يبدو أن عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها حركة المقاومة الفلسطينية حماس ستعيد تشكيل عديد من الجوانب، بالنسبة للمقاومة وبالنسبة لإسرائيل كذلك. أحد تلك الجوانب أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لجأ إلى صديق قديم كي يتولى عنه مهمة إعادة الأسرى والمخطوفين، على حد تعبير بيان تعيينه.

غال هيرش من مواليد عام 1964. كانت أول شهادة جامعية يحصل عليها من جامعة بار إيلان في دراسات علاقة الشرق الأوسط بإسرائيل. عام 1982 التحق بصفوف الجيش الإسرائيلي، وكان محبًا لفرقة المظلات. فاستمر فيها فترة وجوده في الجيش، وشارك في جولات حربية في لبنان وفي الضفة الغربية. تعرّض للإصابة مرتين، لكنه كان يعود بعد كل مرة لصفوف جيش الدفاع.

بعد أن استمر عامين في وحدة المظلات، اجتاز بتفوق دورةً لضباط القوات البرية، فتأهل ليصبح القائد الجديد لوحدة المظلّات. وفي عام 1991 عُين نائبًا لقائد وحدة شلداغ، وحدة مرموقة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي. لكنه لم يستمر فيها وعاد لمنصبه المفضل، قائد وحدة المظليين. لكنه تبيّن لاحقًا أنه كان قائدًا سريًا لوحدة شلداغ في عديد من المهام السرية بين أعوام 1993 و1996. من ضمن العمليات التي قادها سرًا هي عملية عناقيد الغضب المشهورة في لبنان.

يشهد سجله العسكري فترة غياب عن الخدمة لمدة عام كامل. لكن الأخبار تكشف أن هذا العام كان بسبب وقوعه في كمين للمقاومة الفلسطينية غرب رام الله. الكمين كان عام 1998، وأُصيب فيه هيرش إصابة أخيرة استغرقت عامًا ليتعافى منها. لكنه عاد بعد الإصابة أشد كرهًا للمقاومة، وتولى كتيبة بنيامين القتالية.

خسر 10 جنود سابقًا

بعد 3 أعوام كان هيرش من المشرفين الأساسيين على عملية السور الواقي التي نُفذت عام 2001، بصفته قائدًا للعمليات في هيئة أركان الجيش. بعد عامين أصبح هو القائد لمدرسة الضباط. وشارك في حرب يوليو/ تموز عام 2006. لكنه بعدها بعدة أشهر قرر تقديم استقالته من الجيش بالكامل. موضحًا فيها أنه لم يحصل على أي دعم منذ بداية حرب لبنان، وأنه جرى التشهير باسمه أكثر من مرة دون حاجة.

تبيّن سبب الاستقالة حين وجهت له لجنة فينوجراد، المختصة بالتحقيق في أسباب الإخفاق في حرب لبنان، اللوم اللاذع بسبب أدائه في تلك الحرب ووقوع اثنين من جنوده في الأسر. لكن ظهر في نفس الوقت أصوات أخرى تشيد بأدائه. ذكرت الأصوات المؤيدة له أن هيرش ركزّ على ألا يقع أي جندي في الأسر، أو يتم اختطاف أي فرد حيًا أو ميتًا، وكان تركيزه الأساسي على عرقلة أي عمليات أسر.

لكن حتى تلك الأصوات حين تأتي للحديث عن الجنود الثمانية الذين قتلوا، والاثنان اللذان وقعا في الأسر، فإنهم يرجعون السبب لأدائهما غير الجيد في أرض المعركة. ثم ما يلبثون أن يوجهوا اللوم لقائد المعركة بصفته قائد المعركة. وانتهت التحقيقات حينها، وحُسم الجدال، بأن عمليات الاختطاف كان بالإمكان منعها. لهذا تمت التوصية بعدم إبقاء هيرش في منصبه، وعدم رفع رتبته العسكرية. وتوصيف أسباب تلك القرارات بأنها راجعة إلى الإخفاق القيادي والمهني والجوهري العميق.

لم يحتمل هيرش البعد عن الحياة العسكرية فعاد للجيش مرة أخرى عام 2012. وبعد 3 سنوات من عودته شغل منصب المفتش العام للشرطة. كان اختيار هيرش نابعًا من تميّزه كسياسي أكثر من تميّزه العسكري. فالرجل يجيد الحديث، ويعرف كيف يترك انطباعًا جيدًا لدى مستمعيه. لهذا رأى جلعاد أردان، وزير الأمن الداخلي آنذاك، الذي اختار هيرش للمنصب، في هيرش القدرة على الإيحاء بحدوث ثورة في أداء الشرطة الإسرائيلية.

شبهات تهرب ضريبي ورشوة

لكن بمجرد طرح اسمه للتعيين في هذا المنصب، وجدت الصحافة الإسرائيلية نفسها أمام كشف ضخم. العديد من المواد والوثائق تفيد بأن هيرش شارك في تنفيذ وتمرير صفقات أمنية غير قانونية. الوثائق كانت عبارة عن شكوتين أحدهما تعود لعام 2008، والثانية قبل تعيينه عام 2015 بفترة وجيزة، وتتعلق الشكوتان بصفقات أتمتها شركة الدرع الواقية التي يترأسها هيرش، مع الحكومة الجورجية. كذلك وُجدت أدلة حولة تلقيه الرشوة من رجال أعمال إسرائيليين لتسهيل عملهم في بيع السلاح في أفريقيا.

عدم علم جلعاد أردان بهذه الشكاوى كشف للرأي العام أن الرجل خالف العرف السائد بتحويل اسم المرشح للشرطة كي تتقصى عنه قبل إعلان اسمه. ما أثار شكوكًا حول أردان هو الآخر. وبعيدًا عن تلك الشكاوى فقد عادت للواجهة مرة أخرى أحداث حرب لبنان. وثار ضده عديد من أهالي الجنود الذين قتلوا في حرب لبنان، وحملّوه مرة أخرى مسئولية مقتل وخطف ذويهم.

ووصفوه بأنه لا يجيد القتال كجندي، بل يجيد الحديث كسياسي. لهذا فهو مشغول بإلقاء اللوم على الآخرين، والنجاة بنفسه من المسئولية، بدلًا من محاولة الوصول لحقيقة ما حدث، والاعتذار عنه.

هل ينجح في المهمة الجديدة؟

 موقف ذوي الجنود ليس مفاجئًا، كذلك موقف نتنياهو حينها لم يكن مفاجئًا كذلك. فقد أعلن نتنياهو، بصفته رئيس الوزراء حينها، دعمه الكامل لهيرش. وأعلن نتنياهو كذلك رفضه التام لكل الدعاوى التي تطال الرجل، ونفى أن يكون في سجل هيرش ما يدينه مثل وجود صفقات مشبوهة.

لم يتغير موقف نتنياهو من هيرش طوال السنوات اللاحقة. فعام 2019 حاول هيرش الترشح للكنيست ببرنامج خاص به، لكنه لم يحصد سوى 3400 صوت فقط.  فانضم لاحقًا إلى حزب الليكود، لكن لم يضعه على قائمته في الانتخابات التالية. ظلت قضية هيرش مُعلقة حتى وجهت إليه محكمة الصلح في تل أبيب لائحة اتهام بسبب عدم إبلاغه عن أرباح إحدى عملياته في جورجيا.

 لكن ذلك لم يمنع اللجوء إليه اليوم. فحين استطاعت المقاومة الفلسطينة أسر عدد غير معلوم بالضبط حتى لحظة كتابة التقرير، عشرات وفق التقديرات الإسرائيلية، مئات وفق الروايات الفلسطينية، لجأ له نتنياهو كي يتولى هو إدارة الأزمة. تقول الصحف الإسرائيلية إن نتنياهو يريد وجهًا جديدًا لإدارة ملف الأسرى.

فنتنياهو يريد عزل ملف الأسرى عن مجريات المعركة أيًا كانت. خصوصًا أن إسرائيل أعلنت الحرب رسميًا، ووافق مجلس الوزراء على ذلك. لكنه فيما يتعلق بالأسرى فإن جميع الوزرات الحكومية ستخضع لتعليمات هيرش شخصيًا، وفقًا لما صدر عن مكتب نتنياهو. والأيام القادمة هي التي ستكشف هل ينجح غال هيرش في المهمة الموكلة إليه، أم يضيف لسجله فشلًا جديدًا؟