لم تعتد حركة المقاومة الإسلامية حماس على الصراعات أو الانقسامات بداخلها منذ نشأتها، فقد كانت دائمًا تظهر كقوة متماسكة فيما بينها، وإن كانت تشهد بعض الاختلافات، التي لم تتجاوز أروقتها، إلا أن في السنوات القليلة الماضية، شهدت الحركة عدد من الاختلافات أدت إلى انقسامات حادة داخلها، أثرت بشكل مباشر على بعض القضايا الهامة التي تخص الشأن الفلسطيني، وفيما يلي سنستعرض أبرز هذه الاختلافات، وانعكاساتها على الوضع الفلسطيني الداخلي.


مفاوضات حماس – إسرائيل

يصيب التوتر داخل حماس بين الجناح العسكري، والمكتب السياسي، بسبب موقف رجال عز الدين القسام، من الجناح السياسي بشأن الاتصالات مع إسرائيل نحو ترتيب سياسي أساسه وقف إطلاق نار طويل الأمد (هدنة)، فرئيس الجناح العسكري محمد الضيف، والذي نشر مؤخرًا أنه عاد إلى ممارسة عمله بشكل كامل في حماس بعد محاولة اغتيال فاشلة أثناء عملية «الجرف الصامد»؛ يعمل على تقوية منظومة حماس العسكرية في غزة، والاستعداد للمواجهة المستقبلية مع إسرائيل.

وينضم للجناح العسكري تيار داخل المكتب السياسي للحركة، ظهر ذلك في التناقض ما بين تصريحات موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، والتي قال فيها «إن الحركة قد توافق على التفاوض مع إسرائيل»، وتأكيدات محمود الزهار عضو المكتب السياسي للحركة علي ثبات موقف الحركة الرافض للتفاوض.


المصالحة الوطنية

ظهرت خلافات عديدة بين قيادات الحركة بخصوص ملف المصالحة الوطنية مع حركة فتح، وزاد الخلاف و ظهر للعلن على وجه الخصوص، عندما ذهب خالد مشعل إلى قطر ووقع اتفاقا مع الرئيس محمود عباس على أن يتولى الرئيس عباس حكومة الوحدة الوطنية لتشكيل حكومة تضم عناصر من حماس.

هذه الخطوة التي رأى البعض في «حماس» وخاصة في قطاع غزة أنها خطوة انفرادية، فجّرت الخلاف داخل الحركة، وأذكت نيران الصراع الداخلي، وأحدثت انشقاقات في الحركة. فهناك مَن يؤيد خالد مشعل وهناك مَن يؤيد معارضيه.

وبدأ هذا الصراع بسبب توقيع الاتفاق في الدوحة، ونتيجة لتراكمات سابقة بين مشعل، وأعضاء القيادة في قطاع غزة.

وأشارت مصادر أن تيار محمود الزهار، القيادي في المكتب السياسي للحركة، الذي يتبع له جهاز الأمن الداخلي، وما يقارب نصف قيادة القسام يساند بقوة توجهات الزهار الذي يعارض تنفيذ المصالحة، ويعارض بشدة توجهات خالد مشعل.

وأكدت المصادر أن الزهار أوعز لجهاز الأمن الداخلي بتنفيذ حملة اختطافات بحق نشطاء من فتح للعب على وتر الخلافات الداخلية في فتح وكي تشارك تيارات في فتح أيضًا بإفشال جهود المصالحة.


رؤى مختلفة

هناك فريق داخل حماس يسير بنصائح الحركة العالمية للإخوان المسلمين، ويسعى إلى استفادة حماس من الأجواء الإقليمية، وتحويلها كرصيد سياسي، لحركة تقدم نفسها على أنها لاعب سياسي إقليمي.

وزعيم هذا الفريق هو رئيس المكتب السياسي، خالد مشعل، بتشجيع من الإخوان ومن أسطنبول، بعدما أوصدت أبواب خزانة المال الإيرانية في وجهه.

وفريق زعيمه محمد الضيف، القائد العام لكتائب القسام، ويقترب منه سياسيون في غزة، مثل د. محمود الزهار، وهذا الفريق يرى أن الأولوية تكمن في تعزيز مكانة الحركة عسكريًا، والاستمرار في سياسة الحركة، باعتبار غزة «قاعدة متقدمة للمواجهة».

ويتلقى هذا التيار الدعم المالي، والعسكري من طهران، ويعزز علاقاته مع حزب الله إلى الآن، ويعتبر أن الحركة «ستندم» قريبًا على قرار ابتعادها عن محور إيران.


عاصفة الحزم

كشفت مصادر قيادية فى حركة حماس، بقطاع غزة أن رئيس المكتب السياسى للحركة خالد مشعل، يواجه تحديات صعبة على مستوى بعض قيادات غزة، الموالية لإيران، بسبب موقف الحركة «المتذبذب» من «عاصفة الحزم » ضد الحوثيين باليمن.

وهاجمت قيادات حماس، المتمثلة فى محمود الزهار، وفتحي حماد، والقيادي القسامي مروان عيسى، بيان حركة حماس الذى أصدرته، والذي أعربت فيه عن تأييدها لـ«خيار الشعب اليمنى»، الأمر الذى اعتبرته تلك القيادات الموالية لإيران تأييدًا لـ«عاصفة الحزم» وتخريبًا للعلاقة مع طهران، كما أبلغوا هؤلاء القادة الإيرانيين أن موقف خالد مشعل لا يمثل حركة حماس، وأن الحركة ترفض وتعارض «عاصفة الحزم».

وهناك تأكيدات أن هنية يقود اتجاهًا داخل حماس لتلطيف الأجواء مع إيران، وكشفت المصادر أن التابعين لنائب رئيس المكتب السياسى لحماس، إسماعيل هنية، أبلغوا الإيرانيين أن هذا البيان لا يعنى تأييدًا لـ«عاصفة الحزم» ولا قطعًا للعلاقة مع إيران، وإنما هو نوع من المناورة السياسية التى «نرجو أن تتفهموا أسبابها».

ونلاحظ أن خالد مشعل أراد من خلال البيان توجيه رسالة إلى إيران أنه هو الذى يقرر وليست غزة، فيما أبلغت القيادات في قطاع غزة الإيرانيين أنها هي التي تقرر وليس رئيس المكتب السياسي للحركة، المتواجد في العاصمة القطرية الدوحة. وكان القيادي في حماس محمود الزهار قد صرح بهذا الخصوص تصريحًا أغضب مشعل حين قال: «نحن لم نؤيد ولم نعارض عاصفة الحزم، نحن نطالب بوحدة اليمن»

وتؤكد مصادر على أن أحد الشروط الإيرانية لاستمرار تدفق الأموال تتمثل فى عدم وصول أي منها إلى التابعين لخالد مشعل في القطاع، وأن تغض حماس النظر عن جماعة «الصابرون» في غزة وهي جماعة تعتنق المذهب الشيعي في شمال قطاع غزة.


حماس والأزمة السورية

أدى موقف حماس من الأحداث في سوريا، إلى انقسام حاد بين المكتب السياسي والجناح العسكري لحماس، فانقسمت الحركة إلى فريقين، فريق يؤيد قطع العلاقات مع النظام السوري، وتأييد المعارضة يتزعمه رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل، وهو ما تسبب في قطع إيران الحليف الأبرز لنظام بشار الأسد، الدعم المالي عن الحركة، وفريق يرى أنه لا بد من اتخاذ موقف أكثر دبلوماسية من الأزمة السورية، كي لا تخسر الحركة دعم إيران المالي والعسكري، ويتمثل في كتائب القسام، الجناح العسكري لحماس، ومعه عدد من أبرز قيادات المكتب السياسي.

وقد أسفر هذا التضارب في المواقف عن حدوث خلافات وانقسامات داخل الحركة، كانت الأقوى في أثرها على الحركة من الداخل.

حيث يعمل الجناح العسكري في الوقت الحالي على إعادة العلاقات مع إيران، بينما يحاول المكتب السياسي إعادة العلاقات مع السعودية العدو الأكبر لإيران في المنطقة.


تأجج الصراع

وما يزيد من حدة الصراع بين الفريقين داخل الحركة، هو حدوث عدة أمور كان من شأنها السير نحو تفاقمه وليس الابتعاد عنه.

فمن خلال الرسائل المنفصلة التي وجهتها «كتائب عز الدين القسام»، الجناح العسكري للحركة، والقيادة السياسية في الداخل برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية، لتعزية «حزب الله» بالقتلى الذين سقطوا في الغارة الاسرائيلية على القنيطرة، في مارس 2015، وبينهم جهاد مغنية نجل القائد العسكري للحزب عماد مغنية الذي اغتيل في دمشق العام 2008.

فنجد أن المتضرر الرئيسي من الرسائل الموجهة إلى «حزب الله» كان رئيس المكتب السياسي للحركة، خالد مشعل الذي أبدى غضبه الشديد لقيام قائد «القسام» محمد الضيف، بإرسال رسالة تعزية إلى «حزب الله» ومن بعده إسماعيل هنية، من دون التنسيق مع قيادة الخارج، بدلا من إرسال رسالة واحدة باسم الحركة، بمختلف مؤسساتها السياسية والعسكرية.

وزاد من تصاعد الأزمة، فشل اجتماع المكتب التنفيذي لـ حماس في إسطنبول، الذي حضره مشعل وموسى أبو مرزوق، في إقرار موقف موحد، رغم الاتفاق على تشكيل وفدين لتسوية الخلاف مع إيران، إلا أن بقية قيادات حماس لم تُجمع على هذه الخطوة، ما كرس الأزمة التي تعيشها الحركة حاليًا.


خطبة القرضاوي

فجر الأزمة داخل حماس، الخطبة النارية لرئيس الاتحاد العالمي للمسلمين يوسف القرضاوي، في الدوحة، بحضور مشعل، والتي شن خلالها هجومًا عنيفًا على «حزب الله»، واصفًا إياه بـ «حزب الشيطان»، متهمًا طهران بالتحالف مع الصهيونية العالمية.

ولم تحتمل بعض قيادات حماس هذه الخطبة، التي تَمَثل أول رد فعل لها في إرسال عماد العلمي ومحمود الزهار برسالة عاجلة إلى مشعل لتوضيح ما حصل، والضغط عليه للخروج على الرأي العام بإعلان تنصله بشكل صريح من تصريحات القرضاوي، بالتزامن مع رسالة حادة تحمل المضمون ذاته من قيادة كتائب القسام، الجناح العسكري لـ حماس، سلمت إلى رئيس الحكومة المقالة في غزة إسماعيل هنية.


التقارب الحمساوي – السعودي

لعل مما زاد من توتر الموقف بين الطرفين، هو محاولة المكتب السياسي لحركة حماس استعادة العلاقات مع المملكة العربية السعودية،

فتسعى السعودية إلى إعادة العلاقة مع حماس، في إطار تغير السياسة الخارجية للمملكة، في سبيل البحث عن إيجاد تحالف سُني كبير، تقوده السعودية، لمواجهة «المد الشيعي» في المنطقة، حيث تعتبر الرياض مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة من أولى أولوياتها السياسية، في نظام الملك سلمان بن عبد العزيز.

في المقابل، تتطلع حماس إلى علاقات صحية مع السعودية التي لها ثقل سياسي واقتصادي في المنطقة ولها تأثير، بشكل خاص، على النظام الحاكم في مصر، الذي لا يزال يضيِّق على القطاع، ويغلق المنفذ الوحيد لسكانه (معبر رفح)، وهو ما أحدث تصادما بين المكتب السياسي للحركة، وبين الجناح العسكري الذي يصر على التقارب وتلطيف الأجواء مع إيران.


الخلاصة

لا شك أن ما تشهده أروقة حركة حماس الداخلية في الوقت الحالي من صراعات وانقسامات حادة تؤثر بشكل سلبي على الحركة من الداخل وبعض الملفات في الخارج.

فكما ذكرنا أنه ليس هناك اتفاق بشكل كلي على مسألة المصالحة، فلاشك أن هناك عوامل عديدة تؤدي إلى عدم تطبيق أي اتفاق للمصالحة بين حركتي فتح وحماس، فيأتي الانقسام الداخلي لحماس حول هذا الملف من أهم العوامل التي تساعد على ذلك، فضلا عن أن أجواء التوتر الذي تشهده الحركة لا يساعد على المضي قدمًا نحو تنفيذ بنود المصالحة.

كما أنه لا يوجد توافق حول مسألة المفاوضات مع إسرائيل بشأن هدنة طويلة الأمد بين قطاع غزة وإسرائيل، والمعروف أن التيار الذي يؤيد تلك المفاوضات إنما يؤيدها بسبب ما يعانيه أهالي القطاع من حصار وإغلاق للمعابر، مما يؤدي لتصاعد الأزمات الاقتصادية، ففشل هذه المفاوضات قد يؤدي لزيادة معاناة سكان قطاع غزة، الذين ما زالوا يعانون من الدمار الذي لحق بهم بسبب الحرب الأخيرة على غزة، صيف 2014.

أما بخصوص علاقة الحركة بإيران، فليس من المحتمل أن ينتهي الانقسام حول هذا الملف داخل الحركة في المدى القريب، فما سيحدد هذا الأمر هو انتخابات المكتب السياسي لحماس العام المقبل، فالانتخابات هي التي ستحدد من القادم لرئاسة المكتب السياسي، وعليه ستتحدد ملامح المرحلة القادمة برمتها.