«غزة اليوم ليست كالأمس، وبحرها ليس كما كان، فهناك كوماندوز تابع لحركة حماس، وهم يعدون بالمئات ولديهم تحفيز كبير»
تقرير عبر التلفزيون الإسرائيلي

منذ تأسيسها في 14 ديسمبر 1987، مثلت شبكة الأنفاق المتوسعة وترسانة الصواريخ التي تزداد تطورًا يوميًا، فخر قدرات حماس العسكرية في تطورها المسلح ضمن الصراع مع إسرائيل.. كل هذا قبل المتغير الجديد الذي لفت الأنظار في حرب غزة الأخيرة: قوات حماس البحرية، والتي يصفها خبراء ومسؤولون عسكريون إسرائيليون بـ«الأقل نقاشًا والأكثر غموضًا» ويؤكدون أن دخول قوات كوماندوز بحرية سرية إلى إسرائيل أو ضربها عن طريق البحر بات قابلًا للتحقق.

سنوات التأسيس

تعود البوادر الأولى إلى نوفمبر 2000، حين نفذ الحمساوي حمدي انصيو أول عملية في عمق البحر ضد قوات الاحتلال خلال انتفاضة الأقصى، حيث قاد قاربه المحمل بـ120 كيلو من مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار، واستهدف زورقًا إسرائيليًّا فدمره وقتل من فيه بالكامل. لكنها ظلت عملية فردية بدت حينها غير قابلة للتكرار.

وفي غياب الإعلانات الرسمية من حماس أو جناحها المسلح كتائب عز الدين القسام، يشير مراقبون إلى أن تشكل بحرية حماس بدأ فعليًا في يناير 2008، بالتزامن مع حرب غزة، وتشديد الحصار على الأنفاق الحدودية مع مصر.

لكن التسجيل الأول للقوة يعود إلى مارس 2010، حين قالت دولة الاحتلال، إن استخباراتها اكتشفت محاولة 4 من عناصر حماس العودة إلى القطاع عبر الأنفاق، بعد تلقي تدريبات خاصة على فنون القتال البحري في إيران. اختفت الأخبار سريعًا، قبل أن تظهر بحرية حماس مجددًا في يوليو 2014، خلال الحرب على غزة، عندما سبح أربعة مقاومين من كوماندوز حماس البحري مسلحين بأسلحة آلية ومتفجرات وقنابل يدوية، خلسة إلى الشاطئ بالقرب من كيبوتس زيكيم، الذي يقع على بُعد 4 كيلومترات عن الحدود الغربية الشمالية لقطاع غزة، وحاولوا تدمير دبابة إسرائيلية، قبل استشهادهم.

كوماندوز حماس البحري
صورة من مقطع فيديو بثته القسام خلال حرب غزة 2014

الظهور المخيف في 2021

لكن الظهور الأبرز حدث في حرب غزة الأخيرة، مايو 2021، عندما قال الجيش الإسرائيلي، إنه رصد ما وصفه بــ«نشاط مشبوه» في شمال قطاع غزة، تضمن نقل حماس لــ«سلاح بحري غير محدد» في الطريق إلى المياه التي تحتلها إسرائيل. 

وتركز السيناريو على تسلل وحدة كوماندوز بحرية تابعة لحماس بغواصة بدائية الصنع من أجل استهداف منشأة طاقة أو مستوطنة مأهولة بالسكان أو إحداث دمار بطريقة أخرى.

وتصل التقديرات الإسرائيلية بتعداد قوات بحرية حماس بـ400 مقاتل كوماندوز بحري تقول، إنهم تلقوا تدريبات متقدمة، ويملكون معدات متطورة. وتقول إن الجهاد الإسلامي يملك قوة مماثلة.

الرقم قد يبدو ضيئلًا مقارنة بتعداد جيش الاحتلال. لكن شاؤول شاي، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، يقول إن أعداد القوات الفعلية ليست مهمة في الحرب غير التقليدية كتلك التي تعتمد عليها حماس.

الأميرال الإسرائيلي المتقاعد شاؤول خوريف، رئيس مركز أبحاث السياسة البحرية والاستراتيجية بجامعة حيفا، قال إن إسرائيل في السنوات الأخيرة كانت قلقة بشكل متزايد بشأن وحدات الكوماندوز البحرية التابعة لحماس. وأضاف أن الهجمات البحرية السرية والمفاجئة كانت إحدى الطرق التي سعت بها كتائب القسام للتغلب على التفوق العسكري الإسرائيلي، بما في ذلك قوتها الجوية الهائلة ونظام القبة الحديدية الدفاعي الذي يستخدم لإسقاط صواريخ غزة.

واستخدمت حماس الغواصات لمهاجمة أهداف الاحتلال خلال حرب غزة الأخيرة، خصوصًا منصة تمار للغاز الطبيعي البحرية، بما أدى إلى إغلاق جميع المنصات البحرية الإسرائيلية.

سبب الكشف عن السلاح الجديد كان افتقار الصواريخ للدقة المطلوبة لضرب مثل هذا الهدف. لذا مالت حماس لاستخدام الطائرات من دون طيار، والغواصات الصغيرة المحركة عن بعد.

تسليح بحرية حماس

مدى تطور قوات بحرية حماس يبقى غامضًا في ظل قلة المعلومات المتاحة عنها. لكن احتمالات نجاح وحدات كوماندوز حمساوية في استهداف البنية التحتية في الأراضي المحتلة، مثل منصات الطاقة البحرية، أو التسلل إلى المستوطنات نفسها عن طريق البحر، تبقى قائمة.

وتحدث الجيش الإسرائيلي في أكثر من مناسبة عن تطوير فصائل المقاومة لعدد من الأسلحة البحرية المختلفة، بما في ذلك الألغام البحرية وزوارق كاميكازي المحملة بالمتفجرات، وغواصات محلية الصنع.

بحسب التقديرات الإعلامية، تنقسم بحرية حماس إلى 3 أنواع:

  • الكوماندوز السباحون الذين يستخدمون آليات انتقال تحت الماء لشن عمليات خاصة.
  • القوارب الصغيرة شبه المشغلة آليًا والمحملة بالمتفجرات.
  • والسلاح الأحدث: الغواصات الصغيرة المشغلة آليًا.

تنقسم نوعية المركبات البحرية غير المأهولة التي تعمل حماس على تطويرها إلى مركبات سطحية، أي قارب سريع أو قارب صيد خضع لتعديلات ليمكن التحكم فيه عن بعد أو التحرك آليًا دون تدخل بشري. وهذه السفن مجهزة بتقنيات مثل الرادار والكاميرات التي تمكنها من التحكم فيها عن بعد وتوجيهها نحو أهدافها.

النوع الثاني من المركبات غاطسة أو شبه غاطسة. ولديها القدرة على البقاء تحت الماء أو عند نقطة منخفضة فوق الأمواج بحيث تكون قدرة البحرية على تحديد موقعها محدودة للغاية. وغرض هذه المركبات في أوقات الهدوء هو جمع معلومات استخبارية عن قوات الاحتلال، بينما في أوقات النزاع تكون معدة للاستخدام مع كمية كبيرة من المتفجرات ضد السفن البحرية ومنصات الغاز، وهي بمثابة سفن انتحارية يجري تشغيلها عن بعد باستخدام اللاسلكي.

كيف تحصل عليها؟

تطور بحرية حماس بشكله الحالي يشير إلى أن الحركة تخطط لكسر الحصار البحري على غزة بقوة. لكن اللغز الرئيسي هو من أين أتت تلك الأسلحة؟

وفق الكولونيل ريتشارد كيمب، من المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن، تستعين حماس بشكل كبير بأسلحة من إيران وسوريا، معتبرًا أن إبقاء كل المعلومات عن سلاح حماس الجديد طي الكتمان «علامة على تدريب وتخطيط متطورين، واستخبارات متقدمة وقادرة على الاحتفاظ بمفاجآت تكتيكية».

لكن، وبينما قصر كيمب مصدر السلاح على إيران وسوريا، تقول بي بي سي، إن الجزء الأكبر من ترسانة حماس يأتي من قدرة تصنيع ديناميكية ومتطورة نسبيًا داخل قطاع غزة نفسه. يعتقد الخبراء الإسرائيليون والخارجيون أن المعرفة والمساعدة الإيرانية لعبت دورًا مهمًا في بناء هذه الصناعة، لكن كتائب القسام نفسها باتت قادرة على ابتكار الأسلحة الجديدة محليًا.

وبينما لا يُعرف عدد الغواصات المشابهة التي ربما تملكها حماس في ترسانتها العسكرية، فإنها على ما يبدو كانت جزءًا من خطة تطوير المركبات الجوية والبحرية من دون طيار، والتي بدأت بالطائرة من دون طيار أبابيل 1، التي استخدمت لأول مرة في غزة عام 2014، والتي طورها مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، الذي عمل لصالح كتائب عز الدين القسام، قبيل استشهاده في عملية منسوبة للموساد الإسرائيلي في مدينة صفاقس عام 2016.

وفقًا للصحافة الإسرائيلية كانت الغواصات عبارة عن منتجات تجارية خضعت لعمليات تعديل لتحويلها للاستخدام العسكري.

ويجري إنتاج المركبات التجارية المماثلة في العديد من البلدان؛ لاستخدامها في رسم خرائط قاع البحر، وفحص خطوط الأنابيب تحت سطح الماء، والمسوحات الأوقيانوغرافية، والرصد البيئي، والمسوحات الجيولوجية البحرية وعمليات البحث. لكن حماس على ما يبدو أعادت تكييفها بطرق مختلفة لتتمكن من زرع الألغام في المياه العميقة، أو إطلاق القذائف، أو حتى القيام بمهام انتحارية «التفجير لمرة واحدة».

وبينما تنتمي الأسلحة التي استخدمتها بحرية حماس بالفعل إلى الجيل الأول من أنظمة الغواصات الصغيرة، يتوقع مراقبون تغييرات كبيرة ومتلاحقة، ربما تظهر في أي جولة صراع مقبلة، لتتمكن من استهداف محطات النفط ومصافي التكرير والموانئ العسكرية ومحطات الطاقة والمنصات البحرية والمنشآت الحساسة الأخرى.

وتهدف منظمة البحث والتطوير التابعة لحماس إلى الحصول على المعرفة والأنظمة والتقنيات لتطوير وتصنيع هذه السفن بناءً على المعرفة الإيرانية والأبحاث الأكاديمية التي يمكن الحصول عليها على الإنترنت والأدبيات المهنية. لكنها تفعل ذلك أساسًا على أساس الهندسة العكسية وترقية المركبات التجارية المحركة آليًا، والتي يمكن الحصول عليها بحرية لأغراض البحث البحري، وحتى في المواقع ذات الصلة على الإنترنت.

هل تنجح في خنق إسرائيل؟

وبينما تدرك الحركة أن قوتها في الحرب البحرية أدنى من الناحية التكنولوجية من تلك الموجودة في إسرائيل؛ فإن بحرية حماس تعمل على تطوير عقيدة وأسلحة تشمل مجموعة متنوعة من الصواريخ وصواريخ كروز والألغام البحرية والزوارق السريعة والسفن غير المأهولة، ليمكن استخدامها في هجمات أسراب، بما قد يفيد في التغلب على فارق الإمكانات.

وتقول إسرائيل ديفنس، إن حماس تدرك أن البحر هو الشريان الرئيسي لبقاء إسرائيل، لذا حددت هدفًا بمهاجمة البنية التحتية الحيوية في البحر وعلى الساحل. وبالتالي من المحتمل أن تكون هناك هجمات أكثر جرأة وتعقيدًا مستقبلًا.