في خطوة اعتبرها البعض بمثابة شهادة وفاة لمجلس التعاون الخليجي،أعلنت دولة الإمارات عن تشكيل لجنة للتعاون المشترك مع السعودية في كافة المجالات، على رأسها العسكرية والسياسية والاقتصادية، برئاسة الشيخ «محمد بن زايد آل نهيان» ولي عهد أبوظبي.

حمل توقيت إعلان ميلاد اللجنة العديد من الدلالات، إذ جاء بالتزامن مع انعقاد القمة الخليجية، وسط غياب قادة دول السعودية والإمارات والبحرين (الدول المقاطعة لقطر)، وهو ما عُد إحباطًا للمساعي الكويتية للتوفيق بين فرقاء البيت الخليجي الواحد، ورسالة إلى الكويت وسلطنة عمان بأن إصرارهما على بقاء قطر في «مجلس التعاون» وعدم تعليق عضويتها سيقود المجلس للانهيار.


بذور التعاون والوحدة

أُسس مجلس التعاون الخليجي في مايو/أيار 1981، في خضم أحداث إقليمية ودولية جسام شكّل بعضها تهديدًا وجوديًا لدول الخليج. فرياح الثورة الإسلامية في إيران كانت تهب على شبه الجزيرة العربية مسببة الأرق لحكامها الذين خشوا على كراسي ملكهم التي لم تكن قد ثبتت بعد. شكلت كذلك الحرب الإيرانية – العراقية دافعًا مهمًا لتأسيس مجلس التعاون، إذ رأت دول الخليج في المجلس إطارًا يجمعها للوقوف خلف العراق الذي اعتبرته ممثلها في هذه الحرب، فدعمته بكل قوتها، خوفًا من هزيمته التي ستعني تمدد النفوذ الإيراني في شبه الجزيرة العربية بالكامل.

كان هاجس الأمن، المرتبط في جزء كبير منه بالخوف من إيران، أحد الدوافع الأساسية لإنشاء دول الخليج الست لـ «مجلس التعاون»، فهل تغير هذا؟

يضاف إلى ذلك أيضًا، كما يرى الباحث «عمر الحسن»، أن الضعف الذي أصاب جامعة الدول العربية، بعد الجدل الذي أُثير حول معاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية، وانتقال الجامعة إلى تونس، وبالتالي تفكك عنصر الأمن القومي العربي الجمعي؛ أثار شعورًا بالفراغ الأمني داخل العالم العربي، فكان السعي الخليجي للتوصل إلى إطار لأمن منطقة الخليج التي تواجه تحديات كبيرة.

كان هاجس الأمن، المرتبط في جزء كبير منه بالخوف من إيران، أحد الدوافع الأساسية لإنشاء دول الخليج الست لـ «مجلس التعاون»، فهل تغير هذا بعد مرور ما يجاوز 36 عامًا على إنشاء المجلس؟

ازدادت المنطقة العربية اضطرابًا عقب فشل ثورات الربيع العربي في تحقيق أهدافها، وتوسع النفوذ الإيراني وامتد ليسيطر على أربع عواصم عربية؛ بغداد، دمشق، صنعاء، وبيروت. مشكلًا ما يشبه الطوق على دول مجلس التعاون الخليجي، ومهددًا بتحويلها إلى جحيم حال اندلاع حرب إقليمية مباشرة. لكن يبدو أن الدول الخليجية الكبيرة (السعودية – الإمارات) نسيت/ تناست أحد أهم دوافعها لإنشاء «مجلس التعاون»، وتسعى إلى تشكيل كيان موازٍ يستثني أعضاء المجلس الذين يختلفون معها في الرؤى والتطلعات.


ما أنجزه مجلس التعاون

كما ذُكر آنفًا، كان الدافع الأمني أحد الأسباب الرئيسية لتأسيس «مجلس التعاون»، ورغم ذلك ظلت محاولات التعاون العسكري الخليجي قاصرة عن التمام.

كانت أبرز محاولات التعاون العسكري هي إنشاء «قوة درع الجزيرة» في العام 1982، بحجم لواء مشاة من 5 آلاف رجل من دول مجلس التعاون الست. وتعرضت قوات درع الجزيرة للكثير من النقد، ووُصفت بأنها قوات رمزية. ثم دخلت قوات درع الجزيرة في دوامة التردد الخليجية وتحول الرأي من النقيض إلى النقيض، لكنها ظلت قائمة رغم ذلك ووصل عدد منتسبيها حاليًا إلى 30 ألف شخص.

لم توضع هذه القوات موضع اختبار سوى في العام 2011، عندما دخلت إلى مملكة البحرين في مارس/آذار 2011 لتأمين المنشآت الإستراتيجية، عقب موجة الاحتجاجات التي طالبت بتغيير النظام الحاكم هناك. ورغم نجاح «درع الجزيرة» في أداء المهمة الموكلة لها، إلا أن هناك شكوكًا تدور حول إمكانية نجاحها في تنفيذ المهام الموكلة لها في دولة خليجية أكبر وذات وضع أعقد من البحرين.

ومن المحاولات المهمة للتعاون العسكري الخليجي «اتفاقية الدفاع الخليجي المشترك»، الموقَّعة في المنامة في ديسمبر/كانون الأول 2000، التي نصت على ردع التحديات الخارجية عبر التحول من مرحلة التعاون العسكري لمرحلة الدفاع الخليجي المشترك؛ فاتفقت الدول الأعضاء على أن أي اعتداء على أي منها إنما هو اعتداء عليها جميعها، وأي خطر يتهدد إحداها إنما يتهددها جميعًا، ويجب المبادرة لمساعدة المعتدى عليها باتخاذ أي إجراء ضروري بما في ذلك استخدام القوة العسكرية.

لم يكن المجال العسكري هو المجال الوحيد الذي تعاونت فيه دول الخليج. فدول المجلس الست سعت عبر «مجلس التعاون» إلى تحقيق التكامل الاقتصادي فيما بينها وخطت في سبيل هذا خطوات عديدة، جعلت من المجلس نموذجًا مبدئيًا يمكن أن يقتدى به عربيًا.

وتعد أبرز الإنجازات الاقتصادية التي حققها المجلس تنشيط حركة التجارة بين دوله، وذلك بفضل الاتحاد الجمركي وإنشاء السوق الخليجية المشتركة، التي سمحت بإزالة كافَّة الحواجز الجمركية وغير الجمركية المرتبطة بحرية تنقُّل رؤوس الأموال والأفراد، وبالسماح لمواطني المجلس بتملك العقارات، وممارسة النشاط الاقتصادي في أيٍّ من الدول الأعضاء، والمعاملة كمعاملة المواطنين.


ماذا يعني الاتفاق الإماراتي – السعودي الجديد؟

لم يكن المجال العسكري هو المجال الوحيد الذي تعاونت فيه دول الخليج. فدول المجلس الست سعت عبر «مجلس التعاون» إلى تحقيق التكامل الاقتصادي.

تختص اللجنة الإماراتية – السعودية الجديدة، بالتعاون والتنسيق بين البلدين «في كافة المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية»، وتمتلك «كافة الصلاحيات اللازمة لتنفيذ وتسيير أعمالها». تعد اللجنة بذلك كيانًا جديدًا يجمع الإمارات والسعودية كبديل لمجلس التعاون الخليجي الذي يوجد به نصوص مشابهة لنصوص هذا الاتفاق.

الكيان الجديد الناشئ سيعتبر، حال توسعه ليشمل دولًا خليجية أخرى، وهو أمر مرجح، كيانًا موازيًا لمجلس التعاون الخليجي، إلا أنه يُقصي الدول التي لا تتخذ نفس خط السعودية والإمارات في التعامل مع أزمات المنطقة، وهو ما سيزيد الاستقطاب الخليجي – الخليجي الذي تنامى كثيرًا منذ أزمة حصار قطر.

تعتبر اللجنة الإماراتية – السعودية الجديدة تكريسًا للسياسة المعتمدة لدى كلا الدولتين، والقائمة على أنه «إن لم تكن معنا، فأنت ضدنا. لا مجال للحياد الآن».

تعتبر اللجنة الإماراتية – السعودية الجديدة تكريسًا للسياسة المعتمدة لدى كلا الدولتين، خلال الفترة الأخيرة، والقائمة على أنه «إن لم تكن معنا، فأنت ضدنا. لا مجال للحياد الآن». وهي بذلك تعد رسالة مبطنة إلى كل من الكويت وسلطنة عمان بأن موقفهما من أزمات المنطقة، وخاصة أزمة قطر التي وقفتا فيها على الحياد، لم يعد مقبولًا ومن غير الممكن أن يستمر.

إنشاء اللجنة المذكورة، بالتزامن مع عدم مشاركة قادة دول الحصار في القمة الخليجية، التي كان يعقد عليها آمال كثيرة لرأب الصدع الداخلي بين دول المجلس، يشير إلى أن الأزمة الخليجية ستطول ولن تعرف طريقًا للحل في القريب كما تكهن عدد من المحللين السياسيين الذين رأوا أن الفشل السعودي في نقل الأزمة مع إيران إلى لبنان، أو تحقيق نصر في اليمن، فضلًا عن الضغوط الغربية من أجل إنهاء الأزمة الخليجية، دوافع قوية للتصالح مع قطر.

تتمثل خطورة اللجنة المذكورة في كونها مقامرة غير مضمونة العواقب، فالإمارات والسعودية تريد منها الضغط على باقي الدول الخليجية من أجل إجبارها على التبعية، لكنها قد تكون حافزًا لارتماء هذه الدول في أحضان إيران المفتوحة، وهو أمر مرجح في حالة سلطنة عمان، أو إلى زيادة الاعتماد على تركيا كصمام أمان، كما تفعل قطر، أو إلى تكوين تحالف قطري/ كويتي/عماني موازٍ.

تطرح الخطوة الإماراتية – السعودية، وتفاقم الانقسام الخليجي، تساؤلات جادة حول مستقبل التعاون العسكري والاقتصادي بين دول الخليج، وما إن كان هناك احتمال للردة على الإنجازات التي تحققت بصعوبة على مدى العقود الأربعة الماضية. هذه التساؤلات تظل عالقة حتى عند أمين مجلس التعاون الخليجي «عبد اللطيف الزياني» نفسه، الذي رفض الإجابة على أسئلة الصحفيين حول مدى ثبات موقف مجلس التعاون الخليجي في ظل الأزمة التي تعصف به.