نجح المنتخب الألماني في هزيمة المنتخب الإنجليزي بعدما حقق فوزًا غير عادل بهدف مستحق للاعب الألماني لوكاس بودولسكي في مبارة اعتزاله دوليًا والتي أقيمت بملعب السيجنال إيدونا بارك بدورتموند، ليثأر الألمان بذلك من خسارتهم قبل عام من نفس المنافس في برلين.


مفهوم العدالة النسبي

http://gty.im/656595004

قبل أن نبدأ في تحليل المباراة من الناحية الفنية، كالعادة تترك مباريات كرة القدم أسئلة محيرة، من شاهد المباراة سيصدر حكمًا مفاده أنه ليس من الإنصاف إلا أن يخرج الإنجليز فائزين بهدفين على الأقل، في مباراة تسيدُها أدائًا وتهديدًا للخصم، لكن قد يرى آخر أن خروج المباراة بهذا الشكل، بأن يكون الألمان في غاية السوء.

ويأتي بودلسكي في ثوب البطل المنقذ لينتشل فريقه من الهزيمة الحتمية بإحرازه هدفًا ربما هو الأجمل في مسيرته مع منتخب بلاده التي بدأت منذ 13 عامًا أمام هنجاريا، بعدما اسُتدعي خصيصًا لهذه المباراة الودية تكريمًا على ماقدمه للمنتخب الألماني، ليأتي من الصفوف الخلفية وينقذ فريقه الذي كان ضائعًا.

ربما ستكون كولونيا التي يلقب بودلسكي بأميرها سعيدة بهذه النهاية للبولندي الأصل، وترى في ختام مشواره الدولي الذي وصل إلى أعلى هدف ممكن فيه وهو الفوز بكأس العالم هي العدالة، وعليه كل يرى العدالة من منظوره.


الكرة الإنجليزية الحديثة المهجنة

من تابع المباراة سيلاحظ أن التغيير هو سمة الحياة، اختفت الكرة الإنجليزية العتيقة المعروفة بالكرات العالية والالتحامات العنيفة، ونعاصر الآن كرة إنجليزية فقدت الكثير من صفاتها الأصلية، وهذا حتمي نتيجة كونها الأرض التي تجمع شتى طرق اللعب في العالم في دوريها القوي، مفهوم التغيير وضح بصورة جلية في خطة اللعب التي بدأ بها المدرب الدائم الشاب جاريث ساوثجيت حين بدأ بخطة 3/4/3 متأثرًا بنجاحها الجلي في الدوري في صورة فريق تشيلسي تحت قيادة المدرب الإيطالي كونتي.

هذه الخطة كانت تتحول في كثير من الأحيان إلى 5/4/1 عند فقدان الكرة، وتواجد ما لا يقل عن 7 لاعبين خلف الكرة، ويتراجع الجناحان دلي ألي ولالانا، ليبقى فاردي عند منتصف الملعب محاولاً تعطيل أي هجمة تبدأ من قلبي دفاع المنتخب الألماني في كاتشينتشو إنجليزي متأثرًا بخلفية ساوثجيت الذي كان مدافعًا ممتازًا في تسعينات القرن الماضي.

كما ذكرت بأن الكرة نفسها تغيرت، أصبح هناك جناحان سريعان ومهاجم وهمي غير تقليدي مخالفًا لما اعتدناه عن المهاجم الإنجليزي كآلان شيرر، هو تحفظ دفاعي يعتمد على عنصر السرعة في نقل الفريق من الدفاع للهجوم متمثلاً في واكر وبرتراند ظهراء الجنب، والأجنحة السريعة كلالانا أو ديلي ألي ذي الأصول النيجيرية، أو رحيم سترلنج ذي الأصول الجامايكية الذي كان احتياطيًا أو فاردي ضعيف البنية سريع الحركة مغيرًا الطريقة المعتادة من القوة إلى السرعة والحنكة في التحركات، وفي النهاية أصبحت كرة في جزء منها دفاعي، وسريع معتمدًا على أبناء الكومنولث المهاجرين إلى بريطانيا.


ساوثجيت بين النجاح والإخفاق

http://gty.im/656824308

بلاشك أن تلك المباراة إذا نُظر إليها فهي مزيج بين الفوز والخسارة في العديد من المهام، وإن غلب المكسب لصالح المدير الشاب:

أ- خطة اللعب

ربما اختياره للبدء بطريقة جديدة وأمام بطل العالم هو أمر يحتوي على مخاطرة كبيرة حتى وإن كانت المباراة ودية، إلا أنه ورغم هذا كان هذا الاختيار صائبًا من خلال عدة أمور اتضحت بسهولة خلال السبعين دقيقة التي سبقت الهدف، أولها، غياب أوزيل أو جوتزه، صانعا الألعاب التقليديين، والبدء ببودلوسكي الذي هو أقرب للمهاجم الثاني من الصانع والبدء بالجناحين براندت وساني وكان من الجلي أن اللعب سيكون مركزًا على الأطراف بدلاً من العمق الذي فيه مهاجمان.

وبالتالي كان بحاجة إلى تأمين دفاعي جيد، وأظهرة يقومون بالرجوع والمراقبة لجناحي ألمانيا السريعين، وأيضًا السرعة في توصيل الكرة للأجنحة الإنجليزية في الأمام، وهم سيقومون الباقي، وهو ما حدث بالفعل طوال أحداث المباراة، حيث بدأ الألمان من خلال أجنحتهم عاجزين بشكل مذهل في تشكيل أي تهديد يُذكر طوال المباراة سوى الهدف وبعض اللحظات التي أعقبت الهدف وصاحبها ميوعة الانضباط بعد التأخر به.

ثانيها هي الفاعلية الهجومية والتي وإن لم يسهم أهم عنصر في خطة 3/4/3 وهم ظهراء الجنب، واكر وبرتراند، بشكل مادي في الهجمات كما اعتدنا على رؤية واكر وعرضياته المؤثرة مع فريقه توتنهام في الدوري، إلا أن مجرد انتشارهم الصحيح وعملية توسيع الملعب من خلال صعودهم لأعلى، ودخول الأجنحة الإنجليزية للعمق، مما يؤدي إلى سحب ظهيري جنب ألمانيا، كيميش وهكتور معهما للعمق، إلى ترك مساحات شاسعة على أطراف نص ملعب المنتخب الألماني، ومسرحًا لكرات طويلة من قلوب دفاع المنتخب الإنجليزي خلف مدافعي ألمانيا.

وهو أمر محبب للثلاثي الهجومي الإنجليزي، فاردي، وألي، ولالانا الذين يقومون بالتحرك العرضي في مساحات يمتلكون السرعة للفوز بها، ومع هذا كان هناك عرضيات خطيرة لواكر في بعض الأحيان، وأخيرًا فإن في هذه الحقبة من الكرة الإنجليزية والتي تمتاز بوفرة المدافعين، ومهاجمين سريعين، وغياب عقول مفكرة لديها خبرة كواين روني تعد هذه الخطة هي الأنسب ولاسيما أنها تحتوي على جاري كاهل أحد عناصر نجاحها مع البلوز.

ب- الالتزام الدفاعي والضغط العالي

كما ذكرت آنفًا فإن الالتزام كان صارمًا، المعظم يساهم في الدفاع في حال فقدان الكرة، أيضًا الانتباه إلى التحرك السليم كان حاضرًا، فعلى سبيل المثال، كان الإنجليز في مرحلة الهجوم، وقُطعت الكرة ولكن الظهير الأيسر برتراند تأخر في الارتداد فبسهولة وبانسيابية يقوم سمولينج بدور الظهير الأيسر، ويقوم ايريك داير فيما يعرف بعملية «الترحيل» إلى العودة للخلف لشغل المساحة التي خلفها سمولنج بتحركه.

كان لمحاور الارتكاز دور هام في التغطية الدفاعية باستنثاء بعض الهفوات، ومنها جاءت تصويبة الهدف من العمق، يعيب الثنائي، داير وليفرمور، التشابه التكتيكي حيث يغلب عليهما الطابع الدفاعي، وكان محور الارتكاز بحاجة إلى لاعب ذي طابع هجومي كهندرسون حاليًا أو من طينة لامبارد وجيرارد أو ما يعرف اصطلاحًا باللاعب رقم 8.

كان من الواضح، انتباه مدرب منتخب الأسود الثلاثة إلى غياب العقل والناقل في صفوف الماكينات الألمانية، وبدا واضحًا أن هناك فريقين ألمانيين فوق أرض الملعب لا علاقة لهما ببعض، سداسي دفاعي ورباعي هجومي معزول، وقد دفع هذا الإنجليز إلى الضغط المتوسط أو حتى العالي، وساعدهم انتشارهم الجيد في تضييق إمكانات التمرير للألمان، مما عطل عملية البناء من الخلف، الذي أدّى إلى توتر المدافعين، مما أوقعهم في أخطاء كارثية كادت تتسبب بأهداف مباشرة، لولا تدخل القائم.

ظهر أيضًا عملية الضغط المضاد، فعندما يفقد الإنجليز الكرة، لا يهرعون بشكل عشوائي لمناطقهم في الخلف، بل يقومون بوأد الهجمات الألمانية بعد لحظة فقدانهم الكرة مباشرة، الأمر الذي أربك منافسيهم، وكادت كرة ديلي ألي تترجم مثل هذا الإرباك إلى هدف مباشر لولا تصدي تيرشتيجن.

ج- الدماء الجديدة

لاشك أن هذه المباراة شهدت إشراك عناصر جديدة تستحق غناء نشيد «فليحفظ الله الملكة»، كين مدافع برنلي، وورد بروز متوسط ساوثامبتون والذي كان معه في منتخب الشباب، وناثان ريدموند جناح ساوثامبتون ونورويتش السابق، وقد أدى كين الذي لعب أساسيًا وكان جيدًا في أولى مبارياته الدولية، وعودة جاك ليفرومور لارتداء قميص المنتخب بعد خمس سنوات انتقل فيها من بين الصعود والهبوط، حيث انتقل من توتنهام إلى هال سيتي ثم ارتقى مرة ثانية إلى وست بروميتش الذي يقدم مستوى جيدا هذا الموسم.

د – الدعم

بعد المباراة الكارثية التي قدمها كرس سمولنج في الدوري الإنجليزي أمام ميدليسبره، بدأ ساوثجيت به رغم الانتقادات التي واجهها مدافع اليونايتد، أيضًا إشراكه اليوم للغير محظوظ لوك شو بعد الإصابات المتكررة هي بمثابة الدعم من قائد لجنود قد يحتاجهم يومًا ما.

هـ – عدم التخطيط المسبق

بعدما تأخر الإنجليز بهدف، ظهر أن ساوثجيت غير مرتب لهذا السيناريو المحتمل، بدا الإنجليز عشوائيين وفقدوا اتزانهم الخططي والدفاعي وكادت الفجوة تتسع لولا تألق جو هارت، كان نزول ماركس راشفورد غير مفيد من وجهة نظري فقد مال راشفورد إلى اللامركزية وعدم التقيد بمكان محدد، وهو أمر غير محبب في حالة التأخر بهدف، أنت بحاجة إلى مهاجم تقليدي يتواجد باستمرار أمام المرمى، ولا يخرج لترك المساحات لأجنحة سريعة تفتقد إلى عنصر المهاجم التقليدي كلنجارد، وريدموند.


الألمان والحظ

http://gty.im/657206460

لاشك أن نعت الألمان بأنهم كانوا ذوي حظ اليوم هو أمر ليس فيه تجاوز أو غبن بحقهم، أخطاء في عملية بناء الهجمة تتسبب بكرات مرتدة؛ نتيجة عدم الانتشار الجيد وعدم وجود مساحات للتمرير، غياب مركز الاتصال بين الدفاع والهجوم فبدا الهجوم معزولاً تماما دون أي خطورة – وفقًا لإحصائيات المباراة، فإن الألمان لم يسددوا أي تسديدة دقيقة على المرمى حتى لحظة الهدف، واكتفوا فقط بتبادل الأجنحة بين براندت وساني.

كان يعتري الإنجليز بعض البطء في عملية الارتداد للدفاع لكن الألمان لم يستغلوا هذا البطء بسبب بطئهم هم أيضًا في التحول للهجوم، كما كان هذا واضحا في موقفين في الدقيقتين 38 و53 حين قام كيميش بقطع مسافة طويلة في هجوم مرتد على الإنجليز إلا أن ساني تباطأ حتى ضاعت الفرصة.

أعتقد أيضًا أن على كروس وفيجل مراجعة هذه المباراة جيدًا لأنها من أسوأ ما قدموا من الناحية الدفاعية، وتركوا قلبي الدفاع، هوملز وروديجر، عرضة لاختراقات مباشرة من لالانا وتحرك حر دون أي مضايقة في هذه المساحة بين محاور الارتكاز وقلبي الدفاعي التي تحتاج إلى تأمين قوي.

اللافت للنظر هو تغييرات لوف السلبية، قام بإشراك ايميري شان محل فيجل قبل الهدف وهو يحتاج إلى الهجوم، الأهم هو إخراج مهاجم لايبزيش الواعد تيمو فيرنير وهو أقل لاعبي ألمانيا لمسًا للكرة بـ22 لمسة وفقًا لإحصاء موقع «هو سكورد» والمعزول عن غير إرادته ونزول مولر في تبديل لن يحسن شيئًا سوى إحداث هزة في نفس هذا المهاجم الشاب في أولى مبارياته الدولية.

ربما كان الشيء الوحيد الصحيح الذي فعله لوف هو إشراك رودي ليلعب بثلاثي ارتكاز لتأمين الفوز ولكي يتلقى بودولسكي صيحات الإعجاب للمرة الأخيرة على وقع الموسيقى الشهيرة لهانز تسيمر في فيلم المصارع لراسل كرو.

انتهت المباراة وفاز الألمان، ولكن يبقى الجدل دائرًا حول فائدة استمرار لوف في قيادة المانشفت، لاسيما بعد وصوله للقمة، وزاد هذا الشعور في الأداء المهتز في بطولة أوروبا الأخيرة، وعدم نجاحه أمام الفرق الكبيرة منذ خسارته أمام الأرجنتين عقب كأس العالم، غاير الإنجليز تقاليدهم، يقودهم مدرب شاب، ولاعبون من ساوثامبتون، والأهم نهاية بودولسكي السعيدة .

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.