منذ تولي الأمير «محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود» منصب ولي العهد، بعد وصول أبيه الملك سلمان للحكم، وعمد الأمير الشاب إلى سياسة مغايرة لنقل السعودية إلى مرحلة متقدمة من الريادة والقيادة على المستوى العربي والإقليمي، بل تحقيق مكاسب دولية رفيعة المستوى، ولم يجد الأمير الشاب غضاضة في تكسير الجمود والروتين الراسخ في بعض معتقدات وثوابت المملكة، لا سيما في ملف العلاقات الخارجية.

مؤخرًا في السنوات القليلة الماضية كان واضحًا للجميع أن السعودية تلجأ إلى سياسة تسمى «فكفكة وتصفير الأزمات»، من أجل تحقيق مكاسب للمملكة وأخذ دور الريادة والزعامة في المنطقة، حتى مع بعض الدول ذات العداء التاريخي مع السعودية بصفتها زعيمًا للمحور السني في المنطقة، مثل إيران.

وفي ضوء السياسة التوسعية للمملكة نحو مزيد من المكاسب السياسية والزعامة الإقليمية، لاحظنا التقارب السعودي الإيراني مؤخرًا، وهو ما ينعكس على المنطقة، خاصة أن إيران كما هو معروف لها موالون وجبهات ترعاها سواء ماديًّا أو أيديولوجيًّا، والحديث هنا عن السعودية وعلاقتها بحماس، والتحول الذي قد يطرأ في الفترة المقبلة، بعد سنين من الجفاء، بل التراشق والعداء سواء الظاهر أو الخفي بين الجانبين، وهو ما سنحاول طرق أبوابه في هذا التقرير، خاصة محاولة معرفة كيف ترى إسرائيل هذا التقارب بصفتها عنصرًا أساسيًّا ومحوريًّا في هذا الملف الشائك، باعتبار أن حماس جزءًا أساسيًّا من قيادة المقاومة المسلحة ضد الكيان المحتل، وكذلك سعي تل أبيب للتقارب مع الرياض، وأيضًا المساعي السعودية لتحقيق مزيد من المكاسب على المستوى الإقليمي والدولي، وبالطبع فإن الملف الفلسطيني جزء محوري من تلك المساعي السعودية.

عودة بعد انقطاع

زار وفد حمساوي بقيادة إسماعيل هنية المملكة العربية السعودية لأداء مناسك العمرة في أبريل/ نيسان الماضي، في زيارة ظاهرها ديني، وباطنها سياسي، ورحبت المملكة بتلك الزيارة، خاصة أنها تأتي بعد ثماني سنوات كاملة من القطيعة بين حماس والسعودية، حينما التقى الملك سلمان بن عبد العزيز وكان حينها وليًّا للعهد، رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، في مكة.

بعد تلك الزيارة لم يزر أي مسئول حمساوي الأراضي السعودية، بل اتسمت العلاقات بالفتور على خلفية اعتقال السعودية للمسئول الحمساوي، محمد الخضري، وحوالي ستين آخرين من أعضاء حركة حماس المقيمين في السعودية، لاتهامهم بجمع تبرعات من المملكة لصالح المقاومة الفلسطينية دون ترتيب مع الجانب السعودي، لكن التطورات الأخيرة في المنطقة خاصة التقارب السعودي الإيراني، كان دافعًا لإجراء هذه الزيارة، والتي لم تخلُ من لقاءات غير معلنة، لتحقيق مصالح سياسية بحسب ما تحدث عنه الإعلام الإسرائيلي، وهو ما سيأتي تفصيله لاحقًا.

نشر موقع بحداريه حداريم، وهو أكبر موقع إسرائيلي ينشر أخبار اليهود الحريديم «المتشددين»، تقريرًا على خلفية زيارة الوفد الحمساوي للأراضي السعودية، ويرى الكاتب الإسرائيلي، كوبي عوزيالي، في تقريره أن هناك تقاربًا سعوديًّا إيرانيًّا، ومن المتوقع أن تفتح الدولتان سفارتيهما خلال أسابيع، ولفت التقرير إلى أن هذا التقارب يقوض فرصة توقيع اتفاق سلام بين تل أبيب والرياض، بسبب الموقف الإسرائيلي من البرنامج النووي الإيراني.

وفي سياق متصل كانت حركة حماس قد رحبت بالتقارب السعودي الإيراني، واعتبرته خطوة مهمَّة على طريق توحيد الصفوف والتفاهم والأمن والاستقرار في المنطقة العربية والإسلامية، بحسب ما نشره موقع الميادين، حيث قال رئيس مكتب العلاقات العربية والإسلامية وعضو المكتب السياسي لحركة حماس، خليل الحية: «ترى حماس أنَّ هذه الخطوة المهمَّة تصبُّ في صالح القضية الفلسطينية، ودعم صمود شعبنا في مواجهة الاحتلال وعدوانه المتواصل على أرضنا وشعبنا ومقدساتنا».

هل تمر العلاقات السعودية الحمساوية بمنعطف؟

نشر موقع دراسات الأمن القومي الإسرائيلي «INSS» دراسة موسعة حملت عنوان «هل تمر العلاقات بين السعودية وحماس بمنعطف؟» وأسهب فيها الباحثان الإسرائيليان، يوحنان تسوريف ويوئيل جوجنسكي، في تحليل الزيارة الأخيرة لمسئولي حركة حماس إلى الأراضي السعودية وما تنطوي عليه من أبعاد تتعلق بالمساعي السعودية لحلحلة الخلافات وتنحيتها، من أجل إحراز مزيد من المكاسب على المستوى الإقليمي والدولي.

أشارت الدراسة في البداية إلى أن الزيارة الأخيرة كانت بحضور كل من خالد مشعل وموسى أبو مرزوق رئيسي الحركة السابقين، ويحيى السنوار. أما عن أسباب الزيارة الأخيرة، فتسعى السعودية إلى تحسين العلاقات مع الدول المحيطة بها، سواء إيران أو سوريا أو تركيا، وبالطبع حلفاء تلك الدول ومن ضمنهم حركة حماس الموالية لإيران، كما حاولت السعودية عمل توازن، إذ دعت رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس أبو مازن، إلى زيارة رسمية في نفس توقيت زيارة مسئولي حماس للمملكة، خاصة بعد فترة من الجمود السعودي تجاه السلطة على خلفية رفض أبو مازن خطة أو صفقة القرن المقترحة من الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب.

وتقول الدراسة إن «موعد زيارة حماس وأبو مازن يعزز احتمالية رغبة الرياض في زيادة نفوذها بقطاع غزة، والرغبة في تحقيق مصالحة بين فتح وحماس، تقوم على أساس اتفاق مكة 2007، والذي لم يخرج للنور»، واعترفت الدراسة بأن حماس نجحت منذ العام 2021 بأن تكون لاعبًا رئيسًا في المشهد «بعد مساعيها لتفكيك وانهيار السلطة الفلسطينية» حسب زعم الكاتبيْن اللذين أغفلا الجهد الحقيقي الذي تقوم به إسرائيل لتهميش السلطة وإهانتها.

في المقابل، حاول موسى أبو مرزوق، مسئول العلاقات الخارجية للحركة، وفقًا للدراسة، شرح موقف الحركة من الصواريخ التي أطلقت على الجانب الإسرائيلي من لبنان ومن الجنوب بأن الحركة ليست تابعة لإيران أو أي محور، في محاولة لإزالة أي حساسية سعودية من انتماء الحركة لإيران.

في المقابل عززت الدراسة الإسرائيلية من فكرة استخدام السعودية لحركة حماس كورقة جديدة رابحة بالنسبة للمملكة نحو مزيد من التوسع في المنطقة، لذا خففت السعودية من حدة العداء مع الإسلام السياسي واعتبار حماس جزءًا مهمًّا منه، وشددت الدراسة على أن الرياض التي دعت سوريا للمشاركة في القمة العربية تحاول بشتى الطرق أخذ أدوار قيادية مركزية وجمع الدول العربية حولها من خلال سياسة سعودية جديدة وترك المحاولات العقيمة لبسط النفوذ، ومنها النفوذ العسكري.

وخلصت الدراسة الإسرائيلية إلى أن تل أبيب ستستفيد من التقارب السعودي مع حماس، فيمكن أن تفرض المملكة على الحركة لجامًا وتثبط مساعيها العسكرية التي قد تهدد إسرائيل.

هل تغير الوضع في المنطقة؟

يبدو أن الوضع في المنطقة العربية تغير في الفترة الماضية، وأدركت بعض الدول وعلى رأسها السعودية أن سياسة تصفير الأزمات هو حل للكثير من الأزمات، بل يعد سبيلًا لكسب مزيد من التحالفات والصداقات، خاصة بعدما أدركت الرياض صعوبة كسب الولايات المتحدة الأمريكية كحليف دائم، بسبب الخلاف بين الإدارة الحالية للرئيس الأمريكي جو بايدن وبين الرياض في العديد من الملفات، لذلك اتجهت السعودية لتغيير سياستها، فتقاربت مع إيران وحماس، وكذلك سوريا، ومساعي المملكة لايجاد حل لأزمة اليمن، وكلها محاولات لفكفكة الأزمات وتحقيق المكاسب.

المشهد السابق في العلاقات السعودية تحدث عنه الكاتب والمحلل الإسرائيلي يتسحاق لفانون في صحيفة معاريف في مقالة له بعنوان «الوضع الجديد الناشئ في الشرق الأوسط: على إسرائيل أن تدرس التغييرات بعمق»، تحدث فيه عن التغييرات الراهنة في المنطقة، وأكد أن الوضع الحالي يشكل شرق أوسط جديدًا ويُصعب من عملية قدرة إسرائيل على مزيد من الاندماج والانخراط في المنطقة.

بدأ لفانون المقالة بالحديث عن عودة سوريا للجامعة العربية، حيث تقف السعودية بحسب الكاتب الإسرائيلي وراء تلك الخطوة، مشددًا على أن هذا من عجائب الشرق الوسط، وأن المنطق الوحيد فيما يحدث هو عدم وجود منطق بحسب الكاتب، ويرى لفانون أن محمد بن سلمان والسعودية لقنوا الولايات المتحدة الأمريكية درسًا في الدبلوماسية بعودة سوريا للجامعة العربية، ثم عدَّد الكاتب الإسرائيلي المتغيرات الأخيرة في المنطقة، وكلها ترتبط بالسعودية وتحركاتها الواسعة، ووجه الحكومة الإسرائيلية إلى ضرورة توخي الحذر والحيطة بأن هناك متغيرات جديدة في الشرق الأوسط، وعليهم البحث عن مصلحة إسرائيل.