محتوى مترجم
المصدر
Gulf News
التاريخ
2017/01/02
الكاتب
سامي مبيض
في وداعه، لا يسعنا إلا أن نقول إنه كان رجلاً قويًا وحازمًا وثابتًا، مثله مثل قلعة حلب التي أحبها بشدة.

كانت تلك كلمات الشاعرة والصحفية الفلسطينية «ريموندا الطويل» التي وصفت بها المطران «هيلاريون كابوتشي»، والذي توفي أمس، الأحد 1 يناير/كانون الثاني 2017، عن عمر ناهز 94 عامًا.

يحفل سجل كابوتشي بالتضحيات لدعم النضال والمقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن قيامه بلعب أدوار رئيسية في حل عدد من الأزمات الدبلوماسية.

«شهيد القدس»، هكذا كانت كلمات تعازي الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى كابوتشي، كما وصفه «جريجوريوس الثالث لحام» بطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك بـ «بطل القضية الفلسطينية».

وقد أفرد موقع Gulf News تقريرًا مُطولاً يستعرض فيه أبرز محطات حياة الأب كابوتشي.

فقد وُلد في مدينة حلب السورية عام 1922 إبان حكم الاحتلال الفرنسي، وتولى منصب الكاهن الكاثوليكي للرهبانية الباسيلية الحلبية في صيف عام 1947، وبعدها بـ 9 أعوام أصبح رئيسًا للأساقفة، وفي عام 1965 أصبح وكيل البطريرك في القدس.

بدا دعم كابوتشي للقضية الفلسطينية واضحًا خلال ستينيات القرن الماضي، إذ قام بكتابة وإلقاء محاضرات وتقديم العظات عن تحقيق العدالة للفلسطينيين وعما تمارسه إسرائيل من وحشية وانتهاكات لحقوق الإنسان.

وعندما قامت الثورة الفلسطينية عام 1965، سارع كابوتشي للوقوف في موقع المدافع وأصبح صديقًا للرئيس الراحل ياسر عرفات وهي الصداقة التي استمرت مدى الحياة.

تذكر السيدة سهى عرفات قرينة أبو عمار عن الأب كابوتشي:

الصليب كان سلاحه، فلم يحمل طيلة حياته أي سلاح … كان رجلاً عظيمًا عاش من أجل قناعاته على الرغم من الضغوط النفسية والجسدية الكبيرة التي تعرض لها على يد الإسرائيليين.

وفي 8 أغسطس/آب عام 1974 ألقت الشرطة الإسرائيلية القبض على كابوتشي لتهريبه أسلحه إلى الضفة الغربية، إذ عثرت السلطات بحوزته على قنابل يدوية وبنادق ومتفجرات كان يخطط لتسليمها إلى منظمة التحرير الفلسطينية.

بعد ذلك، حوكِم كابوتشي في القدس وحضر المحاكمة محامون دوليون للدفاع عنه، وتم تثبيت مكبرات الصوت واصطف الآلاف لمعرفة الرجل الذي أصبح أيقونة المقاومة لهم.

وتمت إدانة كابوتشي باستغلال منصبه الكهنوتي والدبلوماسي لدعم «الإرهاب» وحُكِم عليه بالسجن 12 عامًا في سجن الرملة.

وردًا على سجن كابوتشي، قامت جماعات فلسطينية مختلفة بشن سلسلة من الهجمات ضد إسرائيل كان أولها في قرية «كفار يوفال» وقاموا بأخذ رهائن في يونيو/حزيران عام 1975، ورفضوا إطلاق سراحهم حتى يتم إطلاق سراح كابوتشي.

لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين رفض الرضوخ لتلك المطالبات، لتأتي هجمات أخرى كان أبرزها في 27 يونيو/حزيران 1976، عندما اختطفت قوات تابعة للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين طائرة فرنسية متجهة إلى باريس من تل أبيب على متنها 248 راكبًا.

وتم اصطحاب الطائرة إلى مدينة عنتيبي الأوغندية القريبة من العاصمة كامبالا، ورحب بهم الرئيس الأوغندي عيدي أمين، وطالب بإطلاق سراح الفلسطينيين القابعين في السجون الإسرائيلية ومن بينهم كابوتشي، ولكن أُحبِطت تلك العملية بعملية مضادة نفذتها القوات الإسرائيلية.

تقول ريموندا الطويل، التي كانت شاهدة على محاكمة كابوتشي، إنه تعرض للتعذيب الشديد فضلاً عن تشويه صورته في الصحافة الإسرائيلية. واستطردت قائلة:

إنه يذكرني بفارس الخوري السياسي والمفكر السوري الذي حارب العثمانيين والفرنسيين، وأصبح رئيسًا للوزراء والبرلمان في أربعينيات القرن الماضي.

في 7 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1977 قالت صحيفة واشنطن بوست إن المطالبات بإطلاق سراح كابوتشي ظهرت بشكل منتظم في القوائم التي قدمها مختطفو طائرة عنتيبي. وأضافت الصحيفة: «في الوقت الذي فشلت تلك التهديدات، كان لوقع الخطاب الشخصي لبابا الفاتيكان يوحنا بولس أثر فعال إذ طلب الإفراج عنه لأسباب إنسانية».

تم إطلاق سراح كابوتشي بعد قضائه عامين في السجن، لكن الإسرائيليين اشترطوا مقابل ذلك نفيه من فلسطين ووقفه لأنشطته السياسية.

لم ينتهِ نضال كابوتشي عند ذلك، فبعد نفيه إلى روما أصبح أكثر نشاطًا وشهرةً عما كان من قبل، وفي يناير/كانون الثاني عام 1979 حضر اجتماعات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية في دمشق.

وواصل كابوتشي دعمه لفلسطين عن طريق عمله كحلقة الوصل بين الفاتيكان ووزير خارجية منظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي.

وقوبِل بحفاوة كبيرة في كل من بغداد ودمشق، وأصبح صديقًا مقربًا من الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وتلقى تكريمًا من حكومات العراق وليبيا ومصر والسودان.

على صعيد الأزمات الدبلوماسية الأخرى، لعب كابوتشي أدوارًا رئيسية وبارزة كدوره في أزمة رهائن السفارة الأمريكية بطهران في أعقاب قيام ثورة 1979.

وفي أوائل الألفية الجديد، ظهر كابوتشي مجددًا لينتقد علانية الحرب على العراق، وليؤيد بشدة الانتفاضة الفلسطينية الثانية. وفي عام 2009، كان كابوتشي على متن السفينة اللبنانية المتجهة إلى غزة والتي استولت عليها القوات الإسرائيلية بعد محاولتها انتهاك الحظر البحري الإسرائيلي.

بعد عام، عاد كابوتشي مجددًا ليشارك في أسطول الحرية الذي كان متجهًا إلى غزة، إذ كان على متن السفينة التركية «إم في ما في مرمرة» والتي استولت عليها إسرائيل وقُتِل خلال العملية 9 أشخاص. وألقي القبض على كابوتشي للمرة الثانية واحتجز في سجن بئر سبع وتم ترحيله لاحقًا وسط استنكار دولي.

المطران كابوتشي
المطران كابوتشي
المطران كابوتشي
المطران كابوتشي
المطران كابوتشي
المطران كابوتشي
المطران كابوتشي
المطران كابوتشي