تشهد العاصمة التونسية غدًا الأحد ثالث انتخابات تعددية في تاريخها منذ الثورة، التي أطاحت بنظام المخلوع زين العابدين بن علي. تُجرى الانتخابات التي كان مقررًا لها أن تكون في نوفمبر/ تشرين الثاني قبل موعدها بشهرين، لوفاة الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، 92 عامًا، في يوليو/ تموز الماضي.

غيّر موت السبسي حسابات كثيرة، كألا يقدم الحزب الحاكم من داخله أي مرشح للانتخابات الرئاسية، وقد كانت الانشقاقات بالأساس ليبسط جناح السبسي الابن سيطرته على البنية الداخلية للحزب ومن ثم يكون خليفة أبيه في قصر قرطاج.

بوفاة السبسي أيضًا انفرط عقد الجماعة العلمانية وتفرق شملها في هذه الانتخابات، وبدلًا من أن تكون حائط الصد المنيع في وجه الصعود الإسلامي الثاني للسلطة تفرق دعمها بين عدد من المرشحين. دعم بعضهم رئيس الوزراء يوسف الشاهد (حزب تحيا تونس الناشئ)، وجماعة أخرى دعمت وزير الدفاع عبدالكريم الزبيدي (ما بقي في نداء تونس بعد الانقسام).

تأتي الانتخابات الرئاسية الثالثة في ظروف مضطربة، يواجه الاقتصاد التونسي عدة مشكلات أهمها ارتفاع الأسعار، حتى إن أسعار المواد الأساسية والخضروات تضاعفت مرتين أو ثلاثة عما كانت عليه قبل الثورة. وشهدت البلاد أيضًا بعض التوترات الأمنية. تقول الجارديان البريطانية إن حوالي 30 ألف تونسي حاولوا التسلل إلى سوريا والعراق للعمل مع تنظيم الدولة، بعضهم نجح في ذلك، وهم يريدون الآن العودة. هذه العودة كلفت – وما تزال – الدولة التونسية عبء إجراءات أمنية مكثفة، ولحظات من الفشل، آخرها كان في يونيو/ حزيران، عندما اهتزات العاصمة بانفجارين متفرقين.

دفعت الاضطرابات الاقتصادية والأمنية بآلاف الشباب التونسي إلى الشوارع، تعبيرًا عن حالة من الغضب وعدم الرضا عن الأداء الذي تقدمه إدارة السبسي، ووزيره الشاهد. وبدلًا من العكوف على التخفيف من حدة الأزمات لجأ السبسي في الأشهر الأخيرة من حياته للعبة التي يجيدها، وهي اللعب على وتر الانقسام الأيديولوجي لتأجيج الاختلافات بين الطيف الشعبي الُمجمع على تعثر إدارته في حل الملفات الحيوية، لكن حالت وفاته دون اكتمال التجربة، ومن ثم الحكم عليها.

الصراع على «الهامش»

تعتمد تونس منذ 2014 النظام البرلماني في الحكم، ويقتصر دور الرئيس على السياسة الخارجية والدفاع والأمن القومي. وهو ما ظهر جليًا أواخر العام الماضي 2018، عندما أجرى رئيس الوزراء التونسي يوسف الشاهد تعديلًا وزاريًا دون الرجوع لرئيس الجمهورية. ورغم أن تصرفات الشاهد لم تخرج عن النطاق المسموح به دستوريًا فإن الرئيس السبسي اعتبرها تهميشًا لدوره.

قبلت هيئة الانتخابات العامة المستقلة أوراق 26 مرشحًا من 71 تقدموا بطلبات للترشح. وما لم يحصل أي منهم على الأغلبية المطلقة من أصوات الناخبين ( 50 + 1 %) فإنه من المقرر أن تكون جولة الإعادة بين أعلى مرشحين بداية نوفمبر القادم، إعمالًا بالنص الدستوري من دستور 2014.

وعلى الرغم من إضعاف دور الرئيس في الدستور التونسي، فإنه في لحظات معينة يكون غاية في الأهمية. على سبيل المثال، عطل الباجي السبسي مشروع قانون كان البرلمان قد أقره في يونيو/ حزيران الماضي، دون إبداء أسباب. وكان البرلمان قد أقر المشروع لتنظيم العملية الانتخابية في عدد من الجوانب، كأن يمنع على سبيل المثال ترشح كل من ثبتت استفادته من استعمال جمعية أو قناة تلفزيونية للدعاية السياسية أو كل من مجّد الدكتاتورية أو توجّه بخطاب يدعو للكراهية والعنف. كان المشروع من شأنه منع السياسي التونسي نبيل القروي، صاحب قناة النسمة التليفزيونية، أحد مؤسسي نداء تونس وصاحب الفضل في صعود السبسي لقصر قرطاج.

هذا الخلاف بين أركان النظام السياسي (الرئيس والحكومة والبرلمان) كان من الممكن تحجيمه لو أن هناك محكمة دستورية، تفصل بين السلطات وتُعرض عليها النزاعات الدستورية ومشاريع القوانين. هذه المحكمة العليا التي كان من المفترض تشكيلها بعد عام من إقرار الدستور في 2014، حالت الخلافات حول طريقة تشكيلها دون وجودها، وبدلًا من ذلك تكونت لجنة مؤقتة لمراجعة مشاريع القوانين دون غيرها من مهام المحكمة.

المرشحون الأبرز لخلافة السبسي

 

لأول مرة في العالم العربي تنتقل السلطة بين المدنيين في أجواء ديمقراطية، ولكثرة المرشحين وثقل مراكزهم السياسية في تونس يصعب التنبؤ بنتيجة الانتخابات. لكن لفهم خريطة المرشحين، فإننا أمام نوعين من المرشحين:

1- مسؤولون حكوميون حاليون وسابقون، أبرزهم (يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي – عبدالكريم الزبيدي وزير الدفاع الحالي – عبدالفتاح مورو نائب رئيس البرلمان والرئيس الحالي للبرلمان بالإنابة – المنصف المرزوقي الرئيس التونسي الأسبق – مهدي جمعة رئيس الوزراء الأسبق – حمادي الجبالي رئيس الوزراء الأسبق – سلمى اللومي رزق وزيرة السياحة سابقًا – إلياس فخفاخ الذي شغل منصبي وزير السياحة والمالية – وغيرهم).

2- غير حكوميين، أبرزهم ( نبيل القروي شعبوي موقوف على ذمة قضايا تهرب ضريبي ومعروف بعلاقاته الوطيدة بالسياسي الإيطالي برلسكوني- عبير موسى المحامية والسياسية رئيسة الحزب الدستوري الحر والمعروفة بولائها لنظام ما قبل الثورة – محمد الهاشمي الحامدي الإعلامي التونسي وصاحب قناة المستقلة.

تنحصر المنافسة طبقًا لاستطلاعات الرأي بين عبدالفتاح مورو مرشح النهضة الإسلامي، والشاهد والزبيدي والمنصف المرزوقي وخامسهم برلسكوني تونس (نبيل القروي)، لذا نقدم تعريفًا موجزًا لكل منهم.

عبدالفتاح مورو

بدأ مورو حياته العملية كقاضٍ في عام 1970. اكتسب صيتًا واسعًا بين زملائه فاختاروه رئيسًا لجمعية القضاة، وشارك عام 1976 في تنظيم إضراب للقضاة احتجاجًا على تدهور أوضاعهم المادية. بعد أسبوعين من الإضراب أحيل للتحقيق، وقرر الاستقالة من القضاء، ليعمل محاميًا، وهو المهنة التي لا يزال يمتهنها إلى اللحظة.

اعتقله الرئيس بورقيبة سنة 1981 لاشتراكه في تأسيس تنظيم الجماعة الإسلامية وطلبه تأسيس حزب «الاتجاه الإسلامي»، وأفرج عنه لاحقًا سنة 1983 بالعفو الصحي، بعد توسط عدد من السياسيين. سافر بعد ذلك سرًا إلى فرنسا وألمانيا، ولما فشل في الحصول على لجوء سياسي بأيٍ من البلدين التجأ إلى المملكة العربية السعودية.

عاد مورو إلى تونس بعد انقلاب زين العابدين بن علي على الحبيب بورقيبة، وكانت الجماعة الإسلامية قد رحبت بالتغيير على أمل تحسن الأوضاع التونسية الداخلية. غيرت حركة «الاتجاه الإسلامي» اسمها عام 1989 إلى حركة «النهضة»، وعُين عبد الفتاح ناطقًا باسم الحركة وأمينًا عامًا لها. كما انضم إلى المجلس الإسلامي الأعلى بطلب من الرئيس بن علي.

لم يدم شهر العسل بين النظام الجديد وجماعة النهضة طويلًا، وسرعان ما بدأ بن علي بالتضييق عليهم وزجهم في السجون.

يعد مورو أول مرشح رئاسي لحزب النهضة منذ تأسيسيه، ويحظى بشعبية كبيرة في أوساط التونسيين، نظرًا لفصاحته اللغوية والخطابية واستعماله المفردات العامية والأمثال الشعبية القريبة من الشارع التونسي. كل ذلك جعله أقرب إلى التونسيين، ومرشحًا قويًا لخلافة السبسي.

اقرأ أيضًا: عبدالفتاح مورو: فلتة الحركة الإسلامية التونسية مرشحًا للرئاسة

يوسف الشاهد

أُتي به ليكون ضعيفًا في منصبه، وقد كان قبل توليه منصب رئيس الوزراء في 2016 في عداد المغمورين في عالم السياسة. لم يكن له تاريخ سياسي معروف، اللهم إلا توليه وزارة الشؤون المحلية في حكومة الحبيب الصيد، وهي وزارة هامشية لا نفوذ كبيرًا لها.

اللحظة التي صنعت الشاهد أتت متأخرة، وهي لحظة الخلاف بينه وبين الرئيس الراحل السبسي في 2018، لأنها أظهرت الشاهد كرجل قوي لا يقبل أن يكون تابعًا أو ممرًا يطؤه ابن الرئيس (حافظ السبسي) إلى مبتغاه في خلافة والده.

بعد انشقاقه عن نداء تونس، أسس الشاهد حزب تحيا تونس، ليدخل به غمار العلية الانتخابية، الرئاسيات والبرلمان. يستمد شعبيته من التجربة السياسية التي خاضها على رأس الحكومة على مدى السنوات الثلاثة الماضية، أدار خلالها عديد الأزمات، واكتسب خبرة ودراية بمشاكل تونس، وكان أصغر رئيس حكومة يتولى هذا المنصب في تاريخ تونس.

لكن الشاهد يواجه مشكلة أنه لم يحل الأزمات الاقتصادية المتفاقمة في عهده، وإن كان يدافع عن نفسه بمساعيه الحثيثة لبسط الأمن في الشارع التونسي.

عبدالكريم الزبيدي

بخلاف جيرانها العرب، يُعتبر منصب وزير الدفاع التونسي منصبًا مدنيًا، لا يتقلده رجال الجيش. شجع الانقسام السياسي المحتدم في البلاد، لا سيما في المعسكر العلماني، وزير الدفاع في حكومة الشاهد، عبدالكريم الزبيدي لإعلانه خوض غمار المنافسة.

وُلد الزبيدي سنة 1950، وتخرج من كلية الطب. تقلد الطبيب مناصب عدة إبان حكم بن علي، من بينها وزارة الصحة. كما كان عميدًا لكلية الطب بسوسة، بين عامي 2005 و2008. وبعد 2011 عاد الرجل إلى الواجهة بتعيينه وزيرًا للدفاع بعد أيام قليلة من رحيل بن علي وهو المنصب ذاته الذي تقلده في حكومتي السبسي وحمادي الجبالي. المنصب الذي عاد إليه مرة أخرى في حكومة الشاهد الحالية.

يتمتع الزبيدي بدعم نداء تونس، وهو بديل جيد لأولئك الذين لا يرون الشاهد جديرًا بأصواتهم.

من بين المرشحين البارزين أيضًا المنصف المرزوقي الرئيس الأسبق، وأول رئيس انتخب ديمقراطيًا في تونس الثورة. ورجل الأعمال نبيل القروي، رفيق الرئيس الراحل، والذي غاب عن المناظرة التلفزيونية التي أُجريت مطلع الشهر الماضي، لإيداعه السجن، ولم تستطع الهيئة العامة للانتخابات من منعه بدعوى عدم صدور حكم بات وقاطع بشأنه، على الرغم من المحاولات السابقة لإبعاده عن المنافسة، كما فصلنا أعلاه.

باعتبارها الثورة العربية الوحيدة الناجحة، تمثل التجربة الديمقراطية في تونس بالنسبة لعديد المعارضين العرب الأمل في نجاح الديمقراطيات الناشئة في الوطن العربي.