لم يكن ليل شرقي قطاع غزة المحاصر (وتحديدًا مدينة خان يونس) هادئًا مساء الأمس، ضجّت أصوات البنادق وطلقات المسدسات من مقاومين فلسطينيين كانوا يركضون في الطرقات وفي كل الأزقة، بحثًا عن قوة إسرائيلية اعترضتها قوة من كتائب عز الدين القسام، وطلبت منها التفتيش الذاتي.

في تفاصيل الحادثة التي روتها مصادر في المقاومة، فإن قوة قسامية يرأسها الحاج نور الدين بركة اعترضت مركبة نوع باص فلوكس واكنغ، طلبت منهم إبراز هوياتهم، أظهر ركاب الباص هويات شخصية بأسماء فلسطينيين من غزة، وكان في المقعد الخلفي للباص يجلس رجلان بزيٍ نسائي، لكن الحاج نور أصر على تفتيش المركبة بشكل دقيق وفي تلك اللحظة فتح مستقلو المركبة النار على الحاج ورفاقه من أسلحة مزودة بكاتم صوت. أحد أفراد القوة الفلسطينية لما أُصيب بدأ بالنداء عبر جهاز اللا سلكي المخصص للجهاز العسكري لكتائب القسام بأن يطاردوا الباص ويحاصروه.

وهنا انقلبت سماء مدينة خان يونس وتحديدًا بلدة عبسان، حيث انتشرت فرق المقاومين في كل ركن، وفجأة تدخلت طائرات إسرائيلية مُسيرة من نوع درونز للتغطية على المركبة وأطلقت على كل هدف يتحرك صاروخًا، ثم تدخلت طائرات حربية مقاتلة وقصفت الطرقات خلف الباص الفلوكس. أفراد المقاومة أطلقوا عشرات النيران من مختلف أنواع الأسلحة على الباص، وأضافت مصادر خاصة لإضاءات أن أحد الشهداء لاحق القوة الإسرائيلية مستخدمًا «توكتوك» وحاول سحب أحد أفراد القوة الإسرائيلية طمعًا في أسره، لكن تدخلت طائرة إسرائيلية وقصفت الـ «توكتوك» ما أدى لارتقاء الشهيد في اللحظة.

غزة
صور من موقع الحادث التقطت صباح اليوم

لاحقًا وصل الباص بما فيه من أفراد إلى منطقة زراعية، مزروعة بأشجار اللوز، تبعد عن الحدود قرابة 900 متر، وهنا بدأت طائرات مروحية إسرائيلية محاولة إنزال وإنقاذ للقوة الإسرائيلية. أفراد المقاومة كانوا على مقربة من مكان الحدث. كانوا يحاصرون القوة الإسرائيلية وحين هبطت الطائرات المروحية استهدفوها بأسلحة متنوعة، فردت الطائرات باستهدافهم مرة أخرى.

بالتزامن مع الاشتباكات التي خاضها رجال المقاومة مع القوة الإسرائيلية المتوغلة، فرضت المقاومة طوقًا على المدينة لإغلاقها بشكل كامل ونشرت آلاف المسلحين، بعضهم كان بالزي المنزلي، في كافة أرجاء مدينة خان يونس خصوصًا وقطاع غزة بشكل عام.

مع ساعات الصباح وانقشاع الظلام بدأت تتضح الصورة مع وصول الفوج الأول من الخبراء والمختصين لمكان الحدث، وهنا كانت المفاجأة؛ الطائرات الإسرائيلية وبعد إخلاء القتلى والجرحى قامت بقصف الباص الذي استقلوه بالإضافة لشاحنة مثلجات صغيرة الحجم. وعُثر في المكان على أدوات معيشة وإعاشة وطعام بالإضافة لأجهزة إلكترونية، مقعد وكرسي متحرك استخدموا للتمويه.

جيش العدو أعلن مع ساعات الفجر الأولى عن مقتل أحد ضباطه برتبة مقدم وهو مسؤول كتيبة في قوة النخبة التابعة لهيئة الأركان مباشرة وأصيب آخر بجروح خطرة، عرفنا من مصادر محلية في الداخل الفلسطيني أن القتيل هو من أبناء الطائفة الدرزية ويُدعى محمود خير الدين، لكن الإعلام الرسمي الإسرائيلي والمسؤولين رفضوا الإفصاح بمعلومات عن القتيل وعن طبيعة عمله واكتفى وزير الحرب الصهيوني بالتغريد على تويتر بالقول إن القتيل قدم خدمات عظيمة وجليلة.

مع ساعات الظهيرة أصدرت كتائب القسام بيانًا تفصيليًا أكدت فيه أن قوات الكتائب لقنت العدو درسًا قاسيًا وجعلت منظومته الاستخبارية أضحوكة للعالم وأجبرت العدو على الفرار يجر أذيال الخيبة والفشل. القيادي في حركة الجهاد الإسلامي وعضو مكتبها السياسي أكد في تصريحات صحفية أن القوة الخاصة الصهيونية كان سيتم أسرها بالكامل لولا الغارات الجوية الإسرائيلية التي قدمت خلال 20 دقيقة أكثر من 40 غارة في منطقة الحدث.

هذا ما حدث خلال الليل، لكن على هامش ما حدث، فالاحتلال الإسرائيلي أدار المعركة الإعلامية منذ الدقائق الأولى لبدء الاشتباكات على نحو محترف، كما هو معتاد من جانبه، فسرب لوكالات الإعلام مهمة العملية بشكل مزيف، وأنها كانت فقط لاغتيال قائد من كتائب القسام هو مسؤول عن شق الأنفاق، وتمت بنجاح مع بعض الخسائر. وهذه الرواية تكذبها تفاصيل الأحداث التي أوردناها أعلاه. كذلك فإن خسائر الاحتلال فادحة، وهي أول مرة منذ الحرب على لبنان 2006 يُقتل فيها ضابط إسرائيلي برتبة مقدم، خلافًا للإصابات غير المعروف حجمها أو طبيعتها.

وتواصل قوات المقاومة الفلسطينية اليوم ردها على العداون الإسرائيلي، بحسب مصادر إسرائيلية فإن المقاومين أطلقوا 100 صاروخ على مناطق متفرقة من الأراضي المحتلة، تتحدث التقارير الإعلامية عن إصابات متعددة بين الإسرائيليين مع مناشدة جيش الاحتلال المستوطنين ليبقوا في الملاجئ، وما يزال الرد الفلسطيني يتوالى حتى كتابة هذه السطور.

غزة
صور من الموقع الحادث التقطت صباح اليوم.
غزة، خان يونس
صور من الموقع الحادث التقطت صباح اليوم.
غزة، خان يونس
صور من الموقع الحادث التقطت صباح اليوم.