أو تهريب للأموال. وجاء قرار الأمم المتحدة رقم 1970 الصادر عام 2011، بتجميد الأصول الليبية ليزيد من معاناة الليبيين، إلى جانب ما أصابهم من إغلاق وتعطيل الكثير من المنشآت النفطية في البلاد.

لذا، كانت مهمة استرداد أموال ليبيا المُجمّدة أو المنهوبة، التي قُدِّرت بمئات المليارات من الدولارات حول العالم، هي المعركة الأولى التي خاضها الليبيون مباشرةً بعد التخلُّص من نظام القذافي، وما زالت مستمرةً حتى وقت كتابة هذا التقرير. فالحرب الداخلية التي شهدتها البلاد، والصراع على السلطة بين الأطراف الليبية، وغياب التشريعات والشفافية والفساد، واستغلال المؤسسات المالية الخارجية كلّها عوامل أسهمت في نهب أموال الليبيين وثرواتهم.

في هذا التقرير نلقي ضوءًا بسيطًا على قصة الثروة الليبية المفقودة، وجهود الليبيين في مطاردتها.

أموال ليبيا.. مئات المليارات الموزعة على دول العالم

راكمت ليبيا ثروات كبيرة على مدى العقود الماضية بعيدًا عن يد الشعب الليبي أو استخدامه، وبعد الثورة ومقتل القذافي تعقّد مسعى الليبيين وطالت رحلتهم للوصول لثروات البلاد.

حجم هذه الاستثمارات الخارجية ارتفع بطريقةٍ سرية ومعقدة بعد وضع ليبيا على قائمة الدول الداعمة للإرهاب منذ ثمانينيات القرن الماضي، إثر عمليات تفجير دعمها أو مولها نظام القذافي آنذاك في برلين ولوكيربي وصحراء النيجر، قبل أن يرفع اسمها في 15 مايو 2006 من القائمة بسبب «التزامها بالتخلِّي عن دعم الإرهاب»، وفقًا للحكومة الأمريكية وقتها.

لكنَّ سقوط نظام القذافي فتح بابًا كبيرًا للسؤال عن مصير تلك الأموال الطائلة التي تحوَّل مكان وجودها إلى لغزٍ كبير. فالحديث هنا ليس فقط عن الأصول معلومة المكان، بل كذلك عن تلك التي سُجِّلت بأسماء شخصيات مقربة وصديقة موثوقة لنظام معمر القذافي، وهي الأصعب في تتبُّعها وتحديد أماكنها وبالتالي استردادها.

تشير التقديرات إلى وجود مئات المليارات من الأموال الليبية «الموزَّعة» على دول العالم، قسم كبير منها هرّب بطرق غير شرعية خارج البلاد طوال الأعوام السابقة. ومنها أموال «الصندوق السيادي الليبي» المجمدة بقرار أممي، وتقدّر بنحو 68 مليار دولار. وتتوزّع أصول الصندوق السيادي الليبي على استثمارات سائلة بقيمة 50.6 مليار دولار، ونحو 14.7 مليار استثمارات في شركات مختلفة.

وفي سبيل تحصيل المعلوم من هذه الأموال رفعت «مؤسسة الاستثمار الليبية»، التي تدير أموال الصندوق منذ تأسيسها عام 2006، العديد من الدعاوى القضائية على العديد من البنوك والمؤسسات المالية.

ضمَّت القائمة دعواتٍ على كلٍّ من بنك «جولدمان ساكس» الأمريكي، أحد أكبر بنوك العالم، يطالبه برد 1.2 مليار دولار، وبنك الاستثمارات الدولية الفرنسي «سوستيه جنرال»، وطُولب البنك برد 2.1 مليار دولار، وشركة الاستثمار البنكي «ليمان براذرز» الأمريكية، لاستعادة 73 مليون دولار، وبنك «كورنهيل كابيتال»، لاستعادة 53.7 مليون دولار.

مؤسسة الاستثمار الليبية هي صندوق ثروة سيادي ليبي، واتحاد لعدد يفوق 550 من الشركات الإستثمارية تتواصل مباشرةً مع خمس مؤسسات فرعية مكوِّنةً بذلك محفظتها الاستثمارية.

تتوزَّع هذه الأصول والاستثمارات عبر القارات الثلاث، ويصل تقدير قيمتها إلى نحو 68 مليار دولار، تستثمرها المؤسسة من خلال خمسة فروع تابعة لها هي: الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية (LAFICO)، محفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار (LAP)، المحفظة الاستثمارية طويلة المدى (LTP)، شركة الاستثمارات النفطية (Oil Invest)، الصندوق الليبي للاستثمار الداخلي والتنمية (LLIDF).

ستّ شركات وتسعة أعوام من مطاردة أموال ليبيا المنهوبة

ما أن بدأ الوضع الليبي يستقرّ لصالح القُوَى التي انتفضت بوجه نظام العقيد القذافي، حتى فتح الليبيون جبهةً لا تقلُّ وطأة على الصعيد الخارجي؛ جبهة شكلّت البنوك والمؤسسات المالية في العديد من دول العالم ميدانها، وكان تحصيل الأموال الليبية المُجمَّدة في تلك البنوك والمؤسسات هدفها.

لذا، منذ نيسان (أبريل) 2011، وقّع المجلس الوطني الانتقالي الليبي المؤقت عقدًا مع شركة الضغط السياسي الأمريكية «هاربور جروب – Harbour Group» للعمل على أجندة واسعة من الأهداف التي وضعها الليبيون أمام أعينهم في الولايات المتحدة الأمريكية.

تمحورت هذه الأهداف حول عِدَّة نقاط، كان أبرزها مساعدة المجلس الانتقالي على بناء وإدارة برنامج اتصالات وتوعية عام لتأسيس حكومة ليبية جديدة وحرّة، والسعي للحصول على اعتراف رسمي من الولايات المتحدة بالمجلس. وإلى جانب ذلك، تعمل الشركة على استعادة أصول نظام القذافي المجمدة في المؤسسات المالية الأمريكية، وعقد لقاءات ومؤتمرات لصالح المجلس الانتقالي الليبي، وأخيرًا تحصيل المساعدات الأمريكية الإنسانية لصالح ليبيا.

بحسب نص العقد الأول، من بين ثلاثة عقود وُقِّعت مع الشركة، لم يكن العقد مدفوعًا، بل سجّل على أساس الصالح العام للشركة ولليبيا. بينما جاء العقد الثاني الذي وقع في آذار (مارس) 2012، والثالث الذي وقع في ديسمبر (كانون الأول) 2012، مدفوعي القيمة، فتقاضت الشركة 15 ألف دولار شهريًا عن خدماتها للمجلس الانتقالي الليبي المؤقت.

خلال الخدمة التي انتهت بنهاية نيسان (أبريل) 2013 كانت الشركة، التي تُعدُّ من أقدم الشركات التي تتعاقد معها دولة الإمارات لحسابها الخاص، قد تقاضت 210 آلاف دولار عن مجمل خدماتها لحساب الليبيين، ومن الجدير بالذكر أن ممن عملوا في الشركة ريتشارد مينتز، أحد أهم وجوه اللوبي الإماراتي في السنوات الماضية ومن مساعدي العتيبة المقربين.

سجلّ المدفوعات التي تلقتها «هاربور جروب» من السفارة الليبية بين أبريل (نيسان) 2012 ونهاية سبتمبر (أيلول) 2012، ويظهر أيضًا جزء من مدفوعات دولة الإمارات التي كانت تخدمها الشركة في تلك الفترة أيضًا.

وبالعودة إلى أنشطة الشركة حتى شهر سبتمبر (أيلول) 2011 نجد أن جلّ أنشطتها إعلامية ترويجية بحتة لصالح أعضاء المجلس الانتقالي الليبي، ومثلها الأنشطة حتى مارس (آذار) 2012، واستمرت بأنشطة الترويج حتى نهاية مارس 2013.

نسَّقت الشركة خلال هذه الفترة اللقاءات مع عددٍ كبيرٍ من المنصّات الإعلامية والمراكز البحثية ومراكز صناعة القرار الأمريكية، وتواصلت بكثافة معهم لصالح خمس شخصيات ليبية، جميعها من المجلس الانتقالي، وهي: علي الترهوني، وزير المالية والنفط وقت توقيع العقد، وعلي سليمان الأوجلي، السفير الليبي في واشنطن والشخص الذي وقع العقود مع الشركة لصالح المجلس.

أمَّا عن البقية فهم: محمود جبريل، رئيس الوزراء الليبي آنذاك، وعبد الرحيم الكيب، الذي خلف جبريل في منصب رئيس الوزراء، وكانت الشخصية الأخيرة التي تكرر اسمها هي مصطفى أبو شاقور، ممثل ونائب رئيس الوزراء الليبي آنذاك. ويجمع هؤلاء الثلاثة أنهم جميعًا عملوا مدرسين جامعيين في دولة الإمارات بتخصصاتٍ مختلفة، الحقيقة التي ربما تفسِّر اختيار الليبيين لهذه الشركة تحديدًا لتمثيل مصالحهم، وربما يكشف هذا الاختيار عن عن علاقة هذه الأسماء بالإمارات. لقراءة تفاصيل أنشطة هذه الشركة وخدماتها لصالح اللوبي الإماراتي من هنا.

كانت محاور نشاطات الشركة، كما يرد في وثائقها، تتركز على مقابلات شخصية لأعضاء المجلس مع وسائل إعلام ومراكز بحثية متعددة، خصوصًا الخمسة المذكورين أعلاه. ومن ثَمَّ الحديث عن الأصول المجمدة التي التقت الشركة في سبيله شخصًا لم توضح الوثائق اسمه الكامل واكتفت بذكر «تي نايدر»، ووصفته بأنه مساعد وزير الخارجية الأمريكية، وسعت لشركة وراء الاعتراف الأمريكي بالمجلس الوطني، وأخيرًا السعي وراء استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشرذ في ليبيا.

بدا جليًا تصميم ليبيا الجديدة على الوصول للأموال والأصول المجمدة واستعادتها، ففي مايو (أيّار) 2011 وقَّع المجلس الوطني الانتقالي الليبي عقدين مع شركة المحاماة والضغط والسياسي الأمريكية المرموقة «سكوير باتون بوجز Squire Patton Boggs»، بهدف تحصيل الاعتراف الأمريكي والدولي بالمجلس الانتقالي ممثلًا للشعب الليبي أولًا. ومن ثم حماية الأصول والثروات الليبية التي نقلها نظام القذافي خارج ليبيا وجمّدت بقرارات أمريكية وأممية، وإرجاعها للحكومة الليبية الوليدة للتصرُّف بها.

نجحت الشركة خلال أربعة أعوام من العمل المتواصل في انتزاع الاعتراف الأمريكي بالمجلس الوطني الانتقالي الذي تَشكَّل في ليبيا بصفته واجهة للثورة الشعبية التي انطلقت في عدة مناطق ليبية في الـ17 فبراير (شباط) 2011 مطالبة برحيل العقيد معمر القذافي الذي حكم البلاد لنحو 42 عاماً.

ونجحت أيضًا في الإفراج عن بعض الأصول الليبية في الولايات المتحدة التي جمّدها قرار للرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في فبراير 2011 وقدّرت بأكثر من 35 مليار دولار.

وقَّع العقدان مع الشركة علي سليمان الأوجلي، السفير السابق لنظام القذافي إلى واشنطن (2009-2011)، ومن ثم سفير المجلس الانتقالي، وغطيّا الفترة من منتصف عام 2011 وحتى منتصف عام 2015. تلقّت عنها الشركة بحسب ما صرّحت به 813 ألفًا و247 دولارًا عن مجمل خدماتها التي شملت جوانب قانونية وخدمات ضغط سياسي.

ركَّزت الشركة خلال تلك الفترة على جهات حكومية أمريكية كوزارتي الخارجية والخزانة، والبيت الأبيض ومجلس الأمن القومي الأمريكي.  إلى جانب تواصلها مع عددٍ من لجان الكونجرس الأمريكي خصوصًا لجان البنوك والمخصصات والقضائية والعلاقات الخارجية.

من وثائق العقد مع شركة سكوير باتون بوجز، وتوضّح الشركة في هذه الفقرة مقدار الرسوم: 50 ألف دولار شهريًا.

بدأت الشركة عملها لصالح المجلس الانتقالي بتكلفة بلغت 50 ألف دولار شهريًا رغم أنها، كما يرد في العقد، تعلم أن المجلس ليس لديه السيولة المالية لدفع أتعابها. وشغلت أروقة واشنطن السياسية على أن تستوفي مستحقاتها عندما تنجح في تمكين الليبيين من الوصول لأموالهم المجمدة في الولايات المتحدة.

وعليه فإن الشركة لم تدَّخر جهدًا، ولم تُضِع وقتًا كما تشير إلى ذلك سجلات إشهار أنشطتها. فخلال النصف الثاني من عام 2011 تواصلت شركة «سكوير باتون بوجز» بشكلٍ مُكثَّف مع لجنة البنوك في مجلس الشيوخ الأمريكي التي التقت أكثر من 12 عضوًا فيها من الديمقراطيين والجمهوريين.

تبرز إلى الواجهة بشكل لافت اللقاءات العديدة مع كولن ماكجينيس، مدير سياسيات لجنة البنوك في مجلس الشيوخ منذ عام 2006، إذ يمكن إحصاء أكثر من 24 لقاء مع الرجل لغايات الإفراج عن الأموال الليبية المجمدة في الولايات المتحدة الأمريكية. كما يبرز تركيز الشركة على الأعضاء الديمقراطيين في اللجنة إذ تواصلت مع ثمانية منهم لذات الغاية. خصوصًا السيناتور الديمقراطي تشارلز شومر الذي كان يرأس في ذات الوقت لجنة القوانين والإدارة الفرعية في لجنة البنوك.

وعلى جهةٍ أخرى في مساعي الإفراج عن أموال ليبيا المجمدة، تواصلت الشركة بشكلٍ مُكثَّف مع موظفين في وزارة الخزانة الأمريكية. وهي الوزارة التي تُمثِّل ذراع واشنطن الحديدية في وضع وفرض العقوبات المالية على الأشخاص والهيئات والدول، كما فعلت في الحالة الليبية. كما أنها المسؤولة عن رفع تلك العقوبات ومنح تصاريح الإفراج عن الأموال المجمدة  في البنك الاحتياطي الفيدرالي بقرار أمريكي أو أممي.

برز من بين هؤلاء اسم دانيال جلاسر، مساعد وزير الخزانة الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية، ولوك برونين المستشار الأول لنائب وزير الخزانة لشؤون تمويل الإرهاب والجرائم المالية في إدارة باراك أوباما إلى جانب عدد كبير من موظفي الوزارة في مناصب مختلفة.

وإذا كانت الحجة الدولية في حجب تلك الأموال عن الليبيين هي عدم استقرار الوضع السياسي، وعدم وجود ممثل شرعي للشعب الليبي، فقد نجحت الشركة في التواصل مع عدد كبير من أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ووزارة الخارجية الأمريكية، وبعثة الولايات المتحدة الأمريكية في الأمم المتحدة بهدف تقديم المجلس الوطني الانتقالي الليبي بصفته ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا للشعب الليبي.

ويبدو أنّ لقاءات الشركة مع الشيخين الجمهوريين المؤثرين ماركو روبيو وجيمس انهوف، ومع الديمقراطيين القويين كريس كونز وروبرت كيسي كانت بهدف دفع صنّاع السياسة الأمريكية للاعتراف بالمجلس الانتقالي الليبي ممثلًا للشعب الليبي. وهو ما تَحقَّق لاحقًا عندما اعترفت الولايات المتحدة بالمجلس في منتصف يوليو (تموز) عام 2011 ممثلًا شرعيًّا ووحيدًا لليبيين.

في السياق ذاته، كانت الشركة تضع عينيها على موظفي وزارة الخارجية، بقيادة هيلاري كلينتون آنذاك، وبالتحديد مكتب ليبيا بوزارة الخارجية الأمريكية التي التقت عددًا من موظفيه، برز منهم اسم كريس ستيفينز الذي تقلّد لاحقًا منصب سفير الولايات المتحدة الأمريكية في ليبيا، قبل أن يُقتل بعد ذلك في أحداث الهجوم على سفارة أمريكا ببنغازي عام 2012. والتقت أيضًا أعضاء من بعثة واشنطن للأمم المتحدة بخصوص القرارات الأممية المتعلقة بتجميد الأموال والأصول الليبية.

ولم تُغفِل الشركة عند هذه النقطة التواصل مع أعضاء لجنة المخصصات المهمة في الكونجرس الأمريكي كونها ذات علاقة ببرامج الإنفاق التنموي والمساعدات الحكومية الأمريكية في الخارج.

لذلك، التقت الشركة مع السيناتور الديمقراطي شيرود براون العضو في لجنة المخصصات إلى جانب عضويته في لجنة البنوك، ورئيس لجنة المؤسسات المالي الفرعية. كما التقت مع السيناتور الديمقراطي جون تيستر العضو في ذات اللجنة ورئيس لجنة السياسة الاقتصادية الفرعية فيها.

ومن الجانب الجمهوري في اللجنة التقت شركة «سكوير باتون بوجز» مع كلٍ من السيناتور الجمهوري القوي ليندسي جراهام عضو لجنة المخصصات، الذي كان متحمسًا للإطاحة بنظام القذافي وانتقد إدارة أوباما على تقاعسها عن الأخذ بزمام الأمور في ليبيا، وهو أيضًا عضو في عددٍ من اللجان الأخرى المهمة مثل لجنة القوات المسلحة، والميزانية، والقضائية، إلى جانب كونه قائد الأقلية في لجنة الدولة والعمليات الأجنبية.

والتقت الشركة أيضًا بالسيناتور الجمهوري مارك كيرك عضو لجان المُخصَّصات، البنوك والإسكان والشؤون الحضرية، وقائد الأقلية في لجنة الإنشاءات العسكرية وشؤون المحاربين القدامى.

مع انقضاء عام 2011، حققت شركة «سكوير باتون بوجز» إنجازاتٍ مهمة على صعيد انتزاع الاعتراف بالمجلس الوطني الانتقالي ممثلًا للشعب الليبي. وبدأ الإفراج عن بعض الأموال الليبية في الولايات المتحدة كما أعلنت عن ذلك هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، في زيارة لطرابلس يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) 2011 في مؤتمر صحفي مع محمود جبريل رئيس المجلس الوطني الانتقالي آنذاك.

بعد تأمين هذه الوضعية القانونية السياسية والمالية، لجناح الثورة الليبية على نظام معمر القذافي، شهدت الأعوام اللاحقة من خدمات الشركة لصالح المجلس تحولًا في الاهتمامات، وذلك حتى منتصف عام 2015، الوقت الذي انتهى فيه عقد الشركة.

انصبّت خدمات الشركة طوال عام 2012 على محورين أساسيين: أولهما، الحرب الدولية للقضاء على «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» في ليبيا، ولذلك تواصلت مع لجنة القوات المسلحة. والمحور الثاني، كان التعديلات المتعلّقة بقرار مجلس الشيوخ رقم «H.R 3761» الذي فَرَضَ تشديدات على منح تأشيرة الدخول لأراضي الولايات المتحدة على 33 بلدًا تصنف «عالية الخطورة»، كما يُقيِّد تمويل أو توطين اللاجئين على الأراضي الأمريكية، وكانت ليبيا من بين تلك الدول.

في هذا السياق التقت الشركة مع وليام روبوك، المبعوث الأمريكي الخاص للتحالف الدولي للقضاء على تنظيم داعش. وتورد الوثائق تسجيل لقاءات متكررة حتى نهاية عقدها مع السيناتور الجمهوري الراحل جون ماكين، رئيس الأقلية في لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ حينها.

وفي سياق الجهود العالمية عمومًا، والأمريكية خصوصًا، في الحرب على تنظيم داعش، عقدت الشركة لقاءات عدّة مع موظفين من لجنة الأمن القومي الأمريكي، فاجتمعت مع كل من بن فيشمان وسامانثا باورز من اللجنة التي أوكل الكونجرس لها مهمة فحص تأشيرات الدخول للولايات المتحدة ورفع تقارير بذلك للكونجرس الأمريكي خلال 30 يومًا.

كان لافتًا اختيار الشركة لأعضاء في لجنة القوّات المسلحة في الكونجرس الأمريكي، إلى جانب الحديث معهم بخصوص التعديلات على القرار رقم «H.R 3761». فاجتمعت الشركة في مارس 2013 بالسيناتور الديمقراطي كارل ليفين، الذي كان يرأس لجنة القوات المسلحة حينها، وعضو لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية، وأشارت وثائق الشركة إلى أن من بين أهداف اللقاء كانت الحديث عن التعديلات  المتعلقة بالقرار «H.R 3761».

ولذات الغاية التقت الشركة مع الشيوخ ماركو روبيو وليندسي جراهام، وكلاهما من الجمهوريين، وكان الأول عضو لجنة الاستخبارات والثاني عضو لجنة القوات المسلحة، وجرى الحديث مع كليهما حول تعديلات القرار المذكور.

كما التقت الشركة أيضًا بكلٍّ من السيناتور الديمقراطي جو ليبرمان العضو في لجنة القوات المسلحة، ورئيس لجنة الأمن القومي والشؤون الحكومية المسؤولة عن تنفيذ القرار «H.R 3761»، ووضعه موضع التطبيق العملي. إلى جانب لقائها مع نانسي بيلوسي، زعيمة الديمقراطيين في الكونجرس والكولونيل برادلي ميتشل من وزارة الدفاع بخصوص الحرب على «داعش» وتمويلها.

عام 2014… محاولات مكثفة لاسترجاع أموال ليبيا المنهوبة والمجمدة

شهد عام 2014 تسجيل ثلاثة عقود في وزارة العدل الأمريكية لشركات محاماة وضغط سياسي تعمل لصالح ليبيا. كان أولها تعاقد مع المؤسسة الليبية للاستثمار، التي تمتلك ما قيمته 67 مليار دولار، على شكل استثمارات مالية وعينية خارجية في مختلف دول العالم، لا يعرف الليبيون الكثير عن أماكن تواجدها. بينما كان الآخران لحساب «هيئة متابعة واسترداد الأموال المنهوبة».

وقَّعت المؤسسة الليبية للاستثمار، في مارس 2014، عقدًا مع شركة «دانيال ايدلمان – Daniel J. Edelman» لاستشارات العلاقات العامة والتسويق، واستمر العقد قرابة العام، وتقاضت الشركة عنه 67 ألف دولار، مقابل خدمات إعلامية وترويجية لصالح المؤسسة الليبية للاستثمار.

صورة من تعاقد شركة «دانيال ايدلمان» لاستشارات العلاقات العامة والتسويق مع المؤسسة الليبية للاستثمار.

ورد في تفاصيل الخدمات المقدمة أن الشركة ستتكفل بتوفير خدمات الاتصالات الاستراتيجي، داخل الولايات المتحدة في مجالات الرسائل الإعلامية والتواصل الإعلامي والرد على استفسارات وسائل الإعلام بخصوص المؤسسة. إلى جانب مراجعة التغطيات الإعلامية الأمريكية حولها.

وبموجب العقد، الذي انتهى مطلع عام 2015، تأخذ الشركة تعليماتها اليومية من شركة «كونسوليوم – Consulum» البريطانية، المُخوَّلة بدورها لأخذ التوجيهات من قبل أفراد في شركة «إنيو لو فيرم – Enyo Law Firm»، وهي شركة محاماة بريطانية عملت للمؤسسة الليبية للاستثمار، ومن أفراد في المؤسسة الليبية للاستثمار، ونص العقد على بعض أسمائهم: عبد المجيد البريش- رئيس مجلس الإدارة في المؤسسة، علي باروني، مصطفى اسماعيل، و د. جيهاني، الذي  يُعتقد أنه المحامي أحمد الجيهاني، الذي استعانت به الحكومة في بعض القضايا في ذلك الوقت.

وعلى الرغم من شبكة العلاقات الإعلامية الضخمة هذه، فإنها لم تُسجِّل أيًا من نشاطاتها لصالح المؤسسة الليبية للاستثمار التي تأسست عام 2006 ومهمتها المُعلنة: «خلق وإيجاد مصادر متنوعة للثروة لصالح الأجيال المستقبلية لليبيا». فلا أحد يعرف حتى الآن ما الخدمات التي قدمتها الشركة تحديدًا لليبيين، ولا يرد في وثائق إشهار نشاطاتها أي تفاصيل حول ذلك. ربما بسبب الطبيعة غير السياسية للخدمات المقدمة، التي يسمح قانون تسجيل الوكلاء الأجانب بعدم ذكرها.

في نهاية عام 2014، تحديدًا في أكتوبر وقَّعت جهة ليبية، لم نجد لها موقعًا رسميًا أو غير رسمي يُعرِّف بها، تعرف باسم «الهيئة الوطنية الليبية لمتابعة واسترداد أموال ليبيا المنهوبة والمقنعة – The National Board for the Following-Up and Recovering of the Libyan Looted and Disguised Fund» عقدًا مع شركة «واشنطن أفريكان – Washington African Consulting Group». وهي شركة لم نجد لها كذلك موقعًا يُعرِّف بها. وبالبحث في ملفات تسجيلها في وثائق وزارة العدل، تبيّن أنها أنشئت خصيصًا لمساعدة الهيئة على استرداد أموال ليبيا المنهوبة في شهر أغسطس (آب) 2014 أي قبل شهرين فقط من توقيع العقد معها.

مؤسسا الشركة هما: دوجلاس كيث الأمريكي، وإريك جاويد السويدي ذو الأصول التونسية، وقدّمت الشركة أوراقًا لهيئة تسجيل الوكلاء الأجانب في الولايات المتحدة تقول إنها مُكلَّفة من مكتب رئيس الوزراء الليبي آنذاك عبدالله الثني. وتتابع العمل مع أعضاء ليبيين في هيئة استرداد الأموال المنهوبة دون إمهارها بتوقيع أيٍّ منهم.

واقتصر تواصل الشركة مع شخصيات محددة في الهيئة هي: محمد عبدالله البكشي، ومحمد بلقاسم تاج، ويوسف علي سرهيد، بهدف مساعدة الهيئة الوطنية لمتابعة واسترداد الأموال المنهوبة والمقنعة الليبية في تحديد واسترداد الأصول الليبية في الولايات المتحدة وخارجها، ولكن ليس في ليبيا كما تنص على ذلك الوثائق.

وعلى أهمية ملف أموال ليبيا المنهوبة، إلا أن أيًا من نشاطات الشركة لم يتم الإفصاح عنه.

ولم ترد أنشطة مُحدَّدة للشركة بالرغم من الحديث الإعلامي عن المَهمَّة الشائكة لليبيين وللشركات التي تعمل على تحديد تلك الأموال واسترجاعها، ولم ترد تفاصيل عن المدفوعات والتفاصيل المالية، إلا أنَّ العقد نَصَّ صراحةً على تقاضي الشركة ما نسبته 10% مما تتمكَّن من استرداده من أموال ليبيا المجمدة. وتلقّت الشركة مصروفات بقيمة 223 ألف دولار، دُفِعَت لها بين أكتوبر 2014 ومايو 2015. منها 150 ألفًا دُفعت لشركة «بن بارنز جروب – Ben Barnes Group» للاستشارات الحكومية.

تعاقدت شركة «واشنطن أفريكان» مع هذه الشركة بعقد فرعي، للمساعدة في تحديد واسترداد الأصول الليبية في الولايات المتحدة وخارجها. إلى جانب التأثير على سياسات الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأصول المعلقة أو المجمدة لليبيا داخل الولايات المتحدة وتعزيز العلاقات الحكومية بين البلدين كما يرد في نص الاتفاق.

استمر العقد مع شركة «بن بارنز» لثمانية أشهر حتى منتصف يونيو 2015. وهي شركة استشارات قانونية تلقّت مبلغ 50 ألف شهرياً لقاء خدماتها كما جاء في نص العقد. وكحال سابقتيها من الشركات، لم يرد في وثائقها أي ذكر لنوع النشاطات التي قامت بها الشركة لصالح هيئة استرداد الأموال الليبية. أو الجهات التي تواصلت معها بالخصوص.

من تعاقد الهيئة الوطنية الليبية لمتابعة واسترداد الأموال المنهوبة والمقنعة مع شركة «واشنطن أفريكان»، ويظهر في الصورة بندٌ ينصُّ على تقاضي الشركة نسبة 10% من الأموال التي تتمكن من استردادها من الأصول الليبية المجمّدة. المصدر: موقع وزارة العدل الأمريكية.

كما شهد عام 2019، في شهر أغسطس، تسجيل عقد جديد لصالح المؤسسة الليبية للاستثمار مع شركة «شجيرستمان شوارتز – Gerstman Schwartz» للمحاماة والاستشارات القانونية.

نص العقد على أن تُقدِّم الشركة خدماتٍ استشارية وضغط سياسي على الخارجية الأمريكية، للوصول للأصول الليبية المجمدة منذ عام 2011 ولفتح الباب للحكومة الليبية للاستفادة منها. ولم ترد تفاصيل مالية للعقد الذي انتهى في مارس 2020، غير المبلغ الذي تقاضته الشركة مقدمًا قبل بدء العمل بقيمة 150 ألف دولار. على أن تدفع الأتعاب لاحقًا من الأصول التي تنجح الشركة بفك التجميد عنها.

العقد الذي وقع عليه محمود حسن محمد، رئيس المؤسسة الليبية للاستثمار، يهدف إلى السماح بتحويل الفوائد على هذه الأموال لحساب الحكومة الليبية حتى تتمكن من الاستفادة منها والحيلولة دون تعريضها للخسائر بسبب تجميد أصولها في البنوك والمؤسسات المالية، من خلال ما يعرف بـ«العقوبات الذكية».

جاء في وثائق الشركة نذر يسير من النشاطات التي قامت بها لصالح الهيئة. إذ التقت رايان دوهرتي، من أعضاء الأغلبية في لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس، لمناقشة تقرير معلق من لجنة خبراء الأمم المتحدة بخصوص أموال ليبيا المجمدة. وتواصلت مع كل من وورث اندرسون وجوزاندا جينيت من مكتب ليبيا في وزارة الخارجية الأمريكية. إلى جانب تنسيق مقابلة إعلامية لعلي محمود حسن مع تود وود من صحيفة «واشنطن تايمز». وأخرى لم تنشر مع دان كيلر من صحيفة «وول ستريت جورنال».

اليوم وبعد عشر سنوات من الثورة الليبية، لا يزال الليبيون يعانون في تتبُّع وتحصيل مقدّرات بلادهم التي يبدو أنّ ما خفي منها أعظم بكثير مما اعترفت به الدول لديها. وتأتي صعوبة تتبعها من الفساد وعدم الشفافية التي عانى منها الليبيون إبّان حكم القذافي الذي انتهى عهده دون أن تعلم مؤسسات الدولة عن أماكن الكثير منها. وما زاد الصعوبة هو تفرقها في دول كثيرة، ومشاريع عديدة، و«جيوب» عديدة.

مجموع ما أنفقته الجهات الليبية المختلفة التي ذكرناها في هذا التقرير يصل إلى مليون و463 ألف دولار أمريكي.

هذه القصة جزءٌ من مشروع «الحج إلى واشنطن»، لقراءة المزيد عن «لوبيات» الشرق الأوسط اضغط هنا.