لم تستيقظ جماهير الكرة في مصر على خبر انضمام إمام عاشور للنادي الأهلي، بل كان الأمر أشبه بمسلسل «جعفر العمدة». يعرف الجميع النهاية مسبقًا لكنهم يتابعون الأحداث بمنتهى الترقب حتى الحلقة الأخيرة.

كانت الحلقة الأخيرة هي إعلان الأهلي رسميًّا انضمام اللاعب من خلال فيديو تم بثه عبر حسابات النادي الرسمية في مختلف تطبيقات التواصل الاجتماعي، والذي حصد أكثر من عشرة ملايين مشاهدة في ساعات قليلة.

لا يمكننا أن ننكر جماهيرية الصفقة، والتي كانت عنصرًا أساسيًّا في وجود هذا العدد الضخم من المشاهدات، لكننا في المقابل لا يمكن أن نتجاهل  العنصر الذي أصبح أساسيًّا وينتظره الملايين مع كل صفقة يبرمها نادي كرة قدم؛ «فيديو الإعلان عن انضمام لاعب جديد».

ربما علينا الآن التعرض لبعض الأسئلة لفهم الفكرة بشكل أوضح، السؤال الأول يتعلق بالأندية نفسها، لماذا كل هذا الاهتمام بفيديوهات تقديم اللاعبين.

الجمهور المستهدف

في ربيع عام 2021 ادعى« فلورنتينو بيريز» خلال حديث للتليفزيون الإسباني أن الشباب أصبح غير مهتم بكرة القدم. بعد شهر واحد أصدر رئيس يوفنتوس السابق «أندريا أنيلي» تصريحًا مماثلًا، حيث قدر أن 40% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عامًا لا يهتمون بكرة القدم.

كانت أحاديث بيريز وأنيلي ضمن محاولات التسويق للسوبر الأوروبي الذي أجهض في الأخير، لكن هذا لا ينفي أن جزءًا كبيرًا من «جيل زد» ينظر إلى كرة القدم على أنها وسيلة تسلية لا أكثر ويفضل عليها عددًا من المنصات الرقمية التي تقدم المتعة المضمونة في وقت أقل من ساعة ونصف.

أدركت الأندية على الفور أنها لا يمكن أن تتجاهل التطبيقات التي تتعلق بمقاطع الفيديو مثل انستجرام وتيك توك، في محاولة واضحة لاستهداف شريحة جديدة من جمهور قد لا يشاهد التليفزيون من الأساس، لكنه مرتبط بشكل واضح بكل ما هو رقمي. ربما هذا ما يفسر أن قطاع صناعة الرياضة هو القطاع الأسرع نموًا على منصة مثل تيك توك.

أصبح الاهتمام بنشر مقاطع فيديو مبهرة للإعلان عن اللاعبين الجدد مثار تنافس شديد بين الأندية. وفي المقابل تلقت الجماهير هذا بالكثير من التفاعل، حيث تعترض الجماهير بشدة إذا شعروا أن الفيديو لم يكن على قدر الصفقة.

هكذا اختفى تمامًا الشكل الكلاسيكي للإعلان عن تعاقد لاعب ما مع ناديه الجديد. فلا مجال لصورة باهتة يظهر فيها اللاعب يصافح المسئول وأمامهما مكتب وأوراق العقد. تحولت التعاقدات من مجرد إضافات للفريق من الناحية العملية إلى وسيلة لتعزيز قوة النادي الرقمية بما يشمل ذلك من زيادة الإيرادات من خلال مبيعات القمصان على سبيل المثال والأهم اكتساب جماهير جدد من الجيل زد.

رسائل بين السطور

لم يكن فيديو صفقة إمام عاشور مبهرًا بالقدر الذي يخلق كل هذا الجدل حوله، لكن مكمن الجدل كان محاولة تفسير ما حدث في الفيديو. هل حضر إمام مباراة القمة بالفعل؟ هل قصد أن يمر بجوار جماهير الزمالك دون اكتراث في رسالة أن تلك الحقبة ولت إلى غير رجعة؟ هل مقصود بالشبح أنه لم يكن زمالكاويًّا من الأساس أم هي إشارة لما يعتقده رئيس نادي الزمالك ويروج له من سحر وأمور غامضة؟ يحاول الجميع تفسير الأمر طبقًا لرؤيته وهذا مقصود تمامًا.

هناك العشرات من فيديوهات تقديم اللاعبين التي تعتقد أنها شديدة البساطة لكنك تحتاج أن تشاهد المقطع أكثر من مرة لتكتشف عنصرًا جديدًا وتفهم الأمر أكثر وأكثر، ربما إعلان صفقة انتقال الهولندي ماتيس دي ليخت للبايرن عام 2022 مثالًا جيدًا.

زجاجة ماء محشوة بقميص بايرن تتحرك في اتجاه مجرى النهر ثم يلتقطها دي ليخت ويخرج القميص ثم يقول كلمة بالألمانية. يبدو الأمر شديد البساطة حد الملل، لكن مع قليل من التدقيق نكتشف من الخلفية أن هذا هو نهر إيزار في ميونيخ كما أن الموسيقى التصويرية هي للأكورديون الشعبي الألماني، والكلمة هي التحية الألمانية الودية «Servus». الآن للفيديو قيمة لطيفة رغم البساطة وهكذا تجري الأمور.

هل يستحق الأمر المخاطرة

بعد أن خف الجدل حول الرسائل التي يحملها فيديو إمام عاشور، خرج البعض ليؤكد أن الفيديو أقل من المتوقع، أنها فرصة مناسبة لقصف الجبهات وإعلاء أفضلية الأهلي على الزمالك من خلال اختيار لاعب معروف بزملكاويته الشديدة اللعب للأهلي طواعية.

هنا يظهر سؤال جديد، هل يستحق الأمر المخاطرة؟ بالطبع لا. تبرز فيديوهات تقديم اللاعبين كعامل مساعد، لكنها لا يفترض أن تؤثر على الجانب الفني للصفقة تحت أي حال من الأحوال.

تتميز هذه المقاطع أنها اللقطة الأولى لأي لاعب بقميص فريقه الجديد، ولا يستحسن أن يبدأ لاعب ما مشوار فريقه بضغط نفسي أو مسئولية كبرى تعوقه عن اللعب بهدوء والإفادة بشكل تدريجي.

لهذا من النادر أن تشاهد فيديو يظهر فيه اللاعب معاديًا جماهير فريق منافس، أو يظهر في ثوب سوبرمان الذي وقع عقد لتوه لإنقاذ فريقه الجديد والطيران به نحو القمة، لأن هذا تحديدًا ما يجب على اللاعب أن يبتعد عنه في بداية رحلته رفقة فريق جديد والأندية تعرف هذا جيدًا.

هذا لا يعني أن الصفقات الضخمة لا تحتاج لفيديوهات ضخمة، والمقصود هنا الضخامة من حيث الإنتاج والدعاية وحسن الاستغلال. تبقى حملة Pogback التي انتشرت بعد إعلان عودة بوجبا لمانشستر يونايتد مثالًا جيدًا للإنتاج الضخم الذي أظهر بوجبا وأديداس ومغني الراب Stormzy فيه تعاون اكتسح الإنترنت حينذاك.

في النهاية نعرف تمامًا أنك إذا كنت من محبي فيديوهات تقديم اللاعبين فإنك من المؤكد تنتظر تطورًا ملحوظًا مقارنة بما يحدث في هذه الصناعة في العالم أجمع. ربما لديك كل الحق في ذلك، لكن صدقني لقد تطورنا كثيرًا، حاول الرجوع خمس سنوات للخلف ومشاهدة فيديو تقديم اللاعب علي لطفي كلاعب جديد للنادي الأهلي، والذي تم تقديمه رسميًّا في غرفة الطعام الخاصة بعلي، ومن خلفه ستائر بيضاء ونيش وبقايا احتفالات عيد ميلاد فوق الحائط!