تحمل الرياضة الكثير من المعاني النبيلة، ربما لا يُركِّز البعض إلا على لحظات النجاح، اللحظة التي تصعد فيها أعلى منصة التتويج لتظفر بميدالية تدل على نجاحك وتفوقك على منافسيك، لكن لحظات الفشل دائمًا ما تكون الأصعب، والتعامل الصحيح معها فقط هو ما يقودك لاحقًا إلى لحظات النجاح.

لحظات الفشل صعبة وقد تجعل أقوى الرياضيين يستسلمون إلى مشاعر الإحباط، ويظنون أنها النهاية وأن الاعتزال المبكر هو الحل. يحصل الكثير من الرياضيين على دعم مباشر بعد الإصابات الخطيرة من قِبل الجمهور، إلا أن الحصول على الدعم من منافسيك أمر مختلف، أن تشعر أنكم عائلة قبل أن تكونوا منافسين، وأن الجميع يقف بجانبك، يجعلك تستجمع قواك لتبدأ من جديد.

إصابة «جيانماركو تامبيري» في 2016

تعرض لاعب القوى الإيطالي «جيانماركو تامبيري» للإصابة بكسر في الكاحل في منافسات موناكو عام 2016 خلال مشاركته في منافسات الوثب العالي.

وجد تامبيري دعمًا من الجمهور الإيطالي بعد إصابته مباشرةً، ولكن الأغرب أن منافسيه تسابقوا من أجل مواساته في تلك اللحظات الصعبة، وصف تامبيري شعوره في هذه اللحظات في قصة نشرها عبر حسابه قائلًا:

الكل جاء وحاول أن يواسيني، عندما أشاهد الفيديو من ذلك اليوم أشعر بالروعة، أنا منافس لهم ولكني أيضًا صديقهم، لقد تم إثبات ذلك في هذا اليوم.

ولكن كانت هذه البداية فقط، حيث إن ما تعرّض له تامبيري لاحقًا كان أصعب واحتاج إلى صلابة وثقة أكبر لتجاوزه، وبفضل منافسه فقط تمكن من العودة للمنافسة على القمة من جديد.

بداية العودة بالمشاركة في «أوسترافا»

بعد شهر من الإصابة في موناكو بدأ تامبيري في عملية التعافي وإعادة التأهيل من أجل استعادة مستواه للمشاركة في بطولة «أوسترافا» بالتشيك لألعاب القوى.

وبالفعل تمكّن تامبيري من العودة والمشاركة في البطولة، ووجد اللاعب الإيطالي دعمًا من منافسيه قبل الجمهور ليتحدث فيما بعد قائلًا:

عادةً كنت أعتمد على الجمهور وتشجيعهم لي، ولكن في أوسترافا بالتحديد شعرت بأن المنافسين كانوا جزءًا من الجمهور، لقد حاولوا حقًا أن يدعموني بكل طريقة ممكنة… شعرت وكأنني طفل ينافس في بطولة للكبار وهم يشجعونه ويعطونه الكرة ويخبرونه كم هو جيد وكل ما عليه فقط هو الذهاب، شعرت أنه مجهود جماعي، لا أستطيع التعبير بالكلمات… كم قدرت ذلك وقتها.

وثب تامبيري بـ 2.20 متر، وكان رقمًا مقبولًا نظرًا لعودته من إصابة قوية.

السقوط في باريس وبداية علاقته مع «معتز برشم»

شارك اللاعب الإيطالي في منافسات الدوري الماسي للرابطة الدولية لألعاب القوى، والتي أقيمت في باريس عام 2018، إلا أن الأمور لم تمر بسلام كما حدث في أوسترافا.

حيث إن اللاعب فشل في قفزته الافتتاحية، الأمر الذي أحبطه نتيجة خوفه من عدم تمكنه من العودة للحالة التي كان عليها في 2016. جاء الكثير من منافسيه من أجل مواساة اللاعب إلا أنه كان يشعر بالإحباط ورحل سريعًا إلى غرفة ملابسه، هنا كانت بداية علاقته مع «معتز برشم».

حيث توجه معتز إلى غرفة ملابس تامبيري ليطلب منه السماح له بالحديث معه، وصف تامبيري ما حدث معه في هذه اللحظات قائلًا:

جاء معتز وقرع بابي… ولكني لم أكن أرغب في الحديث… كنت فقط أريد رحيله… إلا أنه رفض وأصر على الدخول… فاستسلمت في النهاية وأدخلته إلى غرفتي… لقد تحدث معي وبكيت أمامه، لقد حاول تهدئتي بقوله: «لا تتعجل الأمر، تعرضت لإصابة كبيرة وعدت بالفعل الآن للدوري الماسي ولم يكن أحد يتوقع ذلك، ولكن عليك أن تأخذ وقتك كاملًا ولا تتوقع الكثير من نفسك مبكرًا فقط انتظر، وعليك أن تتأكد أنك تخرج لتقفز لنفسك وليس لأحد آخر».

كانت تلك النصيحة مفيدة للغاية لتامبيري، الذي لم يضيع وقته ليعرف أنه ما زال لديه فرصة للعودة، وأن عليه أن يلعب لنفسه قبل أن يلعب للآخرين، ليزيل هذا الضغط من عليه ويبحث عن أقرب بطولة للوثب العالي ليشارك بها.

عودة الثقة في بودابست

لم يضيع تامبيري الوقت، فاتصل مباشرة بمدير بطولة بودابست، ليطلب منه إدراج اسمه في قائمة المشاركين، وعلى الرغم من كون الأمر صعبًا نتيجة أن البطولة ستُلعَب بعد 48 ساعة فقط، إلا أنه بعد توسلات إلى مدير البطولة تمكن من إدراج اسمه ليسافر مباشرةً إلى بودابست بعد ساعات فقط من الفشل في باريس.

تعمد تامبيري الأخذ بنصيحة معتز باللعب لنفسه قبل أن يلعب للآخرين، لذلك تعمّد ألّا يخبر أحدًا بأنه سيشارك في البطولة، وكشف عن ذلك في قصته التي نشرها قائلًا:

كان من المفترض أن أعود لإيطاليا ولكني لم أذهب. لم يعلم أحد أين أنا، لا صديقتي لا أبي لا أمي لا أصدقاء، لم يعلم أحد. أغلقت هاتفي، ولم أتحدث لأحد لثلاثة أيام.

شارك تامبيري في البطولة وقفز مسافة 2.28 متر ليستعيد ثقته مجددًا بعد أن أصبحت أفضل قفزة له في هذا العام، وصف اللاعب الإيطالي شعوره حينها قائلًا:

كانت أفضل مسابقة لي هذا العام حتى وقتها. شيء بداخلي تغير، وقتها فقط بدأت أعيش مجددًا. لقد عدت لاعب وثب عالٍ من جديد.

ذهبية طوكيو 2020

نجح تامبيري اليوم في الحصول على الميدالية الذهبية بعد أن اتفق مع صديقه القطري «معتز برشم» على تقاسم الميدالية الذهبية.

وثب كل من معتز وتامبيري مسافة 2.37 متر وحاول الطرفان تجاوز مسافة 2.39 متر على ثلاث مرات إلا أنهم فشلوا فيها، عرض عليهم الحكم إجراء محاولة أخيرة فاصلة بين الطرفين، إلا أنهما قررا بعد حديث مع الحكم أن يتقاسما الميدالية الذهبية في حدث يحدث المرة الأولى منذ أولمبياد 1912.

وانتشرت العديد من الصور لتامبيري فرحًا بحصوله على الميدالية الذهبية رفقة العلم الإيطالي وهو يحمل جبيرته التي ارتداها في 2016، بعد أن حُرم من المشاركة في «أولمبياد ريو» ليكتب عليها «الطريق إلى أولمبياد طوكيو»، ولكنه لم يكن يعلم أن القدر يستعد لكتابة قصة لن تُنسى بينه وبين صديقه معتز برشم.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.