المملكة الحيوانية Kingdom Animalia تحتوي على الكثير من القبائل Phyla، تختلف فيما بينها في الصفات، وحتى داخل القبيلة الواحدة Phylum تظهر صفات وخصائص عديدة للصفوف Classes وما تحتها من رتب تقسيمية، تضم أجناسًا Genera وأنواعًا Species تتباين في صفاتها وأشكالها وخصائصها المميزة، وطرائق حياتها life table parameters، وسلوكياتها في التغذية Feeding behavior، أو التزاوج Mating behavior، أو تفضيلاتها Preferences للموطن habitat، أو من حيث علاقاتها بالكائنات/الأنواع الأخرى سواء كانت تلك العلاقات تكافلية Symbiosis، أو انتقالية Phoretic، أو تطفلية Parasitism.

مجموعة الحَلَمْ (الحَلَمْ أو الأكاروسات Mites)

ونجد أن قبيلة مفصليات الأرجل Phylum Arthropoda تختلف في أشكال الحيوانات التابعة إليها بصورة كبيرة، كذلك أحجامها، حيث تتراوح بين عدة سنتيمترات كالجراد والعقارب وعديدات الأرجل وسرطانات البحر إلى عدة ميكرومترات مثل بعض أنواع الحَلَمْ (الحَلَمْ Sub Class: Acari)، وهي حيوانات لها ثمانية أرجل تتباين في معيشتها وتغذيتها وتتواجد في مختلف البيئات.

منها ما يعيش في التربة ويتغذى على الفطريات Fungivorous، أو جذور النباتات، أو يتغذى على الحبوب والمواد الغذائية في الصوامع والمخازن، ومنها الرميات Scavengers التي تلعب دورًا في تحليل الجثث. [1]

منها كذلك التي تتغذى على أوراق النبات فتصير آفات خطيرة Phytophagous pests، أو تتغذى على الحشرات وأنواع الحَلَمْ الضار الأخرى فتكون نافعة كالمفترسات Predacious والتي يمكن استخدامها كعناصر في تطبيقات المكافحة الحيوية للآفات Biological Pest Control في نظم الزراعات النظيفة. [2]

ونتيجة حتمية لاختلاف سلوك التغذية، وهو العامل المهم والمحدد لسلوك أي كائن حي، فنجد تباينًا كبيرًا في سلوكياتها؛ فمنها مجموعة من المتطفلات؛ سواء على اللا فقاريات أو الفقاريات.

ويعد التطفل على الفقاريات صورة من صور تغذية الحَلَمْ، حيث تتطفل على جلد الإنسان والحيوان مسببةً الحكاك والحساسية كحَلَمْ الجرب Scabies أو الخطميات Chigger mites. ولعل واحدة من أخطر المجموعات وأشدها ضررًا على صحة الإنسان، تلك التي تتواجد في الغبار المنزلي House dust mites.

حَلَمْ الغبار المنزلي House Dust Mites – HDM

ينتمي حَلَمْ الغبار من الناحية التقسيمية إلى شعبة الحَلَمْ عديم الثغور التنفسية Cohort: Astigmatina، وأشهر عائلة تضم أفرادًا تعيش في الغبار هي عائلة Family Pyroglyphidae، تلك الأنواع لها مدى واسع في الانتشار والمعيشة. [3]

سجلت الدراسات الحديثة ثلاثين نوعًا تقريبًا من حَلَمْ الغبار المنزلي، تسبب أعراضًا كالحساسية Allergy والتهاب الجيوب التنفسية Rhinallergosis، والربو Asthma، والإكزيما الجلدية التأتبية Atopic dermatitis، والطفح الجلدي المزمن Chronic urticaria.

وتنتشر تلك الكائنات الصغيرة الخطيرة بكافة أنحاء العالم؛ متعلقة بأماكن معيشة الإنسان كالوسائد وحشايا الأسرة والأرائك والملابس والسجاجيد والمفروشات. [4]

التنوع والانتشار

في كتاب انتشار وتنوع الحيوانات «The Distribution and Abundance of Animals» الصادر عن جامعة شيكاغو 1954؛ كتب العالمان أندروارثا وبيرش Andrewartha & Birch، «حين نقوم بدراسة ما تتعلق ببيئة كائن ما؛ فإننا نحاول العثور عن إجابة لعدة أسئلة، لماذا يتوطن هذا الكائن ذلك المكان دون غيره؟ لماذا يكون انتشار الكائن الحي في منطقة ما أكثر من منطقة أخرى؟ لماذا تكون الكائنات الحية في منطقة متنوعة بشكل كبير ويكون تواجدها نادرًا في مناطق أخرى؟ هذه جميعها مشاكل متعلقة بالتنوع والانتشار». [5]

ولعل تناول تلك الحيوانات المتناهية الصغر مهم من الناحية الطبية، ففي دراسة نشرها فريق من الباحثين بكليتي الطب والزراعة بجامعة المنوفية عام 2019؛ تهدف إلى تعريف وتفرقة أنواع الحَلَمْ المأخوذة من عدة عينات من الغبار لأماكن مختلفة بالمحافظة. وجد الفريق أن المناطق ذات الطابع الريفي ترتفع فيها نسبة تنوع وانتشار الأنواع الأكاروسية المختلفة المتواجدة في الغبار مقارنة بالمناطق المدنية (الحضرية) بشكل ذي تأثير معنوي كبير.

وأضاف الفريق أن النوع Dermatophagoides pteronyssinus الذي يتواجد بنسبة 70% في عينات الدراسة مسئول عن 95% من الإصابة بالربو لدى المرضى بتلك المناطق، والنوع D. farina المتواجد بنسبة 50% في عينات الدراسة مسئول عن 90% من إكزيما الجلد التأتبية، بينما النوع Tyrophagus putrescentiae المتواجد بنسبة تقدر بحوالي 40% في أماكن الدراسة يتسبب في الإصابة ببعض حالات الإكزيما التأتبية بالإضافة إلى حالات الحساسية. [6]

لماذا يتوطن هذا الكائن ذلك المكان دون غيره؟

معرفة تاريخ حياة أي كائن، يحتاج إلى معرفة كامل سلوكياته من تغذية وتزاوج ومعيشة، في السبعينيات أجرى الباحث Mumcuoglu دراسة من ثلاثة أجزاء في سويسرا حول حَلَمْ الغبار المنزلي [7]، وتناول في إحدى التجارب اثني عشر نوعًا من الحَلَمْ تتغذى على نوعين من التغذية؛ وكشط من جلد الإنسان، وبيئة صناعية من القشور والخميرة. وجد أن نوعين من الحَلَمْ المسبب للحساسية لم تستكمل دورة حياتها على البيئة الصناعية [8]، وأفاد أن تلك الحيوانات لابد لها من التغذية على كائن حي لتتم دورة حياتها بصورة طبيعية، في علاقة تعرف بالتطفل الإجباري.[9]

في دراسة حديثة أجريت بجنوب بولندا؛ وجد الباحثان Solarz & Pająk أن هناك نوعًا من الارتباط Correlation بين كثافة تعداد الحَلَمْ (زيادة/نقص) ومجموعة من العوامل كتواجد الحيوانات المنزلية الأليفة، وجود المدافئ التي تعمل بالفحم، عدد غرف المعيشة، معدل النظافة، اشتغال ربة المنزل بساعات دوام وظيفي من عدمه، المطبخ؛ معزول أم مفتوح، طبيعة الأثاث المنزلي، طبيعة أرضية المنزل الخشبية، نسبة الرطوبة الجوية ودرجة الحرارة.[10]

لماذا تظهر أنواع HDM في مناطق وتختفي عن مناطق أخرى؟

في عام 1999 قبل أن تدق الساعات الأخيرة للقرن العشرين، نُشرت دراسة لفريق بحثي من نيوزيلندا، قاموا بفحص غبار مقاعد لعشر قاعات سينما مختلفة في أماكن متفرقة من نيوزيلندا؛ أسفرت النتائج عن تواجد أنواع من الحَلَمْ يقدر وزنها بحوالي 6.12 ميكروجرام لكل جرام غبار تم أخذه كعينة. الأمر مشابه لما أجراه باحثان يابانيان في فحص مقاعد بأماكن عامة (قاعات عرض الأفلام) في طوكيو في عام 1997. [11]

في دراسة أمريكية مشابهة قام فريق بحثي بجمع عينات من غبار أسطح مكاتب إدارية وسجاجيد ومقاعد وثيرة في خمسة مواقع بولايتي فلاديلفيا وواشنطن، أسفرت نتائج الدراسة عن وجود عدد مؤثر بصورة معنوية لتواجد حَلَمْ الغبار المسببة لأمراض حساسية. [12]

دراسات أخرى قام بها عدة فرق بحثية في النرويج [13] وسنغافورة [14] والسويد [15] وأستراليا [16] وبولندا [17] من عينات جُمعت من مدارس وكنائس ومراكز رعاية وبنوك ومكتبات ومتاحف، جميعها أظهرت تعدادات ذات قيمة غير ملموسة (غير معنوية)، بينما كانت النتائج كبيرة ونتائجها معنوية في دراسة أجريت داخل مركز رعاية أطفال لتعدادات الحَلَمْ الموجود في حشو لعب الأطفال بمدينة مارسيليا الفرنسية.

العوامل الحيوية والظروف الجوية كمؤثرات

معظم العوامل المحددة لتنوع وتواجد وانتشار حَلَمْ الغبار في مدى جغرافي كبير بين البيوت داخليًا وخارجيًا ليست كاملة الوضوح؛ كما تناول الباحث Arlian في مقالته المنشورة 2002، ولكن الرطوبة النسبية يمكن اعتبارها مفتاحًا للعوامل الجوية المحددة لتواجد تلك الحيوانات شديدة الخطورة على صحة الإنسان. فتلك الحيوانات تقوم باستخدام بخار الماء المتواجد في الجو كمصدر دائم للمياه، لذلك تزداد كثافات التعداد وتنجح الأنواع المختلفة منها في البقاء بالمناطق التي ترتفع فيها نسبة الرطوبة الجوية عن 55%. وهذا تفسير لما قابله الباحثون حول لماذا تتواجد تلك الكائنات بالبيوت التي تقع بالمناطق المدارية أو التي ترتفع فيها نسبة الرطوبة. [18]

أظهرت الدراسات أن منحنيات زيادة التعداد الموسمية Seasonal fluctuations تسير بخطوط متوازية مع زيادة أو انخفاض نسبة الرطوبة الجوية. ففي مسح أجراه فريق بحثي بالولايات المتحدة أن النوع D. farinae يتفوق ويسود بشدة في المناخات الجافة مقارنة بالنوع D. pteronyssinus والعكس يحدث في حالة المنازل التي تقع في المناطق المرتفعة الرطوبة، وعليه فإن أقصى زيادة لتعداد نوع معين من الحَلَمْ تكون في أشهر الصيف وتأخذ في الانخفاض مع دخول الشتاء. [19]

ولعل الاعتماد على عامل الرطوبة الجوية فقط كعنصر محدد لانتشار حَلَمْ الغبار ليس سليمًا تمامًا؛ وإنما هناك عوامل أخرى مثل العوامل الحيوية Biotic factors، كتأثير الحرارة في القدرة على التكاثر Reproduction ومعدل الخصوبة Fecundity الخاصة بكل نوع، وكذلك القدرة على البقاء والحفاظ على النوع. فعلى سبيل المثال النوع D. pteronyssinus يسجل أقل فترة لدورة الحياة 15 يومًا عند درجة حرارة 35°مئوية ونسبة رطوبة جوية 75%.

لذلك فيمكن للعلماء توقع متى يزداد نمو وإنتاج المجموع population growth and production كأحد عوامل جداول الحياة life table parameters لكائن حي، فأماكن كالأرائك أو المراتب mattresses تزداد فيها نسبة تواجد الحَلَمْ؛ حيث ترتفع حرارتها نتيجة الحرارة المنبعثة من أجساد البشر حين النوم أو الجلوس في غرف الاجتماعات أو في غرف المعيشة، مقارنة بالسجاجيد التي تلتصق بالأرضيات الباردة طوال الوقت.[20]

وبرغم اختلاف الأنواع من الناحية البيولوجية أو التقسيمية، إلا أنهم من الناحية الطبية والتأثير على الصحة العامة يتم التعامل معهم على أنهم سواء، فنتيجة تداخل مزيج معقد من العوامل المناخية والاختلافات في بيولوجيا كل نوع يساهم بلا شك في تنوع وتباين الانتشار. وكيفية عمل هذا المزيج ليست مفهومة تمامًا لكل نوع على حدة، لكن مع الوقت، ومع الدراسات المختلفة يصبح فهم هذه العوامل أوضح وأكثر فهمًا، وعليه فيمكن تطوير إستراتيجيات للحد من خطورة تلك الآفات والسيطرة عليها.

ملاحظات ختامية

الآفات تنافس الإنسان على غذائه وفي معيشته، وبالتالي تعد أعداءاً له، ويجب معرفة لغة العدو جيداً من سلوكه في المعيشة والغذاء والتكاثر، لكي نقوم بتجهيز أنسب وسيلة للقضاء على أخطاره في أضعف نقطة خلال دورة حياته.
الدكتور منير الحسيني – أستاذ المكافحة الحيوية للآفات، محاضرة بكلية الزراعة جامعة القاهرة.

من هذا المنطلق لا يسعنا الحديث عن الدور الحيوي الذي يلعبه الحَلَمْ وعلاقته بالإنسان أو الحيوان في مقال واحد، إنما يحتاج الأمر إلى حديث مستفيض لشرح ما له من خطورة وأهمية في التأثير على الصحة العامة Public Health، أو في الدور الذي تلعبه تلك الكائنات لحفظ التوازن الطبيعي البيئي Natural Eco-balance، أو دورها في المكافحة الحيوية للآفات Biological Pest Control، وكذلك دورها المستحدث ككاشفات للتلوث المائي Pollution bio-indicators، أو دورها في كشف ميقات حدوث الجريمة في الجثث مجهولة الهوية كأداة من أدوات التحقيقات الجنائية Crimino-legal investigations، ولكل نقطة من تلك النقاط أبحاث منشورة بدوريات عالمية وباحثون أفنوا عقولهم في سبيل توضيح تلك النقاط وإبرازها للمجتمع العلمي والبحثي خاصة، والمعرفي كافة.

المراجع
  1. Oconnor BM. 2009. Cohort Astigmatina. p 565-658. In: Krantz GW and Walter DE (Eds.) A Manual of Acarology. Third Edition. Texas Tech. University Press, Texas, 807 pp.
  2. Krantz GW, Walter DE. (Eds.). 2009. A Manual of Acarology. Third Edition. Texas Tech. University Press, Texas, 807 pp.
  3. Solarz K. 2001. Pyroglyphidae (Acari: Astigmata) in Poland. Distribution, biology, population ecology and epidemiology. Acta. Zool. Cracov., 44: 435–528.
  4. Colloff M. 2009. Dust mites. CSIRO Publishing. Australia. 583 pp.
  5. Andrewartha HG, Birch LC. 1954. The Distribution and Abundance of Animals. University of Chicago Press, Chicago.
  6. El Kersh WM, El Sobky MMK, Harbah NM, Heikl HM, Abou Galalah DIM. 2019. Morphological identification of house dust mite species in Menoufia Governorate and their antigen effect in immunoglobulin E response in allergic patients. Menoufia Medical Journal, 32 (1):88–96.
  7. Mumcuoglu Y. 1976. House dust mites in Switzerland: I. Distribution and taxonomy. Journal of Medical Entomology. 13, 361—373.
  8. Mumcuoglu Y. 1977. House dust mites in Switzerland: II. Culture and control. International Journal of Acarology, 3:1, 19-25.
  9. Mumcuoglu Y. 1977. House dust mites in Switzerland: III. Allergenic properties of the mites. Acta Allergologica. 32, 333-349.
  10. Solarz K, Pająk C. 2019. Risk of exposure of a selected rural population in South Poland to allergenic mites. Part I: indoor acarofauna of one-family houses. Experimental and Applied Acarology, 77: 375–386.
  11. Konishi E, Uehara K. 1999. Contamination of public facilities with Dermatophagoides mites (Acari: Pyroglyphidae) in Japan. Experimental and Applied Acarology, 23:41–45.
  12. Hung LL, Lewis FA, Yang CS. 1993. Dust mite and cat dander allergens in office buildings in the Mid-Atlantic region. In Environments for People: Proceedings of IAQ92 Conference, San Francisco. Atlanta: American Society of Heating, Refrigerating and Air-Conditioning Engineers, Inc.; 163–170.
  13. Dybendal T, Elsayed S. 1994. Dust from carpeted and smooth floors. Allergens in homes compared with those in schools in Norway. Allergy, 49: 210–216.
  14. Green WF, Marks GB, Tovey ER. 1992. House dust mites and mite allergens in public places. J Allergy Clin. Immunol., 89: 1196–1197.
  15. Munir AK, Einarsson R, Dreborg SK. 1995. Mite (Der p 1, Der f 1), cat (Fel d 1) and dog (Can f 1) allergens in dust from Swedish day-care centres. Clin Exp Allergy, 25:119–126.
  16. Tovey ER, McDonald LG, Peat JK, Marks GB. 2000. Domestic mite species and Der p 1 allergen levels in nine locations in Australia. ACI Int., 12: 226–231.
  17. Solarz K. 1998. The allergenic acarofauna of house dust from dwellings, hospitals, libraries and institutes in Upper Silesia (Poland). Ann. Agric. Environ Med., 5: 73–85.
  18. Arlian LG. 2002. Dust Mite Allergens: Ecology and Distribution. Current Allergy and Asthma Reports, 2: 401–411.
  19. Cui Y, Gao C, Zhou Y, Zhou P, Peng M, Lin Y, Peng J. 2010. Phylogenetic analysis of house dust mites. Central European Journal of Medicine, 5(1): 69-74.
  20. De Oliveira CH, Binotti RS, Muniz JR, dos Santos JC, do Prado AP, de Pinho AJ Jr. 2003. Comparison of house dust mites found on different mattress surfaces. Ann Allergy Asthma Immunol 91: 559-62.