حسام غالي: القائد الذي لا يشبه الأهلي
إنت كُنت أحد هؤلاء المتابعين الشغوفين بكرة القدم المصرية، بالتأكيد تعرضت للعبارة أعلاه كثيرًا، والتي تحمل بداخلها الكثير من الإعجاب بمنظومة النادي الأهلي -الأنجح عربيًا وإفريقيًا-، وفي نفس الوقت تحُط من قدر المنافسين، على الأقل أخلاقيًا، لأن مسألة التفوّق الرياضي محسومة للمارد الأحمر، شئنا أم أبينا.
ومع ذلك، نمتلك عدة أسئلة منطقية؛ ما هي هذه «الأشياء»؟ وما الذي يمنع حدوثها داخل النادي الأهلي؟ والأهم ماذا لو أنّها تحدُث بالفعل؟
كثيرة هي الأشياء التي يُنكر أي مُنتمٍ للقلعة الحمراء حدوثها بالجزيرة؛ بدءًا من احتمالية قيام شجار بين لاعبي الفريق، أو المسؤولين عنه، وصولًا لمحاولات الإدارة أحيانًا التدخُّل في صميم عمل الأجهزة الفنيّة أو الإدارية لتصحيح مسارها.
وتندرج قائمة المحظورات تلك تحت عنوان عريض يعرف بـ«مبادئ النادي الأهلي»؛ وهي مجموعة من المبادئ -غير المكتوبة- والتي يُشار إليها طوال الوقت للتأكيد على مدى تفرُّد هذه المنظومة.
لكن ما علاقة كل ذلك بحسام غالي؟ المثير في قصة «الكابيتانو»، كما تلقبه جماهير الأهلي المصري، هو أنّه -دونًا عن غيره- استطاع أن يقوم بفعل كُل تلك الأشياء التي يُفترض أنّها لا تحدُث داخل هذه المؤسسة المثالية، دون أن يمسه أي ضرر. لا تُصدق؟ إذن، دعنا نُبحر داخل مسيرة قائد الأهلي السابق لنكتشف معًا.
صاحب قرار
قبل إعلان فسخ التعاقُد مع الجنوب إفريقي «بيتسو موسيماني» بالتراضي في الـ13 من يونيو/حزيران 2022، انتشرت أنباء حول العلاقة غير الجيدة ما بين إدارة الأهلي والمدرب الجنوب إفريقي، والتي بدأت تتوتر منذ يناير/كانون الثاني 2022، بعد تكرار حديث الأخير حول مسألة تجديد تعاقده مع النادي الأهلي.
بعد هذه التصريحات، التي ارتأت إدارة الأهلي أنّها بلا داعٍ، وعقب انتهاء جلسة جمعت «غالي» بـ«موسيماني» بملعب مختار التتش، اتضح الشرخ الذي أصاب العلاقة بين الإدارة والمدرّب، لأنه -وفقًا للتسريبات- لم يستسغ حديث «الكابيتانو»، حتى وإن كان مفوضًا من قبل مجلس إدارة الأهلي.
في الواقع، لا يُمكن الجزم بأن «حسام غالي» كان أحد أسباب رحيل «موسيماني» عن الأهلي، كذلك لا يُمكن انتقاد توبيخه للمدير الفني -إن حدث-، لأنه أولًا وأخيرًا كان مجرّد منفذ لطلبات مجلس الإدارة، لا أكثر ولا أقل. وهذا هو بيت القصيد. لطالما أراد قائد الأهلي الأسبق، أن يظهر دوره القيادي.
سريعًا ما انخرط «غالي» في العمل الإداري بالنادي الأهلي فور اعتزاله، حينما شغل منصب «منسق عام فريق الكرة»، وهو المنصب الذي عانى وكيل أعماله أثناء شرح مهامه، والتي اختصرها في كلمة «موصّل للقرارات وليس صاحب قرار».
في نوفمبر 2018، وبعد خسارة الأهلي للقب دوري أبطال إفريقيا، أجرى «محمود الخطيب» بضعة تعديلات داخل قطاع الكرة بالنادي، وكان من ضمنها عودة «هيثم عُرابي» للجنة التعاقدات بالنادي.
أشعل هذا القرار حربًا بين «أبناء النادي»، المتمثلين في «محمد فضل»، رئيس لجنة التعاقدات الأسبق، و«حسام غالي»، المنسق العام لفريق الكرة، وقتئذ و«عرابي» والتي انتهت أخيرًا بتسريب محادثة هاتفية، زعم خلالها المدير الفني «جورفان فييرا»، طلب «عرابي» لعمولة من أجل تسهيل ترشيحه لتدريب الأهلي خلفًا لـ«جاريدو»، أثناء فترة رئاسة «محمود طاهر» للنادي الأهلي عام 2015.
في الواقع، أنهت هذه التسريبات علاقة «عرابي» رسميًا بالنادي الأهلي، حتى ولم يتم التصريح بذلك بشكلٍ علني، ويعتقد أنّ «غالي» و«فضل» خلف هذه التسريبات، خاصةً وأنّها طفت على السطح بمجرّد إعلان عودة «عرابي» لمنصب داخل النادي الأهلي مجددًا.
زميل الملاعب
بعد عزله عن منصب مدير الكرة بالنادي الأهلي عام 2015، صرّح «وائل جمعة»، قائد الفريق السابق، عن معاناته أثناء فترة شغله لهذا المنصب، حيث شكّلت عصبية «حسام غالي» الزائدة عن الحَد أزمة حقيقية داخل غرفة خلع ملابس القلعة الحمراء، حينما اشتكى لاعبو الفريق من تطاول «الكابيتانو» عليهم بالتدريبات، الأمر الذي استدعى محاولته السيطرة على الموقف، بحُكم منصبه كمدير للكرة.
لكن ما زاد الأمور سوءًا، كان دخول «غالي» و«عبد الله السعيد» في مشّادة كلامية مع المدير الفني «فتحي مبروك» والتي قرر على إثرها معاقبتهما بالاستبعاد من الفريق، بعد الاتفاق مع «جمعة».
وبعد تصريحات إعلامية قويّة لـ«وائل جمعة» انتقد خلالها سلوكيات من يتم وصفهم بـ«اللاعبين الكبار»، رأى مجلس «محمود طاهر» أن إبعاد «جمعة» ضروري، تجنبًا لهدم استقرار الفريق.
مجددًا، رُبما لم يتدخّل «حسام غالي» في عزل زميله السابق عن منصبه، لكنه مجددًا كان طرفًا في أزمة تسببت في إقصاء أحد أكثر من لعب لجوارهم داخل النادي الأهلي.
دَحض نظرية «الجنيه الأهلاوي»
في أحد اللقاءات التلفزيونية، زَعم مهاجم الأهلي المصري ومنتخب مصر، أنّ تقاضي جنيهًا واحدًا داخل النادي الأهلي أفضل من تقاضي 10 خارجه. وبافتراض حُسن النية، يمكننا القول إن «شريف» لم يكُن يقصد دغدغة مشاعر الجماهير واللعب على وتر الانتماء بصورة مبالغ بها، بل ربما كان يقصِد أن اللعب للنادي الأهلي -الأكثر جماهيرية ونجاحًا داخل مصر- يمكنه أن يُعوض اللاعب عن المادّيات، عبر تعلُّق غير مشروط من الجماهير من جهة، والحصول على مسيرة رياضية مميزة من جهة أخرى.
في مقابلة أخرى، علّق «شوقي» على حديث «شريف»، حيث لم يتوانَ عن تأكيده على نفس الفكرة، بل ومضاعفة الرقم، لسبب لا نعلمه. والحقيقة أن خروج هذه التصريحات على لسان «شوقي» بالتحديد جعلتنا نضطر للعودة قليلًا للوراء، تحديدًا لعام 2014.
أثناء الحوار أعلاه، سُئل «غالي» عن ما إذا كان يشعر بالندم على ترك الأهلي في وقت حسّاس، خاصةً وأنّه قائد الفريق. وكانت إجابته موضوعية، بعيدًا عن الشعارات، حيث أصّر على أنّه كسر حاجز الـ30، بالتالي لا بُد له وأن يبحث عن مصلحة من يعولهم -حسب تعبيره.
بالتأكيد، لم يُمكن انتقاد «غالي» على إجابةٍ كتلك، خاصةً إذا ما أضفنا لها حقيقة معاناة النادي ماديًا خلال نفس الفترة، الأمر الذي نتج عنه تأخير مستحقات بعض اللاعبين. لكن السؤال: هل اكترث «نادر شوقي» لقيمة «الجنيه الأهلاوي» في ذلك التوقيت؟ أم فضّل «مصلحة وكيله»؟ لا نعلم.
إنسان أم قائد الأهلي؟
دائمًا ما ارتبط اسم «حسام غالي» بالأزمات، ربما منذ أن كان لاعبًا واعدًا بمطلع الألفية الثالثة، وقد يستمر هذا الارتباط حتى إذا ما أصبح رئيسًا للنادي الأهلي في المستقبل، وحتى نتسم بالموضوعية، ربما دخل قائد الأهلي في كل تلك الأزمات بالفعل لحرصه على مصلحة النادي الذي نشأ بين جدرانه، ودفعته غيرته أحيانًا للقيام ببعض الأخطاء، التي «لا تحدُث داخل النادي الأهلي»؛ مثل التعدّي لفظيًا أو جسديًا على زميل أو مدرب، أو تفضيل مصلحته الشخصية على جهة عمله، أو أي شيء آخر لم تصلنا أخبار عنه.
الحقيقة هي أنّ المشكلة الحقيقية تكمُن في الصورة الذهنية التي يمتلكها البعض عن مسؤولي النادي الأهلي ولاعبيه، والتي تنزع عنهم حقهم في أن يكونوا بشرًا، يصيبون أحيانًا ويخطئون في أخرى. نهايةً، يُخبرنا علم النفس أن تعلُّق الجماهير بهذه «المبادئ» ربما يعد أحد أعراض «الانحياز المعرفي/Cognitive Bias»، حيث يتجاهل الإنسان أي معلومات تتعارض مع رأيه في أي شيء، حتى وإن كان رأيًا حول كيان اعتباري متمثل في نادٍ لكرة قدم.
مجددًا، لم يرتكب «حسام غالي» ما يدينه، لكنه فقط ساعدنا على التأكُّد من أنّ «بعض الأشياء» يُمكن أن تحدُث داخل النادي الأهلي، كأي مؤسسة لا تنتمي لأي من المدن المثالية.