وقوفًا، ودون تصويت إلكتروني – عُطِّل استخدامه منذ عام، رغم الملايين التي صرفت من أجل اعتماده في الدورة البرلمانية الحالية – مرّر مجلس النواب الأسبوع الجاري قانون التأمين الصحي، وسط اعتراضات نيابية من قبل الأقلية، لم تُلقِ لها الأغلبية بالًا.

القانون الذي من المنتظر أن يطبَّق خلال 15 عامًا، مُرِّر في 37 يومًا، هي الفترة منذ قدومه من الحكومة إلى لجنة الصحة، المنوط بها مناقشته، إلى أن رفع بالجلسة العامة وأُقرّ في 18 ديسمبر/كانون الأول خلال جلستين فقط، على أن يبدأ مجلس الوزراء العمل على إخراج اللائحة التنفيذية للقانون فور نشره في الجريدة الرسمية.

عقدت لجنة الصحة اجتماعات بشكل شبه يومي بمعدل جلسة أو اثنتين يوميًا – وعقد حوار مجتمعي حوله – أسفرت عن إدخال ملاحظات طفيفة غير جوهرية، ومن أبرزها تحصيل رسوم لدعم منظومة التأمين الصحي من قبل كل الشركات والمؤسسات، وعدم اقتصارها على الطبية منها، لتكون مساهمة تكافلية، مع تخفيض رسوم الإشاعة والتحاليل من 1000 جنيه إلى 750 جنيها.


«غير القادرين» تعريف مطاطي!

رغم أن مخاض القانون بدا سهلًا، فإن نواب المعارضة يرون أنه كان ولادة متعثرة لما شَابَهُ من أزمات تتعلّق ببعض المواد، أبرزها تعريف الفئات غير القادرة، وآلية تطبيقه، والمدة الزمنية المحددة لشموله محافظات الجمهورية كلها، والمقدّرة بـ 15 عامًا، دون وضع خطة بديلة للتعامل مع 50 مليون مواطن تشملهم المظلة التأمينية الحالية.

وجاء تعريف غير القادرين في مشروع الحكومة كالتالي:

الأسر التي يتم تحديدها بمعرفة لجنة مشكّلة من وزارتي التضامن الاجتماعى والمالية والجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لوضع معايير وعناصر الاستهداف المتّبعة فى هذا الشأن، واسترشادًا بالحد الأدنى للأجور المعلن عنه بالحكومة على المستوى القومي، ومعدلات التضخم، ويتم تعديلها دوريًا على فترات لا تزيد عن ثلاثة أعوام.

أغضب هذا التعريف عددًا من النواب، إلا أنهم فشلوا في وضع تعديلات أثناء تمريره، وقال عنه النائب هيثم الحريري، عضو مجلس النواب وتكتل 25-30، لـ «إضاءات»، إن الحكومة أظهرت بهذه المادة عجزها عن تعريف «غير القادرين»، موضحًا أنه لا يمكن في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية أن يكون تعريف غير القادرين مرتبطًا بالحد الأدنى للأجور (1200 جنيه)، في ظل تعويم الجنيه ورفع الدعم عن الكهرباء والمياه والوقود والتضخم وزيادة الأسعار.

وأوضح أن تعريف غير القادرين كان لابد أن يكون طبقًا لخمسة معايير، هي: الدخل، والإنفاق الكلي، والإنفاق على الخدمات والرعاية الصحية، وخصائص الظروف السكنية للأسرة، وحيازة الأجهزة المنزلية ووسائل الانتقال والاتصالات.

ورغم تأكيد رئيس مجلس النواب علي عبد العال أن التعريف كافٍ طبقًا لمشروع قانون الحكومة، وسيتم الاسترشاد بأي معايير عالمية في هذا الصدد في اللائحة التنفيذية، ذهب الحريري إلى أن «تقديم دراسة اكتوارية [أي دراسة تخمين المخاطر المحتملة ماليا من نظام تأميني جديد – إض] لهذا القانون كان أمرًا لا بد منه، إلا أن سرعة إصداره عرقلت قيام لجنة الصحة بهذه الدراسة».

وأشار إلى أن الحكومة تتحدث عن أنها ستتحمل 5% من الحد الأدنى للأجور عن غير القادرين، مقارنة بالنسبة التي يدفعها العامل بـ 1% من الأجر الشامل، وقال: «هل يجوز أن نقارن بين الأجر الشامل والحد الأدنى للأجر الذي أقرّ في 2010؟ وهل في ظل الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية سيكون تعريف غير القادرين مرتبطًا بالحد الأدنى للأجور 1200 جنيه؟».

النائب علاء عابد، رئيس لجنة حقوق الإنسان، قال لـ «إضاءات» تعقيبًا على المادة ذاتها: «إن هذا التعريف مطاطي وكان لا بد من أن يأخذ وقتًا لدراسته لوضع تعريف شامل ومحدد، غير خاضع لأي تفسير مطاطي قد يضر بأحد المواطنين غير القادرين».

في المقابل، خرج وزير المالية عمرو الجارجي بجلسة إقرار القانون ليتحدث ممسكًا أوراقًا بيده قائلًا:

وأضاف: «قدمنا الملخص، فطلبوا منا الدراسة، ثم قالوا إنها تعجيزية».


قيمة الاشتراك في النظام الجديد

وفيما يخص جداول الاشتراكات، حدّد مشروع قانون التأمين الصحي الاجتماعي الشامل اشتراكات العاملين المؤمّن عليهم الخاضعين لقانون التأمين الصحي رقم 79 لسنة 1975، بنسبة 1% من أجر الاشتراك، و3% عن الزوجة غير العاملة أو التي ليس لها دخل ثابت ، و1% عن كل مُعالٍ أو ابن.

ويكون الاشتراك 5% من الأجر وفقًا للإقرار الضريبي أو الحد الأقصى للأجر التأميني (أيهما أكبر)، وذلك بالنسبة للمؤمّن عليهم ومن في حكم الخاضعين لقانون التأمين الاجتماعي رقم 108 لسنة 1976 وأعضاء المهن الحرة (من غير الخاضعين للقانونيْن السابقين)، والمصريين العاملين بالخارج.

وينص مشروع القانون على أن يكون الاشتراك 5% من الأجر التأميني فقط، وبحيث لا يزيد مجموع ما يسدده الفرد عن كل الأسرة عن 7%، وتتحمل الخزانة العامة فرق التكلفة، وذلك فيما يتعلق بالعمالة الخاضعة لقانون نظام التأمين الاجتماعي الشامل رقم 112 لسنة 1980.

وفيما يتعلق بالأرامل والمستحقين للمعاشات، يكون الاشتراك 2% من قيمة المعاش الشهري، و2% كذلك من قيمة المعاش الشهري فيما يتعلق بأصحاب المعاشات، و3% عن الزوجة غير العاملة أو التي ليس لها دخل ثابت، و1% عن كل مُعالٍ أو ابن.

ونص مشروع القانون على تحصيل اشتراك بنسبة 4% (3% تأمين مرض + 1% إصابات عمل) نظير خدمات تأمين المرض والعلاج وإصابات العمل من إجمالي أجر الاشتراك للعاملين المؤمن عليهم وفقًا لأحكام القانون رقم 79 لسنة 1975، وبحد أدنى 50 جنيهًا شهريًا.


أزمة الرسوم

فيما يتعلق برسوم ومساهمات المؤمن عليهم، نص مشروع القانون على أن تكون قيمة المساهمة بشأن الخدمة الطبية الخاصة بالزيارة المنزلية مائة جنيه، وأن تكون 10 في المائة بحد أقصى ألف جنيه وترتفع النسبة إلى 15 في المائة في السنة العاشرة من تطبيق القانون فيما يخص الدواء (فيما عدا الأمراض المزمنة والأورام).

ونصّ مشروع القانون على أن تكون قيمة المساهمات 10% من إجمالي القيمة بحد أقصى 750 جنيهًا للحالة فيما يخص الأشعّات وكل أنواع التصوير الطبي (غير المرتبطة بالأمراض المزمنة والأورام). وفيما يتعلق بالتحاليل الطبية والمعملية (غير المرتبطة بالأمراض المزمنة والأورام)، حدّد مشروع القانون قيمة المساهمة بـ 10% من إجمالي القيمة بحد أقصى 750 جينها للحالة.

ونص مشروع القانون على أن تكون قيمة المساهمة 5% بحد أقصى 300 جنيه للمرة الواحدة فيما يتعلق بالأقسام الداخلية (فيما عدا الأمراض المزمنة والأورام). كما نص مشروع القانون على أن تتحمل الخزانة العامة للدولة عن كل فرد من غير القادرين نسبة 5% من الحد الأدنى للأجور المعلن عنه بالحكومة على المستوى القومي.

ويعتبر بعض المتابعين أن تلك الرسوم مرتفعة مما قد يؤدي إلى حرمان بعض المستحقين للخدمة الطبية من الحصول على الخدمة بسبب عجزهم عن تحملها، خاصة مع غياب النص على إلزام المؤسسات الصحية بتقديم الخدمة للمشتركين.


انتقادات تحملها نقابة الأطباء.. والبرلمان لا يبالي

نقابة الأطباء قدّمت بدورها انتقادات للقانون، ولاسيما بعد تجاهل البرلمان لمجمل الملاحظات الجوهرية التي تقدّمت بها، حيث تعددت وجهات النظر بخصوص ملكية المستشفيات، خاصة التحذير من شراء عدد من الشركات متعددة الجنسية لمستشفيات خاصة بشكل كبير، وفي حال سيطرتها على المنظومة الصحية، سيشكل ذلك خطرًا كبيرًا.

كذلك فإن الملاحظة ذاتها التي أبداها نواب المعارضة تأخذها نقابة الأطباء على القانون، وهي المبلغ المحدد كاشتراك للمواطن، وأنها اشتراكات أكثر من المدفوعة حاليًا، حيث يُطلب من المواطن أن يدفع مصاريف تصل إلى 10% على رسوم التحاليل والأدوية عند حاجته للخدمة الطبية، على الرغم من دفعه اشتراكًا شهريا من دخله لصالح التأمين الصحي.

كذلك فإن فئة الأطباء معرّضة طبقّا للقانون لعقوبات تصل إلى حد السجن، حال كتابة دواء خارج عن المعايير الموضوعة لذلك.


التأمين الصحي.. إنجاز للسيسي من أجل دورة رئاسية جديدة

إن الدراسة الاكتوارية التى أجرتها الحكومة بشأن قانون التأمين الصحى الشامل تمّت بجهد وعمل شاقٍ طوال 15 شهرًا للوصول إلى أفضل السيناريوهات الخاصة بمصادر التمويل وصلت إلى 31 سيناريو.

الإسراع في إصدار قانون ملغّم بمواد ما زالت محل خلاف من قبل الأقلية النيابية، وكذلك بعض أعضاء الأغلبية، جاء بهدف تقديم نظام التأمين الصحي الجديد إعلاميًا كإنجاز لصالح الرئيس عبد الفتاح السيسي في دورته الرئاسية الأولى، ولدعمه لدورة رئاسية مقبلة، حيث إن إجراءت الانتخابات من المنتظر أن يتم في فبراير/شباط المقبل، بحسب مصدر نيابي بـ «دعم مصر» تحدث لـ «إضاءات».

من جانبه قال النائب أيمن أبو العلا، وكيل لجنة الشئون الصحية بمجلس النواب، أن البرلمان سيمارس دوره الرقابي في مراحل تنفيذ قانون التأمين الصحي الشامل، ومتابعة إنشاء الهيئات التي نصّ عليها القانون، ومتابعة تطبيق القانون بالمحافظات وتجهيزات المستشفيات.

أبو العلا، أحد المؤيدين، عدّد إيجابيات القانون بقوله إن أي مواطن يحصل على «كارت أمان صحي» من حقه التوجه لأي مستشفى حاصل على الجودة للعلاج فيه، على أن تكون التغطية شاملة الأسرة وليس الفرد كما في النظام الحالي، وإتاحة ودعم حرية المؤمّن عليه في الاختيار بين أي من مقدمي الخدمة الصحية سواء في القطاع الحكومي أو غير الحكومي المدرَجين، وأصاف أن القانون هدية للشعب المصري.