تعلم الآلة والذكاء الاصطناعي يتيحان لنا قدرات لم نفكر بها منذ بضع سنين فقط.

هذه هي رؤية «ساندر بيتشاي Sundar Pichai» المدير التنفيذي لشركة جوجل.

تفوقت جوجل على كل أقرانها ليس فقط بالمنتجات التي تقدمها للمستخدم، إنما بكل ما تقوم بتطويره في معاملها للبحث العلمي أو للتسلية. على سبيل المثال لا الحصر، بالتأكيد لاحظت فرقًا عند استخدامك لأداة جوجل للترجمة، لم تعد الترجمة حرفية، إنما صارت تعطي كل المرادفات بأمثلة عليها، وصار نطق جوجل أوضح وأبعد ما يكون عن نطق الآلة الذي تعودت أن تسمعه قديمًا.

أيضًا بالتأكيد استعنت بخرائط جوجل في قيادتك وجولاتك وبحثك عن مطعم أو عيادة أو أي مكان سمّه ما شئت. وربما سمعت عن الكاميرا «Google clips» التي تقرر عنك آليًا متى تأخذ بعض اللقطات التي تظن أنك تريد الاحتفاظ بها.

سعي جوجل لدفع التكنولوجيا لتكون قوة تستخدم من أجل تحقيق المساواة؛ هي بمثابة وسيلة تمكين للجميع، وهو ما قادها لإتاحة الفرصة للمستخدم أن يجرب كيف يقوم بتعليم الآلة من خلال التجربة التي تم طرحها في بداية أكتوبر الماضي.


تجربة «Teachable Machine» تعلمك كيف تعلم الآلة

التجربة التي قدمها مطورو جوجل وأطلقوا عليها اسم Teachable Machine الهدف منها أن تسهل للجميع استكشاف وفهم كيفية عمل عملية تعلم الآلة. التجربة مبنية على مبدأ الشبكات العصبية الاصطناعية، وهي محاكاة برمجية للشبكة العصبية في مخ الإنسان وطريقة تحليلها للمعلومات.

لا تقلق، فإن التجربة لا تتطلب منك أن تصبح مبرمجًا أو مهندسًا أو عالم حاسوب، ولا حتى تتطلب أن تكون على علم بمبادئ البرمجة، سواء تستخدم الهاتف أو الحاسوب. كل ما تحتاجه هو متصفحك والكاميرا الخاصة بالجهاز، ثم عليك أن تواصل الضغط على الأزرار الملونة (أخضر/ بنفسجي/ برتقالي) التي أمامك لبضع ثوانٍ وتتركها وسوف تخرج بنتيجة لحظية، نعم إن الأمر بهذه البساطة.

لقد قمت بالتجربة بنفسي وعلمتها أن تتعرف على نجم بحر وصدفة بحرية وإظهار صور متحركة معبرة عنهم، قام آخرون بجعل أيديهم تصدر صوت بقرة و صوت عزف على الجيتار.

التجربة تتم باستخدام الكاميرا فقط، والإخراج يكون في ثلاثة أشكال؛ إما صور متحركة أو مقطع صوتي أو خطاب. للحصول على نتيجة عليك أن تبرمج التصنيفات الثلاثة عن طرق الأزرار الملونة، لتدريب هذه التصنيفات ستقوم بالضغط على كل زر على حدة لبضع ثوانٍ لتجميع بعض النماذج من الكاميرا.

دعنا نقول إنك تريد أن تجعل الآلة تميز بين تفاحة وبرتقالة وموزة، ستقوم برفع التفاحة أمام الكاميرا والضغط على الزر الأخضر لبضع ثوانٍ وتجعله يقول An apple، ثم تكرر العملية مع رفع البرتقالة واستخدام الزر البنفسجي فيقول An orange، وتكررها مع رفع الموزة واستخدام الزر البرتقالي فيقول A banana. إذن في كل مرة سترفع إحدى ثمرات الفاكهة الثلاث سيقول اسمها.

بالطبع التطبيق بدائي جدًا لكنه يخدم الهدف من شرح وتبسيط العملية، ويمكنك أن ترى ذلك إذا حاولت أن تربكه برفع نوع آخر غير الذي قمت بتدريبه عليه، عندها سيصنف ما تعرضه له ويقرر إلى أي نمط ينتمي بنسبة مئوية لتأكيد النتيجة، بمعنى أنه يقول لك أعتقد بنسبة 70% أن هذه تفاحة وبنسبة 50% أنها برتقالة.


كيف تقوم الآلة بالتعلم؟

عد بذاكرتك للمرحلة الابتدائية في الحصص الدراسية عن الحاسوب، كنا نتعلم أن الحاسوب يقوم بمعالجة البيانات لتخرج في صورة رقمية، وتتطلب هذه العملية ثلاث مراحل لتتحقق؛ وهي إدخال البيانات والمعالجة وإخراج البيانات.

فمثلًا تقوم باستخدام الكاميرا في التقاط صورة، فتخرج لك صورة في هيئتها الرقمية على الشاشة، أو أن تستخدم الميكروفون في تسجيل مقطع صوتي، فتستطيع الاستماع له عن طريق السماعات، أو أن تقوم بالتلاعب بالبيانات فتكوّن خرج مختلف تمامًا يخدم الهدف الذي تريد تحقيقه كأن تقوم بعملية حسابية أو تتلاعب بالصور أو تؤلف الموسيقى، فما يحدث أنه في كل مرة يتم تحويل البيانات من صورتها الطبيعية إلى صورة رقمية يمكن التعامل معها إلكترونيًا بناءً على البرمجة المصممة لتقوم بمهمة معينة.

تعلم الآلة أو الـ Machine Learning هو عملية برمجة الآلات على كيفية التعلم دون أن تقوم ببرمجتها بشكل مباشر، وهي تتطلب نفس المراحل السابق ذكرها، لكن المعالجة هنا تحدث بطريقة أكثر تعقيدًا. تنفيذ المهام يتم باستخدام طريقتين؛ إما بخوارزميات تضع أنت فيها البيانات المختلفة وتحدد ما يطلق على كل منها بالبرمجة، وهنا عندما ترى الآلة بيانات جديدة ستحلل الخواص بها وتصنفها حسب ما يحتوي عليه برنامجها، أو بخوارزميات تقوم بإدخال البيانات فقط وتبرمج الآلة على تحليل هذه البيانات واستخراج السمات منها وتقسيمها إلى أنماط مختلفة دون أي تدخل منك. وفي كلا الحالتين عند إدخال بيانات جديدة تمامًا ستستطيع الآلة أن تقرر إلى أي نمط تنتمي كل منها.

يندرج تحت هاتين الطريقتين أنواع عدة من الخوارزميات المستخدمة في البرمجة والتطوير، لكنها جميعها تعتبر المكون الرئيسي للعقل الذي تبرمجه للآلة حتى يستطيع أن يفكر ويتخذ القرار المناسب للتنفيذ.

تلك التجربة – في رأيي – وسيلة رائعة لشرح أكثر مبادئ الحاسوب تعقيدًا بطريقة سهلة ومسلية تجعلها صالحة للأطفال بهدف التعلم ووضع أقدامهم على بداية طريق يبني مستقبلهم، وأرى أنها صُممت مرئيًا لتجعل المستخدم، أيًا كان عمره أو خلفيته التقنية، يستطيع أن يستنتج ماهية عمل الروبوتات المتطورة.

وفي حاضرٍ صرت تملك فيه حاسوبًا تضعه في جيبك يقوم بكل المهام التي كنت تحتاج لإنجازها ربما إلى عشر أدوات منفصلة، بل وصار مساعدًا شخصيًا تتحدث معه، وبات لدينا آلات تقوم تقريبًا بكل شيء بالنيابة عنّا بداية من التنبيه والمناولة وفتح وغلق الأبواب والأنوار إلى القيام بالطبخ والتنظيف والقيادة وصولًا إلى المهام التي تتطلب الدقة كالعمليات الجراحية والعمل في المصانع والبحث العلمي، وصرنا أيضًا نسعى لخلق روبوتات تشبهنا شكلًا ومضمونًا قادرة على التفكير وأخذ القرارات والتعبير عن المشاعر ولعب الشطرنج وتأليف الموسيقى.

إننا الآن نعيش في المستقبل الذي كنا نتخيله منذ ربع قرن، وقد تراودك المخاوف بأننا اسُتبدلنا بالآلات للقيام بكل شيء، لكن لا تنسَ أن هذه الآلات من فعل «لا محدودية العقل البشري»، وأن الهدف من الفكرة بالأساس تسهيل حياتنا وتحقيق الرفاهية، وخلق سُبل جديدة للعيش.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.