مثلما قال يوليوس قيصر، في هذا العالم، لا يوجد أصدقاء أو أعداء، فقط مصالح مشتركة. 
بيب جوارديولا، المدير الفني لمانشستر سيتي الإنجليزي. 

بهذا الاستشهاد، الذي لا نعلم مدى دقته، جلس الإسباني بيب جوارديولا أمام مجموعة من الصحفيين محاولًا دحض الاتهامات التي وُجِّهت لناديه الإنجليزي مطلع فبراير/ شباط 2022، والتي شملت ارتكاب النادي لأكثر من 100 مخالفة مرتبطة بتقديم معلومات مالية دقيقة لرابطة الدوري الإنجليزي حول إيرادات النادي ومصاريف تشغيله خلال الفترة بين موسمي 2008- 2009 و2017- 2018. 

للوهلة الأولى، يبدو دفاع بيب عن السيتي غريبًا، يجعله ملكيًّا أكثر من الملك نفسه؛ لم يكن بيب جزءًا من هذا النادي وقت حدوث تلك المخالفات، ومع ذلك يُصر على براءة المؤسسة، فقط لأنهم أخبروه أنهم لم يخالفوا أي قاعدة. 

هنا، يمكن اعتبار جوارديولا ساذجًا، فقد ثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن مؤسسة السيتي تقوم بشيء يُخل بقواعد اللعب المالي النظيف، حتى ولو لم يتم إثباته. لكنه ترك لنا عبارة مفتاحية، تجعلنا نتفهَّم حرصه الشديد على إبراء ذمة المؤسسة العملاقة من أي تهم تلاحقها، وهي «المصالح المشتركة». 

«المشروع بيب» 

كأي موظف، لا يفوِّت بيب فرصة لإظهار انتمائه للكيان السماوي معتبرًا عن امتنانه للإدارة التي لطالما دعمت وجوده على رأس العارضة الفنية لدُرَّة تاج مجموعة سيتي جروب. 

ربما يكمن تفرُّد العلاقة بين جوارديولا وسيتي جروب فيما يتخطى العلاقة بين مدرب كرة قدم ودفتر شيكات مفتوح. فمنذ اللحظة الأولى لوصول الإسباني إلى إنجلترا، أو ربما قبل وصوله من الأساس، كانت إدارة السيتيزنز قد قررت أن تجعَل المدير الفني الأسبق لبرشلونة واجهة مشروعها الجديد. 

طبقًا لمراسل الغارديان البريطانية في مدريد «سيد لو» اتخذت الإدارة الإماراتية لمانشستر سيتي برشلونة مرجعًا لها. ففي عام 2012، عُيِّن ثنائي البارسا السابق «فيران سوريانو» و«تشيكي بيغرستين» مديرًا تنفيذيًّا ومديرًا رياضيًّا للنادي على الترتيب. والهدف هو محاولة نسخ تجربة برشلونة بحذافيرها. 

حسب لو، توافق نموذج برشلونة مع رؤى الشيخ منصور بن زايد التي تتجاوز كرة القدم الجميلة، بداية من اقتحام أسواق جديدة، وتطوير اللاعبين الشُبَّان لجلب الأرباح. باختصار، أراد الشيخ منصور أن يجعل مانشستر سيتي، الموصوم بداهةً بسبب مصادر تمويله، ناديًا محبوبًا. بالتالي كانت الإجابة على كل هذه الأسئلة هي تهيئة الجو العام لجلب «بيب جوارديولا»، أفضل مدرب في العالم في هذه اللحظة.

بعد موسم أول كارثي، اتضح أن بيب ليس مجرد مدرب لمانشستر سيتي، بل أساس المشروع المستدام الذي تسعى إليه الإدارة، التي وفَّرت كل شيء للإسباني حتى نجح في أكل الأخضر واليابس بمرور الوقت. 

في معظم الأندية، تدعم الإدارة المدرب وفقًا للنتائج. لكن هنا يدعمون دون قيد أو شرط لأنهم يعرفون أن الجميع يعمل بجد ويبذل قصارى جهده قدر الإمكان. 
بيب جوارديولا 

«أنا وأخي» 

يمكن الآن وصف دفاع جوارديولا عن السيتي برد الجميل، أو على أقل تقدير، تضامنًا مستترًا مع إدارة تدفع له راتبًا يصل لـ 20 مليون جنيه إسترليني، كثاني أغلى مدرب في العالم.

 لكن الحقيقة أن القصة أعمق من ذلك بقليل؛ ربما تربط بيب علاقة أوثق بمانشستر سيتي، تتخطى علاقة الموظَّف بـ «لقمة العيش»، علاقة تجعل أي تهديد لمصالح السيتي تهديدًا لمصالح عائلته حرفيًّا، فما القصة؟ 

بعد مرور أول سبع جولات من الدوري الإسباني الممتاز موسم 2023-2024، كان جيرونا الإسباني متصدرًا للترتيب، دون أن يتلقى هزيمة واحدة. هذا النادي الصغير، الذي يعد واحدًا من ضمن 13 ناديًا تمثِّل سلسلة الأندية التي استحوذت عليها «سيتي جروب» منذ إنشائها عام 2012، والتي تعود ملكيتها لمجموعة أبو ظبي المتحدة. 

المُثير، هو أن رئيس مجلس إدارة النادي الذي يبصم على أحد أزهى فترات تاريخه الحديث هو «بيري جوارديولا»، شقيق الإسباني المُخضرم بيب جوارديولا. فهل توجد شبهة؟ 

على الرغم من ندرة ظهوره على الساحة الرياضية، يُعد بيري أحد أنجح رجال كرة القدم في إسبانيا. فمنذ توقَّف عن لعب كرة القدم، التي أجادها طبقًا للمقربين منه، شق طريقه لعالم التسويق الرياضي حين شغل منصب المسئول عن اتفاقيات رعاية اللاعبين بشركة «نايكي» الأمريكية تحت قيادة أحد أهم مديريها التنفيذيين «ساندرو روسيل»، رئيس برشلونة الأسبق. 

وبعد 12 عامًا أمضاها رفقة «نايكي»، نجح خلالها في إبرام عقود رعاية نجوم، معظمهم لعبوا لبرشلونة مثل: «فيكتور فالديز»، «سيرجيو بوسكيتس»، «كارليس بويول»، «جيرارد بيكيه» و«سيرجيو راموس»، قام «بيري» بأخذ الخطوة التالية في مسيرته المهنية، حين أنشأ شركة «Media Base Sports» لوكالة وتمثيل اللاعبين عام 2009، والتي مثَّلت للمفارقة مجموعة من النجوم الذين لعبوا للبارسا. 

هنا يتضِح جليًّا تضارب المصالح بين عمل شركة «بيري» وبين وظيفة شقيقه «بيب» كمدير فني للبارسا، لكن بيري لطالما حرص على إبعاد الشبهات عن نفسه وعن شقيقه، وكان أبرز مثال على ذلك، رفضه نقل وكيله «لويس سواريز» من أياكس لبرشلونة عام 2009، والانتظار حتى رحيل «بيب» عن النادي الكتالوني لإتمام الانتقال. 

حتى ذلك الوقت، لم يكُن الشَّك في تحرُّكات «بيري» محل جدل؛ لأنه في النهاية لم يتخطَّ كونه وكيلًا للاعبين كانوا بالفعل نجومًا للنادي الذي يشرف شقيقه بالفعل على تدريبهم. لكن في 2016، حدَث التحوُّل الأهم في مسيرة الرجل الغامض، حين باع 70% من أسهم وكالته الخاصة لشركة «DDM» الصينية للصوتيات مقابل 50 مليون يورو، قبل أن يبيع باقي الأسهم في 2020 تزامنًا مع دخوله مجلس إدارة نادي جيرونا. 

التودُّد 

في أغسطس/آب 2017، أعلن استحواذ التكتُّل المُكوَّن من «سيتي جروب» و«بيري جوارديولا» على 88% من أسهم نادي جيرونا الذي عانى وقتئذٍ من ضائقة مادية مقابل نحو 7 ملايين يورو. وحسب معظم المصادر، كانت حصة المؤسسة الإماراتية تمثل 47% من الأسهم، أما الـ 41% المتبقية فمن نصيب «بيري»، الذي أبقى لاحقًا على 16% فقط من حصته، بعد أن باع جزءًا من أسهمه لـ «مارسيلو كلاور»، رئيس نادي «بوليفار» البوليفي. 

إذا ما حاولنا أن نُحسن الظن، فكل ذلك قانوني، والأهم لا يُمثل تضاربًا للمصالح وفقًا لقواعد اليويفا، حتى إن استُخدم جيرونا كمكان لنفي غير المرغوب فيهم، أو معمل لتطوير الشباب، مثل كل نماذج الملكية المتعددة للأندية. لكن المشكلة ليست هنا، بل في أساس العلاقة الأخوية، التي أوصلت «بيري» لهذا المكان من الأساس. 

في 2015، رفع المحامي ورجل الأعمال الأرجنتيني «ريكاردو بيني» دعوى قضائية ضد «بيري جوارديولا». أكد بيني أنه أودع المبلغ المطلوب للاستحواذ على جيرونا، قبل أن يُرفض الإيداع بحجة عدم وجود إثبات لمصدر هذه الأموال. 

طبقًا لبيني، أثَّر شقيق جوارديولا على عملية بيع جيرونا، حيث سهَّل كوسيط بيع النادي لشركة «TVSE» الفرنسية، قبل أن تتم إعادة بيعه لمؤسسة سيتي وبيري نفسه بعد عامين. 

بالطبع، يمكن اعتبار هذا الادعاء محض هراء، خاصةً أن الدعوى تم دفنها تحت التراب. لكن الحقيقة هي أن قصة جيرونا الحالمة لم تكُن سوى «عربون» محبة دفعته الإدارة الإماراتية لتملُّق المدير الفني الإسباني. 

في 2016، نشرت «تيليغراف» البريطانية تقريرًا بعنوان: «كيف تودد مانشستر سيتي لشقيق جوارديولا؟». داخل هذا التقرير أشار الكاتب «سام والاس» لمجموعة من التحرُّكات الغريبة لمانشستر سيتي في سوق الانتقالات، حيث قام النادي الإنجليزي بشراء مجموعة من اللاعبين ثم إعارتهم لجيرونا، قبل أن تتم عملية الاستحواذ على النادي من الأساس. 

في الواقع، كانت إدارة السيتي تسعى إلى استمالة «بيري»، الذي اتضح الآن أنه جزء رئيسي في خطة نقل بيب جوارديولا للسيتي، ربما منذ أن كان مدربًا لبايرن ميونخ الألماني، في حين لم يكن شراء نادٍ إسباني يعاني، أو مشاركة رجل مغمور، أو حتى الحصول على عقود بعض من اللاعبين الشباب ثم إعارتهم لجيرونا إلا ضمانًا لوصول الأصلع الإسباني للجانب السماوي من مانشستر.

فقط تخيَّل أن بيري ليس مرتبطًا بجوارديولا، هل كان ليصل إلى ما وصل إليه؟ قد تكمن الإجابة فيما قاله جوارديولا أثناء دفاعه عن الكيان الذي يدفع راتبه: لا أصدقاء، لا أعداء، فقط مصالح مشتركة. 

تلك المصالح المشتركة التي جعلت مانشستر سيتي ناديًا خارقًا، وجعلت بيب يحقق حلمه في تطبيق فلسفته بإنجلترا دون معوقات، وأخيرًا جعلت من بيري رئيسًا لنادٍ، قد يصل لدوري أبطال أوروبا في غضون سنوات معدودة.