سأتعرض للسخرية لقولي هذا، لكن هناك القليل من زيدان فيه عندما يحصل على الكرة في هذا المركز. فيه من لمسته للكرة، وطريقة استخدامه لجسده من أجل حمايتها، حيث يستحيل على المدافع الاقتراب منها.
محلل سكاي سبورتس «جاري نيفيل» عن مهاجم توتنهام «هاري كين»

أطلق «جاري نيفيل» ذلك التشبيه على «هاري كين» بعد فوز توتنهام على مانشستر سيتي بهدفين مقابل لا شيء، في الدور الأول من البريميرليج موسم 2020/21. وإن كنت متابعًا جيدًا للإنجليز، فإنك لن تندهش أبدًا من مبالغاتهم، فقد سبق لهم من ضمن مرات عديدة، هدم جميع قواعد المنطق بتشبيه «لينجارد» بـ«إنييستا».

لكن بالنسبة لـ«كين» فإن المبالغة قد تكون -وعلى غير العادة- في محلها، بعيدًا عن التشبيه بزيدان بالطبع. فاللاعب الذي قدم نفسه كواحد من أفضل المهاجمين في العالم طوال المواسم الخمسة الماضية، قرر في افتتاحية موسم 2020/21 أن يقدم أداءً أقرب إلى الكمال دفاعًا وهجومًا، ومرشح للاستمرار إن قررت الإصابات عدم مضايقته كما اعتادت.

ولأن «كين» يقدم ما يقدمه تحت قيادة «جوزيه مورينيو»، فإن الأمر سيأخذ صدى أكبر. خاصةً أن أحد محللي «سكاي سبورتس» قد تجرأ في بداية فترة المدرب البرتغالي وطرح فكرة رحيل «هاري» بسبب أسلوب لعب «مورينيو» المتحفظ، لكن الآن تغير كل شيء وبدلاً من السؤال عن موعد رحيل «كين»، صار السؤال: هل صنع «مورينيو» تلك النسخة من «كين»؟ أم أنها صُنعت خصيصًا لـ«مورينيو»؟

رابط غير متوقع

عند سؤال مدرب الإنتر الأسبق عن توهج ثنائية كين وسون، نسب الفضل للمدرب السابق للسبيرز «ماوريسيو بوتشيتينو»، ثم للاعبين وعلاقة الصداقة التي تجمعهما. وهو تواضع غير معهود عن السبيشال وان، الذي لطالما عُرف بالغرور. لكنها إجابة تضاف لتصريحات «مورينيو» حاليًّا والتي يحاول بها الظهور بشكل أكثر طيبة، لإبعاد الضغط عن كاهله، عكس أيامه الخوالي.

وهنا ظهر الرابط الأول بينه وبين «هاري كين» بالصدفة، والذي يمكننا تحسسه من السؤال التي طرحته صحيفة «إندبندنت» البريطانية؛ كيف أصبح هاري كين الشرير المثالي لـ«مورينيو»؟

في أفضل أيام المدرب البرتغالي بإنجلترا، كان لديه ثلاثة مهاجمين لا جدال على جودتهم، «ديديه دروجبا» و«دييجو كوستا» و«زلاتان إبراهيموفيتش». لكل منهم صورة معينة في ذهنك؛ «دروجبا» وصورة المهاجم الأفريقي القوي والمشاكس، «كوستا» واستفزازاته لمدافعي الخصم، و«إبرا» بتصريحاته المتعجرفة، وجميعهم كان مناسبًا لصورة «مورينيو» التي رسمها لنفسه في فترة عنفوانه.

لكن «هاري كين» الذي وصفته الـ«إندبندنت» بالنموذج الإنجليزي الكلاسيكي، الذي يتمتع بالهدوء والتحفظ، يبدو أكثر ملاءمة لتصدر مشروع «مورينيو» حاليًّا. على الرغم أن تقرير الصحيفة الإنجليزية أكد أن أسلوب لعبه يمكن مقارنته بالثنائي «دروجبا» و«كوستا» من حيث القوة وتعذيب المدافعين، لكن الصورة التي في ذهنك عن «هاري» لا يمكن أن تكون المثل.

«هاري» النموذجي

لم تكن الصورة المثالية لـ«هاري كين» نتاج أدائه ومهاراته فقط، بل كان لسلوكه خارج الملعب دور في رسمها. قبل مونديال روسيا 2018، ولأنه قائد المنتخب الإنجليزي، قدمت هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» وثائقيًّا قصيرًا عن مسيرة كين.

رسم الوثائقي خطًّا زمنيًّا لمسيرته من نادي «ريدجواي روفرز» مرورًا بأرسنال حتى توتنهام، لكن الأهم من ذلك كانت شهادات مدربيه السابقين، أحد أصدقائه منذ الطفولة، أحد معلميه في مدرسة «Chingford Foundation School»، مايكل أوين، ألان شيرر، جميعهم يشيد بعقليته الفذة، وسلوكه المثالي خارج الملعب، وتركيزه الكامل على كرة القدم.

ومع كل هذه الحفاوة والتقدير، كان مورينيو على الجانب الآخر محظوظًا، فهو أحد المحسوبين على مدرسة السحر الأسود في كرة القدم، والآن بات يمتلك واجهة لمشروعه الجديد، تنتمي للجانب المقابل من السحر.

في ثاني أيام مورينيو في توتنهام، اجتمع البرتغالي بمهاجمه على انفراد في مكتبه، وبدأ أولى خطوات تحفيزه، ملمحًا له بكل وضوح أنه يريد بناء علاقة قوية معه أسوةً بعلاقته مع بوتشيتينو، ثم أخبره: «ينظر العالم إلى كرة القدم الإنجليزية باحترام لا يصدق لكنهم ما زالوا يعتقدون أن نجوم الشباك في كرة القدم ينتمون إلى أماكن أخرى. علينا بناء مكانتك في هذا الاتجاه، أعتقد أنني أستطيع مساعدتك على الانفجار».

بصمة مورينيو

يعني انفجار «كين» الكثير للمدرب الفائز بالثلاثية في عام 2010، لأنه سيكون وسيلته لتوضيح أن المهام الدفاعية التي يكلف بها أصحاب النزعة الهجومية، تخدم المنظومة في المقام الأول، إلى جانب أنه سيكون طريق «مورينيو» لمدح نفسه بأسلوب غير مباشر.

رقميًّا ومنذ تولي «جوزيه» تدريب السبيرز (من نوفمبر 2019 حتى نوفمبر 2020)، ساهم صاحب الرقم 10 في «45» هدفًا، أحرز «27» وصنع «18»، لكن الدور الذي يقوم به في الملعب كان الأكثر إبهارًا. حسب مقدمة تقرير الصحفي «جاسون بيرت» بصحيفة «تليجراف»، فإن «هاري» يعيد اختراع ما يعنيه اللعب في مركز رأس الحربة، فهو ليس مهاجمًا صريحًا (مركز 9)، وليس مهاجمًا ثانيًا (مركز 9.5)، وليس صانع ألعاب (مركز 10).

بالنظر للتغريدة التالية، سترى خريطة لمسات «كين» في موسم 2020/21. إن حذفنا صورته وحاولت توقع مركز اللاعب صاحب الخريطة، فبالتأكيد لن تظن أنه مهاجم. السبب وراء أماكن لمسات «كين» هو أن «مورينيو» ما زال محافظًا على أسلوبه في تأمين مناطقه ثم إطلاق المرتدات.

وهنا قدم «هاري» أداءً دفاعيًّا قويًّا، مع براعة في إغلاق زوايا التمرير، وعند التحول من الدفاع للهجوم، يلعب دوره بامتياز كـ «Target Man»، يرتكز عليه الفريق للتحول. ومع توفير أجنحة تجيد الانطلاق في المساحات «Runners»، يتقدمهم الكوري الجنوبي «سون»، أصبحت المنظومة الهجومية مكتملة ليصنع «كين» 10 أهداف ويسجل 7 في الدوري، حتى الآن.

كانت مباراة مانشستر سيتي في الدور الأول تجسيدًا لكل ذلك، فالمهاجم الإنجليزي لم يسدد أي تسديدة على المرمى، كان الأكثر ارتكابًا للعرقلات الناجحة، وأكثر لاعب تم ارتكاب مخالفات ضده، صنع الهدف الثاني بنفسه، وساهم في الهدف الأول بتحرك ذكي، سحب به أحد المدافعين وأفرغ المساحة لزميله «سون».

عندما تكتمل قطع الأحجية من حوله، يكون «كين» ممتازًا.
مورينيو يمدح نفسه بشكل غير مباشر بعد الفوز على السيتي

إن كنت تشاهد «كين» فإنك حتمًا ستبالغ وتقول: ينقصه فقط أن يقف حارسًا للمرمى، لكن دعنا نخبرك أنه فعلها من قبل مع توتنهام أمام أستيراس توبوليس اليوناني في بطولة الدوري الأوروبي 2014، عندما وقف بديلًا لـ«لوريس» بعد حصول الأخير على بطاقة حمراء، وتلقى هدفًا سهلًا. كما أنه قدم نفسه في أول اختبارات للناشئين كحارس مرمى، رغم إجادته لكل ما لا يجيده حراس المرمى.

تلك اللقطة من مسيرة «كين» هي ما تجعله مؤهلًا تمامًا ليقدم لنا هذه الأدوار المركبة، التي ستصبح علامة تميزه عن بقية المهاجمين، إن استمر في تقديمها رفقة «السبيشال وان».

وإلى هنا ستكون إجابة سؤالنا أيضًا مركبة، فـ«مورينيو» صنع «هاري كين» الحالي، الذي صُنع خصيصًا لـلمدرب البرتغالي بنسخته الحالية.