بعد أن مرّت سنواتي الثلاث والعشرون الأولى من عمري، لاحظت على نفسي أنّني اكتسبتُ عادة جديدة وهي: مراقبة الأطفال.

ولا أعني هنا بمراقبة الأطفال، الانتباه إليهم بالمعنى السطحي فحسب، بل مراقبة تصرّفاتهم وما يعني لهم. ولاحظتُ أن الأطفال -على الأقلّ مما رأيت- يُقدّسون أعياد الميلاد، وينتظرون أعياد ميلادِهم من العام للعام، بل ويخلقون المناسبات للاحتفال بِه مرّات عديدة في السنة.

ولمَ كلّ هذا؟

لسبب واحد وهو: تلقّيهم الهدايا.

أمّا أنا التي تخطّيت هذه المرحلة، ولم أعد أنتظر أعياد ميلادي كالسابق، لا أنفي أنني أفرح بتلقيّ الهدايا في أي مناسبة، بل أطير فرحًا من ذلك، ولكن هناك فعلًا يجعلك لا تطير فحسب، بل تحلّق إلى الفضاء من الفرح والسعادة، وهو إعطاء الهدايا.

الحقيقة هي أنّ تقديم الهدايا، أي العطاء بشكل عام -برأيي- يُشعِر الإنسان بأحاسيس أكثر بكثير من تلك التي تنتابه عند تلقّيها؛ يُشعرنا تلقّي الهدايا بالفرح والامتنان، وقد يستمرّ هذان الشعوران لمدّة دقائق، أو ساعات معدودة وربمًا يومًا كاملًا بحسب إعجابك بالهدية. أمّا إذا وضعنا هذه المشاعر واستمراريتها بكفّة، وقارنّاها بالمشاعر التي تُخالجنا عند إعطاء الهدايا، لِمن ستميل الكفّة؟

بالأسباب والبراهين: إعطاء الهدايا فرحة تفوق تلقّيها.

1. العطاء يصنع التغيير

ليس الأمر مرتبطًا بحجم الهدية أو قيمتِها، فقد تكون أقلّ مما يخطر ببال الناس عند تفكيرهم بهدايا يقدّمونها للآخرين في المناسبات السعيدة. المهمّ هو تذكّر الأشخاص والسعي لإسعادِهم، وفي هذا لذّة كبيرة. واللمسة صغيرة من اللطف قد تغيّر يوم الشخص مزاجه.

من السّهل أن نفكّر في أن المساعدة أو العطيّة الصغيرة لن تُحدث فرقًا، ولكن تأكّدوا أن محاولة عطاء واحدة ستنسِف هذه النظرية، بخاصّة عندما ترى تعابير وجه الشخص الذي تلقّى العطاء.

2. العطاء يساعد من هم بحاجة لذلك

لا يقتصر العطاء على الهدايا بين الأصدقاء والأحباب فحسب، فهو يتجلّى أيضًا في كلّ أشكال المشاركة والتضحية والتخلّي. وفي حال كان هذا العطاء ماديًا، قد يُسعِف إلى حدّ كبير من يتعفّف على إظهار عوزِه.

وفي هذا السياق، أذكر قصّة رجلٍ أمريكيّ ارتاد مطعمًا، وترك بقشيشًا للعاملين بقيمة 16 ألف دولار. وذكر هذا الرجل أنّ هذا الفعل «يغمره بالسّعادة»، وكان قد ساعد بهذا الفعل الكريم الكثير من الموظّفين الذين مرّوا بظروف صعبة، فزادت راتبهم الشهريّ حينها ما يُقارب الثلاثة أضعاف.

3. العطاء يُشعِر الإنسان بقيمة نفسه

الأثر الذي تتركه في نفوس الآخرين بعد فعل العطاء، وشعور السعادة الذي يغمرهم، كلّ هذا يؤكّد لكَ أنّ بإمكانك أن تؤثّر وأن تُغيّر مجتمعك الصغير نحو الأفضل.

جميعنا يرتابُنا شعور بأننا «غير محبوبين» أو أن «ليس لنا قيمة»، ولكن فقط جرّب أن تُقدّم المساعدة لأحد، وستشعر مباشرةً كم أنّ العالم بحاجة إليك.

4. العطاء يعزّز ثقافة التضحية

تخيّل أنّك بدأت من دون سبب موجة من العطايا والهدايا البسيطة والمعنوية لكلّ من حولِك، أو تخيّل أنكِ بدأت حملة لمساعدة الفقراء في حيّك. سيتأثر منْ حولك بالتأكيد بفعل الخير، وسيستمدّون منك القوة والإلهام والدّافع لأن يقوموا بتقليدك. وهل هناك أجمل من التقليد في هذا المجال؟ سيصبِح العالم مكانًا أفضل.

وفي النهاية، فكّروا بقوانين الحياة، فإذا أرسلنا طاقة وأفعالًا سلبية ونشرناها بين الناس، فإننا نتلقّى مشاكل في المقابل. وتعمل الحياة كمرآة أو صدى لما نفعله ونقوله ونفكر فيه. لذلك، فإنّ إرسال الهدايا وتقديم العطايا سيرتد عليك بأمور جيّدة في المقابل.

5. العطاء يساعد على التعبير عن المشاعر

أظهرت دراسة أُجريت عام 1979 الوظيفة الرئيسية للهدية: فالهدايا التي نقدمها هي ببساطة مظهر مادي يعكس رغبتنا في تقوية الرابطة مع شخص ما. ويمكن للخجل أن يجعل التعبير عن المشاعر أمرًا صعبًا. فتصبح الهدية وسيطًا مثاليًا.

فعلى سبيل المثال، أنت شخص خجول وتريد التعبير عن حبّك لأحد إخوتِك، فبدل أن تُعبّر عنها بالكلام، تأتي الهدايا والعطاءات الصغيرة لتقوم عنكَ بهذه المهمّة. ومن جهة أخرى، يُمكنّنا العطاء من التعبير عن مشاعرَ أخرى. فشخصيًا، تتملّكني أحيانًا طاقة إيجابية أريد أن أشاركِها مع مَن حولي، فأترجمها إلى هدايا صغيرة تُشعِر الجميع بهذه الطّاقة وتُساعدني على نشرِها. ومن المؤكد أن هديتك ستحظى بالتقدير، لأنك أخذت الوقت الكافي لاختيارها مع وضع منْ تُحبّ في الاعتبار.

ختامًا، ليس هناك قاعدة عامّة لما يجب أن يُفضّله الناس أو يتّبعوه للشعور بسعادة أكثر أو رضا أكبر، فالمشاعر الإنسانيّة نسبية، ومن الصعب تحديدها ووضعها في إطار وتصنيفات ثابتة. ولكن، يبقى معيار الرضا الذي يشعر به الإنسان مرتبطًا بكميّة المشاعر الإيجابية التي تنتاب الإنسان، ويرتبط عدد كبير منها بأفعال العطاء والمشاركة والتضحية.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.