وجه له المحاور ذلك السؤال المعتاد: «ماذا كنت ستصبح لو لم تلعب كرة القدم؟»، فعاد اللاعب بالزمن إلى الوراء وتذكر تلك الحياة البائسة الفقيرة التي كان يحظى بها وهو صغير. وبعد بضع ثوانٍ من التفكير، ابتسم وقرر منح محاوره إجابة دبلوماسية، لكنه يعلم في قرارة نفسه أن كرة القدم أعطته فرصته الوحيدة ليصبح ما أصبح عليه الآن. تلك الفرص التي تجعل كرة القدم أكبر من مجرد لعبة.

لا يتوقف الأمر على الأندية الكبرى فقط، فالدرجات الأدنى من المنافسات ما زالت تحظى بذلك القدر من الحماس، لأن كل لاعب فيها يتخيل أن هنالك شخصًا مجهولًا وسط الحضور يشاهده ليمنحه تلك الفرصة. لا أحد يعلم من هؤلاء، ونظن جميعًا أننا على دراية بمَا يفعلون.

انتقل انتقاء اللاعبين والبحث عن المواهب من حقبة الكشافين القدامى إلى حقبة أكثر تعقيدًا بفضل شركات مختصة بالتحليل وجمع البيانات. وسنحاول أن نأخذك في جولة لفهم ذلك التعقيد، لعلنا نفهم لماذا تعاقد برشلونة مع كيفين برينس بواتينج؟


المدرسة القديمة

يرى «مايكل كالفين» مؤلف كتاب «The Nowhere Men» أن الـ«Scouting» بالنسبة للمدرسة القديمة يمثل أسلوب حياة وليس مجرد مهنة. فكان الكشّاف على استعداد لقطع مسافات طويلة مهما كانت حالة الطقس من أجل رؤية اللاعب بنفسه، ليشعر به وبالأجواء المحيطة، على عكس هذه الأيام حيث يُمثَل اللاعب بمجموعة من الأرقام، تصلك وأنت في منزلك. لكن في نهاية الأمر، يبحث الجميع عن شيء واحد.

يتمحور الأمر حول الأداء والسلوك. في رأيي يكمن الأداء في اتخاذ اللاعب للقرار. هل لديه القدرة على التمرير للأمام؟ التصرف في موقف واحد ضد واحد؟ وإذا كان مدافعًا، هل يتقدم لقطع الكرة أم يقوم بالعرقلة؟ كان جون ممرًا جيدًا ويجول الملعب ذهابًا وإيابًا. كما لم يفوت حصة تدريبية واحدة، وكانت تبدو عليه صفات القائد من اليوم الأول.

كان «جوين ويليامز» الكشاف السابق لنادي تشيلسي يخبر مجلة fourfourtwo عما رآه في «جون تيري» عندما شاهده مع نادي «سيرناب» وكان في الـ13 من العمر، موضحًا الإشارات الأولية التي يسعى المدربون لرؤيتها في لاعبيهم. لكن مع غلاء الأسعار الجنوني، أصبح الجميع يسعى لضمان وضع استثماراتهم في اللاعب الصحيح، وعليه تأتي أهمية المدرسة الحديثة وما تقدمه من إحصائيات.


أرقام أكثر نحو اختيارات أفضل

تقدم شركات التحليل إحصائيات شاملة عن أداء اللاعب، وحسب أسلوب لعب الفريق، تبدأ تصفية الاختيارات.

قدمت قناة Tifo Football مثالاً في تقرير لها حول تعاقد نادي بيرنلي مع المدافع الإنجليزي «جيمس تاركوفسكي». فأرقام تاركوفسكي الدفاعية مع فريقه السابق «برينتفورد» كانت ملائمة تمامًا لدفاع المدرب شون دايش المتأخر، وبالفعل نجح الأمر وكان الاختيار صائبًا.

الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فشركة 21st Club – على سبيل المثال – استطاعت أن تقدم ربطًا بين ما يقدمه اللاعب على أرض الملعب، وما يضيفه إلى أداء فريقه بشكل عام، لمحاولة تخمين مدى الإضافة التي سيقدمها اللاعب لفريقه الجديد. ثم انتقل التعقيد إلى تعريف المساحات ومحاولة تقدير المساحة التي يخلقها اللاعب سواء بالجري أو المشي أو التوقف، كما في نادي برشلونة.

كرة القدم, ملعب كرة قدم, إحصائيات رياضية
احصائيات خلق المساحة للاعبي برشلونة في مباراة فياريال يناير/كانون الثاني 2017

ثم تواصل التعقيد أكثر فأكثر حتى وصلنا إلى ما يعرف بتقنية الـ«Ghosting». والتي يتم فيها تحليل قدرة اللاعبين على اتخاذ القرار الصحيح والتواجد في الممكان المناسب في موقف معين، بمحاكاة ما قام به اللاعبون في ذلك الموقف بموقف مثالي للاعبين آخرين.

بذلك أصبحت عملية الاختيار أكثر دقة اعتمادًا على تلك القفزة النوعية التي طالت عالم البيانات، لكن مؤخرًا أصبحت عملية انتقاء اللاعبين تحظى بأهمية أكبر لدى الفرق المتوسطة والصغيرة.


تجربة واتفورد: آخر أمل لمنافسة الكبار

أصبح اختيار اللاعبين المناسبين وخطف المواهب هو الأمل الأخير لفرق الوسط كي تستطيع مجاراة الأندية الكبيرة التي تفوقها سمعة ودخلاً. تقدم تلك الأندية نفسها باعتبارها بيئة خصبة تتيح للاعب فرصة التطور بمنحه مزيدًا من الدقائق، وهو ما لا تضمنه له الأندية الكبيرة.

فأندية مثل واتفورد وبورنموث وليستر سيتي استطاعت أن تقدم نفسها بهذا الشكل، وتضمن لنفسها مكانًا بعيدًا عن دائرة الهبوط. واتفورد تحديدًا يقدم نموذجًا ناجحًا بهذا الصدد. حيث عيّن النادي 12 مديرًا للكشف عن المواهب، يديرون شبكة من الكشافين الصغار والمدربين المنتشرين حول العالم. قد يبدو هذا استثمارًا كبيرًا لنادٍ بهذا الحجم، لكنه يظل ضئيلاً مقارنة بالكبار، فمانشستر يونايتد مثلاً يمتلك أربعة أضعاف هذا العدد.

يوضح «سكوت دوكسبري» المدير التنفيذي لنادي واتفورد إحدى تلك الميزات التي تساعد النادي في اقتناص مواهبه. ولكون النادي صغيرًا فإن تقارير الكشافين تجد طريقها مباشرة نحو أصحاب القرار داخل الإدارة، وهذه البساطة تتحول إلى أفضلية في بعض الأحيان، خاصة إذا علمت أن ناديًا كمانشستر سيتي يمتلك بيانات لعدد 300 ألف لاعب كي تُختصَر بعد ذلك إلى ثلاثة لاعبين بكل مركز.

القاعدة الأخيرة والتي تحقق التوازن في رواتب النادي هي الاتجاه إلى لاعبي أمريكا الجنوبية بدلاً من اللاعبين المحليين. فالمدير التقني «فيليبو جيرالدي» يوضح ذلك الفارق الشاسع، فإذا طلب اللاعب القادم من بعيد راتبًا شهريًا يبلغ 1000 جنيه إسترليني، فإن اللاعب المحلي سيطلب نفس الراتب ولكن للأسبوع. لذلك حقق نادي واتفورد توازنًا هائلاً في الرواتب. فقط ما يعيب تلك التجربة، هو عدم استقرار الإدارة الفنية.


الإحصائيات لا تناسب الجميع

العديد من الأندية الكبيرة تراقب اللاعب، وتحتاج دليلاً للاقتناع به، لكننا لا نضيع وقتًا مثلهم ونحاول المخاطرة.

بالنظر إلى ما سبق، قد تبدو لك عملية الاختيار وشراء اللاعبين أقرب إلى المثالية، وأن نسبة الخطأ تتضاءل مع تطور البيانات. لكن حقيقة الأمر أن كل هذا يظل معتمدًا على نسبة لا بأس بها من التوقُّع. توقُّع بشأن مدى تأقلم اللاعب وقدرته على تقديم نفس أرقامه، ومن ثم التطور. لذلك كل صفقة شراء أشبه بالمقامرة، ولكي تقلل نسبة خسارتك عليك الاستعانة بالإحصائيات قدر الإمكان.

أما عن الصفقات الجماهيرية أو صفقات كـ«باولينيو» و«بواتينج» فهي لا تخضع لأي ما سبق. فإحصائيات اللاعب الغاني وكبر سنه لا يؤهلانه للانضمام إلى برشلونة، حاله كحال الدولي البرازيلي السابق. وأغلب الظن أنها محاولة أخرى لإدارة برشلونة لتلميع أحدهم قبل إرساله إلى السوق الصينية والاستفادة من المقابل المادي له. لذلك عليك أن تعلم أن الإحصائيات لا تتصدر المشهد في كل صفقة، بل هناك عوامل أخرى قد تتحكم بالأمر، كالتوقع والمغامرة والسمسرة بالطبع.