بابتسامتها البريئة، وتحركاتها السريعة على الطاولة بشكل يُصعِّب مهمة من يشاهدها، إلى جانب ضربات مضربها القوية، والتي لا تعكس هيئتها تمامًا، وصرخاتها الطفولية المعتادة مع حسم النقاط أثناء المباريات، تظهر دائمًا، لاعبة تنس الطاولة المصرية «هنا جودة».

صاحبة الـ 15 عامًا، والتي بدأت مسيرتها داخل جدران القلعة الحمراء، صعدت بسرعة الضوء، متجاوزة مراحل عدة في مسيرتها، ومحققة أرقامًا قياسية فريدة، كان آخرها لقب بطولة أفريقيا لتنس الطاولة للسيدات.

سطور تنم عن موهبة استثنائية بالفعل في تاريخ الرياضة المصرية، حتى إنها لُقبت بـ «معجزة تنس الطاولة»، إلا أنها دائمًا ما يُزج باسمها في مناوشات مثيرة للجدل، رفقة الاتحاد المحلي للعبة في مصر، والذي عادة ما تتوجه له أصابع الاتهام بإهمال تلك الموهبة الفذة.

واحدة من تلك المناوشات التي أثيرت مؤخرًا كانت حول سبب اعتذار اللاعبة الصغيرة عن خوض منافسات بطولة أفريقيا تحت 19 عامًا، رغم كونها حاملة اللقب وصاحبة الترتيب رقم 3 عالميًّا في تلك الفئة، ومن هنا تأتي انطلاقتنا في تلك المقالة.

الأزمة الأخيرة

اشتعل فتيل الأزمة بعدما انتشرت الأنباء حول اعتذار «هنا جودة» عن عدم المشاركة في البطولة الأفريقية، بسبب عدم السماح لها باصطحاب مدربها الخاص، وذلك لارتفاع التكاليف، خاصة أن الاتحاد كان قد اختار مدربين آخرين للسفر رفقة البعثة بالفعل.

ووسط صمت تام من جانب اللاعبة، واتحاد تنس الطاولة، بدأ الجميع في تناول القضية، كلٌّ من منظوره الخاص، والتي لم تعبر عن الصورة الكاملة أيضًا، حتى وصل إلى طلب إحاطة في مجلس النواب المصري، موجه لرئيس الوزراء ووزير الرياضة بشأن القضية، في سابقة لم تحدث من قبل للاعب في الألعاب الفردية.

لا أعرف لماذا يحدث كل هذا وأين توجد الأزمة. لا أرى أي أزمة على الإطلاق في اعتذار هنا جودة عن عدم المشاركة في بطولة أفريقيا، فاللاعبة تأهلت بالفعل لبطولة العالم المقبلة، وشاركت مؤخرًا في بطولة في تونس، ثم ستلعب في بطولة نيجيريا، ثم بطولة زغرب الدولية بكرواتيا، وعندما تنتهي منها سبتدأ بطولة أفريقيا؛ لذلك اعتذرت عن البطولة بعد استطلاع رأي الاتحاد، ومن أجل إتاحة فرصة المشاركة للاعبات أخريات.
خالد الصالحي رئيس الاتحاد الأفريقي لتنس الطاولة.

على جانب آخر، نشر عدد من الصحفيين المصريين الرسالة البريدية التي اعتذرت فيها والدة اللاعبة عن عدم المشاركة في البطولة، والتي جاء نصها بعيدًا عن أي أزمات، حيث أشارت إلى تأهل ابنتها لبطولة العالم مسبقًا بسبب التصنيف العالمي، إلى جانب المشاركة في بطولة زغرب للسيدات، مفضلة إتاحة الفرصة لزملائها من أجل المشاركة في المنافسات الأفريقية.

أما الفصل الأخير في تلك الأزمة المختلقة، فكان بيانًا رسميًّا من قبل الاتحاد المصري لتنس الطاولة، والذي أشار في نصه إلى قبول اعتذار والدة «هنا»، وذلك حتى يتسنى لها الارتقاء بتصنيفها الدولى، خاصة أن بطولة أفريقيا للناشئين والناشئات سيكون التنافس فيها محسومًا للفريق المصري، على حد وصفه.

ليست المرة الأولى

لم تكن أزمة الاعتذار عن البطولة الأفريقية هي الأولى، فقد أثارت هنا جودة الجدل أيضًا من قبل حين أبدت رغبتها في المشاركة ضمن البعثة المصرية المشاركة في أولمبياد طوكيو، مستندة وقتها لكونها المصنفة الأولى محليًّا، ويحق لها المشاركة وفقًا لذلك.

لماذا حتى هذه اللحظة لم يقرر الاتحاد المصري لتنس الطاولة سفري إلى أولمبياد طوكيو 2021 المتأهل إليها المنتخب المصري للسيدات فردي وفرق بعد دورة الألعاب الأفريقية في 2019؟ لماذا لا أمثل الفريق المصري في الفردي والفرق و أنا رقم 1 في مصر حسب التصنيف المحلي للسيدات، والحاصلة على آخر بطولة فردي سيدات؟
هنا جودة عبر صفحتها على فيسبوك.

أثارت تلك الرغبة غضب زميلتها في الفريق في ذلك الوقت، اللاعبة مريم الهضيبي، والتي رحلت عن الأهلي في وقت لاحق أيضًا، حيث ردت عبر صفحتها على فيسبوك هي الأخرى، مطالبة بحقها في المشاركة في الدورة الأولمبية نظرًا لمشاركتها في البطولة الأفريقية المؤهلة لطوكيو وقتها.

واضطر النادي الأهلي إلى استدعاء اللاعبتين للتحقيق، ووقع غرامة مالية عليهما قدرها 10 آلاف جنيه، قبل أن يقدم الثنائي اعتذاره، في المقابل رفض الاتحاد المحلي طلب اللاعبة الصغيرة علنًا، مشيرًا إلى أنها لم تشارك في البطولة الأفريقية المؤهلة، وأن تصنيفها العالمي يقع في فئة الناشئات فقط.

المفاجأة كانت في سفر «هنا جودة» بعدها بأشهر قليلة رفقة بعثة المنتخب إلى طوكيو، ولكن كلاعبة احتياطية، رفقة الثلاثي الأساسي دينا مشرف، ويسرا حلمي، بالإضافة إلى فرح عبد العزيز، فيما لم تسافر مريم الهضيبي.

المعجزة الصغيرة

بتحويل الدفة نحو الأرقام، فإن الحديث عن «هنا جودة»، يُعد بمثابة الحديث عن معجزة صغيرة في عالم تنس الطاولة، حيث تحتل المرتبة الثانية في تصنيف الناشئات تحت 17 عامًا، وبفارق طفيف عن المتصدرة، وتأتي في المرتبة الخامسة تحت 19 عامًا، وبفارق ضئيل أيضًا عن المركز الثالث، لكن الرقم الأهم هو المرتبة 34 عالميًّا في تصنيف السيدات، ولا يسبقها من مصر سوى دينا مشرف في المرتبة الـ 26.

كما أصبحت بنت الـ «15 عامًا» أصغر من يتوج ببطولة أفريقيا للسيدات لتنس الطاولة مرتين متتاليتين، في العام الحالي عقب الفوز على دينا مشرف بـ 4 أشواط مقابل 3، والعام الماضي أيضًا بعد الفوز الكاسح على النيجيرية فاطمة بيلو بـ 4 أشواط مقابل لا شيء.

في عام 2019، قرر مجلس إدارة النادي الأهلي برئاسة محمود الخطيب، صرف مكافأة خاصة للاعبة الصغيرة، بعد الفوز ببطولة الجمهورية للسيدات، وتصعيدها للفريق الأول؛ لتصبح عضوًا أساسيًّا في النادي وكذلك منتخب مصر الأول منذ ذلك الوقت.

ولم تكتفِ «جودة» بتلك الإنجازات، إذ قررت خوض تجربة الاحتراف عبر بوابة الدوري السويدي، وذلك رفقة فريق «إيسلوفز»، وفازت معه بلقب البطولة مرتين متتاليتين، خلال عامي 2022، و2023.

من المسئول؟

حسنًا، بالنظر لتلك الأرقام التي تعكس حقًّا ميلاد بطلة فريدة في تنس الطاولة المصرية، يتبادر للأذهان سؤال منطقي الآن: لماذا يتم الزج باسم «هنا جودة» عادة في تلك الأزمة المثيرة للجدل؟ ومن المسئول عن رعاية تلك «المعجزة»؟

في البداية، لا بد أن نشير إلى أن والدة «هنا» هي من تقف خلف كل أمور طفلتها الإدارية، وبالتالي فإن كل ما يصدر عن اللاعبة هو بالضرورة قد مر على والدتها، سواء كان في الأزمة الأخيرة بشأن المشاركة الأفريقية والتي امتنعت عن التعليق عليها، أو المطالبة بمشاركة ابنتها في الدورة الأولمبية من قبل.

على جانب آخر، تصطدم الأم وابنتها ببيروقراطية معتادة من قبل اتحادات الألعاب الفردية، والتي عادة لا تملك الموارد المالية، التي تمكنها من التعامل الخاص مع بعض المواهب مثل: «هنا جودة»، فنضطر في النهاية إلى إرجاع ذلك التقصير في الرعاية إلى ضعف الإمكانيات والوقوف على مسافة واحدة من جميع اللاعبين.

ليس كل ما يُعرف يقال، هناك أسماء معينة لن أذكرها، لا تفضل ظهور هنا جودة من أجل مصلحة آخرين، من أجل دعم بعض اللاعبات الأخريات، وقد لا يحبون ظهور نجم لاعبة في عالم اللعبة، ونفس الحال تكرر مع النجم العالمي عمر عصر.
وائل السنوسي، عضو الاتحاد الدولي السابق لتنس الطاولة.

وهو الأمر الذي يفسر اتجاه هنا ووالدتها للتغريد بشكل منفرد، في عقد الشراكات والبحث عن رعاة داخل وخارج مصر، من أجل دعم اللاعبة الصغيرة في مشوارها من ناحية، والتخلص من عجز الاتحاد المتوقع في رعايتها من ناحية أخرى، والذي بالطبع لن يستطيع تلبية جميع احتياجاتها، خاصة مع المشاركة في بطولات الفئات العمرية المختلفة.

ختامًا، نحن أمام تجربة استثنائية في تاريخ الرياضة، ويجب أن تتعامل كل الأطراف انطلاقًا من تلك الحقيقة، سواء من جانب والدة «هنا» التي يقودها الحماس أحيانًا لافتعال مشاكل لا داعي لها، أو من جانب الاتحاد الرياضي الذي ما زال غير قادر على التعامل مع اللاعبة باعتبارها مشروعًا قوميًّا لتحقيق ميدالية أولمبية تاريخية لمصر في المستقبل.