في 14 يوليو/تموز الماضي، أعلن اتحاد ممثلي الشاشة وفنانو الإذاعة والتلفزيون الأمريكي الذي يضم الممثلين والمجاميع السينمائية وممثلي الأداء ومقدمي البرامج التلفزيونية وألعاب الفيديو والعاملين بالإذاعة والانفلونسرز بدء إضراب كلي عن العمل على خلفية تعثر المفاوضات مع تحالف منتجي التلفزيون والصور المتحركة الذي يمثل ملاك الاستوديوهات حول اتفاق جديد ينظم العلاقة بين الطرفين عقب انحسار وباء كورونا.

يتزامن هذا الإضراب مع إضراب كتاب السيناريو الذي أطلقته نقابة الكتاب الأمريكيين في 2 مايو/آيار الماضي لتواجه هوليوود خطر الشلل الكلي لأول مرة منذ عام 1960 حين أضرب الممثلون والكتاب لمدة 21 أسبوعًا، حينها كان الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان يترأس نقابة الممثلين الأمريكيين (SAG).

تكون اتحاد ممثلي الشاشة وفناني الإذاعة والتلفزيون الأمريكي (SAG-AFTRA) نتيجة الدمج الذي حدث في 30 مارس/آذار 2012 بين نقابة الممثلين الأمريكيين (SAG) والفيدرالية الأمريكية لفناني الإذاعة والتلفزيون (AFTRA) لتضم المنظمة الجديدة 160 ألف عضو موزعين على غالبية فروع النشاط الفني المرئي.

الإضراب لماذا؟

نشب الخلاف بين الاتحاد وملاك الاستوديوهات على خلفية الفشل في الوصول لاتفاق حول توزيع الأرباح الناتجة عن بيع الأفلام والعروض وعوائد البث والإعادة على منصات البث المباشر مثل «نتفليكس» في الوقت الذي ترفض فيه الأخيرة الإفصاح عن نسب المشاهدات على العروض المختلفة.

كان آخر اتفاق بين الطرفين قد تم إبرامه في 22 يوليو/تموز عام 2020 قد انتهى أمده في 30 يونيو/حزيران الماضي. وقد غيرت منصات البث قواعد اللعبة وخنقت فرص المنافسة أمام الأفلام متوسطة الميزانية كما غيرت الطريقة التي صار يتم بها تقديم الأعمال للجمهور. تحقق تلك المنصات أرباحها عن طريق الاشتراكات، بينما تعمل الأفلام والعروض كترويج لتلك الاشتراكات.

وإذا كان الخلاف حول توزيع الأرباح مشكلة قديمة قدم الرأسمالية، فقد مثَّل استحداث الذكاء الاصطناعي نقطة خلاف جديدة بين الطرفين المتصارعين، وبينما لم يمثل الذكاء الاصطناعي أي تهديد يذكر منذ ستة شهور مضت، فإن التحسينات المستمرة التي يتم إدخالها على العقل الاصطناعي وما تعنيه من إتقان التفاصيل التي تخلق صوراً شديدة الشبه بالواقع، تلك التحسينات صارت تمثل تهديداً وجودياً يهدد بالاستغناء شبه التام عن العنصر البشري.

وبحسب «بي بي سي»، فإنها قد تكون مسألة وقت قبل أن يستطيع تشات جي بي تي أو بارد كتابة سيناريو فيلم أو تحويل فكرة إلى عرض علي الشاشة. حول هذه النقطة يقول دانكن كاربتري كبير مفاوضي النقابة إن ملاك الاستوديوهات تقدموا باقتراح مفاده أن «يتم تصوير ممثلي الأداء على أن يحصلوا على أجر يوم عمل واحد في حين تمتلك الشركة حق استخدام الصورة والشبيه الذي ينتجه الذكاء الاصطناعي للأبد في أي مشروع من دون اتفاق أو تعويض».

نبرة صراع طبقي

يمثل اتحاد منتجي الصور المتحركة والتلفزيون (AMPTP) ملاك الاستوديوهات مثل ديزني وبارامونت وشبكات التلفزيون مثل «فوكس» و«إن بي سي» وعمالقة البث مثل «أمازون» و«نتفليكس» الذين كانوا يأملون في تعويض خسائر فترة الوباء عبر استغلال حقوق البث واحتكار الصورة والعوائد المترتبة، التي تجرد آلاف المؤديين في السينما والتلفزيون من المداخيل التي تدهورت قيمتها الحقيقية في ظل التضخم المتفاقم في الولايات المتحدة. وقد جاء في البيان الذي أصدره (AMPTP) تعليقاً على قرار الاتحاد بالإضراب: «بالطبع لم يكن الإضراب هو النتيجة المرجوة حيث إن الاستوديوهات لا يمكنها العمل من دون المؤدين الذين يبثون الحياة في أفلامنا وعروضنا التلفزيونية» وقد اعتبر ملاك الاستوديوهات أن طلبات (SAG-AFTRA) غير منطقية ومبالغ فيها.

لترد فران دريتشر قائدة (SAG-AFTRA): «إنهم يدعون الفقر، يدعون أنهم يخسرون المال يميناً ويساراً في الوقت الذي يمنحون فيه المديرين التنفيذيين مئات الملايين من الدولارات». وقد أضافت في لهجة ثورية: «أخيراً اقتحم الشعب بوابات فرساي وانتهى الأمر». ما استدعى رد كارول لومبارديني رئيسة (AMPTP) قائلة عبر حسابها على «تويتر» أن «عبر الأربعين دقيقة الأخيرة كانت فران تقرأ بصوت عالٍ من البيان الشيوعي»، وأنها «ارتدت بيريه جيفارا».

بينما صرح الممثل مات دامون في ذات الإطار بأن «مظلة التأمين الصحي تتكلف 26 ألف دولار وكثير من الناس يعيشون على الفتات ومدفوعات إعادة البث هي ما تبقيهم ضمن الحد الآمن. ليست تلك مسألة أكاديمية، إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة لهم». في حين قالت مايا جيلبرت دونبار ذات العضوية المزدوجة في نقابة الممثلين ونقابة الكتاب والمرشحة لرئاسة (SAG-AFTRA) إن غالبية الأعضاء في نقابة الممثلين بالكاد تتجاوز مداخيلهم الحد الأدني للأجور: «يشكل ممثلو الأداء والمساعدون الكتلة الأكبر من عضويتنا، هؤلاء الناس بالكاد يربحون 125 دولاراً في اليوم».

 تعد عضوية (SAG-AFTRA) هي السبيل الوحيد لكثير من الممثلين للحصول علي تأمين صحي حيث إن كثيراً منهم لا يمتلك الحد الأدني للأجور للتغطية الصحية، الذي تبلغ قيمته 26 ألف دولار، إضافة إلى أن الممثلين الأكبر سناً يفقدون تأمينهم الصحي لمجرد وصولهم سن الخامسة والستين.

 هذا الانقسام الحاد الذي يعبر عن التضاد بين مصالح أفقر أطراف الصناعة ومصالح أثريائها قد وضع الصناعة برمتها على المحك. كانت السلطات الفيدرالية قد تدخلت للوساطة بين الطرفين يوم 11 يوليو/تموز عقب تعثر المفاوضات.

بينما بدأ إضراب الكتاب في 2 مايو/آيار فإنه لم يمثل نفس التهديد ولم يكتسب نفس الزخم الذي اكتسبه إضراب الممثلين نتيجة الدعم الذي تلقاه من كبار وجوه هوليوود مثل خواكين فوينكس وميريل ستريب ومارك روفالو وجينيفر لورانس وغيرهم ممن يتخذون موقفاً داعماً يفيد الغالبية العظمى من ممثلي الأداء الذين لا يتحصلون على نفس الأجور التي يحصلها نجوم الصف الأول. كان آخر إضراب للممثلين عام 1980 وقد استمر 10 أسابيع متسبباً في خسائر للصناعة مقدارها 100 مليون دولار وهو ما يعادل حالياً 370 مليوناً من الدولارات.

ولعل تصريح أحد قدامى ملاك الاستوديوهات لموقع (DEADLINE) يشير إلى أن ثقل الإضراب يقع في جهة (SAG-AFTRA) حتى قبل إعلانها الإضراب: «سواء أعلنت (SAG-AFTRA) الإضراب أم لا، فإن الاستوديوهات لا نية لديها للتفاوض مع نقابة الكتاب في الأشهر القادمة». وأضاف: «أعتقد أننا نواجه إضراباً طويلاً، وسوف نتركهم ينزفون».

تمتد تأثيرات الإضراب إلى كافة مناحي صناعة الترفيه والسينما حيث توقف بالفعل تصوير عدة أعمال منها الجزء الثالث من سلسلة «وندر وومان» (Wonder Woman) والجزء الرابع من «صائدو الأشباح» (Ghostbusters) و«موفاسا: الأسد الملك» (Mofasa: The Lion King) والجزأين الثالث والرابع من «أفاتار» (Avater). كما يمتد أثر الإضراب إلى الحملات الترويجية للأعمال التي اكتملت بالفعل حيث لن يشارك الممثلون في أي أعمال ترويجية في دور العرض أو على وسائل التواصل الاجتماعي إلى جانب إلغاء أي مقابلات تلفزيونية أو إذاعية أو صحفية كان قد تم الاتفاق عليها بدءاً من الجمعة الماضية.

إضافة إلى ذلك، سوف يؤثر الإضراب على مهرجانات الخريف، فينيسيا وتورنتو، التي من المفترض أن تنطلق آخر الشهر القادم. تعتمد هذه المهرجانات كلياً على المشاركة الكثيفة لنجوم هوليود من الصف الأول. المشاركة التي صارت محل شك طالما ظل الإضراب قائماً وظلت هوليود تحت رحمة التناقض بين ملاك الاستوديوهات من جهة واتحاد النقابات ممثلاً للغالبية الكبرى من العاملين بالنشاط الفني.