في نهاية مايو/أيار من عام 1963، استقبلت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا ممثلي 32 بلدًا إفريقيًا للتوقيع على البيان التأسيسي لمنظمة «الوحدة الإفريقية»، التي ستصبح بعد ذلك بأربعة عقود «الاتحاد الإفريقي» الذي نعرفه اليوم.

مثّل اختيار إثيوبيا مقرًا رئيسيًا للمنظمة انتصارًا دبلوماسيًا لنظام الإمبراطور «هيلا سيلاسي»، في وقتٍ كانت تعيش فيه دول القارة السمراء مرحلة التحرر من الاستعمار والحكم العنصري.

فخر أديس أبابا بعلاقتها بالاتحاد الإفريقي ظهر خلال السنوات الطويلة التي شهدت مفاوضات سد النهضة، إذ طالما أصرّت على ألّا تخرج الأزمة عن دائرة المنظمة الإقليمية.

لكن بعيدًا عن قضية السد، هناك تساؤلات كثيرة تدور حاليًا حول العلاقة بين إثيوبيا والاتحاد الإفريقي الذي شاركت في تأسيسه، أبرزها ما إذا كانت أديس أبابا عملت على تقويض المنظمة الإقليمية، لدرجة أعجزت الأخيرة عن مساعدة أديس أبابا نفسها.

الاتحاد الإفريقي وأزمة تيجراي

سنبدأ من الداخل الإثيوبي المشتعل منذ قررت حكومة آبي أحمد بدء العمليات العسكرية في مواجهة جبهة تحرير شعب تيجراي، ليجد الاتحاد الإفريقي نفسه في اختبار حقيقي أمام كيفية التعامل مع الأزمة.

في أغسطس/آب 2021، قرّر الاتحاد الإفريقي اختيار الرئيس النيجيري السابق «أولوسيجون أوباسانجو» لشغل منصب المبعوث السامي لمنطقة القرن الإفريقي، ليكون من بين مهامه الدخول في اتصالات مكثفة مع كافة أطراف المنطقة من أجل ترسيخ الاستقرار، والسلام الدائم.

يرى «مولوجيتا جبريهيوت» زميل مؤسسة السلام العالمي بكلية فليتشر للقانون والدبلوماسية بجامعة تافتس، في تحليل نقله موقع The Conversation، أن كلاً من الاتحاد الإفريقي والوسيط الذي اختاره لمعالجة أزمة تيجراي لا يصلحان لبداية ذات مصداقية لعملية الوساطة، مُتهمًا المنظمة ومبعوثها بعدم الحياد، وعدم امتلاك تعريف صحيح للمشكلة.

كما لم يتمتع الاتحاد الإفريقي بالحياد الذي يُمكِّنه من أن يكون همزة الوصل بين طرفي الصراع، إذ غضّ الطرف عن الفظائع التي تجري على الأرض من عمليات إعدام وجرائم اغتصاب وتطهير عرقي، وهي الفظائع التي صاحبت العمليات العسكرية التي نفذتها حكومة أديس أبابا في الإقليم.

هذا التجاهل برز في كلمة رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي «موسى فكي»، في ديسمبر/كانون الأول الماضي (2020)، الذي وصف فيها الحكومة الفيدرالية الإثيوبية بأنها اتخذت خطوات «جسورة» للحفاظ على وحدة الدولة، وضمان الاستقرار، واحترام النظام الدستوري، معتبرًا هذه الخطوات بالأمر الـ«شرعي» لكافة البلدان. لكنه استطرد مشيرًا إلى موجة النزوح الضخمة التي خلّفتها أزمة تيجراي، والتي «لا يمكن إنكارها».

مسئولية أديس أبابا

سؤال آخر يفرض نفسه ما إذا كان يمكن للاتحاد الإفريقي أن يقوم بالدور المنتظر منه، إذا لم تسمح أديس أبابا له.

بالعودة إلى نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، سنجد أن المنظمة الإقليمية اختارت عددًا من الرؤساء الأفارقة السابقين للتوجه إلى إثيوبيا للتوصل إلى حل سلمي ينهي الصراع الدائر، لكنهم تفاجؤوا قبل وصولهم إلى العاصمة الإثيوبية بإعلان بدء «المرحلة الأخيرة» من العمليات العسكرية في تيجراي، ولم ينجح اللقاء الذي جمع المبعوثين الثلاثة مع رئيس حكومة الدولة بإقناعه بالتراجع عن مواصلة التحرك على الأرض.

وفي اليوم التالي للقاء، خرج مكتب رئيس الوزراء الإثيوبي ليعلن أن الأنباء التي ترددت بأن الزيارة كانت من أجل الوساطة بين الحكومة والإقليم الشمالي أخبار «كاذبة»، بحسب موقع Blomberg.

وبموجب القانون التأسيسي للاتحاد الإفريقي، يحق للمنظمة التدخل في شئون أي دولة من الدول الأعضاء، إذا ما شهدت أحداثًا خطيرة مثل جرائم الحرب، والإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية، على أن يكون ذلك بقرار من «جمعية الاتحاد».

أحد بنود القانون كذلك يشير إلى ما يُسمى بـ «واجب عدم اللا مبالاة» الذي أقره الاتحاد، بدعم من أديس أبابا، بعد المذابح التي شهدتها راواندا في التسعينيات من القرن الماضي، لضمان عدم تكرارها مجددًا.

لكن الاتحاد الإفريقي -كما يصفه موقع هيئة الإذاعة البريطانية- مؤسسة ذات ميزانية مالية منخفضة، ولا تتمتع بالقوة الكافية التي تمكنها من فرض إرادتها، ولذلك السبب تعتمد في سياستها على القوة الناعمة.

الاتحاد الإفريقي والانتخابات الإثيوبية

بخطوات متمهلة، صعد آبي أحمد، في الرابع من أكتوبر/تشرين الأول 2021، منصة مجلس النواب، ليضع كمامته جانبًا، ويطمئِن على هندامه، استعدادًا لبدء مراسم تنصيبه لولاية ثانية، بعد الفوز الساحق الذي حقّقه حزب الازدهار الذي ينتمي إليه في الانتخابات الماضية.

لكن الظروف التي صاحبت هذه الانتخابات أثارت حالة من الجدل، ليس حول أديس أبابا فحسب، بل حول الاتحاد الإفريقي كذلك، لاسيما بعد أن رفضت العديد من الأطراف الدولية إرسال مبعوثيها للمراقبة على الانتخابات، على رأسها الاتحاد الأوروبي.

على سبيل المثال، خاض الحزب الإثيوبي الحاكم الانتخابات في مناطق عديدة دون منافسين، من بينها إقليم أروميا الذي يمثله 170 نائبًا في البرلمان، بعد الإجراءات التي اتخذتها أديس أبابا بحق أحزاب المعارضة هناك، من اعتقال أعداد كبيرة من قادتها، والمضايقات التي تعرّض لها بقية الأعضاء، علاوة على إغلاق معظم مكاتب هذه الأحزاب، التي أعنلت -في نهاية الأمر- مقاطعة الانتخابات.

وبعد انطلاق السباق الانتخابي، خرجت خمسة أحزاب إثيوبية كبرى من التيارات المحسوبة على النظام الحاكم، لتنتقد الطريقة التي جرت بها الانتخابات، متهمين حزب الازدهار بالتدخل في سير عملية الاقتراع.

القائمة شملت: الحزب الاشتراكي الديمقراطي الإثيوبي، وحزب بيلديراس من أجل ديمقراطية حقيقية، وحركة أمهرة الوطنية، والمواطنوان الإثيوبيون من أجل العدالة الاجتماعية، وحزب شعب عفار.

وتنوعت تصريحات مسئوليها بين اتهام القوات الأمنية وموظفي المجلس الوطني للانتخابات، بالعمل لصالح الحزب الحاكم، علاوةً على وصف استعراضات القوات الأمنية في محيط أديس أبابا -على سبيل المثال- قبل انطلاق الانتخابات بأنها هدفت إلى تخويف سكان المدينة.

ورغم ذلك، امتدح رئيس بعثة المراقبة التابع للاتحاد الإفريقي الانتخابات، قائلًا إنها تمتعت بالمصداقية، لكن من هو ذلك المراقب؟

هو الرئيس النيجيري السابق «أولوسيجون أوباسانجو» الذي اختارته المنظمة لاحقًا لمنصب المبعوث الخاص بمنطقة القرن الإفريقي.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.