هذه نصوص قصيرة، داومت على كتابتها على فترات متباعدة، وضمّنت بعضها مجموعة قصاصات، إنها مجرد خاطرة مثل خواطر الشعراء، تعن لك فجأة ثم تترك وترحل. لا أستطيع تصنيفها، لا أعرف إن كانت قصصًا أم قصائد نثر. إنها حالات خاصة قد تقترب أحيانًا من شكل القصة القصيرة جدًا، وأحياناً لا تكون إلا مجرد فكرة، أو ما يشبه قصيدة النثر. أظن أنها تستجيب لميلي القديم لكتابة الشعر، فلها نفس وقع القصائد عندما تتراءى لي، ونفس سطوتها، فهي تستبد بي أحياناً وأجد نفسي ألُاحق تلك الخواطر الشاردة. الحقيقة أنني أُفرِّق بينها وبين القصص القصيرة بحدس داخلي، لا أتمكن من الإمساك به وصوغه في كلمات، لكنها في النهاية لحظة مُكثفة أو انطباع أو موقف أو حتى فكرة، تثير انتباهي ورغبتي في تشكيلها.

ندم

قالت الحاجة «صباح» إن البنت «مها» لم تعد إلى البيت. قالت «نهاد» ابنتها الكبيرة وهي تُرضِع ابنها على كنبة الصالة: «يمكن حصل لها ظروف». قالت الحاجة صباح منفعلة: «أنت دائماً تدافعين عنها». وقامت– منطورة- من مقعدها بجانب الباب، قائلة: «البنت دايرة على حل شعرها مثل أمها، وأبوها كان رجل طيب». قالت نهاد غاضبة: «ليسوا من بقية أهلنا يا ماما». قالت الحاجة صباح من المطبخ: «بنات ابن خالتي، مسئوليتي».

وقفت تعد فنجان القهوة، وخطر لها الرجل الطيب القصير الذي كان يسير شاحباً في سوق الجبان، يترك حقائب السوق على الأرض بجانب قدميه، ويقف ينظر إليها مبتسماً؛ ابن خالتها سيئ الحظ. تقترب منه وتأخذه في حضنها في الشارع، فهي تعرف ما يحدث في بيته، وكثيراً ما قالت لنفسها سوف أخبره، لكنها لم تقدر.

عادت بفنجان القهوة، واتصلت ببيت ابن خالتها، وسألت مريم الصغيرة: «أختك رجعت؟»، قالت مريم: «لا يا تيتة». سألت لثالث مرة: «خرجت من امتى؟»، صمتت مريم قليلاً قبل أن تجيب: «من أول إمبارح الصبح». أغلقت الخط وهي تقول: «يعني ثلاثة أيام؟ هذا ثالث يوم، لن أترك البنت الصغيرة تنام وحدها في البيت». شعرت بجسدها يصهد، فلم تتمكن من الجلوس، أخذت رشفة من فنجان القهوة وقالت: «سوف أنزل لأبيت مع مريم». قالت نهاد: «يا ماما إحنا في نص الليل، والشوارع طين». قالت الحاجّة وهي ترتدي العباءة السوداء وتتلفع بالحرام الثقيل: «لن أترك الصغيرة تنام وحدها».

فتحت باب الشقة. السلم مظلم. أخذت تتسنّد على الدرابزين وتلعن أصحاب الشقق البخلاء الذين يطفئون نور السلم، كي لا يدفعوا ربع جنيه زيادة في فاتورة الكهرباء. وقفت قليلاً أمام باب العمارة. الشوارع موحلة، لكنها مصرة أن تقضي الليلة مع البنت الصغيرة. تنقلت على الأرصفة تتجنّب الأوحال، تستغفر الله وتشعر بأنها ارتكبت إثماً كبيراً، لأنها لم تخبر ابن خالتها بما تعرف. ربما لو أخبرته، لطلّقها. ذلك الطيب سيئ الحظ، الذي كان يشعر بالخيانة ولا يستطيع أن يُثبتها، وهو الذي باع فدان أرض سمراء من أجود الأراضي ليرضي امرأة لا يرضيها شيء، وما إن استراح بجوار ربه، حتى تركت البيت وتزوجت من ضابط في القسم، ثم من محامٍ ضحك عليها وأخذ فلوسها، ثم من سواق عند رئيس محكمة، وكل فترة ترجع إلى بناتها تضربهم وتأخذ النقود الباقية من معاش أبيهم.

هذا الغم كله سببه أنها لم تخبره أنها رأت الرجل ينزل من شقته في الظهيرة، أثناء وجوده في الشغل، رأته بعينها، كان عندها مغص في الكلى ووقفت تستريح قليلاً من ثقل شنط السوق، رأته يخرج من البوابة كاللصوص بوجهه العكر الذي تعرفه، ولمحت الزوجة في الشرفة تلم الروب حول جسدها وتدخل بسرعة.

فتحت لها مريم الباب ودخلت الحاجة صباح البيت وسألت: «أختك لم ترجع؟»، قالت البنت بدهشة: «حرام يا تيتة تتعبي نفسك في الجو ده، وكمان في نص الليل». قالت الحاجة صباح مستسلمة: «لن أتحمل أن تنامي وحدك الليلة».

الناس تُكلِّم نفسها

ما إن خرج من البيت، حتى سمع بوّاب العمارة المجاورة، يتكلم بصوت خافت. يُمسِك الجوزة ويُخرِج الدخان من أنفه ويقول: ماذا أفعل؟ هرب الولد وأعطوه سنة حبسًا، ثم سنة أخرى لأنه هرب مرة أخرى، وما نابني غير أن ماتت أمه من الحسرة، دفنتها في البلد ورجعت.

توقف عن الحركة، عندما رأى أن البوّاب لا يُكلِّم أحداً بل يحكي حكايته لنفسه. بدأ يسير في الطريق إلى عمله، مُفكراً أن الرجل معذور، فما حدث له ليس هيناً ولا يتحمله أحد.

أمام فرن العيش البلدي، هناك طابور يمتد حتى باب الصيدلة المغلق، والرصيف مُترَّب. فرشت سيدة بملابس ريفية ورقة جريدة. نشرت عليها الخبز. تمسك الرغيف بأناملها لأنه سخن جداً، وتُقلِّبه على وجهه، فيخرج البخار الساخن من ثقوب صغيرة في قعر الرغيف. سمعها تقول: كل يوم أقول لك حرام عليك، «البيت مفيهوش لقمة عيش»، وركبي تنشر عليّ ولم أعد قادرة على العمل، لكنك لا تسمع، «ودن من طين وودن من عجين».

انحرف يميناً في شارع الشيتي، الخالي في ذلك الوقت من الصباح، سمع أصواتاً تصدر من خلف الشبابيك، وصمت الشارع بدا له مُعبّأ بأصوات خفيضة تشبه الهمهمة. أرجع ذلك إلى إرهاقه من رعاية أمه المريضة طول الليل، وقال لنفسه إن ما يسمعه قد يكون هلاوس سمعية، بسبب تناوله المهدئات، لكن بعد خطوات قليلة، تبيّن له أن الأمر حقيقي.

في داخل الشقة التي تستعملها الصحة المدرسية عيادة خارجية للتلاميذ، لاحظ أن العاملة تُكلِّم نفسها بصوت مرتفع. إنه يعرفها فتوقف لكي يُصبِّح عليها، لكنها استمرت مستغرقة في حوارها: الناس ماشية تكلم نفسها، عندهم حق، الواحد لازم يكلم نفسه لما يكون ما يحدث له فوق طاقته. البت «نوسة» ماتت في المستشفى بعد أن شربت البوطاس، والواد «موحة» صدمته عربية عند سوق الجملة، والبنت بنت الشيخ أسامة هربت مع الواد «عزت»، «وأنا هفضل طول عمري أربي أولاد أخويا وإن شا الله ما اتجوزت ولا شفت عدل».

في المكتب لم ينتبه لدخوله الأستاذ شريف زميله، كان يحكي لنفسه عن ميراث في البلد وقضايا مرفوعة من عمه، عليه وعلى إخوته البنات. جلس على مكتبة يُفكر أن الأمر حقيقي وليست هلاوس سمعية، لا أحد يسمع أحداً، كل واحد يحمل همه بالعافية. استراح لهذا التفسير وبدأ يحكي لنفسه قصته مع مرض أمه وعلاجها، وأمنيته أن تموت لكي يعود مرة أخرى يحمل السنارة ويركب الموتوسيكل مع «حودة عزيز»، ويقضيان اليوم بطوله في صيد السمك.

ابنة البقال

اشتكى «محمود شتا» من أحوال «سهام» ابنته. قال له عم «حسين الترزي»: اصبر عليها، البنت وعت على الموت وهي في اللفة. اشتكى الأب من أنها ترفض كل من يتقدم لخطبتها، وأقسم أيماناً مغلظة بأنه لا يحتاجها في العمل، وأنها هي التي تصر، وأنه يمكن أن يشغل ابن خالتها الذي لا يجد عملاً.

قال حسين الترزي:

«خليها تمر عليّ وهي راجعة المغرب».

في السادسة صباحاً قبل أن يخرج الناس من البيوت، تجلس سهام في الجهة اليمنى من محل البقالة، أمامها على المكتب، علب مفتوحة من اللبان والحلوى والبسكوت في انتظار أطفال مدرسة النهضة.

تبقى في نفس المكان حتى الخامسة مساءً، ميعاد وردية الأب. يأتي من البيت وفي يده السيجارة تحيطه رائحة الدخان. يُنظف المكان ويُحاسب سهام، ويُغلق الخزينة، ويرتب المكان: ماكينة ختم بطاقة التموين الذكية والآلة الحاسبة والعبوات الصغيرة المتناثرة، وصفائح المخلل تُرفع الآن وتُوضع في الجانب الآخر، يُعد الفرشة ويُغير محطة التلفزيون من محطة الأفلام إلى محطة القرآن.

بدأت العمل عندما كانت طفلة في سنة رابعة ابتدائي، تركت المدرسة وفرحت بالعمل في محل البقالة، كل الزبائن تراها صبية صغيرة نشيطة تتحدث مع تلاميذ مدرسة النهضة، وتمتحنهم في جدول الضرب. تجلس على نفس المقعد وتؤدي نفس الأعمال حتى الآن بعد أن وصلت إلى الثامنة عشرة من عمرها.

في الفترة الأخيرة، في وقت هدوء العمل بعد دخول المدارس وبين الحادية عشرة، تبدو شاردة، تطل من عينيها نظرة كسولة ذابلة. لم تعد تنظر إلى التلفزيون على قناة الأفلام لأنها عرفت كل الأفلام المعروضة تقريباً، تحدق في الشارع وتتابع المارة.

في المغرب نادى عم حسين الترزي عليها وهي تسير شاردة في طريقها إلى البيت، جلست على المقعد الخالي أمام باب الدكان. حاول أن يمازحها قائلاً إن عنده عريس لها، لكنها قفزت من فوق الكرسي وقالت: «يقطع الجواز وسنينه، يا ناس مش عاوزة أتنيل أتجوز».

يراقبها عم حسين تنتقل على الرصيف المقابل مسرعة في خطوتها، ويتعجب على حال البنت التي انطفأت فجأة، يفكر في أنها تقضي على نفسها، يتذكر أنها اعتادت في صباها أن تمر عليه وتجلس لتتحدث معه، وببراءة تلك السنين حدثّته مرة أنها لن تتزوج كي لا تموت مثل أمها بمرض حصر اللبن في الثدي، ورغم أنها كانت في اللفة وقتها، إلا أنها حكت لعم حسين أنها تحلم بأمها وهي تعض المخدة من الألم.

قامت في الفجر كالمعتاد وارتدت ملابسها، وعندما خرجت من البيت شعرت بالبرد، وبأنها مريضة والطريق يتأرجح في عينيها، ولأنه كان صباحاً شتوياً والنهار يتأخر قليلاً حتى يطلع، فإنها وقفت حائرة لا تدري ماذا تفعل ولا في أي تجاه تسير، وقفت طويلاً على الرصيف، حتى رأت تلاميذ مدرسة النهضة، فتذكرت أنها تأخرت عن فتح الدكان. واصلت المشي إلى محل البقالة بحكم العادة، فهذا ما يعرفه جسمها عمله لمدة عشر سنوات.

في هذا اليوم بدأت أصابعها ترتعش وتغلط في الحساب، وبدأ ذهنها يتوه وتظل شاردة، ينقلها ذهنها إلى صالة شقة قديمة خالية من أي شيء، أخطأت في حساب التموين وفي محاسبة الأولاد، بعد أن كان يمكنها أن تلاحق ثلاثة زبائن في نفس الوقت، اختل الأمر، وأصبح المحل فوضى. اتصل الجيران بالأب، جاء وأغلق المحل واصطحبها إلى البيت.

في الفجر- بحسب نصيحة حسين الترزي- جهّز حقيبة صغيرة، بعد أن أقنعها بصعوبة أن تركب معه سيارة اللادا القديمة وأوصلها إلى بيت عمتها في قرية صغيرة بالقرب من المدينة، لتستريح عدة أيام، لكن الشرود زاد، ثم بدأت تبكي دون سبب، تقول لعمتها وهي تبتسم إنها ليست حزينة وهي مستغربة من رغبتها المستمرة في البكاء.

بعد إلحاح من عم حسين، عرضها أبوها على طبيب من زبائنه، أعطاها أقراصاً أنامتها ثلاثة أيام وصحت ساكنة حاضرة لكنها غائبة في الوقت نفسه، لم تعد تبكي لكنها لم تعد تتكلم، وتقضي النهار في البلكونة تتابع المارة.

حفرة السر

في الممر المنير بالشمس بين بيتنا وبين الجيران، سور قديم عال. هناك فرجة في السور، بين قالبين، متسعة قليلاً كأن البنّاء نسي أن يضع فيها حشوة من الطوب. ذات يوم نظّفتها وجئت بطوبة قديمة من سور ملجأ البنات المُجاور، ونحتها حتى تشبه باقي الطوب، وعملت منها غطاء للحفرة، وابتعدت أنظر إليها، لا يمكن لأحد أن يعرف أن وراء تلك الطوبة خزانة ضمت أشيائي.

ما أسميه أشيائي، هو حاجات كنت ألتقطها وأحتفظ بها لأنها تشكل جاذبية غامضة. وكلما بقيت معي شكّلت جاذبية أكثر باستمرار تأملها: قطعة من الحجر على شكل وجه إنسان، خرزة من السبحة فسفورية مضيئة، قطعة من القماش فيها ألوان لا تُحصي، قطعة خشب منحوتة على شكل جسد أنثوي، وغيرها من الأشياء التي أحببتها وشكّلت كنزي. أحاطت بهذه الأشياء هالة من السحر، وكنت أحلم بها، ولم يحدث أن استعدت هذه الأشياء أبداً.

لا أعرف كيف حدثت لحظة التلاشي وضياع السر. ليست موجودة في الذاكرة، لا أعرف متى بدأت أنتبه إلى أمور أخرى وألعاب أخرى، وأنصرف عن الخزانة. بعد سنوات طويلة، كنّا قد انتقلنا إلى بيت آخر، وهُدم البيت القديم وقامت مكانه عمارة عالية حديثة، بدأت أفكر بدهشة واستغراب بأنني لا أعرف مصير حفرة السر والأشياء المُخزّنة فيها، كيف نسيتها، كيف انفلتت من وعيي ومضت دون حس؟

رحت استعيدها بشيء من الأسى وأقول لنفسي بأنني عندما لم أعد أعبأ بها، فقد ماتت بالنسبة لي، ولو كانت مهمة بالدرجة التي أتصورها، لم تكن قط ستضيع. لكن الأمر لا يتداوى بهذا الشكل، يظل هناك حس غامض، فأستعيد بحنين وجه الإنسان الحجري الذي تأملته طويلاً وصاحبت ملامحه ورأيت فيها سراً، وجسد الأنثى الخشبي بلونه المحترق كأنه جسد حي من الأبنوس، وخرزة السبحة المُنيرة كأنها نجم هوى من قديم الأزل، واحتفظ بضوئه.

في بعض الأحيان أتمنى أن أعود صبياً، لأذهب إلى الممر الصغير وأبحث عن حفرة السر، لكن بصراحة ليس هذا هو الأمر. المؤسي حقاً هو كيف يتسلّل النسيان ويعمينا عن أعز ما نملك، والمؤلم أنني حتى الآن غير آمن من غدر النسيان، فقد أضيّع شيئاً غالياً، تقوم عليه حياتي الآن، دون أن أنتبه.

البنت التي سكنت الصورة

بريق العينين يوحي باللون العسلي، رغم أن الصورة أبيض وأسود. كيف تكون العينان مُشعِّتان بهذا الشكل؟ خاصةً أن منْ يعرفها وقد جاوزت الآن الستين، يرى في لون عينيها بعض البريق، لكن مركز الوجه، بسمتها أو شفتيها المكتنزتين.

عثرت على الصورة في كرتونة في شقة والدها في طنطا بعد تقسيم الميراث. الصورة قديمة جداً، مطوية طيتان. الخطوط التي تُقسِّم الوجه إلى أربعة أقسام غير متساوية، إلا أن بريق العينين يعكس روح البنت التي كانت في ذلك الوقت. الطموح والرغبة كأنها تريد أن تتجسد خارج الصورة.

شعر البنت في الصورة قصير، وجاذبية الوجه تكمن في إشراق العينين، في الرغبة التي تشع منهما: «أنا هنا، سوف أفعل كل ما أستطيع، سوف أملأ الدنيا صخباً». وفعلا تبدو حياتها تجسيداً لما يظهر في الصورة. تعلّمت في جامعة القاهرة وعملت مترجمة، ثم اشتغلت في الأمم المتحدة، وبعد ذلك أنشأت مركزاً للحفاظ على التراث المعماري، وتزوّجت وأنجبت، ولم تعد تلك الفتاة التي في الصورة.

تقترب من النافذة المفتوحة في الشقة الخالية، وفي يدها الصورة، علّها ترى ملامح البنت بوضوح. تفكر أن هذه البنت جمرة مشتعلة. في لمحة خاطفة، لاح لها معنى حياتها؛ كانت جمرة مشتعلة لم تُخلِّف وراءها غير الرماد الذي تكونه الآن. حاولت تشجيع نفسها بأن هذا شأن كل حياة، لكن الحزن لم يفارقها طوال اليوم، وهي تغلق الأبواب والنوافذ وتُسلِّم المفتاح إلى البواب وتداعب خالتها قائلة إنها سوف تزورها كل شهر.

تتجول في المدينة التي اختلفت عمّا كانت عليه في شبابها في السبعينيات. لم تعد نفس المدينة، وهي أيضاً لم تعد نفس البنت. كبس عليها الحزن فقررت أن تزور السيد البدوي قبل أن ترجع إلى القاهرة.

دخلت المقام في سكون ما بعد صلاة العصر. أمام الضريح جاء حزن كثيف، تمادى حتى أوشك أن يتحول إلى بكاء. أرادت أن تبكي لأنها لم تشبع من الحياة، ولا تريد أن تفارقها، كان حزنها ينبع من أنها لم تعد نفس البنت الصغيرة. لو أنها ظلّت تعيش دون أن تُفارق عمر البنت التي سكنت الصورة؟ تريد الآن -بحُرقة- أن تلغي كل ما عاشته، وتعود لتكون -إلى الأبد- تلك البنت المشعة.