على بعد 2 كيلو متر من الشاطئ، وعلى مسافة 3 كيلو متر شمال مدينة عسقلان أو المجدل، وعلى بعد 31 كيلومترًا إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة، قريبًا من الخط الحديدي والطريق الساحلي، تقع قرية «حمامة»، أو كما يُطلق عليها «حمامة عسقلان».

«حمامة» هي واحدة من قرى فلسطين التي تتبع قضاء مدينة عسقلان-لواء غزة، وقد بلغ عدد سكانها عام 2000 حوالي 60 ألف نسمة، يعملون في الزراعة والصناعة والصيد إضافة إلى وجود العديد من معاصر الزيتون والتي تسمى «البد»، كما يعمل سكانها بالتجارة داخليًا وخارجيًا وغيرها من المهن والحرف، ويذهب أبناء القرية إلى المدارس والجامعات في القدس وغزة وحيفا وغيرها من مدن فلسطين.

تبلغ مساحتها 42 كم، وتحظى القرية بشهرة واسعة نظرًا لأهميتها الاقتصادية والسياحية، وتتميز مثل الكثير من مدن فلسطين بغنى مواردها وكبر مساحة أراضيها وشهرة تراثها.

خريطة توضيحية لقرية حمامة الفلسطينية
خريطة توضيحية لقرية حمامة الفلسطينية

كل ما سبق ذكره كان مجرد تصور بسيط لما كانت ستكون عليه قريتنا اليوم لولا تدخل المحتل الصهيوني بالتعاون مع المستعمر الأوروبي، فقبل تهجير سكان القرية عام 1948 كان يبلغ عددهم 5812 نسمة، وفي عام 2000 قدر عدد لاجئيها 60 ألف نسمة ينتشر معظمهم في جميع أنحاء غزة، وخارج فلسطين في مخيم الشاطئ للاجئين ومخيم جباليا ومخيم خانيونس، وحي الشيخ رضوان.

أمّا اليوم فقد أصبحت قرية حمامة عبارة عن أنقاض، حيث قام الاحتلال الغاشم بهدم كل ما تحويه من معالم تاريخية، ولم يتركوا بيتًا ولا مدرسة ولا مسجدًا إلا ومحوا آثار وجوده، ولكنهم لم يستطيعوا هدم ترابها ولا نسفه، فهذا التراب دائمًا ما كان لفلسطين وحتى يعودوا لها سيظل لهم.

قد خاب توقعهم وعاش كبار القرية حتى حكوا لصغارها، واليوم يفتش عنها صغارها في كل كتاب ومقال وصورة وكلمة قالها أجدادنا لنا، فـ «حمامة» وكل فلسطين من النهر إلى البحر لم ننسَها يومًا، ولن ننسى.

عن القرية

بُنيت بيوت البلدة في موقع قرية يونانية عُرفت باسم «باليا» وتعني حمامة باليونانية، لذا اكتسبت حمامة أهمية سياحية لوجود الكثير من الخرائب الأثرية حولها، ويُرجَّح أن هذه الآثار تعود إلى عهود ما قبل اليونانيين، حيث أقام الفلسطينيون الأوائل عند الساحل ما بين غزة وأسدود.

وفقًا لكتاب «قرى فلسطينية مُهجّرة»، يقول «عبد الحميد الفراني» إن هناك رواية أخرى حول اسم القرية، وهو أن اسم القرية هو «وادي الحمى»، إذ تُبرِز هذه التسمية دور القرية في العهد الإسلامي، حيث اتخذت القوات الإسلامية من موقع القرية معسكرًا لجيوشهم للانقضاض على «عسقلان»، ونظرًا لوفرة المؤن والعتاد والمياه بها، كانت الملجأ والمأمن للكثير من القرى المجاورة لها.

أصبحت قرية حمامة تحت الحكم العثماني بعد دخول القوات العثمانية بلاد الشام وانتصارها في معركة مرج دابق عام 1516م، وخدم الكثير من سكان القرية الدولة العثمانية، ومنهم منْ تجنّد في الجيش العثماني وحارب معهم ضد الأعداء، وقدّم أهالي القرية الدعم للدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى بالمال والرجال.

صورة تجمع بين أبناء لقرية حمامة مع عارف العارف
صورة تجمع بين أبناء لقرية حمامة مع عارف العارف

وكان من القرية العلّامة الإسلامي «شهاب الدين ابن العباس محمد بن عبد الله بن داوود بن عمرو بن علي بن عبد الدائم الكناني الشافعي»، حيث وُلد ودرس بها ثم انتقل إلى غزة ومنها إلى بيت المقدس حيث تولى الخطابة في المسجد الأقصى، وقيل عنه «ابن الجوزي زمانه»، وعاش في آخر حياته بالقاهرة حتى توفي بها.

ويقول أحد الشعراء عن قرية حمامة:

مررنا بالعشى على حمامة *** ولم نسمع غناء من حمامة
فقلنا هل أبو عرقوب فيها *** هو ابن عليم الوافي الشهامة
فقالوا يغني طير أرض *** إذا ما سامها أسامة
هما جنبًا تهامة يا عذولي *** لهذا الناس سموها حمامة

كانت البلدة عبارة عن حارتين رئيسيتين يكوّنان بيوت البلدة، الحارة الغربية والحارة الشرقية، وكان يفصل بينهما الوادي، وكان عبارة عن مجرى لمياه الأمطار التي كانت تمر في هذا الوادي قادمة من جهة مدينة المجدل في الجنوب.

كان الوادي يمتلئ بالمياه في فصل الشتاء، وإذا كانت الأمطار غزيرة كان يعيق سير الناس لساعات أو يوم أو لعدة أيام، خصوصًا وأنه كان يحد من تنقل السكان من الحارة الغربية إلى الحارة الشرقية أو العكس.

كانت الحارة الشرقية هي الأقدم وأساس البلدة، وكانت تحوي على الأسواق، وفي منتصف البلدة تقريبًا كان يقع مسجد «أبو عرقوب»، وهو اسم لأحد الصالحين القدامى الذين عاشوا في تلك الأنحاء والذي تحوّل ضريحه إلى مسجد يحمل اسمه.

أمّا الحارة الغربية من البلدة، فقد كانت تعتدي بيوتها قليلًا على خط الرمال القريب من شاطئ البحر، وكانت الأحدث تقريبًا في عمر البناء. كانت بيوت حمامة تتخذ شكل النجمة بسبب امتداد العمران على طول الطرق التي كانت تصل قلبها بالقرى والبلاد المجاورة، وكان بالقرية مسجد ومدرستان ابتدائي؛ واحدة للبنين تأسست عام 1921، وأخرى للبنات تأسست عام 1946، إضافة إلى مجلس بلدي يدير شئون القرية المحلية.

أمّا حول اقتصاد القرية، فقد كان لها أهمية اقتصادية كبيرة لكبر مساحة الأراضي الزراعية التابعة لها، حيث كانت الأكبر بين قرى المنطقة الساحلية من ناحية عدد السكان وملكية الأراضي الزراعية، وكان لعنب حمامة شهرة في فلسطين، وكانت تتنوع بها زراعة المحاصيل كالحبوب والزيتون والحمضيات والمشمش واللوز والتين والبطيخ والشمام، وقد غرسوا الأشجار بسبب كثبان الرمل لمنع تآكل التربة وزحف الرمال.

ولأن حمامة كانت تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، ولكثرة عدد سكانهاـ فقد كان قطاع لا يستهان به من أهلها يعملون بصيد السمك، كما اشتهرت بصناعة أدوات الجني مثل السلال، إضافةً إلى وجود العديد من معاصر الزيتون، وقد بلغ عددهم ما يقارب 12 معصرة، وتعود ملكيتهم إلى عدد من أهالي القرية.

وقد اكتسبت قرية حمامة أهمية تاريخية وسياحية كبيرة، فقد كانت مليئة بالمواقع الأثرية، فكثرت بها الخرب وهي مواقع منبسطة أو قليلة الارتفاع، لا تحتاج للتنقيب والحفر بغية الكشف عنها، فعلى سطحها شواهد أثرية ظاهرة للعيان، كالمخلفات المعمارية المهدمة، أو الصهاريج أو المعاصر والكسر الفخارية المتناثرة. ولون التربة بسطوحها رمادي وبذلك يكون مختلفًا عن لون تربة السطوح في المناطق المحيطة بها. ومن أهم الخرب الموجودة بالقرية: خربة الأبطح، وخربة صند حنة، وخربة معصبة، وخربة بشة، وخربة حجازي، وخربة المصلى، وغيرها من الخرب.

جامع قرية حمامة قبل النكبة
جامع قرية حمامة قبل النكبة

وكان من أهم المواقع الأثرية في بلدة حمامة «تل الفراني»، حيث إن هذا المعلم عبارة عن تل أثري فيه بقايا سكان من العهد الكنعاني القديم حتى العهد البيزنطي، إضافةً إلى الوديان والتي تمر في أراضي حمامة وأهمها «وادي حمامة» الذي تأتي مياهه من مرتفعات المجدل مخترقًا أرض البركة الجنوبية، ويفصل غرب البلدة عن شرقها خصوصًا في فصل الشتاء. وهناك أيضًا وادي «الجُرَيبة»، الذي يأتي من الجنوب من مرتفعات بلدة «عراق السودان»، كما كان يوجد بالقرية العديد من السهول منها: سهل بشة، وسهل معصبة، وسهل الصفرة، وغيرها من السهول.

كانت قرية حمامة من القرى المُصنّفة بكثرة سكانها عن باقي قرى غزة، وكان ينوي تحويل مجلسها القروي إلى مجلس بلدي لتصبح مدينة لولا أحداث حرب 1948، وكان من عائلاتها: المقاديد والكلالبة والصقور والمصريون والعووض والشوام، وكل هؤلاء يتفرّع منهم العديد من أسماء العائلات الأخرى.

التهجير القسري وسقوط القرية

ذكر الباحث «عبد الحميد الفراني» في كتابه «قرى فلسطينية مهجرة» بعض المعارك التي شارك بها أهالي قرية حمامة خلال عام 1948 ضد الصهاينة وكان منها: معركة دوار المجدل، ومعركة بيت دراس، ومعركة نتسانيم، ونتسانيم هي مستعمرة واقعة بين قريتي حمامة وأسدود، وقد قامت القوات المصرية بمهاجمتها والقضاء عليها لأنها كانت تُهدِّد وجودها في أسدود، واُستشهد في هذه المعركة من متطوعي قرية حمامة، «أحمد أبو عودة».

في 28 أكتوبر/تشرين الأول عام 1948 سقطت قرية حمامة في يد القوات الصهيونية ضمن المرحلة الثالثة من عملية «يواف»، وقام المحتل الصهيوني بالعديد من الوسائل لطرد الفلسطينيين العرب، خاصةً وأن قرية حمامة كانت تحوي آلاف اللاجئين من أسدود وغيرها.

هاجر أهالي قرية حمامة إلى غزة، وتم ترحيل الطاعنين في السن من الرجال والنساء بشاحنات إلى غزة، وقام البعض من الأهالي بالتسلل لأخذ بعض أمتعتهم وأموالهم التي تركوها، وقد قُتل الكثير منهم، عُرف منهم: عمران محمد الخواجة، وشاكر محمد الخواجة، وعلي نسمان. سقط العشرات من قرية حمامة بين جرحى وشهداء بين عامي 1948 و1949، وقد بلغ عد الشهداء 61 شهيدًا لم تُعرف أسماؤهم، وما يقرب من 15 شهيدًا عُرفت أسماؤهم.

صورة طبيعية لقرية حمامة

تم تدمير القرية ومحو آثارها، ولم يبقَ أثر لمعالمها ومنازلها، ويغطي موقعها النباتات البرية والأعشاب والصبّار، وبعدما قام الصهاينة بتدمير القرية وتشريد أهلها، بنوا على أرضها مستعمرتين «نتسانيم» و«بيت عزرا»، ومزرعة «اشكولوت» في خمسينيات القرن الماضي.

ربما لو عاد بي الزمن وكنت أكبر قليلًا لتمكنت من سؤال جدتي رحمها الله أكثر عن قريتنا، وسمعت عن حمامة من أبنائها، ولكن لم يحدث. إلا أنني في السنوات الأخيرة تمكّنت من جمع الكثير من المعلومات عن قريتي؛ منْ نحن ومن أين أتينا. في كل مرة كنت اكتشف شيئًا جديدًا كانت تزداد سعادتي به، وكأنني عشت بـ «حمامة» عمرًا، وزرتها مرارًا.

لم أكن أعرف سوى اسمها، «حمامة»، أمّا اليوم فأنا أعرف كل شي عنها؛ تاريخها وحاضرها. والآن يمكنني القول إننا لا نحتاج إلى أدلة وبراهين لإثبات حقنا في أرضنا التي طُردنا منها، فـ «حمامة» وكل القرى والمدن التي تم احتلالها وتهجير أهلها على يد الصهاينة تنتمي فقط إلى فلسطين العربية، وطننا المحتل، الذي هي لنا ونحن دائمًا له.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.