يؤكد المرشد الأعلى للثورة الإسلامية «علي خامنئي» منذ سنوات على موضوع الاقتصاد المقاوم، باعتباره نموذجًا جديدًا للاقتصاد بإمكانه أن يحرر الجمهورية الإسلامية الإيرانية من قيود النظام الرأسمالي العالمي، الذي يستخدمه المجتمع الدولي للضغط على إيران للتخلي عن طموحاتها النووية عن طريق فرض عقوبات دولية ضدها.

استخدم خامنئي مصطلح الاقتصاد المقاوم للمرة الأولى منذ عام 2010، فالاقتصاد المقاوم هو مصطلح إيراني بحت لم يتحدث عنه أي من المفكرين الاقتصاديين ولم تتبعه أي دولة أخرى سوى إيران على مستوى العالم مما يعطي هذا المصطلح طابعًا خاصًا.

ذكر خامنئي هذا المصطلح خلال أحد خطاباته التي دعا فيها الشعب الإيراني لتعزيز الاعتماد على الاقتصاد المحلي وضرورة تقديم نموذج اقتصاد إسلامي قادر على مواجهة الأعداء الذين يشنون حربًا اقتصادية على الشعب الإيراني، وأكد أنه «يجب علينا أن نثبت لهم أننا نستطيع في ظل النظام الإسلامي والتعاليم الإسلامية أن نقدم نموذجًا اقتصاديًا إسلاميًا متقدمًا». ويؤكد خامنئي دائمًا على أن هذا الاقتصاد هو أحد أنواع «النظام الاقتصادي الإسلامي» وأنه ضرورة حتمية للتعامل مع العقوبات المفروضة ضد إيران.


كيف استفادت إيران من الاقتصاد المقاوم؟

القيمة السوقية للريال الإيراني في السنوات العشر الأخيرة

استطاعت إيران بالاعتماد على إنتاجها المحلي وخبراتها الداخلية تأمين بنية تحتية قوية لدعم النمو والتطور الاقتصادي على المدى البعيد وليس على المدى القصير فقط، مستفيدةً في ذلك من موقعها الجغرافي حيث تربط إيران بين 15 دولة مجاورة مما يجعلها محطة مهمة لمرور وترانزيت البضائع.

الإنتاج الزراعي

يعتبر القطاع الزراعي الركيزة الأهم في منظومة الأمن الغذائي القومي الذي تحاول إيران جاهدة تحقيق الاكتفاء الذاتي منه، والتي بالفعل استطاعت تحقيق بعض النتائج الملموسة فيه، على الرغم من معاناتها من أزمة نقص المياه على مدى السنوات الماضية وجفاف العديد من البحيرات والأنهار الرئيسية مثل نهر كارون بمنطقة الأهواز وبحيرة أرومية التي تقع في شمال غربي البلاد.

و وفقَا للإحصائيات التي أصدرتها وزارة الزراعة مؤخرًا، فهذه هي النتائج التي حققتها إيران في ظل نظرية الاقتصاد المقاوم

  • زيادة قيمة صادرات المواد الغذائية بنسبة 27%.
  • انخفاض قيمة واردات المواد الغذائية بنسبة 9%.
  • زيادة المخزون الاستراتيجي من المنتجات الإستراتيجية.
  • نمو قطاع الزراعة بنسبة 8.2%

ومن أهم الصادرات الزراعية الرئيسية في إيران الفستق والتوت والتمر والزعفران والتبغ والأرز، و بلغت قيمة صادراتها الزراعية عام 2013 حوالي 5.1 مليار دولار في ظل فترة العقوبات واعتمادها الكامل على نظرية الاقتصاد المقاوم كما بلغت نسبة الصادرات الزراعية حوالي 23.4% من إجمالي الصادرات الإيرانية.

الإنتاج الصناعي

يعتمد الاقتصاد المقاوم على العديد من الركائز أهمها مبدأ حماية الصناعة المحلية من المنافسة الأجنبية وتطويرها بالاعتماد على الخبرات الداخلية، وهو المبدأ الذي أسهم بشكل كبير للغاية في عودة ثقة الشعب الإيراني في منتجاته المحلية حيث تمتلك إيران أعلى نسب عالمية من النفط والغاز، فضلًا عن العديد من المعادن الأخرى مثل خام الحديد والصلب أحد المكونات الأساسية اللازمة لعملية الإنتاج الصناعي.

اعتمدت نظرية الاقتصاد المقاوم فيما يتعلق بالإنتاج الصناعي على العديد من العناصر من أهمها:

  • وجود بنية تحتية قوية مثل الطرق والسدود والجسور والمصانع.
  • توافر المواد الأولية اللازمة للصناعة مثل خام الحديد، النفط والغاز.
  • توافر الأيدي العاملة المتخصصة والمبتكرة.
  • اعتماد الشركات على المتخصصين من العلماء ورجال الاقتصاد.
  • تشجيع الاستثمار الداخلي.

يبلغ عدد سكان الجمهورية الإسلامية الإيرانية حوالي 75 مليون نسمه، مما يجعلها سوقًا محليًا جيدًا للغاية، فإذا لم تكن تمتلك إيران بنية تحتية قوية وثروات معدنية، حيث تحتل إيران المرتبة الأولى على مستوى العالم فيما يتعلق باحتياطي النفط والغاز فإنها بالطبع لم تكن لتستطيع الصمود طيلة سنوات الحصار.

كما أنها تحتل المرتبة السابعة عشرة في الاقتصاديات على مستوى العالم وفقًا للإحصائيات والتقارير الدولية، حيث يبلغ إجمالي الناتج المحلي الخاص بها حوالي ألف مليار دولار. أما عن الطاقة أحد المكونات الأساسية اللازمة لعملية الإنتاج الصناعي، فإن إيران تمتلك العديد من مصادر الطاقة النظيفة مثل المياه، والطاقة الشمسية، والطاقة النووية بنسبة عالية للغاية.


تأثير الاقتصاد المقاوم على نسبة الصادرات الإيرانية

إن اعتماد الاقتصاد المقاوم على تحقيق الاكتفاء الذاتي بهدف تأمين الاحتياجات اللازمة للشعب واستقلال الاقتصاد الإيراني عن النظام الاقتصادي العالمي حتى لا تفرض الأنظمة العالمية شروطها وسيطرتها على الشعب الإيراني أو تؤثر الأزمات العالمية على الاقتصاد الإيراني بشكل أو بآخر، أ سهم في إحداث تطور كبير بقطاع الصادرات الإيرانية.

الصادرات النفطية

و يرى العديد من الخبراء الاقتصاديون أن الوضع الحالي للاقتصاد الإيراني يدل على أن معدلات النمو ستكون أسرع من المتوقع، حيث بلغت نسبة صادرات إيران النفطية في شهر أبريل/نيسان 2016 حوالي مليونين و300 ألف برميل من النفط، كما ترى وكالة الأنباء الدولية رويترز أن معدل الصادرات في مايو/ آيار من نفس العام قد زاد بنسبة 60% عن مايو/آيار 2015.

ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلى عودة تصدير النفط إلى الدول الأوروبية منذ أبريل/نيسان 2016. حيث صرح المدير التنفيذي للشركة الوطنية الإيرانية للنفط بأن نسبة صادرات النفط الإيراني إلى أوروبا منذ يونيو/حزيران 2016 قد بلغت 600 ألف برميل يوميًا.

أما صادرات النفط إلى آسيا فقد بلغت في أبريل/نيسان 2016 حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا بزيادة 23% عن العام الماضي وازدادت نسبة الصادرات النفطية الإيرانية إلى كوريا الجنوبية في أبريل/نيسان 2015 إلى 67%.

الصادرات غير النفطية

وفقًا لتقرير مصلحة الجمارك الإيرانية الخاص بمعدل التجارة الخارجية؛ فإن قيمة الصادرات غير النفطية قد تخطى حاجر الـ 916 مليون دولار في عام 2015 بزيادة 11.16% عن العام الذي يسبقه. كما بلغت قيمة الصادرات الإيرانية من السلع غير النفطية بالإضافة إلى المكثفات النفطية (دون النفط والغاز) في مارس/آذار 2016 حوالي 8 ملايين و183 ألف طن بنسبة نمو 37.89% مقارنة بالعام الذي يسبقه.

ووفقًا لتصريحات المدير التنفيذي للشركة الوطنية للنفط فإن صادرات إيران من المكثفات النفطية بلغت 450 ألف برميل يوميًا، حيث بلغ معدل تصديرها للدول الأجنبية من منطقة فارس الجنوبية وحدها في مارس/آذار 2016 حوالي مليون و338 ألفا و451 طنا من المكثفات النفطية بقيمة 540 مليونا و576 ألفا و843 دولارا، وهذا يعني أن الكمية المنتجة قد زادت بنسبة 57%، كما ازدادت القيمة المالية 9% عن العام الذي يسبقه.

صادرات خام الحديد والصلب

القيمة السوقية للريال الإيراني في السنوات العشر الأخيرة
القيمة السوقية للريال الإيراني في السنوات العشر الأخيرة
تسعى إيران جاهدة إلى زيادة نسبة إنتاجها وتصديرها من خام الحديد والصلب، فقد وصلت نسبة صادراتها من خام الحديد ومنتجات الصلب إلى 4 ملايين طن بنسبة نمو بلغت 34%، فقد أوضحت إحصائيات مصلحة الجمارك الإيرانية أن نسبة صادرات خام الحديد في شهر مارس/آذار 2016 بلغت مليون طن مقابل 42 مليون دولار بنسبة نمو من حيث الكمية 154.68 % والقيمة المالية 206.74 % عن العام الذي يسبقه.

ولكن على الرغم من نجاح إيران الملحوظ في تطبيق نظرية الاقتصاد المقاوم كما أسلفنا التفنيد، إلا أنها ما تزال تعاني من ارتفاع نسبة البطالة، التي بلغت وفقًا للإحصائيات الرسمية 12%، خاصة بين خريجي الجامعات والحاصلين على الماجستير والدكتوراه.

كما شهد الريال الإيراني سقوطًا مدويًا أمام الدولار الأمريكي، حيث بلغت قيمة الدولار في ديسمبر/كانون الأول الماضي 4150 ريالا إيرانيا، إلا أن الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 أسهم بشكل كبير في ارتفاع قيمة الريال الإيراني أمام الدولار مرة أخرى، لتصل قيمته في يوليو/تموز الحالي إلى 3780 ريالا مقابل الدولار.

ولكن على الرغم من الاتفاق النووي فلا تزال العديد من الشركات الدولية تعزف عن الاستثمار في إيران خوفًا من إعادة فرض عقوبات أمريكية جديدة ضدها في ظل فترة حكم ترامب، الذي هدد أكثر من مرة بضرورة إلغاء هذا الاتفاق وعزل إيران مرة أخرى عن المجتمع الدولي، لذا فإن إيران مازالت تعاني ركودا اقتصاديا وترديا في الأوضاع المعيشية، نظرًا لعدم زيادة حجم الاستثمارات،0 وبالتالي عدم حصول الشعب الإيراني على مكاسب مباشرة من مزايا هذا الاتفاق.