لقد انتهت علاقتي بمؤسسة «TRT»، حيث عملت بفخر لسنوات عديدة، بعد الحدث الذي وقع اليوم. آمل أن أراكم مرة أخرى. وداعًا.
المُعلِّق التركي «ألبير باكيرسيجيل» عبر حسابه الشخصي على تويتر. 

الحدَث الذي أشار إليه المُعلِّق التركي هو ذِكر اسم شخص «غير مرغوب فيه» أثناء تعليقه على هدف حكيم زيَّاش، لاعب منتخب المغرب، ضد كندا، ضمن منافسات دور المجموعات بكأس العالم قطر 2022، والذي ترتَّب عليه فصله بين شوطي المباراة. 

أثناء تعليقه ألمح المُعلِّق بعفوية إلى أن هدَف زيَّاش لم يكن الأسرع في تاريخ كأس العالم؛ لأن صاحب الهَدف الأسرع في تاريخ المسابقة العالمية هو المهاجم التركي «هاكان شوكور»، الذي سجل ضد كوريا الجنوبية في مباراة تحديد المركز الثالث بكأس العالم «كوريا واليابان 2002». 

وبعد نحو عقدٍ من هدفه التاريخي، الذي ساهم في تحقيق منتخب تركيا للمركَز الثالث، تحوَّل «الملك» كما كانت تُطلق عليه جماهير «جالاتا سراي» التركي إلى خائن مطلوب لدى السلطات، التي تحاول بشتى الطرق إخفاء اسمه من صفحات التاريخ. فماذا حدث؟ 

صورة تركيا 

إذا حاولت وضع عنوان مناسب لمسيرة «هاكان شوكور» الكروية، فربما يبدو العنوان الأنسب هو المثالية. مهاجم فذ، هداف تاريخي لمنتخب بلاده وجالاتا سراي، خاض تجارب احترافية في إنجلترا وإيطاليا، والأهم أنه كان يحظى باحترام الجميع، حتى جماهير المنافسين مثل «فناربخشة» و«بشكتاش». 

لكن حتى نتفهَّم لماذا تُصر حكومة «رجب طيب أردوغان» على إقصاء أهم نجوم الكرة في البلاد من المشهد تمامًا، بداية من تجميد أمواله، وسَجن والده، ورفع اسمه من كل السجلات التاريخية الرسمية لكرة القدم التركية، علينا أن نعود للخلف قليلًا، تحديدًا لمنتصف تسعينيات القرن الماضي، حيث عاش «أسد مضيق البوسفور» أزهى فترات حياته.

في صيف 1994، وقع صاحب الـ 23 ربيعًا وقتئذٍ في غرام فتاةٍ تركية تُدعى «إسرا إلبيرليك»؛ ولأن «شوكور» كان أهم مواهب تركيا في ذلك الوقت، لاحقت الصحافة والكاميرات طالبة الصيدلة صاحبة الـ 19 عامًا، التي أوقعت النجم المشهور في شباكها. 

إسرا إلبيرليك
 

لم تكن الحسناء التركية تريد الزواج من شوكور في ذلك الوقت، وكان رد والدها «سيڤات» على إلحاح شوكور: الدراسة أولًا. لتبدأ القصة الحقيقية، التي رُبما تشرَح حكاية اللاعب كاملةً، ولمَ لا تشرح حقبة من تاريخ تركيا الحديث. 

طبقًا للرواية الأشهَر، كان شوكور صديقًا مقربًا لكل من «رجب طيب أردوغان»، عمدة إسطنبول في ذلك الوقت، و«فتح الله غولن»، زعيم حركة «الخدمة»، اللذين طالبا «تانسو تشيلر»، رئيسة الوزراء في ذلك الوقت بالضغط على إسرا ووالدها لقبول الزواج من اللاعب التركي. 

وفي أغسطس 1995، وبحضور كل من «أردوغان» و«غولن»، تم بَث مراسم زواج اللاعب التركي على الفتاة الجميلة مباشرة على شاشات التلفاز. 

صورة شوكور بين الرجلين الأكثر قوة في ساحة السياسة التركية في حفل زواجه، الذي لم يدُم إلا لأربعة أشهر، ربما تعد الصورة الأهم في قصتنا. لأنه بعد 20 عامًا بالضبط، انقلبت مشاعر الود الواضحة بداخلها، إلى عداوة حقيقية، بين «أردوغان»، الرجل الذي يسكُن رأس السلطة التركية، وبين «غولن» الذي اتهم في في 2016 بإدارته لانقلاب على الحكومة التركية من منفاه الاختياري بالولايات المتحدة الأمريكية، وفي المنتصف فقد «شوكور» كل شيء حرفيًّا، حتى زوجته السابقة التي لقيت حتفها في زلزال عام 2000. 

الإخوة الأعداء 

في الواقع، جمَع الوفاق بين السياسي «أردوغان» وعالم الدين «غولن» لفترة طويلة، خاصةً بعد بزوغ نجم حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ مطلع الألفية الثالثة. هذه العلاقة المُميزة كانت قائمةً بالأساس على ترك الحزب الحاكم المجال مفتوحًا لجماعة «الخدمة» الدعوية، بالإضافة إلى بعض الامتيازات المتمثلة في تغلغل بعض أفرادها في بعض المناصب مثل الوزارات، الاستخبارات، والبرلمان، مقابل تصويت الجماعة للحزب في أي انتخابات، والأهم المساعدة في كشف أي خطط للانقلاب على الحكومة. 

ولأنها السياسة، لم يدُم هذا التحالف سوى 10 سنوات أو أكثر بقليل. ربما لأن الحزب شعر أنه لم يعُد في حاجةٍ للجماعة الأشهر في تركيا لتوطيد حكمه، أو ربما لأن الجماعة نفسها طمحت إلى مزيد من الامتيازات. على كلٍّ، في 2013 تحديدًا، بات الصراع مُعلنًا، الحزب ضد الجماعة، أو بالأحرى «رجب طيب أردوغان» ضد «فتح الله غولن» وجهًا لوجه. 

في ذلك العام ضربت فضيحة فساد ضخمة حكومة «أردوغان»، وأدت إلى سلسلة من الاستقالات شملت مجموعة الوزارات ونوَّاب البرلمان. واتهم «أردوغان» حليفه السابق «غولن» بإدارة هذه العملية لتشويه سمعته. 

نعتذر للابتعاد عن موضوعنا الأصلي؛ هذه الخلفية مهمةً جدًّا لفَهم ما حدث لـ «شوكور»، أهم شخص في قصتنا، إن كنت قد نسيته. 

«ضد الحكومة»  

بعد اعتزاله لعب كرة القدم عام 2008، عَمل «شوكور» لفترة محللًا لمباريات الدوري التركي لصالح قناة «TRT» الوطنية، وبعد 3 سنوات، اقتحَم مجال السياسة، ليُصبح في 2011 عضوًا برلمانيًّا ممثلًا لحزب العدالة والتنمية. 

يبدو من السهل جدًّا توقُّع استغلال «أردوغان»، المعروف باهتمامه بكرة القدم، لاسم لامع مثل «شوكور»، لكن كل شيء انقلب رأسًا على عقب في 2013، حين طفت على السطح قضية الفساد أعلاه، والتي تبعتها حملة مُمنهجة لإغلاق المدارس التابعة لحركة «الخدمة». 

عبر وكالة إعلامية تابعة لحركة «فتح الله غولن»، أعلن «هاكان شوكور» استقالته من الحزب، واستمراره في العمل السياسي مستقلًّا، اعتراضًا على ما وصفه بـ «مواقف الحكومة التي لا معنى لها». 

لم أتقدَّم باستقالتي من الحزب بإيعاز من عبد الله غولن كما يدعون، لقد أخبرت عددًا من أعضاء الحزب برغبتي في تقديم الاستقالة في وقت سابق. 
هاكان شوكور في حوار صحفي عام 2014. 
دعاني الحزب للاستفادة من شعبيتي. وافقت وانضممت. لم أكن لأفهم كيف تسير الأمور في تركيا لو لم أذهب إلى البرلمان. كان هناك العديد من التقارير عن الفساد. بعد هذه التقارير، استقلت في عام 2013. ثم بدأت الأعمال العدائية تجاهي.
هاكان شوكور، لصحيفة «ڤيلت أم زونتاج» الألمانية عام 2020. 

بالطبع، فُصل اللاعب السابق من وظيفة المحلل، ولم يستطع بكل تأكيد النجاح في الانتخابات البرلمانية عام 2014، بينما استمر في انتقاد سياسات الحكومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي. 

سائق «أوبر» 

بعد محاولة الانقلاب الفاشل في 2016، وجَّه الرئيس «رجب طيب أردوغان» الاتهامات صوب «فتح الله غولن»، وأُطلقت سلسلة من حَملات الاعتقالات التي شملت كل تحيط به الشكوك. وكان «شوكور» بكل تأكيد أحد هؤلاء، حيث صدرت 9 مذكرات اعتقال في حقه، تضمنت اتهامات مثل: الإساءة للرئيس على مواقع التواصل الاجتماعي، والانضمام لجماعة إرهابية محظورة، دون أن يحظى بأي فرصة حقيقية للدفاع عن نفسه نظرًا لتحكُّم «أردوغان» شبه الكامل في الإعلام التركي وقمع الأصوات المعارضة.

لا يبدو أن أحدًا قادر على شرح دوري في هذا الانقلاب. لم أفعل أي شيء غير قانوني، أنا لست خائنًا أو إرهابيًّا.
هاكان شوكور، لـ«Irish times»

صودرت كُل أموال وممتلكات نجم المنتخب التركي المقدرة بعشرات الملايين في تركيا، حُكم على والده بالسجن لثلاث سنوات، في حين نجح شوكور في الهروب في وقت سابق للولايات المتحدة الأمريكية، محاولًا بدء حياة جديدة، حيث افتتح مطعمًا تركيًّا بالشراكة مع صديق، قبل أن يُغلق المطعم لأسباب مادية. 

يؤكد «شوكور»، الذي انتهى به المطاف كسائق «أوبر» وبائع كُتب، أنه لم يشترك في الانقلاب المزعوم، بل إنه ليس من مؤيدي حركة «غولن» من الأساس، حتى وإن كان يُقدره كرجُل؛ لأنه ينحدر من أسرة تمتلك أيديولوجية مختلفة. 

اقرأ أيضًا: أردوغان: الخليفة العلماني والديكتاتور الديمقراطي

حقيقةً، ربما كان مُقدرًا لـ «شوكور» أن يكون وزيرًا في حكومة «أردوغان»، أو على أقل تقدير شخصًا عاديًّا يعيش حياة طبيعية داخل بلاده، لكنه ربما وقع ضحية لصراع سياسي، لم يحسب له حسابًا.