بيب غوارديولا هو أفضل مدرب في العالم. 
يورجن كلوب، المدير الفني لليفربول الإنجليزي، 8 أبريل/نيسان 2022. 
يورغن كلوب مصدر إلهام لي.
بيب غوارديولا، المدير الفني لمانشستر سيتي الإنجليزي، 13 مايو/أيار 2021. 

مرحبًا بك، إن كنت أحد هؤلاء المتابعين للدوري الإنجليزي الممتاز عن كثب -وهُم كُثُر، رُبما تروقك هذه المنافسة الشرسة ما بين «ليفربول» و«مانشستر سيتي» الإنجليزيين، أو بالأحرى تلك المنافسة الشرسة القائمة بين اثنين من ألمع عقول اللعبة في عصرها الحديث؛ صراع «بيب غوراديولا» و«يورغن كلوب». 

يعتقد «جيمي كاراجير»، نجم ليفربول الأسبق، أنّ المنافسة الحالية بين «ليفربول» و«مانشستر سيتي» هي الأعظم في تاريخ الكرة الإنجليزية. معللًا ذلك بأن التاريخ الإنجليزي لم يشهد قط تواجُد فريقين بهذه الجودة، تحت إشراف مدربين هم الأفضل في نفس الفترة.

وبغض النظر عن اتفاقك أو اختلافك مع طرح نجم «الريدز» الأسبق، تظل وجهة نظره جديرة بالنقاش، حيث أرجع تفضيله لهذا الصراع دونًا عن غيره، لتغيير كلا المدربين طريقة لعب كرة القدم؛ حيث امتد تأثير «غوارديولا» حول العالم، لتحاول الفرق من كُل بقاع الأرض اتباع نموذجه القائم على الاستحواذ، بينما يضُم كُل دوري كبير فريقًا -على الأقل- يقلّد أسلوب «كلوب» القائم على الضغط واسترجاع الكرة بمناطق مرتفعة على أرض الملعب.

سيكولوجية الخصومة 

ومع ذلك، لا يزال هنالك ما يجعل هذه المعركة فريدةً من نوعها. بعيدًا عن كرة القدم وتعقيداتها، يكمُن تفرُّد هذا الصراع في ما يُمكن وصفه باحترام كلا المدربين المبالغ به لبعضهما البعض.

وعلى عكس كلاسيكيات الكرة الإنجليزية؛ حيث حروب نفسية ما بين «أليكس فيرجسون» و«أرسين فينجر»، وتلاسن دائم بين «جوزيه مورينهو» و«رافا بينيتيز»، هل يُمكن تفسير سلوكيات «غوارديولا» و«كلوب» التي تتعارض تمامًا مع الخصومة بمعناها المتعارف عليه -على الأقل بالنسبة لنا؟ 

عادة ما تنشأ صراعات وسخرية متواصلة بين المجتمعات المتجاورة. أطلقت على هذه الظاهرة اسم نرجسية الاختلافات الصغيرة، وهو ميل نسبي للعدوان، يجعل تماسك أفراد المجتمع أسهل.
سيغموند فرويد.

في كتابه «الحضارة وسخطها»، ناقش «سيغموند فرويد» فكرة الخصومة من وجهة نظره، حيث يرى أنّ البشر ميالون للمنافسة، سواءً كان ذلك فطريًا أو بسبب تأثير خارجي؛ لأننا بشر، عادةً ما نُعرِّف أنفسنا كأفراد ضمن مجموعات نعيش بينها، وتشحننا هذه المجموعات بالكثير من الطاقة للحفاظ على كراهية الآخر. 

يمكن تطبيق هذه الفكرة أيضًا على كرة القدم، حيث يمكن وصف المنافسة في كثير من الأحيان بالعداوة، وفي ظل احتدام المنافسة، قد تتحوّل بالفعل إلى عداء حقيقي، يجعل وصف «يورغن كلوب» لـ«بيب غوارديولا» بالأفضل، أو العكس، أمرًا شاذًا عن القاعدة. 

شبه غريب 

في مقاله «The Uncanny»، أوضح «فرويد» اهتمامه بإحساس البشر بالاضطراب عند ملاقاة أشخاص يشبهونهم، وفي تفسيره لهذا الحالة؛ أشار إلى أن ملاقاة شخص لتوأمه مُربكة لسبب وجيه؛ وهو الكشف عن مواطن ضعفه. 

في الواقع، لم يحاول «كلوب» و«غوارديولا» تفادي هذا التطابق، بل على العكس تمامًا، على مدار سنوات التنافس بينهما، سار أحدهما خطوة تجاه الآخر، دون أن يجد في ذلك حرجًا. 

ما أراه أننا متشابهان لدرجة كبيرة، ربما ليفربول أكثر مباشرةً في الثلث الأخير، بينما نميل نحن أكثر للاحتفاظ بالكرة. 
بيب غوارديولا.

في الـ9 من أبريل/ نيسان 2022، نشر موقع «ذا تايمز» مقالاً بعنوان «يورغن كلوب وبيب غوارديولا: كيف يتعلم أفضل مدربين في العالم من بعضهما البعض»، نوقش خلاله مدى استعداد كلا المديرين الفنيين التنازل عن قناعاتهما نسبيًا، بل أحيانًا تبنّي بعض أفكار الطرف الآخر. 

 

فمثلًا؛ في موسم 2019/2020، وأثناء تراجع مستوى «مانشستر سيتي»، لجأ «بيب غوارديولا» لـ«أريجو ساكي» لطلب النصيحة؛ فما كان من «ساكي» إلا أن ينصحه بضرورة تدريب فريقه على الضغط بمناطق أكثر ارتفاعًا من الملعب، تمامًا مثل «ليفربول». 

بينما يرى الدولي الأرجنتيني السابق «خافيير ماتشيرانو» أن «يورجن كلوب» تطوّر كثيرًا على مستوى فرض الاستحواذ أثناء تواجده في إنجلترا، وربما يعود الفضل في ذلك لمساعده «بيب ليندرز»، الذي يرى في «غوارديولا» مثلًا أعلى له. 

 

 خارج الملعب 

حقيقةً، ما يجعل هذا الصراع أكثر قابلية للاستدامة هو كونه صراعًا مؤسسيًا في المقام الأول، لا يدور بالأساس حول الأفراد مثلما كان الحال بين أسماء مثل: «فيرجسون»، «فينجر»، «مورينهو» و«بينيتيز»، بل صراعًا بين مؤسسة  «سيتي جروب» ومؤسسة «فينواي الرياضية». 

وهذا ما يتضح جليًا في محاولة «سيتي جروب» محاكاة تجرُبة «ايان غراهام»، الذي أشرف على صعود «الريدز» بالسنوات الأخيرة عبر دمج البيانات والتحليل والتدريب، بتعيينهم لعدد من أفضل العاملين بمجال علوم البيانات حول العالم. 

وبشكل مشابه، ربما أدرك مُلاك «ليفربول» أنّ منافسة «مانشستر سيتي» على لقب الأفضل ربما تتطلّب التخلّي ولو نسبيًا عن الحرص المادي، مثلما حدث بصفقتي المدافع الهولندي «فيرجيل فان دايك» والحارس البرازيلي «أليسون بيكر». 

«أوتو رانك» لديه الإجابة

نعلم أننا لم نُجب بعد على السؤال الأهم؛ وهو كيف شكّلت الصداقة والاحترام المتبادل الصراع ما بين «يورغن كلوب» و«بيب غوارديولا»؟

في الواقع، نمتلك تفسيرين لهذه الظاهرة، وحتى نتحلى بالصراحة قدر المستطاع، قد يثبُت خطأ التفسيرين في المستقبل، لكن لا مانع من المحاولة. 

بالعودة لـ«فرويد» مرة أخيرة، يعتقد النمساوي أنّ أعلى مراحل تكوين الشخصية هي «الأنا العليا»، حين تنتصر المبادئ والأخلاق على رغبة الإنسان في إشباع رغباته، وبما أن البشر جميعًا يسعون للفوز بالفطرة، أو بمعنىً أوضح عدم الخسارة، قد نعتبر الثنائي من القلة الذين وصلوا لهذه الدرجة من السلام النفسي الذي يجعلهم يترفعون عن المهاترات المتعلّقة بأفضلية أحدهما على الآخر. 

لم تقتنع صحيح؟ لا بأس، نمتلك تفسيرًا أكثر منطقية، لكن هذه المرّة عن طريق الفيلسوف والمحلل النفسي النمساوي «أوتو رانك»، الذي يرى -عكس فرويد- أن مقابلة الإنسان لشخص يشبهه قد لا يشكّل أزمة وجودية؛ لأنه يُعتبر بمثابة مرآة تشبع نرجسيته، وتؤكد إحساسه بذاته، عن طريق تزويده برؤية خارجية لإيجابياته. 

لذا، ربما يرى «كلوب» أن الرفاهية المالية التي يحظى بها نظيره الإسباني كافية لتعكس أفضليته لكونه قادرًا على منافسته بأقل القليل، في حين قد يعتقد «غوارديولا» أن لعب نظيره الألماني دور المستضعف دائمًا دليلاً دامغًا على كونه الأفضل بالفعل.