مع احتدام المنافسة على الألقاب والمسابقات في أوروبا أصبحت الأندية بحاجة مُلحّة إلى مدربين مميزين للظفر في تلك الصراعات التي أشبه ماتكون بصراع العروش، و بعد أن تناولنا في مقال سابق « أنشيلوتي وتنازله عن السلطة » و علمنا كيف أن بعض المدربين يتركون للاعبين حرية التشكيل، نتناول هذه المرة الاستراتيجيات المختلفة للمدربين في التعامل مع تمرد لاعبيهم، ولعل أبرز هؤلاء المدربين هو السير أليكس فيرجسون.


امنح الموهبة الثقة الكاملة

دول الشرق الأوسط والعالم الثالث عمومًا تخسر الكثير من المواهب والكفاءات العلمية بسبب سوء الوضع الاقتصادي وعدم توفر فرص العمل، وفي الكثير من الأحيان يكون السبب هو وجود آفة الفساد وتخلخلها في أنظمة الدول، فيتم التركيز على مصالح مجموعة معينة ويتم إهدار الكثير من الكفاءات الأخرى بسبب وجود الشخص المناسب في المكان غير المناسب.

وهذا النموذج هو المثال الأبرز على سوء استغلال الطاقات، لأن الكفاءات والمواهب بمثابة الهدية التي لا تقدر بثمن، فهم يمتلكون القدرة على تقديم الفائدة والرغبة بالتطور للأفضل، لكن البيئة المحيطة لا تساعدهم. وهذا الأمر نراه بكثرة في كرة القدم، فيتواجد لاعبون موهوبون لديهم رغبة جامحة للتعلم والتطور لكن لا يجدون الاهتمام الكافي، وهذا يجبر اللاعب على التفكير في مسيرته المهنية والخروج لبيئة تناسب طموحاته، لمكان أفضل يشعر فيه بثقة المدرب وأن موهبته في محل اهتمام وتقدير.

http://gty.im/55950142

أرسين فينجر أحد هؤلاء القادرين على رؤية تفاصيل في الموهبة، لدرجة أن اللاعب نفسه لا يعي أنه قادر على تطبيقها. فقام بتحويل جناح بمستوى متذبذب مثل تيري هنري إلى مهاجم رائع، ولاعب الوسط ليليان تورام إلى مدافع، والمدافع إيمانويل بيتي إلى لاعب وسط. فينجر يؤمن بأن هذه الأمور لا تتحقق إلا إذا وجد اللاعب شخصًا يربت على كتفه ويقول له: «أنا أؤمن بإمكانياتك وأثق بك».

غوارديولا أيضًا خصص وقتًا طويلًا خلال عمله لتحويل مراكز لاعبين كانوا يؤدون بشكل جيد في مراكزهم الأساسية. في إحدى الليالي وخلال مراجعته لمباراة الكلاسيكو، لاحظ غوارديولا وجود مساحة فارغة بين خطي دفاع ووسط الخصم. اتصل على الفور بليونيل ميسي وقال: « ليو، لقد شاهدت للتو أمرًا بالغ الأهمية، تعال إلى هنا من أجل رؤيته؟».

وصل ميسي بعد 30 دقيقة وقام غوارديولا بإعادة اللقطة وأراد من ميسي أن يلعب ضمن هذه الفراغات. منذ تلك الليلة تحول ميسي من جناح إلى ما يُصطلح حاليًا بالمهاجم الوهمي، وفي هذا الدور لبس ميسي ثوب البطل العالمي.

عندما يقول اللاعب كفى ويفقد رغبته بالتطور، وعندما يتوقف عن الإيمان بقدراته بالتطور ويشكك بإمكانياته، حينها سيرمي فينجر وغوارديولا المنشفة. ويعلنان فشلهما في المهمة
مارتي بيرارناو الصحفي المُقرّب من بيب غوارديولا.

لا تكن ديكتاتورًا

سابقًا لم يكن للاعبين الموهوبين قيمة كبرى في أنديتهم، على عكس الفترة الحالية، فاللاعبون المهاريون أصبح لهم شأن عال داخل أنديتهم بسبب نجوميتهم الطاغية وغناهم وتأثيرهم الكبير، وهذا بفضل التغيرات الكبيرة التي طرأت على اللعبة سواء من الناحية الرياضية أو التسويقية وسيطرة وكلاء اللاعبين وتحكمهم بمصير هؤلاء النجوم. فهؤلاء النجوم يجلبون الانتصارات والألقاب، وفي بعض الأحيان يأخذون زمام المبادرة من المدرب. والمدرب الناجح يتقبل هذا الأمر أحيانًا، لأنه لا يريد تحجيم الموهبة والسيطرة عليها بإظهار سلطته المطلقة.

بيب غوارديولا في بايرن ميونخ كان شديد الحرص على خصوصية لاعبيه، وكان يتجنب الدخول إلى منطقة يعبترها نطاق نفوذ خاص بهم، فلم يكن يدخل إلى غرف الملابس إلا في فترة الراحة بين شوطي المباراة. وتم التطرق لهذا الأمر في كتاب « Pep Confidential » الذي يتحدث عن الموسم الأول لبيب في بايرن ميونخ.

المدربون عادة ما يقارنون بالجنرالات، لكن هم أقرب لمخرجي الأفلام في الواقع، فهم يحاولون إيصال أفكارهم بالإقناع والإرضاء وليس بالصراخ وإعطاء الأوامر على طريقة الجنرالات
مارتي بيرارناو.

http://gty.im/105690765

حتى فيرجسون، والذي يعتبر إلى حد ما أحد المدربين الذين يسعون لبسط سيطرتهم المطلقة، تخلى عن جزء من هذه النزعة عندما رضخ لطلبات روني الذي هدد بالمغادرة طمعًا بأموال الجار مانشستر سيتي. فيرجسون أبدى سخطه، لكن وافق على مضض بسبب الحاجة الماسة لروني في تلك الآونة، قام بمنحه العلاوة وسمح له بالعودة إلى الفريق بعد هذا التمرد، فمهمة المدرب هي حصد الانتصارات في الميدان، وليس خوض الحروب من أجل إعلاء قيمة الذات وترسيخ السيطرة.


لكل مُجتهد نصيب

تعد كرة القدم الأكثر فردية بين جميع الرياضات الجماعية الأخرى. لأنها في نهاية الأمر، تعبر عن مفهوم أن الرجل يلعب من أجل نفسه واسمه
بودوين زيندين- لاعب هولندي.

وهذا يدل أن اللاعب يريد المجد من أجل نفسه، وليس من أجل إعلاء اسم النادي فقط، فكل لاعب يطمح للنجومية وخاصة في المركز الذي يفضله. زيندين وأوفرمارس كانا يريدان اللعب بمركز الجناح الأيسر لهولندا في كأس أمم أوروبا 2000. في المباراة الافتتاحية أمام الدنمارك رفض أوفرمارس رفضًا قاطعًا المشاركة في مركز الجناح الأيمن، فوضعه فرانك ريكارد في المركز الذي يريده، أما زيندين تم نقله إلى الخاصرة اليمنى وتقبل هذا الأمر على مضض من أجل مصلحة الفريق.

http://gty.im/78963715

اللاعب الهولندي بودوين زيندين

ومع نهاية الشوط الأول كان زيندين متأكدًا أن ريكارد سيقوم بإخراجه من الملعب بسبب سوء أدائه، لكن عوضًا عن ذلك قام ريكارد باستبدال أوفرمارس وأعاد زيندين لمركز الجناح الأيسر. ريكارد كافأ زيندين بسب تضحيته، وشجّع الآخرين على تقديم التضحيات أيضًا أسوة به.

اللاعب الهولندي بودوين زيندين.


رحيل المواهب؟ عليك أن تتقبّل الفكرة

يتوجب على المدرب البحث عن الإنتاجية وليس الولاء. المدرب الجيد يحافظ على الموهبة لأطول فترة ممكنة، وفي الوقت ذاته يجب أن يكون متصالحًا مع فكرة رحيل المواهب من النادي، فمتوسط تغيير لاعبي النخبة للأندية تقارب 3.8 مرة خلال المسيرة المهنية. والمواهب الكبيرة لن تبقى بنفس الوفاء والإخلاص من أجل الفريق، فالنادي مجرد محطة عابرة في قطار مسيرتهم المهنية. وإن سنحت لهم الفرصة للذهاب لمكان أفضل فلن تتمكن من إيقافهم أو تغيير آرائهم.

في عام 2006 انضم نيكولاس أنيلكا لنادي بولتون بعقد لمدة 4 مواسم، الفرنسي الموهوب يمتلك إمكانيات كبيرة، لكن تنقلاته لم تعكس ذلك بسبب بعض القرارات السيئة. بولتون عرض عليه عقدًا مُدته أربع سنوات، لكن مدرب النادي سام ألاردايس أخبره باحتمال رحيله قبل انتهاء عقده، أنيلكا بدأ بتقليب أوراق العقد بحثًا عن بند الشرط الجزائي لربما قد غفل عن قراءته. لكن ألارديس قال له: «اطمئن، لا يوجد في عقدك بند يسمح لك بالخروج. لكن إن قدمت أداءً مميزًا، فلن يقف بولتون في وجه الأندية التي تسعى للتعاقد معك».

بولتون تعاقد معه بهدف الاستثمار والربح، وبالفعل بعد عامين طرق تشيلسي باب بولتون وانتقل أنيلكا إلى لندن بربح تجاوز 6 ملايين باوند وكان بولتون بمثابة محطة أو جسر للعبور بالنسبة للفرنسي.


تصرف في الوقت المناسب

لعبت أسوأ 45 دقيقة في التاريخ وتفاجأت بتبديل أوفرمارس وإبقائي في أرض الملعب، لكن في الشوط الثاني سجلت هدفًا وصنعت هدفًا آخر وانتصرنا بنتيجة 3-0، لاحقًا أكملت البطولة في مركز الجناح الأيسر

كمعدل وسطي، يصل لاعبو كرة القدم إلى قمة مستواهم في سن الـ 28. في هذا العمر يكونون ناضجين ذهنيًا وأجسامهم لاتزال شابة. ولكل لاعب مسيرته الخاصة، منهم من يفشل بالاستمرار في القمة، وآخرون وهم قلة يتمكنون من الحفاظ على التركيز اللازم للأداء بمستوى عالٍ لبضع سنوات إضافية. لكن عندما يصل اللاعب لقمة مستواه يبدأ مستواه البياني بالانحدار، لأن المسألة تتعلق بشقين، ذهني وبدني، وهناك عامل آخر ألا وهو الوقت.

http://gty.im/609127143

لاعب الشطرنج الروسي جاري كاسباروف وخلال لقائه بصديقه غوارديولا في نيويورك أخبره: «في تلك اللحظة التي أحرزت فيها لقب بطولة العالم للمرة الثانية عام 1986، عرفت من سيتمكن من هزيمتي في النهاية»، رد غوارديولا: «من؟» فأجابه كاسباروف: «الوقت».

لذلك يقترح كيفن روبيرتس، الرئيس التنفيذي لإحدى الوكالات الإعلانية، أن السؤال يجب أن يكون: «متى سيكون اللاعب في الـ 26 من عمره؟»، يعتقد كيفن أن الموهبة تزدهر مبكرًا لكنها تذبل بشكل أسرع في الآونة الحالية بسبب ضغط العمل والعقلية التجارية للاعبين والأندية، فالفكرة تكمن في إبراز الموهبة قبل أن تصبح مجرد زهرة بلا رائحة.

المراجع
  1. – جوارديولا عن تحويل ميسي لمركز المهاجم الوهمي
  2. جوارديولا عن تجنبه للددخول إلى غرف الملابس.
  3. – فيرجسون يرفض تقاضي اللاعب راتب أكبر من المدرب.