بادئ ذي بدء، وبعد السلام، دعنا نطرح عليك سؤالاً: «ماذا حدث للمصريين؟».

يبدو سؤالاً عامًا أكثر من اللازم، لكن الدكتور جلال أمين -أستاذ الاقتصاد الراحل- قرر أن يجيبنا عليه، في كتابٍ عنوانه هو نفس السؤال أعلاه، الصادر عام 1998 عن دار الهلال، ويُعد واحدًا من أشهر كتبه مبيعًا.

يرصد أمين ظاهرة الحراك الاجتماعي التي حدثت للشعب المصري عقب ثورة يوليو 1952، ويحاول تفنيد التغيرات التي طرأت على الشخصية المصرية، ومسببات هذه التغيرات.

نحن هنا لنخبرك أيضًا أن المفكرين والنقاد ليس وحدهم من بمقدورهم قياس هذا التغير، بل إن كرة القدم وبما أنها كانت وما زالت فاعلاً رئيسيًا في حياة المصريين؛ فيمكننا من خلالها رصد هذه التغيرات، ونحاول كذلك أن نجاوب على السؤال المنصرم، فكيف ذلك؟

حسام حسن الأداء كلاعب

في كتابها «التحولات في الشخصية المصرية»، تتحدث الدكتورة عزة عزت عن أن الشخصية المصرية على مر العصور، تميزت بسماتٍ عدة، فالمصري من وجهة نظرها ذكيًا ومتدينًا محب للفنون، لكن هذه السمات تأثرت بفعل الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي عايشها المصريون لعقود.

يقول الكتاب، إن إحدى أهم المميزات التي فقدها المصريون هو الذكاء المبني على أسس فكرية سليمة، والاستعاضة عنه بـ«الفهلوة»، كما يُقال في العامية المصرية.

لنا في كرة القدم وفي اللاعبين المصريين أمثلة لا تعد ولا تحصى للاستدلال، لكننا نعتقد أن «حسام حسن»نموذجًا مثاليًا.

يُعد العميد كما يُلقب من قبل الجماهير واحدًا من أهم اللاعبين في تاريخ الكرة المصرية، حيث حقق مع الأهلي 23 بطولة وشارك في 300 مباراة، سجل خلالها 142 هدفًا ليصبح ثاني هدافي الأهلي في تاريخه، وفي مشوار مع نادي الزمالك حقق 10 بطولات، لعب خلالها 107 مباريات مسجلاً خلالها 54 هدفًا.

سِجل حافل بالأرقام الفردية والجماعية للاعب عُدَّ ضمن الأفضل في تاريخ الكرة الأفريقية كلها. حسام -اللاعب- الذي حمل بين قدميه إحدى لمحات ذكاء المصريين وموهبتهم التي نتحدث عنها، يشبه ما كتبه علماء الاقتصاد والاجتماع عن الشخصية المصرية قبل أن يفعل بها الزمن أفاعيله، وفي ذلك أيضًا يُعد حسام حسن -المدرب- نموذجًا مثاليًا لرصد هذه التغيرات.

فهلوي الطابع كمدرب

«الفهلوة» كانت السمة البارزة التي طرأت على الشخصية المصرية في العقود الأخيرة، والفهلوي هو الشخص القادر على التكيُّف السريع مع متغيّرات المجتمع، وإتمام الأمور أيًا كان السبيل لذلك، وحتى ولم يمتلك الإمكانات والمعرفة الحقيقية للقيام بذلك.

تحولَّ حسام حسن لعالم التدريب عقب اعتزاله هو وتوأمه إبراهيم حسن موسم 2007-2008 واستمرا حتى الآن. مسيرة طويلة تولى فيها حسام دفة عدة أندية مصرية، إضافة إلى منتخب الأردن.

منذ اليوم الأول لحسام في عالم التدريب وهو يتسم بـ«الكاريزما» المستندة في الأساس على تاريخه كلاعب، وكذلك سرعة بديهة عند الحديث لوسائل الإعلام، وحمية منقطعة النظير عند الوقوف على خط التدريب، لا تشعل فقط حماس لاعبيه وإنما حماس الجماهير أيضًا.

لكن لحظة، أين هي السمة الأهم في المدرب؟ أين الإمكانيات الفنية التي يجب أن تتوفر في أي مدرب يُصنف بأنه مدرب كبير؟

لا يمكن الجزم أن حسام مدرب لا يمتلك إمكانيات فنية عالية، ولكننا لا يمكننا الجزم بعكس ذلك أيضًا. لم يحقق حسام في أكثر من عقد ونصف في عالم التدريب بطولة واحدة، لكنه كانت له فترات رواج كثيرة رفقة المصري، وكذا رفقة المنتخب الأردني.

صحيح لا يمتلك حسام إمكانيات المدربين الكبار في اللعبة، لكنه يستطيع أن يسوق الكاريزما تلك أفضل تسويق، بل بالرغم مما ذكرناه من عدم تحقيقه لبطولات طوال هذه المدة، فإنه يرى طيلة الوقت أنه يستحق مكانة أفضل، سواء في تدريب الأهلي أو الزمالك وصولاً للمنتخب.

ينجح حسام في ذلك دائمًا، لأنه فهلوي وسط شعب يعشق الفهلوة ويتنفسها، وهي هنا كافية لأن تستمر طيلة هذه المدة دون أي إنجاز، بل ولا تمل الحديث عن استحقاقية قد تكون مزعومة في أي مكان في العالم إن توفرت بنفس هذه المعطيات، لكنها هنا ستجد من يروج لها ويساندها، ولنا في المطالبة المستمرة بتولي حسام عارضة المنتخب المصري خير مثال.

تناقضات هيأت للتجربة

يرى عالم الاجتماع الأمريكي «موريس هيندوس» أن مصر أرض المتناقضات، ويفسر ذلك عالم الجغرافيا المصري الشهير جمال حمدان بأن التباين الشديد بين الطبقات الاجتماعية هو السبب وراء السمات المتناقضة التي اتشح بها الغالبية العظمى من الشعب المصري.

تحمل تجربة حسام حسن -في عالم التدريب- في جنباتها شيئًا من هذه المتنافضات السالف ذكرها، فمثلاً سيخرج حسام للحديث عن التخطيط الجيد والأفكار التكتيكية العظيمة إذا ما كانت الأمور تسير لصالحه، لكنه سينتقد الجميع من لاعبين وإداريين وجماهير إن كانت الأمور عكس ذلك.

في جعبة حسام دائمًا أعذار لا تنتهي، فقط يختلف شكلها وطريقة أدائها لكي تلائم الزمان، لكن هذه الأعذار دائمة التجدد هي ما تجعل حسام مناسبًا لهذه التغيرات التي أصابت الشخصية المصرية، فحسام دائم الوعود بحلول سحرية في بداية التجربة، لا تُنفذ في غالب الأحيان، يكون حينها قد وُجد العذر المناسب، الذي يجنب المصريين إرهاق التفكير في حل آني للمشكلة، ويؤجلها لوقتٍ لأجلٍ غير مسمى، وهكذا دواليك تتكرر تلك الدورة.

يمثل حسام دائمًا حلاً سحريًا ومطلبًا جماهريًا، لأنه ببساطة يشبه الشخصية المصرية الحديثة التي يتحدث عنها علماء الاجتماع، الشخصية التي باتت تطلب حلولًا سريعة ومختصرة دون الحاجة لعناء التفكير في تغيير جذري للمنظومة، أو البحث في أصل المشكلة.

والسؤال الآن، إلى أي مدى قد تستمر تجربة حسام حسن بهذا الزخم؟

حسام حتى تنتهي الأبوية

المجتمع الأبوي على المستوى السياسي والاجتماعي هو ترسيخ لحكم الفرد؛ لأنه يعطي الراعي كل حقوق ومميزات الأب، في حين تضع الشعب كله في موضع الأبناء القصّر الذين يحتاجون لرعاية الحاكم ووصايته وتوجيهه.

مرة أخرى وليست أخيرة يتبين لنا لمَ كل هذا الزخم الذي يحظى به حسام حسن كمدرب؟ يبرع العميد دائمًا في تصوير نفسه كمُخَلص لجمهور الفريق الذي يولي قيادته، وهو السبب الذي يشرح لنا لما كل هذه المطالبات المتكررة بتولي حسام قيادة المنتخب المصري.

لا يحتاج الناس لمدرب يتحدث معهم عن قلة جودة اللاعب المصري في الوقت الحالي، أو الحاجة الماسة لأسس علمية تسير عليها الكرة المصرية، في تجربة طويلة الأمد ستجني ثمارها بعد جهد ومصابرة.

وإنما يحتاج الجمهور لقائد يعدهم بتغير الحال بين عشيةٍ وضحاها، حتى وإن كان كل ما يمتلكه هو مجرد كلام مرسل ومعسول، يكفيه فقط أن يكون موفقًا في اختيار العذر المناسب بعد فشلٍ يتكرر منذ عقود.

لا نعلم إذا ما سينجح حسام حسن إذا ما سنحت له تجربة قيادة المنتخب المصري يومًا ما؛ لأن كرة القدم تحوي من المفاجآت ما لا يخطر على عقل، ولا يمكن قياسه، لكن ما نعلمه علم اليقين أن حسام حسن وتجربته في عالم التدريب، هي الإجابة على سؤال، ماذا حدث للمصريين؟