ما نقوم به الآن، كدولة إسرائيل، هو استعادة الهدوء على المدى القصير، لكننا سندفع الثمن غالياً من أمننا على المدى الطويل.

أفيغادور ليبرمان أثناء إعلان استقالته من وزارة الدفاع الإسرائيلية احتجاجًا على وقف إطلاق النار

بعد انتهاء المواجهة الأخيرة بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية بوقفٍ لإطلاق النار استقال على إثره وزير الدفاع أفيغادور ليبرمان وهدد بانسحاب حزبه من حكومة نتنياهو، احتفت قيادات الفصائل ووسائل الإعلام الفلسطينية بنجاحها في التصدي للعدوان الإسرائيلي. أمطرت الفصائل أراضي الاحتلال بما يزيد عن 400 صاروخ، هدم أحدها منزلاً بمدينة عسقلان. ومع انخفاض معدلات تصدي القبة الحديدية لصواريخ المقاومة، استدعى ذلك تساؤلات حول التطورات الأخيرة في منظومة الصواريخ الفلسطينية، وأهميتها الاستراتيجية في مواجهة الجيش الإسرائيلي. نُلقي نظرة في هذا التقرير على تكنولوجيا الصواريخ المتاحة للفصائل الفلسطينية، والتطورات التي ظهرت في المواجهة الأخيرة.


القسام: صناعة منزلية

هي الصواريخ الأكبر عددًا، والأقل تكلفة وتطورًا في منظومة الصواريخ الفلسطينية. ما زالت صناعة صواريخ القسام بدائيةً إلى حدٍ كبير، والمواد المستخدمة فيها بسيطة، فرضها الحصار الاقتصادي المطبق على القطاع وإغلاق الحدود. أنبوب معدني يُملأ بوقود مصنع من البوتاسيوم والأسمدة، و4 أجنحة اتزان، ورأسٌ حربي يحتوي أي متفجرات يقع عليها المصنِّع.

أطلقت كتائب عز الدين القسام الصاروخ الأول في 2001، وقطع مدى يبلغ كيلومترًا ونصف فقط. ثم استمرت كتائب المقاومة في تطوير الصاروخ، ليخرج قسام 1، وقسام 2، ونسخٌ أخرى، ارتفع مداها ليقترب من حاجز الخمسة عشر كيلومترًا. غير أن صواريخ القسام تفتقر إلى نظام توجيه، ومن ثمَّ فهي أقل كفاءة، ونادرًا ما تسبب خسائر في الممتلكات أو الأرواح. وتُعاني صواريخ القسام من مشكلة أخرى، وهي التفاوت الكبير في جودة التصنيع، نظرًا لعدم وجود خطوط إنتاج بمعايير محددة.

تستغل فصائل المقاومة في غزة عدم القدرة على توقع أماكن سقوط صواريخ القسام في إحداث تأثير سيكولوجي داخل مدن إسرائيل، عبر إمطار مدن الاحتلال بأكبر عددٍ ممكن منها. شرح محمود الزهار لصحيفة صنداي تيليغراف البريطانية في 2007 قائلاً إن الصواريخ: «تسبب الهجرة الجماعية وتعطل سير الحياة اليومية وأعمال الإدارة الحكومية، وتُحدِث أثرًا أكبر بكثير (من التفجيرات الانتحارية)، فنحنُ لا نتكبد خسائر، ويكون الأثر على الجانب الإسرائيلي ضخمًا».


الغراد الروسي

يلي صواريخ القسام في ترسانة الفصائل صاروخ غراد الروسي، بطرازات مختلفة أبرزها الكاتيوشا السوفييتي. استهدفت حركة حماس مؤخرًا مدينة بئر السبع بمنطقة النقب في أغسطس/ آب، وهو أول هجومٍ على المدينة منذ عملية الجرف الصامد في 2014. غير أن الصاروخ لم يُحدِث إصاباتٍ أو خسائر في الممتلكات.

المسافة بين غزة وبئر السبع تزيد عن 40 كيلومترًا، ما يعني أن حماس استخدمت على الأقل صاروخ غراد، لأن صواريخ القسام لا يمكنها قطع هذه المسافة. بل تذهب بعض التقارير غير المؤكدة، استنادًا إلى المسافة والقوة التدميرية، إلى أن الصاروخ من طراز غراد تورنادو جي. يحمل التورنادو جي رأسًا حربيًّا معززًا بما يصل إلى 80 كيلوغرامًا من المتفجرات، ويصل مداه إلى 60 كيلومترًا، ومن ثمَّ فإن امتلاك حماس له يشكِّل نقلة كبيرة في القوة التدميرية للصواريخ الموجودة في حوزتها.


الدعم الإيراني السوري

أحدث الدعم العسكري القادم من سوريا وإيران تطورًا كبيرًا في منظومة الصواريخ المتاحة للفصائل. فقد بدأ استخدام صواريخ من طراز فجر-5 في 2012، وصرح حينها قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء محمد علي جعفري في تصريح لقناة العالم الإخبارية الإيرانية بأن عددًا كبيرًا من صواريخ فجر-5 يتم إنتاجها في غزة، بعد أن نقلت إيران التكنولوجيا اللازمة لتصنيعها إلى القطاع.

يصل مدى صواريخ فجر-5 إلى 75 كيلومترًا، مما يعني أنها قادرة على الوصول إلى تل أبيب ومناطق الشمال الإسرائيلي. لكن فجر-5 ليس من بين مميزاته الدقة، خاصة مع انخفاض إمكانات الفصائل وعدم قدرتها على توفير منصات إطلاق مخصصة. وبالتالي ينحصر استخدام صواريخ فجر-5 في استخدامات مماثلة لصواريخ القسام، وإن كان على نطاق أوسع.

صاروخٌ آخر تزودت به الفصائل، واستخدمته في 2014، هو صاروخ خيبر 1، أو M-302. يمكن لهذا الصاروخ أن يضرب مواقع تبعد عن القطاع 160 كيلومترًا، وهو ما يمكن الفصائل من استهداف حيفا. غير أن دقته تنخفض حتى عن صواريخ فجر-5. وكانت البحرية الأمريكية قد زعمت في مارس/ آذار الماضي أنها اعترضت سفينة بضائعٍ حاولت تهريب شحنة من صواريخ M-302 السورية إلى القطاع، عبر بورتسودان، فصعيد مصر، فسيناء.


الكورنيت: صائد الدبابات

كذلك شهِدَت المواجهة الأخيرة عودة ظهور سلاحٍ آخر متطور في ترسانة حماس الصاروخية، صواريخ كورنيت الموجهة المضادة للدبابات. ردًّا على العملية السرية الأخيرة التي قامت بها إسرائيل في القطاع، شنَّت حماس هجومًا على حافلة عسكرية باستخدام الصاروخ. وبالطبع لم تصمد الحافلة أمام الصاروخ الذي يمكنه اختراق دبابات ميركافا مارك 4 الإسرائيلية، وأُصيب جندي إسرائيلي بإصاباتٍ بالغة.

شكَّل صاروخ كورنيت الروسي سلاحًا مهمًا في المواجهات البرية بين حزب الله وإسرائيل في الجنوب اللبناني في حرب 2006، إذ استهدفت به قوات حزب الله 52 دبابة إسرائيلية، ودمَّرت خمسًا منها. ومن الواضح أن عددًا من صواريخ الكورنيت قد انتقل من حوزة حزب الله إلى حماس، وتم توثيق استخدامه في مقاومة حركات القطاع لعملية الجرف الصامد عام 2014.


الصواريخ في مواجهة القبة الحديدية

لكن، هل تمثِّل صواريخ حماس تهديدًا حقيقيًّا لأنظمة الدفاع الإسرائيلي، وبالتحديد نظام القبة الحديدية؟

بدأ استخدام إسرائيل للقبة الحديدية في 2011، وحاليًا توجد ست بطاريات من صواريخ الأرض جو، مزودة بأنظمة لتحليل المكان المتوقع لهبوط الصاروخ، واتخاذ قرارٍ بشأن اعتراضه من عدمه. في الوقت الحالي، توجد أيضًا 10 بطاريات من الصواريخ الاعتراضية ضمن نظام القبة الحديدية.

في الهجوم الأخير، وصل عدد الصواريخ التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية 400 صاروخٍ على الأقل، اعترضت منها القبة الحديدية 10-20% فقط، وفقًا للتقديرات، تراوحت بين صواريخ إيرانية الصنع، وصواريخ القسام، وقذائف الهاون. وحتى مع الوضع في الاعتبار أن القبة الحديدية لن تعترض صاروخًا ما لم يكن من المتوقع سقوطه في منطقة مأهولة بالسكان، تظل هذه نسبة منخفضة.

الانخفاض الظاهر في كفاءة القبة الحديدية لم يستدعِ إصلاح المنظومة، من ناحية بسبب التكلفة المرتفعة بالفعل لعمليات الاعتراض، ومن ناحية لانخفاض القوة التدميرية والقدرات التوجيهية لتكنولوجيا الصواريخ الحالية. لكن إن تمكنت الفصائل من امتلاك تكنولوجيا لتوجيه الصواريخ إلى أهدافٍ بعينها، أو دخلت إسرائيل في حربٍ مفتوحة مع سوريا أو حزب الله في لبنان، في مواجهة صواريخٍ أكثر تطورًا بكثير مثل KN-02 الكوري أو P-800 الروسي، ربما يتجلى ضعف أنظمة القبة الحديدية مع ارتفاع الدمار الناشئ عن الصواريخ أضعافًا مضاعفة.