الإرهاصات الأولى لهجوم الربيع الأوكراني قد بدأت، فالكل ينتظر الهجوم الأوكراني الحاسم في الربيع، تقول أوكرانيا، إن الهجوم سوف يساعدها في قلب المعركة لصالحها، كانت التساؤلات قد أثيرت حول حدوث هذا الهجوم من عدمه، خصوصًا بعد التسريبات التي خرجت من الكونجرس الأمريكي.  

تحدثت التسريبات عن أن سلاح الجو الأوكراني يواجه نفادًا في الصواريخ، لكن أوكرانيا أرادت أن تثبت للجميع أنها ماضية في خطتها من دون تردد، وصرّح المسؤولون الأوكرانيون بأن تأثير التسريبات لن يعدو الأثر النفسي فحسب، أما الخطط العسكرية فمستمرة.

ومنذ أيام نجحت قوات أوكرانية في إنشاء مواقع لها على الجانب الشرقي من نهر دنيبرو، تلك المواقع تُعتبر موطئ قدم من قرب بلدة أوليشكي، وبجانب هذا الوجود العسكري تستمر خطوط الإمداد المستقرة في تزويد الجنود بالعتاد والغذاء، هذا الموقع تحديدًا إذا مددنا الخط على استقامته سوف يشير إلى أن القوات الأوكرانية تفكر في اختراق الممر البري بين روسيا وشبه جزيرة القرم، وأنهم سيعبرون النهر إلى جنوب البلاد.

كما خرج وزير الدفاع الأوكراني، أولكسي ريزنيكوف، في الجمعة 28 أبريل/ نيسان الجاري ليؤكد أن بلاده قد أنهت تحضيراتها لهجوم الربيع، وأكد أن قواته مستعدة وجاهزة، لكن ما يعيق الهجوم الكامل حتى هذه اللحظة هو الصيف، فكل ما ينتظره الأوكرانيون هو تحسن الطقس، مشيرًا إلى أن أوكرانيا قد تلقت عديدًا من الأسلحة الغربية الحديثة، كما جرى تدريب الجنود الأوكرانيين على أسلحة متقدمة.

هذا الهجوم تراهن عليه أوكرانيا ليغيّر ديناميكات الحرب الدائرة منذ أكثر من 14 شهرًا، إرهاصات الهجوم المحتمل بدأت بضربات صاروخية أوكرانية مركزة. الضربات أودت بحياة 7 أفراد، وجرحت 10، من دونيتسك، المدينة الرئيسية التي تسيطر عليها روسيا.

نقل المعركة لأراضي روسيا

لكن هذا التحرش الأوكراني أثار غضب الروس، لهذا ردت روسيا بهجوم صاروخي شديد القوة لم تشهده أوكرانيا منذ شهرين، الصواريخ الروسية تعمدت إصابة مبانٍ سكنية، وعللت الأمر بأن تلك المباني هى نقاط انتشار مؤقتة لوحدات الاحتياط التابعة للقوات الأوكرانية، روسيا ردّت على الهجوم الأوكراني بقذائف تو-95 الاستراتيجية المنتشرة في بحر قزوين، وكانت قد استخدمت تلك القذائف سابقًا في استهداف محطات الطاقة الأوكرانية في فصل الشتاء.

وصرّحت روسيا بأنها استخدمت أسلحة شديدة الدقة لتحقيق هذه الهجمات، وأن نتيجة المعركة جاءت مرضية لها حيث أصابت كافة الأهداف المخطط لها.

الهجوم المرتقب سيكون مضادًا للروس على جبهات عديدة، تشارك فيه 12 كتيبة قتالية أوكرانية، كل كتيبة مكونة من 4 آلاف جندي، 9 من هذه الكتائب تخضع بشكل مباشر لتدريب الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن الولايات المتحدة هي من تمدها بالسلاح والعتاد مباشرة، أي إنها كتائب أمريكية التسليح والعقيدة، لكن تتشكل من حاملين للجنسية الأوكرانية فقط.

ستبدأ العملية من جنوب البلاد، على طول ساحل أوكرانيا مع بحر آزوف، بالقرب من شبه جزيرة القرم، وعلى الرغم من أن تلك المعلومات لم تعلنها أوكرانيا رسميًا، فإن التسريبات والتصريحات المتناثرة للقادة الأوكرانيين والغربيين تٌعطي هذا الانطباع عن تجميعهم معًا، لأنه بات من المؤكد أن حملة الربيع الأوكرانية سوف تشمل شبه جزيرة القرم أيضًا، وهي المنطقة التي استولت عليها روسيا في الأعوام السابقة، كما أصدرت القوات الأوكرانية تحذيرًا بتاريخ 29 أبريل/ نيسان الجاري لسكان شبه جزيرة القرم من الاقتراب بأي شكل من المنشآت العسكرية الروسية في الجزيرة.

 ومن شأن تلك الخطوة أن تنقل المعركة للبيت الروسي بدلًا من تركزها على الأراضي الأوكرانية، كما أن ذلك سيوجه ضربة دعائية شديدة السوء للرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

الفشل هو الاحتمال الأكبر

لكن على الرغم من التفاؤل بحملة الربيع فإن مكاسب كييف من تلك الحرب غير مضمونة، لأن ساحة المعركة بالكامل مغطاة بالألغام التي زرعها الروس، وأي تقدم أوكراني يعتمد على ما إذا كانت الدولة قادرة على نشر معدات إزالة الألغام أمامها أم لا، كما أن القتال العنيف في باخموت قد استنزف العديد من الذخيرة الأوكرانية، التي كانت مستنزفة بالفعل.

المعضلة أن حملة الربيع لاقت زخمًا دعائيًا في أوروبا، ويعوّل العديدون على أنها قد تكون خطوة في سبيل إنهاء الحرب، لكن حال فشلها في تحقيق أهدافها، فإن المخاوف تتزايد من أن يضغط الجمهور الغربي على قادات بلاده من أجل إيقاف الدعم المفتوح المُقدم لأوكرانيا، لهذا تصبح أوكرانيا معرضة للدخول في مفاوضات لن تكون في صالحها لإنهاء الأزمة، لأن الدعم الغربي لأوكرانيا أنهك ترسانات الدول من الأسلحة، ومن الرصيد السياسي لقادة كل الدول الغربية. وبات من الصعب مواكبة نزيف المعدات الذي يحدث في أوكرانيا.

لهذا يُصرح السفير الأمريكي السابق لدى موسكو، ألكسندر فيريشيو، بأن الجميع يمتلك الأمل والتفاؤل المفرطَين على حد تعبيره، بخصوص هذا الهجوم، لأنه سيحدد مقدار النفوذ الذي يمكن أن تحصل عليه أوكرانيا عبر الدعم الغربي، فلو نجحت يمكن للدعم أن يتجدد بنفس الزخم الماضي، لكن إذا فشلت فسوف تضطر إلى ما تكرهه، هو التفاوض.

الأوكرانيون أنفسهم أسهموا في هذه الآمال المرتفعة، حيث قالوا إن الهجوم من شأنه أن يخترق دفاعات الجيش الروسي، ويُحدث انهيارًا شاملًا في الجيش الروسي، بينما يقف الأمريكيون موقف المحايد من هذا الهجوم، وفي الحالات القليلة التي تخرج فيها الإدارة الأمريكية عن صمتها، نجد التصريحات تتفق في توقعها أن الهجوم من غير المحتمل أن يؤدي في تحول كبير للزخم لصالح أوكرانيا.

ويميل الواقع إلى التأكيد على النظرة الأمريكية، ولترجيح كفة الجمود في أرض المعركة، وزادت تلك الاحتمالية بعد استنزاف العديد من الوحدات ذات الخبرة في قتال باخموت، لكن يأمل ويتمنى الرأي العام الغربي، والعسكريون الأمريكيون، أن يفاجئهم الأوكرانيون بما لا يتوقعونه، خصوصًا أنهم يتسلحون الآن بالدبابات الأوروبية، وناقلات جنود أمريكية، والجنود درّبهم الناتو والولايات المتحدة.

المفاوضات المُرة تنتظر

يمكن أن يحدث هجوم الربيع أثرًا ما في سير المعركة، لكنه بالتأكيد ليس الأثر الذي يتحدث عنه الأوكرانيون، فالقادة الأوكرانيون يتحدثون عما يشبه تأثير السحر في الحرب، وأن الهجوم بمثابة عصا سحرية ستقلب كافة الموازين لصالح أوكرانيا، وتؤدي لانهيار الجيش الروسي كأحجار الدومينو.

يمكن تفهّم هذه المبالغات في سياق حشد الروح المعنوية، وهو السياق نفسه الذي يشرح لنا، ويبرر، لماذا تخلت أوكرانيا عن السرية المعتادة من جيوش العالم في التخطيط لتحركاتها، فهجوم الربيع جرى الحديث عنه علانية أكثر من مرة، وكل تفاصيله المذكورة هي تفاصيل حقيقية ليست من باب التضليل الإعلامي ولا لإرباك الروس، لكن كل هذا يُفهم في سياق حشد الروح المعنوية، كذلك يمكن أن يكون من باب الضغط على الغرب للحصول على مزيد من الأسلحة.

أفضل فرصة لأوكرانيا لتحصل على نتائج جيدة في هجوم الربيع هو الاعتماد على استخبارات الناتو والأمريكية، فمع تحديد دقيق لنقاط الضعف الروسية، يمكن للأوكرانيين استغلالها في ضربات مباشرة وسريعة، وتحت غطاء من دبابات ليوبارد ومركبات برادلي المدرعة.

على الرغم من رغبة الغرب في أن تنتصر أوكرانيا في ذلك الهجوم، فإن الترسانة الغربية بأكملها باتت غير قادرة على تلبية مطالب زيلنسكي المُلحة من الأسلحة، خصوصًا أن روسيا قد كثّفت وجود المسيّرات والمدفعية في ساحة المعركة، لاستهداف القوات الأوكرانية بشكل أكثر فعالية، كما بدأت روسيا في استخدام القنابل الانزلاقية، قنابل تستخدم الجاذبية وأجهزة تحديد المواقع والليزر للوصول لأهدافها بأقل قدر ممكن من الضجيج، تلك القنابل أردات منها روسيا إرسال رسالة مفادها أنها لا تزال تملك القدرة على نشر أسلحة أحدث في ساحة المعركة، ما يعني أن الوقت والمماطلة ليست في صالح أوكرانيا.  

وأنه حتى إذا خاضت أوكرانيا هجومها المرتقب، وفشلت في جعله علامة بارزة في الحرب المستمرة منذ 14 شهرًا، فإن الحلفاء والداعمين لأوكرانيا قد يرون أن الوقت قد حان لوقف القتال وبدء عملية صعبة من التفاوض تكون فيها أوكرانيا هي الجهة التي تتنازل، بينما روسيا هي التي تحصد ما تريد.