عادة ما يتبادر إلى أذهاننا كجمهور عربي أن أي لاعب من أصول عربية وُلد في القارة العجوز فرضٌ عليه أن يكون من أبنائنا المُخلصين وأن يُفضّل تمثيل منتخب وطنه الأم لا منتخب البلد التي اكتشفته وجعلت منه لاعبًا محترفًا في كرة القدم، ولأن المنطق يرفض تلك النظرية، ليس المنطق وحده، ولكنه العدل أيضًا يرفض ذلك، فإن أغلب اللاعبين يميلون لتمثيل منتخب البلد التي أعطتهم الفرصة للحياة، كزين الدين زيدان و كريم بنزيما وسمير نصري وسامي خضيرة وحاتم بن عرفة وغيرهم ممن تتسع لهم قائمة السرد.

لكن هناك بعض اللاعبين الآخرين ممن قرروا التغريد خارج السرب ليرتدوا قميص منتخب بلدهم العربي الأم لأسباب مختلفة، ظاهرها وطني وباطنها العجز، إما عجز عن إقناع مُدرب بلده الأوروبية بإمكانياته، وإما قلق على مكانه في تشكيل تلك البلد مستقبلًا، كذلك سهولة التنافس لحجز مكان في التشكيل الأساسي في المنتخبات العربية عن نظيراتها الأوروبية، وأيضًا قدرته على المُطالبة بالمشاركة دون خوف من هجوم الصحافة أو الجمهور العربي الذي اعتبر انضمامه وتفضيله لمنتخب بلادهم عن تمثيل بلد أوروبية فتحًا عظيمًا وقربانًا يتيح له فعل مايشاء بعد ذلك.

أحد هؤلاء اللاعبين الذين قرروا التغريد خارج السرب هو اللاعب المغربي ذو الأربعة وعشرين عامًا حكيم زياش لاعب نادي أياكس الهولندي والذي يقدم موسمه الأروع حتى الآن في مشواره مع الساحرة المستديرة.


من هنا بدأ «رود فان نيستلروي»

بدأت الموهبة المغربية التي وُلدت في الأراضي الهولندية عام 1993 مشوارها مع كرة القدم في نادي « هيرنيفين» الهولندي حيث بداية عدد من مشاهير اللعبة كالهولندي «رود فان نيستلروي» والهولندي «جان هونتلار» والمهاجم الدنماركي «يون دال توماسون»، وكأن ذلك النادي أصرّ أن تكون واجهته في كرة القدم العالمية هي الكرة الهجومية ولا شيء غيرها.

لم يكن عمره في تلك الآونة يتخطى الأحد عشر عامًا إلا أنه تدرج في الفئات العمرية للفريق حتى لعب للفريق الأول عام 2012 ونجح في خلال موسمين مع الفريق في تسجيل 13 هدفًا خلال 47 مباراة و هي أرقام ليست بالسيئة للاعب لم يتجاوز الـ18 عامًا في ذلك الوقت.

انتقل بعدها إلى نادي «تيفينتي» الهولندي ليلعب معهم موسمين كاملين منذ عام 2014 حتى عام 2016 قدّم خلالهما مستويات رائعة، لكن الموسم الأخير كان الأكثر بزوغًا في مسيرته حتى الآن حيث سجل مع الفريق 17 هدفًا خلال 33 مباراة بالإضافة إلى 10 تمريرات حاسمة لإحراز أهداف طبقًا لموقع Goal العالمي.

إحصائيات اللاعب المغربي حكيم زياش مع نادي تيفينتي الهولندي لموسم 2015-2016.
إحصائيات اللاعب المغربي حكيم زياش مع نادي تيفينتي الهولندي لموسم 2015-2016.

لغزٌ مُحيّر

حكيم يمكنه بسهولة أن يصبح اللاعب الأفضل في الدوري الهولندي وهو يلعب في أي نادٍ، إنه يسجّل ويمرر للتهديف بكل سهولة وكأنه لا يفعل شيئًا
كريم الأحمدي لاعب فريق فينورد.

في نهاية موسم 2015-2016 كان اللاعب المغربي محطّ أنظار العديد من كبار أوروبا كبروسيا دورتموند،شالكة، روما، ليستر سيتي،فبات من المستحيل توقع أين سيذهب الجوهرة العربية في نهاية سوق الانتقالات الصيفية، إلا و أنه مع اقتراب إغلاق أبواب الانتقالات الصيفية لم يُحرّك أي نادٍ ساكنًا تجاه حكيم زياش فبدأ البعض يُخمن أنه سيكمل على الأقل نصف الموسم الجديد في صفوف تيفينتي، حتى حدثت المفاجأة قبيل إغلاق باب الانتقالات و أعلن نادي أياكس الهولندي شراء الموهبة الشابة مقابل 11 مليون يورو، وتوقيع عقد معه تبلغ مدته خمس سنوات.

خطوة رآها كثير من المتابعين غير مدروسة من النجم الشاب نظرًا لطول مدة العقد وعليه ألا يضيع تلك المدة في الدوري الهولندي الضعيف نسبيًا مقارنة بالدوريات الأوروبية الأُخرى إلا أن زياش قد صرح بعد ذلك بأنه يريد قطع الطريق خطوة بخطوة، كذلك لا يريد الرحيل من هولندا قبل تحقيق لقب الدوري الهولندي.

بدأ بعد ذلك زياش موسمه مع أياكس الهولندي وحتى الآن يقدم مردودا طيبا للغاية مع فريقه الجديد ووصل معهم إلى نهائي الدوري الأوروبي بعدما قادهم للفوز على ليون الفرنسي برباعية في لقاء الذهاب في مباراة أذهل فيها زياش الجميع بأرقامه وصناعة 3 أهداف من أصل أربعة.

article-2513998-19AA09DD00000578-142_634x404
article-2513998-19AA09DD00000578-142_634x404

الصدام قادم لا محالة

التعامل مع الإعلام مهارة يفتقدها أغلب لاعبي كرة القدم، فاللاعب النابه لا يجب أن يقع في فخ تصريحات الإعلام التجارية حتى وإن كان له العديد من التجاوزات خارج المستطيل الأخضر، مثال على ذلك الأسطورة البرازيلية رونالدينهو جاوتشو الذي لم يُصرح يومًا ما أي تصريح يثير الرأي العام أو جماهير المنافس ضده، وبالرغم من أن له العديد من التجاوزات المرصودة بشكل متكرر خارج الملعب إلا أن جماهير إسبانيا وجماهير الكرة العالمية بشكل عام تعشقه لدرجة قد تصل إلى الجنون أحيانًا، هل سمعت يومًا ما أحدًا يهاجم رونالدينهو؟ بالطبع لا.

حكيم زياش لم يدرك ذلك الأمر في بداية مشواره إدراكًا كافيًا، ففي أوج تألقه مع فريق تيفينتي وهو لم يكمل عامه العشرين وحمله لشارة قيادة الفريق نظرًا لموهبته الاستثنائية خرج على وسائل الإعلام بتصريح مفاده أن ذلك الموسم هو الأخير له مع تيفينتي الذي لا يناسب طموحاته، تصريح أثار جماهير فريقه التي حملته على أعناقها ضده وكذلك سحب شارة القيادة منه!

الأمر ذاته تكرر مع هيرفي رينارد المدير الفني لأسود الأطلس، حيث استبعد المدير الفني الفرنسي اللاعب الشاب من قائمة المنتخب المغربي لبطولة الأمم الإفريقية في الجابون عام 2017 نتيجة لتراكمات عديدة وتوتر في العلاقة بينهما، مما أثار حفيظة الشاب المغربي وخرج بتصريحات تفيد بأنه لن يلعب للمنتخب المغربي مُجددًا طالما أن رينارد هو المسؤول الأول في المنتخب، تصريحات فتحت الباب مرة أُخرى لتكهنات الصحفيين عن خلاف بين زياش ومبارك بوصوفة وكذلك خلاف بينه وبين مصطفى حجي، وانطلقت الإشاعات ولم تجد من يوقفها لأن النجم المغربي لم يتعلم من درس تيفينتي!

هدأت الأجواء بشكل كبير بين المدير الفني الفرنسي وزياش في الآونة الأخيرة واستدعاه رينارد مرة أخرى لودية هولندا وكذلك لقاء أسود الأطلس المرتقب أمام الكاميرون في تصفيات أمم إفريقيا لعام 2019، ولكن يبدو أن مشوار زياش مع منتخب المغرب لن يدوم طويًلا وأنه لا ينسى محاولات «هيدينك» لاستدعائه لمعسكر الطواحين الهولندية عام 2016 وحيرته الكبيرة آنذاك إلا أن الإصابة التي لاحقته تلك الفترة رجحت كفة المنتخب المغربي.


اللعب مع الكبار

حكيم زياش، المغرب
حكيم زياش، المغرب

حكيم زياش هو اسم يتردد دائمًا وسط عديد من الأسماء في أوساط الصحافة العالمية عند الحديث عن بديل إنييستا الذي أصبح حتميًا إيجاده في الكامب نو أو بديل ديفيد سيلفا في مانشستر سيتي الإنجليزي أيضًا.

تردد اسم زياش يرجع بالأساس لثلاثة أسباب رئيسية تميز تلك الموهبة المقبلة بقوة في القارة العجوز، أولها هو قدرته الفائقة على التحكم بالكرة تحت ضغط منذ بداية مسيرته والتي يدرجها البعض تحت مُسمى «شخصية اللاعب في الملعب».

السبب الثاني هو دقة تمريراته الحاسمة وكثافتها والتي تصل إلي 3.46 تمريرة في المباراة الواحدة وهو رقم ضخم مقارنة بباقي لاعبي القارة، كما أن عدد تمريراته الحاسمة منذ بداية مشواره بالدوري الهولندي عام 2012-2013 وصل إلى 251 تمريرة متفوقًا بمقدار 65 تمريرة عن أقرب لاعب له في هولندا.

السبب الثالث، هو تميز اللاعب في الضربات الثابتة سواء بشكل مباشر على المرمى أو بشكل عرضي باتجاه المرمى ليقابلها أي لاعب آخر من فريقه برأسه، يملك عددا وفيرا من الأهداف بتلك الطريقة آخرها الهدف الأول في مرمى ليون في الدوري الأوروبي هذا الموسم.

أما العيب الأبرز في زياش هو عدم قدرته على استخلاص الكرة من المنافس ومن ثم تقصيره في أداء أدواره الدفاعية، أرقام حكيم في ذلك الصدد هذا الموسم مُخيبة للغاية بمعدل 2/10 خلال المباراة الواحدة، أي أن من بين كل عشرة التحامات يظفر زياش بالكرة مرتين فقط!

المراجع
  1. انتقال حكيم زياش لأياكس الهولندي.
  2. استدعاء زياش للمنتخب المغربي.
  3. موقع Squawka العالمي.