يلاحظ المتابع أن إدارة ترامب كانت الأكثر انحيازًا للمواقف والرؤى الإسرائيلية من الإدارات الأمريكية السابقة، خاصة تجاه القضايا الجوهرية، فبعد قرار ترامب نقل سفارة بلاده إلى القدس، يسعى إلى شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين من خلال إفقار الأونروا، وتاليًا تفكيكها كشاهد دولي على نكبة الفلسطينيين، جنبًا إلى جنب مع الترويج لمشروع توطيني جديد لخمسة ملايين لاجئ فلسطيني، بتكلفة تصل إلى 700 مليار دولار أمريكي.


التوزيع الديموغرافي للمشروع الجديد

ثمة تسريبات إعلامية تؤكد حدوث لقاءات بين مسئولين أردنيين وآخرين في الإدارة الأمريكية خلال الفترة القليلة الماضية، عُرض فيها على الأردن توطين من تبقى من اللاجئين الفلسطينيين غير المجنسين في المملكة، ومنحهم الجنسية الأردنية من الدرجة الأولى، مقابل تقديم واشنطن حزمة مساعدات اقتصادية ضخمة تنتشل الأردن من الأزمة المالية الخانقة، والحديث يدور عن نحو 150 ألف فلسطيني، أصولهم من قطاع غزة.

وقد عرضت إدارة ترامب على مصر منح الفلسطينيين حاملي الوثيقة المصرية، الذين ينتشرون في مصر وعدد من الدول العربية، الجنسية المصرية مقابل بنود عدة؛ منها: الإفراج عن المعونة الأمريكية غير العسكرية للقاهرة، فضلًا عن تقديم مساعدات جديدة تحسن الواقع الاقتصادي المصري، وتسهيل حصول القاهرة على الدفعات التالية من قرض البنك الدولي.

وبذلك تكون إدارة ترامب قد تجاوبت إلى حد كبير مع الرؤى الإسرائيلية لتوطين لاجئي قطاع غزة، حيث دعا جيورا أيلاند، مستشار الأمن القومي الصهيوني في 2004، إلى تنازل مصر عن 600 كم2 من سيناء بغرض توطين اللاجئين، مقابل أن يتنازل الكيان الصهيوني عن 200 كم2 من أراضي صحراء النقب لصالح مصر، ومنحها بعض المكاسب الاقتصادية.

وفي عام 2013 طرح البروفيسور الإسرائيلي يهوشع بن آريه، الرئيس السابق للجامعة العبرية، خطته لتوطين الفلسطينيين، وقد نصت على أن تُمدَّد حدود قطاع غزة إلى حدود مدينة العريش، لتضم مدينتي رفح والشيخ زويد لقطاع غزة، ومن ثم توطين اللاجئين الفلسطينيين فيه، وهو ما يعني أن موضوع توطين الفلسطينيين في سيناء كان حاضرًا في العقل الإسرائيلي، وسيبقى.


مشاريع توطين لاجئي غزة

فلسطين, إسرائيل, غزة, لاجئين فلسطينيين
لاجئون فلسطينيون في نكبة 1948

لم تغب مشاريع توطين لاجئي قطاع غزة بعد النكبة الكبرى 48، حيث شهدت الفترة بین 1949 : 1952 مشاریع دولیة عدیدة حاولت أن تُوجِد حلولًا لمشاكل قطاع غزة ومستقبل وجوده، لكنها كانت صعبة التحقیق، فهنالك مشكلة اللاجئین الذین تركزوا فیه منذ عام 1948، واستحالة تقدیم حلول لها، بید أن ذلك لم یمنع من ظهور مشاریع لتوطین اللاجئین الفلسطینیین، باعتبارها نقطة البدء عند التفكیر بمستقبل القطاع.

ففي شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1951 شرعت وكالة الغوث الدولیة في تنفیذ برنامج لنقل عدد كبیر من اللاجئین الفلسطینیین وإسكانهم في لیبیا، وافتتحت مكتبًا لها هناك لتسهیل هجرة اللاجئین إلیها، وقد عرضت وكالة الغوث المذكورة البرنامج على حكومة لیبیا، فوافقت علیه من حیث المبدأ، وتقرّر نقل 250 عائلة، على أن هذا المشروع هو اقتراح بریطاني الأصل، ففي عام 1949 أبلغ وزیر مالیة حكومة عموم فلسطین كلًا من الهیئة العبریة وحكومة عموم فلسطین ما یلي:

وفي الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول لعام 1951 قدم «مستر بلاند فورد»، مدیر وكالة الغوث الدولیة آنذاك، تقریره إلى الجمعیة العامة لهیئة الأمم المتحدة في باریس، مطالبًا بالموافقة على میزانیة لثلاث سنوات بمقدار 250 ملیون دولار، منها 118 ملیون دولار في العام الأول، على أن یصرف مبلغ قدره 200 ملیون منها على مشروعات إدماج اللاجئین، وخمسون ملیونًا لمساعدتهم على إیجاد مشروعات صناعیة وزراعية، ومن ثم تسلم مسئولیة وكالة الغوث الدولیة إلى إیجاد المساكن، ونقلهم من المعسكرات، والحكومات العربیة. وقد كان الاتجاه العام لدى دول الجامعة العربیة آنذاك، لجهة قبول مشروع التوطین الذي ذكرناه سابقًا، بالغ الأثر لقیام «مستر بلاند فورد» بتقدیم مشروعه المذكور.

وقد لوحظ تنبه جماهیري واسع بین اللاجئین لأهداف ومرامي مشاریع التوطین، وأدینت وكالة الغوث وتشغیل اللاجئین الفلسطینیین، التي تعدت أداءها المهمات المنوطة بها، حیث أصبحت وكالة لتوزیع اللاجئین الفلسطینیین في البلاد العربیة، أو اللاجئین بشكل عام في أماكن وجودهم المختلفة، وقد رُفضت تلك المشاریع من قبل اللاجئین الفلسطينيين في قطاع غزة.


اللاجئون في قطاع غزة

عن السیر جنسون الوزیر المفوض في السفارة البریطانیة في القاهرة، والذي كان مدیرًا لخزینة فلسطین في عهد الانتداب البریطاني، حدثه بشأن نقل اللاجئین الفلسطینیین من قطاع غزة إلى لیبیا، ورفضت الهیئة العربیة العلیا وحكومة عموم فلسطین العرض.

استقبل قطاع غزة في عام 1948، 190 ألف لاجئ فلسطیني ليصبح مجموع السكان هناك في العام المذكور 270 ألف عربي فلسطیني، یمثلون 18.4% من مجموع الشعب الفلسطیني آنذاك، وقد بقي قطاع غزة تحت حكم الإدارة المصریة خلال الفترة من 1948 : 1967، وتعود أصول غالبیة اللاجئین الفلسطینیین في قطاع غزة إلى مناطق وسط وجنوب فلسطین وغرب صحراء النقب ومنطقة بئر السبع، ومدن وأریاف: یافا، اللد، الرملة، أسدود، عسقلان، شمال وشرق قطاع غزة، النقب وینتمون إلى 126 قریة من القرى التي دمرها الاحتلال الصهیوني عام 1948. ويشكل اللاجئون الفلسطينيون 76% من إجمالي سكان قطاع غزة البالغ أكثر من مليوني فلسطيني خلال العام الحالي 2018، ويعتبر مجتمع قطاع غزة فتيًا، حيث تصل نسبة الأطفال إلى 53% من إجمالي السكان، كما تعتبر الكثافة السكانية في القطاع هي الأعلى في العالم.

ويبقى القول إن الشعب الفلسطيني الذي رفض وأسقط مشاريع التوطين وتصفية قضية اللاجئين قادر على الصمود ومواجهة عاصفة مشاريع ترامب وإسرائيل الرامية إلى تغييب الحقوق الفلسطينية، وسيسقطها، وإن استمرار الكفاح الفلسطيني بصوره المختلفة دلالة كبرى على ذلك.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.