محتوى مترجم
المصدر
Foreign Policy
التاريخ
2016/09/07
الكاتب
ديفيد باتريكاراكوس
ربما لا يزال قطاع غزة راقدًا تحت الأنقاض، لكن عناصر حماس مقتنعون بأنهم مستعدون لمعركة أخرى.

أول شيء تلاحظه في غزة هو الحمير، حيث يتم ربطها بعربات يقودها رجال متوسطو العمر دون تغير، فيتمايلون إلى داخل وخارج حركة المرور، لينقلوا الفواكه والخضروات عبر وسط المدينة.لا يزال قطاع غزة يحمل ندبات حرب 2014 بين حماس وإسرائيل. أسفرت الحرب التي استمرت 51 يومًا عن موت 2.300 من سكان غزة، وإصابة 10.000 آخرين؛ بينما قُتل 66 جنديًا إسرائيليًا وستة مدنيين إسرائيليين. وتم القضاء على البنية التحتية لغزة؛ حيث أوضح تقرير أصدرته الأمم المتحدة مؤخرًا أنه تم إصلاح 17% فقط من المنازل التي دُمرت أثناء الصراع، البالغ عددها 18.000 منزل، ويظل هناك 75.000 نسمة من سكان غزة نازحين.التوترات مرتفعة مجددًا في القطاع، ففي يوم 18 أبريل، انفجرت قنبلة بحافلة بالقدس، ما أسفر عن إصابة 21 شخصًا – وهو أول هجوم من هذا النوع منذ الانتفاضة الثانية التي انتهت منذ 10 أعوام. اعترف التنظيم الفلسطيني المسيطر على غزة، حماس، بأن الجاني، عبد الحميد أبو سرور، كان عضوًا بالتنظيم.بعد فترة وجيزة من الانفجار، اكتشفت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية نفقًا بعمق 120 قدمًا يمتد من غزة إلى إسرائيل. تعد الأنفاق أحد أوجه القلق الرئيسية بالنسبة لإسرائيل – فقد تمكن مقاتلو حماس باستخدام نفق مشابه عابر للحدود من اختطاف الجندي بالجيش الإسرائيلي، جلعاد شاليط، عام 2006، واستخدمته حماس لإخفاء الأسلحة والمسلحين أثناء الحرب الأخيرة.

هناك الكثير من أعضاء حماس في الضفة الغربية، تحاول فتح القضاء عليهم.

ردت الحكومة الإسرائيلية بعبارات لا لبس فيها: «إذا حاولت حماس أن تتحدى دولة إسرائيل، أو أن تعطل حيوات سكان الحدود مع غزة، فستضرب بقوة شديدة، لن نتسامح مع مثل تلك المحاولات»، حسبما قال وزير الدفاع، موشيه يعلون، الذي تنحى عن منصبه مؤخرًا وسط إعادة ترتيب سياسي. أما وزير الدفاع الجديد، أفيجادور ليبرمان، فيعد أكثر تطرفًا، حيث قال في إبريل إن إسرائيل يجب أن تقتل زعيم حماس، إسماعيل هنية، إن لم يعِد التنظيم الإسلامي حالًا جثتي جنديين لقيا حتفهما خلال حرب 2014.يخشى سكان غزة أن حربًا أخرى تلوح في الأفق، أردت أن أعرف إن كان أعضاء حماس يشعرون بذلك أيضًا أم لا. ذهبت برفقة مساعدي، محمود، لاستكشاف الأمر، حيث استقللنا السيارة عبر مدينة غزة ووصلنا في النهاية إلى شارع ضيق، حيث استقبلنا رجل يرتدي جلبابًا. إنه «مصطفى»*، مستشار بارز لأحد وزراء حماس.فتح الرجل بابًا معدنيًا طويلًا وقادنا إلى الداخل. جلسنا داخل غرفة كبيرة بها أريكتين فقط.«ما يحدث في القدس يعد ردة فعل طبيعية لما يحدث في الضفة الغربية – أي، اعتقال البعض وقتل آخرين ليل نهار، وحرق الأطفال»، حسبما قال.هذا هو ما يطلق عليه «انتفاضة الطعن»، التي بدأت أواخر العام الماضي. هاجم فلسطينيون منفردون مدنيين إسرائيليون بالسكاكين والمقصات، أو دهسوهم بالسيارات. لقى ثلاثون إسرائيليًا حتفهم، وجُرح 443 آخرين؛ وقُتل كردة فعل 216 فلسطينيًا. حتى الآن كان الأمر مقتصرًا على القدس وأجزاء من الضفة الغربية، لكن يخشى الكثيرون أن ذلك قد يكون بداية موجة أكبر من العنف.تحكم حركة فتح بشكل رسمي الضفة الغربية، لكن مصطفى لم يكن مستعدًا للتنازل عن مسئولية الأراضي لصالح الحركة الفلسطينية المنافسة.«هناك الكثير من أعضاء حماس في الضفة الغربية – تحاول فتح قتلهم أو القضاء عليهم، لكن حماس موجودة في كل مكان»، حسبما قال مصطفى. «يعد قادة حماس في الضفة الغربية، مثل يحيى عياش (وهو صانع قنابل من حماس قتله الإسرائيليون عام 1996)، محترفون عندما يتعلق الأمر بتفجير الحافلات. لا أحد يستطيع نسيان عمليات حماس في الضفة الغربية. نحن في كل مكان».لم يكن مصطفى خجولًا عندما سألته حول إن كانت حماس تعد لحربٍ أخرى. حيث قال: «الجيش يتدرب»، وتابع، «نحن نسيطر على الأمن في القطاع، ونحن مستترون، لذلك فإنني متأكد من أن إسرائيل لديها القليل من الأهداف العسكرية الواضحة. إن بدأوا حربًا، سيموت آلاف المدنيين».

تعد هيمنة حماس على قطاع غزة حاليًا أقوى من أي وقت مضى.

أردت أن أفهم ما يظنه بشأن الإسرائيليين كعدو. عندما سألته، أشار إلى صورةٍ لرجلٍ يرتدي الكوفية على الحائط المقابل لنا «لقد قتلوا أخي، ماذا تعتقد أنني أظن بشأنهم؟».جعلت سؤالي أكثر وضوحًا، وتابعت: كأعداء، هل تحترمهم؟ابتسم وأشار مرة أخرى إلى صورة أخيه الميت. «إنهم عدوٌ ضعيفٌ جدًا»، حسبما علق، «جنود القسام خاصتنا يسمعونهم يصرخون من الخوف عندما يهجمون. الحرب متعلقة بمدى تديّنك – يعلم جندي القسام أنه ذاهب إلى الجنة، لذلك يقاتل حتى النهاية. بينما يريد الجندي الإسرائيلي أن يعود إلى محبوبته».قرب وسط مدينة غزة يقف تمثالٌ عبارة عن صاروخٍ تابعٍ لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحماس. ويشير الصاروخ في اتجاه إسرائيل.لكن رغم الحروب المتكررة مع إسرائيل في العقد الماضي والدمار الذي أحدثته، حسبما أكد مساعدي، محمود، تعد هيمنة حماس في القطاع أقوى من أي وقت مضى.«قبل عشر سنوات، إن كنا قد سرنا في شارع بوسط غزة أثناء الليل، لظهر أحدٌ لنا وصوب مسدسًا إلى رؤوسنا وطالبنا بتسليم أموالنا – وكنا سنذعن له»، حسبما أخبرني، «لكن مع وجود حماس في السلطة، تغير هذا. وجُلب النظام إلى غزة».بينما استقللنا السيارة عبر غزة، كانت شرطة حماس في كل مكان – بين الحين والآخر. حيث تفحص العربات، بشكل شامل ولكن دون عنف. كان القطاع هادئًا. مع دخولنا الميناء، أشار محمود إلى من قال أنهما اثنان من جنود كتائب القسام يقفان على جانب الطريق، مع جاهزية رشاشاتهما الأوتوماتيكية.«ما يجب أن تفهمه هو أن كل 200 متر بطول القطاع هناك عنصرٌ لحماس يراقب البقعة المحددة له»، وفق محمود، «إن حدث شيء غير مألوف، سيبلغ به، وسيتم التصرف حياله. إنهم مسيطرون تمامًا».لكن حماس ليس التنظيم المسلح الوحيد في غزة. بل بالعكس، حيث تعد حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين تنظيمًا أكثر تطرفًا. تأسس التنظيم عام 1981، وكحال حماس، يسعى إلى الدمار التام لإسرائيل – كذلك لن يؤيد وقفًا طويلًا لإطلاق النار مع إسرائيل، وهو ما عرضته حماس في عدة مناسبات (وإن كان مشروطًا بشروطٍ يصعب على إسرائيل قبولها).

تُموَّل حركة الجهاد الإسلامي إلى حد كبير من إيران، ما يجعلها فريدة وسط التنظيمات السنية المسلحة.

في اليوم الذي تلى لقائي بمصطفى، استقليت مع محمود السيارة إلى خارج مدينة غزة في الصباح الباكر. ذهبنا لمقابلة «ياسر»*، وهو مقاتل بحركة الجهاد الإسلامي يعيش في مخيم النصيرات للّاجئين، وهو متاهة ضيقة من الأزقة يعيش بها 60.000 شخص، تقع على بعد حوالي ثلاثة أميال شمال شرق مدينة غزة.تُموَّل حركة الجهاد الإسلامي إلى حد كبير من إيران، ما يجعلها فريدة وسط التنظيمات السنية المسلحة. يزعم التنظيم أن لديه 8.000 مقاتل في صفوفه. وعادة ما تكون علاقته بحماس متوترة؛ حيث تكافح حماس لكبح جماح هجمات حركة الجهاد الإسلامي الصاروخية على إسرائيل. في الشهر الماضي، اتهمت إسرائيل حركة الجهاد الإسلامي بإطلاق صورايخ على البلاد من سوريا بأمر من إيران.استقبلنا ياسر بالزي المموه، حاملًا بندقية من نوع «إيه كيه -47». كان مبتسمًا وقدم لنا القهوة ونسخة فلسطينية من حلوى «كيت كات».«يعلمنا النبي محمد أن اليهود لا يوفون بوعودهم، ولا يقولون الحقيقة أبدًا»، حسبما قال، «لذلك لا يمكنني أبدًا تصور العيش جنبًا إلى جنب معهم. تقع قريتي الأصلية قرب عسقلان (مدينة في جنوبي إسرائيل)، لذلك فإنني أقاتل للعودة إلى الأرض التي طُرد منها جدي».يرى المرء في ياسر مأساة واستعصاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. حيث يزعم أنه ينتمي إلى عسقلان، وهو مكان لم يذهب إليه أبدًا ولن يذهب إليه أبدًا على الأرجح. وفي تلك الأثناء، يمكن أن يكون لطفل إسرائيلي ولد هناك اليوم والدان، جدين، بل وحتى أباء أجدادٍ مولودين في عسقلان بعد تأسيس دولة إسرائيل. ألا يستطيع أن يرى شعورهم بالانتماء أيضًا؟رد بشكل فوري تقريبًا، وقال: «هم يعلمون أنها ليست أرضهم. حاليًا يهاجر الناس من إسرائيل لأنهم يعلمون أن الأشخاص الذين يقاتلونهم يقاتلون من أجل أرضهم. وسينتصرون».قد يحلم ياسر بيوم يفوز فيه بنصرٍ كامل على إسرائيل، لكن في الوضع الراهن، تعد الحياة في غزة صعبة. فلا تستمر الكهرباء في القطاع طوال اليوم، وتتكرر انقطاعاتها. أعلنت إسرائيل يوم 4 أبريل أنها ستعلق واردات الأسمنت الخاصة إلى غزة، حيث قالت إن نسبة كبيرة منها كان يجري تحويلها للاستخدام من قبل حماس، ما دفع الأمم المتحدة إلى التحذير من أن تلك السياسة كانت تُبطء عملية إعادة البناء على أراضي القطاع.تعب الكثير من سكان غزة من هذا الدمار والإراقة للدماء. معظم سكان غزة الذين تحدثت معهم أرادوا فقط أن يعيشوا حياة طبيعية، دون حروب. لكن حركتي حماس والجهاد الإسلامي هما صاحبتا القرار في غزة، وتصران على أنهما جاهزتان للقتال حتى النهاية المريرة.«نحن كشعب لا نريد الحرب»، حسبما علق ياسر، «نريد فقط أن يدعوننا وشأننا ويرحلوا. ظن الإسرائليون أننا سنتخلى عن الأرض بسهولة. لقد طردناهم من غزة، وسنطردهم خارج بقية فلسطين».


* تم تغيير أسماء من أجريت معهم المقابلات بناء على طلبهم.