أبلغت إسرائيل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، بأنها تريد دفع قوات حزب الله بعمق ستة أميال (حوالي 10 كيلومترات) عن الحدود الجنوبية للبنان كجزء من اتفاق دبلوماسي لإنهاء التوترات على هذه الجبهة، ويقول الأمريكيون، إن من أهم أولوياتهم عدم دخول لبنان في الحرب الحالية.

وقال رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بالكنيست الإسرائيلي، يولي إدلشتاين، إن تل أبيب عازمة على إنهاء وجود حزب الله على الحدود، قائلاً: «هذا هدف نحاول تحقيقه في هذه المرحلة عبر القنوات الدبلوماسية»، مشيرًا إلى أن الخيار البديل حرب تحول لبنان إلى «أنقاض».

مفاوضات سرية

ذكر مسئول لبناني كبير مقرب من حزب الله لوكالة «رويترز» أن مسؤولين أمريكيين وفرنسيين زاروا بيروت وأجروا محادثات سرية لبحث ترتيبات لتحجيم وجود حزب الله على الحدود، واعتبر المسئول أن الأفكار المطروحة «غير واقعية».

وردًا على هذه المطالبات، قال النائب عن حزب الله، حسن فضل الله٬ «هي طروحات غير موجودة على جدول أعمال المقاومة، ولا على جدول أعمال البلد، ولم يتحدث بها أحد معنا، وغير مستعدين لمجرد الاستماع إليها أو لإعطاء وقت للانشغال بها».

وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا في مؤتمر صحفي في بيروت، يوم الإثنين 18 ديسمبر، إن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بشأن لبنان يحتاج إلى تنفيذ من الجانبين.

وقال مسؤولون فرنسيون، إن باريس تريد الاستماع لكلا الطرفين والضغط من أجل تطبيق القرار بشكل كامل.

ونص القرار المذكور على منع وجود أي فصائل مسلحة جنوب نهر الليطاني، وأن يتولى الجيش اللبناني مسؤولية الأمن في المنطقة الممتدة من النهر إلى خط الحدود.

واتخذ مجلس الأمن الدولي هذا القرار بالإجماع في 11 أغسطس/آب 2006، وبعد موافقة الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية وحزب الله على القرار بدأ سريان وقف إطلاق النار منذ 14 أغسطس/آب، وانتشر الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل الأممية في منطقة الجنوب.

لكن لم يتم تنفيذ بنود هذا القرار قط، وكان من المفترض أن ينسحب حزب الله إلى شمال نهر الليطاني، لكنه بدلاً من ذلك طور ترسانة عسكرية، بمساعدة إيران، تقدر بأكثر من 100 ألف صاروخ، تستطيع اختراق دفاعات القبة الحديدية الإسرائيلية، ورصدت ذلك اليونيفيل لكنها لم تفعل شيئًا حياله، ويُعتقد في إسرائيل أن لدى الحزب إمكانية استغلال منشآت الجيش في هذه المنطقة.

أزمة الجنوب

يجري التعامل مع «الخطّ الأرزق» الذي يبلغ طوله 120كم وكأنه خطّ الحدود بين لبنان والأراضي المحتلّة، رغم أن لبنان لا يعترف به لرسم حدوده، بل هو خط فاصل رسمته الأمم المتحدة للتحقق من انسحاب إسرائيل من لبنان عام 2000.

ويتطابق معظم الخط الأزرق مع الحدود باستثناء بعض المناطق يطالب بها لبنان أبرزها مزارع شبعا التي تصل مساحتها نحو 250كم مربعاً.

ولا تزال الحدود بين لبنان وإسرائيل غير مرسمة؛ لكن في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، صادق لبنان رسمياً على اتفاق ترسيم الحدود البحرية، واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها، يائير لابيد، أن ذلك يمثل اعترافًا بدولة الاحتلال، على عكس لبنان الذي رفض ذلك تمامًا، ولم يعتبر المعاهدة اتفاقًا ثنائيًا كي لا يعطي شرعية للاحتلال، ووقع المعاهدة دون أن يحوي أي مستند توقيعات مشتركة للطرفين بل تولى الوسيط الأمريكي الأمر.

وانتُقد الاتفاق بوصفه يعطي لتل أبيب حق الانفراد بحقل غاز كاريش البحري ويمنحها سلطة وقف تنقيب لبنان في حقل قانا، بينما اعتبره حزب الله مكسبًا وطنيًا تم بفضل سلاح المقاومة.

وفي نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، من بيروت أن الوقت حان لترسيم الحدود البرية أيضًا، واعتبر حزب الله أن هذه المسألة من «مسئولية الدولة اللبنانية»، أي أنه أعطى ضوءًا أخضر للحكومة لتمضي في الأمر.

واليوم يقترح المبعوث الأمريكي، عاموس هوكشتاين، صفقة تعمل بموجبها إسرائيل ولبنان على حل الخلافات الحدودية بغرض إنهاء مبرر سلاح حزب الله الذي يكتسب شرعية في الداخل انطلاقًا من تعريف نفسه كقوة مقاومة، لكن الحكومة اللبنانية حكومة تصريف أعمال ليست في وضع يسمح لها بالتوصل إلى اتفاقات، ناهيك عن تنفيذها، وهناك فراغ رئاسي، والبلد يعاني من أزمة مالية منهكة، ويملك حزب الله نفوذًا كبيرًا على الحكومة.

حدود ملتهبة

تشهد الحدود مواجهات يومية منخفضة الحدة بين حزب الله وإسرائيل لكنها تقتصر على المنطقة الجغرافية القريبة من الخط الفاصل من الجانبين، ويستعمل الطرفان طائرات مُسيرة وأسلحة ثقيلة وصواريخ، وتستخدم تل أبيب الطائرات الحربية وأسلحة محرمة دوليا كالفوسفور الأبيض.

وتم تسجيل مقتل أكثر من 136 شخصًا بينهم نحو 100 من حزب الله، و11 قتيلًا على الأقل من الجانب الإسرائيلي، بحسب فرانس برس.

ومُني لبنان بخسائر فادحة اقتصاديًا واجتماعيًا وإنسانيًا؛ فقد تعرضت أكثر من 90 قرية للضربات الإسرائيلية مما تسبب في وقوع إصابات كثيرة ونزوح أكثر من 64 ألف شخص، وحرق 47 ألف شجرة زيتون، وقتل نحو 200 ألف طائر و700 رأس ماشية.

وعلى الجانب الآخر من الحدود تم إجلاء عشرات الآلاف من سكان المستوطنات، يقدر عددهم بـ80 ألفًا، إلى جانب الركود الاقتصادي العميق، وتم إيواء المستوطنين في فنادق ومنازل خاصة، وأسهم ذلك في تشجيع ظاهرة الهجرة العكسية؛ أي هجرة اليهود إلى خارج الأراضي المحتلة مما شكل ضغطًا كبيرًا على حكومة الاحتلال.

وقدم بيني جانتس، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق الذي يشارك حاليًا في حكومة الحرب، وعدًا للنازحين بحل أزمتهم قائلًا: «إذا لم يقم العالم بإبعاد حزب الله عن الحدود، فإن إسرائيل ستفعل ذلك»، وحذر وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف جالانت، الأحد، حزب الله من أنه إن رفع التصعيد درجة واحدة سيكون الرد بخمسة أضعاف، قائلًا: «لن نسمح بإجلاء سكان الشمال أيضًا».

وقال وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، على منصة إكس: «إذا لم يتم إزالة هذا التهديد دبلوماسيًا لن نتردد في القيام بعمل عسكري»، مشيرًا إلى أنه بحث مع وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، سبل منع الحرب من خلال إبعاد حزب الله عن الحدود وفقًا للقرار 1701.

وقال مسؤولون إسرائيليون، إن جالانت ورئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أبلغا وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، الإثنين، إن تل أبيب لا يمكنها قبول نزوح عشرات الآلاف من الإسرائيليين لعدة أشهر بسبب الوضع الأمني على الحدود، فرد عليهم بأن بلاده ستدفع للتوصل لحل سلمي، وطلب منهم منح الوقت والمساحة للدبلوماسية وعدم مفاقمة التوتر، فوافقا لكنهما طلبا رؤية تقدم في الأسابيع القليلة المقبلة.

بينما أكد الجنرال أرولدو لازارو ساينز، قائد قوة اليونيفيل، أن قواته تسعى إلى الحفاظ على الوضع القائم، والوساطة بين الطرفين لتجنب وقوع أخطاء يمكن أن تتسبب في التصعيد.

ويبلغ عدد قوات اليونيفيل نحو 10 آلاف جنديّ، مهمتها مراقبة وقف إطلاق النار بين الجانبين، كما ينتشر الجيش اللبناني وينسق مع هذه القوات في الجنوب، دون أن يكون لأي من هاتين الجهتين دور في المواجهات.

ويُعتقد أن الهجمات الإسرائيلية على الجيش اللبناني أدت إلى إصابة ثمانية على الأقل ووفاة شخص واحد منذ بدء المواجهات الحالية في 8 أكتوبر/تشرين الأول، لكن متحدثًا باسم الجيش الإسرائيلي أعلن أن أي ضرر يلحق بالمدنيين أو الجيش اللبناني «غير مقصود».

وأعلن متحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض أن الولايات المتحدة فخورة بشراكتها مع الجيش اللبناني، وهو مؤسسة أساسية، ليس فقط لاستقرار وأمن لبنان، بل للمنطقة بأكملها.

وذكرت تقارير إعلامية أن واشنطن وبخت الكيان الصهيوني بسبب شن أكثر من 30 هجومًا على الجيش اللبناني وسط مخاوف من اتساع نطاق الصراع، لأن الولايات المتحدة تعتقد أن هناك حاجة للجيش اللبناني ليكون جزءًا من أي حل دبلوماسي نهائي بين إسرائيل ولبنان لتهدئة العنف الحالي، فعلى الرغم من أنه لا يُنظر إليه على أنه ثقل موازن لقوة حزب الله، إلا أنه بديل محايد سيكون لاعبًا مهمًا في أي تسوية مقبلة.