في الثالث من سبتمبر/ أيلول 2015، أصدرت «ولاية دمشق» التابعة لتنظيم الدولة فيديو يهاجم فيه التنظيم حركة حماس والسلطة الفلسطينية والفصائل، متهما إياها بأنها لا تقاتل عن دين، وإنما باسم الديمقراطية. ويظهر الفيديو عنصرين ملثمين يقومان بتهديد حماس والفصائل الإسلامية.

يذكر أن هذا ليس هو الفيديو الأول الذي يهاجم فيه التنظيم حماس، بل هو حلقة في سلسلة توترات شهدتها العلاقة بين الحركة وتنظيمات السلفية الجهادية. و يهدف هذا التقرير إلى تسليط مزيد من الضوء على مستقبل العلاقة بين حركة حماس، وجماعات السلفية الجهادية في القطاع، والتهديدات التي تمثلها الأخيرة لحكم الحركة في القطاع إضافة إلى الموقف الإسرائيلي.

اقرأ أيضًا:حماس والسلفية الجهادية: محطات الصدام


ما طبيعة العلاقة بين السلفية الجهادية في القطاع والتنظيمات الأم؟

لطالما كانت العلاقة بين الجماعات السلفية في غزة، وتنظيم القاعدة علاقة فكرية أكثر منها تنظيمية لعدة أسباب، من أهمها طبيعة قطاع غزة وصغر مساحته، مع فقدانه لأية امتدادات جغرافية مع أي من مناطق نفوذ تلك الجماعات يمكن التواصل من خلالها.

كما كان لسلوك الجماعات الجهادية في غزة أثر في رفض التنظيمات الأم الاعتراف بأي فروع رسمية لها داخل القطاع. فإسهامات الحركات الجهادية في الحروب المتواصلة ضد إسرائيل؛ تبدو محدودة قياسا بغيرها من الفصائل الإسلامية أو حتى الوطنية والقومية، وأغلب عملياتها كانت ضد أهداف داخلية كمقاهي انترنت، ومحلات حلاقة نسائية وغيرها من الأماكن التي تعتبرها مخالفة للمظاهر الإسلامية.

كما أن إطلاق الصواريخ بشكل متقطع على إسرائيل، وعدم الالتزام بإجماع الفصائل حول التهدئة وما يستتبعه ذلك من رد إسرائيلي يسهم في زيادة الغضب الشعبي من تلك الجماعات.تهدد التحولات الأخيرة في المنطقة بتغيير كبير في تلك العلاقة، بشكل يجعل التواصل بين حماس وبين السلفية الجهادية أكثر عمقا والروابط التنظيمية أكثر تشعبًا.

فتنظيم القاعدة الذي ركز دومًا على مواجهة العدو البعيد، وجهاد النكاية يفقد نفوذه لصالح تنظيم الدولة الإسلامية الذي يجعل من من قتال أعداء الداخل، والسيطرة على الأرض، والتطبيق الفوري لأحكام الشريعة أولوية قصوى.

كما أن تزايد نفوذ تنظيم الدولة في شبه جزيرة سيناء (متمثلًا في ولاية سيناء الفرع المصري لللتنظيم) يصب في اتجاه المزيد من التعاون بين الجماعات في القطاع والجماعة الأم، بما يوفره ذلك من غطاء أيديولوجي متماسك وزخم إعلامي وتمويل مالي يضاعف من قوتها وتأثيرها.

ولعل التفجيرات الأخيرة التي وقعت في حي الشيخ رضوان والتي استهدفت خمسة سيارات لكوادر في القسام وسرايا القدس بشكلٍ متزامن، تذكرنا بالعمليات التي ينفذها تنظيم الدولة في المناطق التي ينشط بها.


أبعاد الأزمة الحالية بين حماس والسلفية الجهادية

بعد أحداث مسجد «ابن تيمية»، لم تشهد العلاقة بين حماس والتنظيمات الجهادية تحسنًا كبيرًا. وتشير المراجعة الميدانية لأسلوب حماس في التعامل مع السلفيين في غزة؛ إلى أنها انتهجت معهم أسلوبين:

الأول؛ الملاحقة الأمنيّة عبر جهاز الأمن الداخلي صاحب الصيت القوي في غزّة؛ بما في ذلك اعتقال عدد منهم وتجريدهم من أسلحتهم. الثاني؛ المعالجة الفكريّة والأيديولوجيّة عبر علمائها الدينيّين الذين استطاعوا إقناع العديد من السلفيّين بخطأ طريقهم، وثنيهم عن الاستمرار في هذا الطريق الخاطئ.

ولكن بعد عزل الجيش للرئيس المصري «محمد مرسي»، وخروج الإخوان من السلطة وما تبعه من تشديد الحصار علي غزة؛ شهدت العلاقة بين الطرفين بوادر لمصالحة قام بها علماء دين من الكويت وقطر.

وغالب الظن أن تصاعد الضغوط الاقتصادية والسياسية جراء علاقة الحركة الهشّة مع مصر أدّى دورًا في دفعها نحو العمل من أجل تعزيز الوحدة داخل القطاع.

غير أن هذه الوساطة لم تصمد إزاء تصاعد التوترات والاتهامات المتبادلة بين الطرفين سيما مع الضغط المصري على حماس للتنسيق من أجل ضبط الأمن في شبه جزيرة سيناء، والتضييق على العناصر السلفية الجهادية في القطاع.

أدت سيطرة تنظيم الدولة على مساحات واسعة من العراق وسوريا، وانتشار ولاياته في العديد من البلدان، وبخاصة ولاية سيناء؛ إلى بروز نهج جهادي عالمي جديد قائم على احتكار تمثيل الإسلام السني.

انعكس هذا الأمر على الجماعات الجهادية في غزة، والتي لم تعد طموحاتها تقتصر على تحرير الأرض فقط؛ بل تتسع بالعمل على وضع الشريعة كحاكمة على الفور، كما اتسعت دائرة معاركها وأعدائها لتشمل «اليهود والصليبيين والشيعة الصفوين والمرتدين».

وجدت الحالة الداعشية صدى لها بين تنظيمات السلفية الجهادية داخل القطاع؛ فأصدرت العديد من الحركات تسجيلات مصورة تمجد فيها انتصارات الدولة، وتدعو لنصرتها، وتصف أميرها بالخليفة من بينها «جيش الإسلام، جند أنصار الله (أصحاب الثأر القديم مع حماس)».

وانتشرت بيانات منسوبة لما أطلق عليه «تنظيم الدولة الإسلامية – ولاية غزة»، هدد فيه إعلاميين وشخصيات عدة داخل القطاع، وجاهر البعض حتى بتأييد ما فعلته داعش من اقتحام مخيم اليرموك، وانتهاكاتها بحق لاجئيه، وهددوا بتكرار تجربتها في القطاع.

شددت حماس قبضتها الأمنية، وشنت حملات اعتقال متتالية قوبلت بعمليات انتقامية من بينها؛ تفجير عبوات ناسفة بمقر «الأونروا»، ومحاولات متتالية لتفجير المركز الثقافي الفرنسي. وتعالت الأصوات السلفية المنددة بحماس وسط اتهامات بتعرض المعتقلين للتعذيب وسوء المعاملة. وفي مطلع مايو/ آيار الفائت؛ تبنت مجموعة تطلق على نفسها «أنصار الدولة الإسلامية» في بيت المقدس قصف مواقع تابعة للجناح العسكري لحماس بقذائف الهاون بعد رفض الأخيرة إطلاق سراح معتقلين سلفيين.

وصل الهجوم الإعلامي إلى ذروته قبل شهور حين بثت «ولاية حلب» التابعة لتنظيم الدولة في سوريا تسجيلًا مصورًا لمسلحين فلسطينيين ينتمون لما يسمى «سرية أبي النور المقدسي»؛ وصفوا فيه حماس بالـ«طواغيت»، وتوعدوها بجعل قطاع غزة منطقة نفوذ للتنظيم قائلين «أنتم في حساباتنا لاشيء .. زبد يذهب مع زحفنا .. وستحكم الشريعة في غزة رغما عنكم».

وأشاروا إلى مقتل «يونس الحنر»، وهو عضو سابق في القسام قبل أن يغادره لينضم إلى تنظيمات جهادية. ادعت حماس أن «الحنر» قتل في تبادل لإطلاق النار أثناء محاولة اعتقاله من منزله بحي الشيخ رضوان؛ فيما اتهمت عائلته قوات الأمن بتصفيته بدم بارد.

غير بعيد عن منزل «الحنر» في حي الشيخ رضوان، وفي صباح الأحد 20 يوليو/ تموز 2015، انفجرت -بشكلٍ متزامن- خمس سيارات تابعة لقيادات في كتائب القسام، وسرايا القدس.

ورغم أن الحركتين في بيانهما المشترك لم يتهما أيا من تنظيمات السلفية الجهادية صراحة؛ بل أشارا بشكلٍ غامض إلى «عناصر إجرامية» ستتم ملاحقتها؛ إلا أن منشورات للقسام وزعت على مساجد غزة، وتضمنت صورًا لمطلوبين جهاديين وصفتهم بـ«خفافيش الظلام» أشارت بشكلٍ واضح إلى طيبعة تلك العناصر الإجرامية التي قصدها البيان.


السلفية الجهادية وحكم حماس!

تشكّل السلفية الجهادية خطرًا على حكم حماس في غزة، وعلى تماسك جناحها العسكري. وتخشى حماس من تلك الحركات لأسباب عدة:

1. تهدد استقرار سلطتها في القطاع بما تشنه من هجمات على المظاهر التي تعتبرها «غير إسلامية» كمقاهي الانترنت.

2. ترفض تلك الحركات الالتزام بأي تهدئة مع إسرائيل، وتطلق بشكلٍ متقطع صواريخها تجاه البلدات الإسرائيلية، وهو ما يستدعي ردًا إسرائيليا، ترغب حماس في تجنبه قدر الإمكان.

3. تركيز الدعاية الجهادية بالأساس على محاولة استقطاب المنتسبين لحماس أو لغيرها من الفصائل الإسلامية. كما أن حقيقة أن الكثيرين من أفراد وقيادات المجموعات السلفية؛ هم من أبناء حماس السابقين تضاعف كثيرًا مخاوف الحركة على تماسك جبهتها الداخلية إزاء الخطاب العقائدي الصلب للسلفية الجهادية.

ترتكز الدعاية الجهادية على عدة محاور أهمها:

1. اتهام حماس بأنها تركت المقاومة إلى السلطة؛ وإن كانت الحروب الإسرائيلية المتعاقبة على القطاع وما أبلاه جناحها العسكري فيها، يمنح حماس الفرصة لدعاية مضادة خصوصًا مع محدودية مشاركة تلك المجموعات فيها.

2. اتهام الحركة بالتقصير في تطبيق الشريعة الإسلامية في القطاع. لطالما كانت مصطلحات «الشريعةالإسلامية» و«إقامة المجتمع الإسلامي» حاضرة وبقوة في أدبيات حماس والإخوان المسلمين عموما؛ غير أن القليل من الجهد الفكري قد بذل لتفسير ماهية هذا المجتمع الإسلامي،والخطوات اللازمة لتحقيق تلك الغاية مع الأخذ في الاعتبار أن الصورة الذهنية للمجتمع الإسلامي في المخيال الجمعي للإخوان المسلمين لا تختلف كثيرًا، وتلك التي تطرحها السلفية الجهادية، ما يمنحها فرصة أكبر للمزايدة على حماس.

3. علاقة حماس بإيران، والتي جعلت الحركة عرضة للاتهام المستمر بفساد العقيدة، واتهامها بأنها جعلت من قطاع غزة بوابة للتشيع ومركز نفوذ لـ«المشروع الصفوي» حسب وصفها.


ما موقف إسرائيل من تلك الجماعات؟

تخشى إسرائيل من تنامي نفوذ السلفية الجهادية في القطاع، فهي وإن كانت ترى في حماس عدوا، إلا أنها عدو يمكن التفاهم معه بخلاف السلفية الجهادية التي لا تلقي بالًا للاعتبارات السياسية.ومع فشل إسرائيل في الإطاحة بحكم حماس عن طريق العمليات العسكرية، واستبعاد إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع في الوقت الحالي، ومع إثبات حماس جديتها في فرض التهدئة على الفصائل العاملة في القطاع؛ تبدو إسرائيل أقل تحمسًا إلى إضعاف قبضة حماس. وربما كان هذا أحد الأسباب التي تجعل الكثير من صناع القرار في إسرائيل يدفعون باتجاه المزيد من تخفيف القيود على القطاع، خوفًا من أن يتحول إلى بيئة حاضنة للجهاديين.