يحب رئيس أوكرانيا زيلنسكي ارتداء قمصان البولو في رحلاته، لكنه يواجه الكثير من الانتقادات. فهي لا تبدو لائقة لرئيس جمهورية تخوض حربًا منذ عام كامل، فهي لا تبدو بالرسمية الكافية، لكن على الناحية الأخرى، فهي لا تبدو مريحة تمامًا ولا تصلح للزي الرياضي، ولا نعلم سبب انتشارها حول العالم وبيعها ملايين النسخ كل عام.

حين نتحدث عن الأناقة والملابس، فربما تكون الاستعانة بلاعبي كرة القدم خيارًا مستبعدًا، فالأزياء الغريبة التي تملأ حفلات الكرة الذهبية تقدم لك نبذة عن رؤيتهم للملابس والأناقة.

قلة قليلة منهم تصلح لهذا الرأي، على رأسها بالطبع الإنجليزي الوسيم ديفيد بيكهام. لا نملك في ذاكرتنا من ينافس بيكهام في الأناقة، إلا نجم ريال مدريد توني كروس، مناسب تمامًا لهذا الدور، وربما يتفوق على بيكهام في أناقته داخل الملعب.

بالطبع بعد هذه المقدمة، قد فهمت ما جئنا لأجله، سنقيِّم قمصان البولو ونفهم سبب انتشارها بالرغم من عدم مناسبتها للكثير من المناسبات، وسنستعين بتوني كروس.

ياقة مزعجة

هذه قذارة هائلة، القمصان التي تحتوي على ياقات ليست جيدة وقبيحة ولا تجعلك تشعر بأي راحة.
توني كروس

نأسف لهذا التصعيد غير المبرر، لكن هذا هو رأي توني كروس في قمصان البولو بكل بساطة. يبدو أن الرجل يكن لها كرهًا شديدًا لم يقدر على مداراته.

أكد كروس أيضًا أن تلك الياقة، والتي تتواجد في قميص ريال مدريد هذا العام لا تناسب لعبة كرة القدم، فهي ليست مناسبة للاعبين ولا توفر الراحة المطلوبة.

ورغم أن معرفة سبب رواج قمصان البولو كان مغريًا، فقد فضلنا أن نبحث خلف حقيقة ما قاله توني كروس، لنفهم إن كان من الوارد أن تكون ياقة قميص كافية ليكون غاضبًا بهذا الشكل. ولمَ لا، قد تكون مبررًا لبعض خسائر الفريق في الدوري.

جار كروس الذي غير القمصان

أول سبب يجعل توني كروس محقًّا في انتقاده، أن أحد المحطات الفارقة في صناعة القمصان جاءت من ألماني آخر، لكن قبل نحو 50 عامًا تقريبًا.

تبدأ القصة بحفل عشاء يحضره عدد كبير من التجار والمستثمرين في منزل مدير تنفيذي بإحدى شركات مشروبات الطاقة، ويدعى جنتر ماست.

اجتمع الحضور في منزل ماست، وتناول المدعوون عشاءهم، لكن الحفل انتهى بشكل سريع للغاية، حيث كانت مباراة ألمانيا الغربية وإنجلترا في كأس العالم 1972 على وشك البدء، وعندها غادر الجميع وتركوا ماست وحيدًا.

في تلك اللحظة خطرت لماست فكرة غيرت كل شيء، سنضع إعلانات المنتجات على قمصان اللاعبين الذين يركضون لمدة 90 دقيقة ويتابعهم الناس باهتمام، لن نحظى بهذا التركيز في أي مكان آخر نضع فيه الإعلان.

عندها ذهب ماست إلى نادي براونشفايغ الألماني، والذي كان يعاني من الديون، بالرغم من شعبيته الكبيرة وفوزه بالدوري الألماني عام 1967.

لكن ضائقته المالية كانت من حسن حظ ماست، حيث كان نصف مليون مارك ألماني كافيًا ليوافق الفريق على استبدال الأسد في الشعار بالغزال، رمز شركته وهو ما كان كافيًا لإيصال الرسالة التسويقية.

كانت هذه الفكرة لتفادي قوانين الاتحاد الألماني في ذلك الوقت والتي كانت تمنع الإعلانات على القمصان، لكن عارضها الاتحاد الألماني أيضًا، وحينها لجأ ماست لتغيير شعارات النادي وهويته، ليثبت أن علامتهم المميزة الغزال وليس الأسد.

رضخ الاتحاد الألماني بعد معركة قانونية طويلة، وفي نهاية الموسم بدأ السماح بوضع إعلانات الرعاة على القمصان في ألمانيا، وهو ما استغلته الكثير من الأندية التي كانت تعاني من ضائقة مالية.

لقد اكتشف ماست كرة القدم كوسيلة إعلانية.
أولي هونيس رئيس بايرن ميونخ

انتشر الأمر بعد ذلك في جميع دوريات كرة القدم، في إنجلترا شهد رواجًا واسعًا قبل أن يوافق الاتحاد الأوروبي على الأمر هو الآخر ويصبح أمرًا شائعًا.

مع الوقت تحولت تلك الرعايات لمصدر مهم لدخل الأندية، وتدفع الشركات الملايين ليتصدر شعارها قميص الأندية الكبرى في كل عام وشكَّل هذا التطور الاقتصادي، كان نقطة فارقة في اقتصاد الكرة بأكمله، وليس في القمصان فقط.

من الأوشحة إلى البولو

ما يجعل كروس يهتم بالأناقة أيضًا في شكل القميص هو أن شكلها شهد رحلة طويلة من التطور، وبإمكانها الاستمرار حتى يتخلص من الياقة المزعجة التي تحدث عنها.

فقد شهدت قمصان كرة القدم رحلة طويلة من التطور. فالزي الموحد لم يكن معروفًا من الأصل، وارتدى اللاعبون ملابسهم العادية خلال المباريات، واستخدموا حينها قبعات أو أوشحة لتمييز الفريقين.

بعد فترة، ظهرت قمصان موحدة بألوان مختلفة تميز كل فريق، وهي أقمصة قطنية بأكمام طويلة، لكنها كانت كافية لتكون زيًّا مخصصًا للاعبين.

في بداية القرن الماضي، دخلت فكرة تغيير لون قميص حراس المرمى، ليتمايز عن باقي الفريق، مع إتاحة ألوان معينة مخصصة لهم.

أعقب ذلك تطورًا مهمًّا في العشرينيات، تضمن إضافة الأرقام إلى قمصان اللاعبين من الخلف، حيث بدأت في إنجلترا ثم أصبحت إلزامية فيما بعد.

بالطبع خلال تلك الرحلة كانت القمصان تتحول لتصبح أكثر أناقة، رسومات وأشكال مميزة وقصات مختلفة، كلها تغيرت حتى أصبح القميص الآن قطعة فنية يمكنك أن تحضر بها حفل زفافك إن أردت.

رحلة التصميم

بالطبع كانت رحلة التغير في الشكل حافلة، لكن التطور الأهم جاء في تصميم القمصان. فلا تشترك القمصان الحالية مع تلك التي بدأت معها كرة القدم في أي شيء تقريبًا.

وبينما كان هدف الكثير من الشركات تحويل القميص لشكل أكثر أناقة يسهل ترويجه وبيعه للمستهلكين، فقد تزامن مع ذلك هدف أكثر أهمية، هو أن تكون أكثر راحة ومناسبة للعبة كرة القدم.

حرك العلم هذا التطور بشكل كبير. يمكنك بسهولة إدراك الفارق بين قميص كروس الذي لا يعجبه، وقميص صديقه الأنيق بيكهام أيضًا قبل 20 سنة.

قميص كروس أكثر مناسبة لجسده، فلا يتطاير بجانبيه، وبالتالي يعرضه لأقل قدر من مقاومة الهواء أثناء الجري، وهو أمر يؤثر بشكل كبير في سرعة اللاعب ومجهوده البدني.

علم المواد

التطور الآخر كان في المواد التي صُنع منها ذلك القميص، الرحلة من القطن إلى البوليستر في ثمانينيات القرن الماضي كانت علامة فارقة في تاريخ قمصان كرة القدم.

استخدام بوليمر البوليستر كان مهمًّا بسبب قدرته على التخلص من المياه، حيث لا يمتص السوائل إلا بنسبة ضئيلة مقارنة بالقطن، حيث يسمح بتبخر المياه التي توجد على سطحه، كما أنه يحافظ على درجة حرارة الجسم بشكل أفضل.

بالطبع لا تتناسب تلك القمصان في كل الأوقات، في كأس العالم 2002 مثلًا اضطرت نايكي لتغيير طريقتها في التصنيع، لأنها رأت أن رطوبة الأجواء في كوريا واليابان، لن يكون ملائمًا لقمصان البوليستر العادية التي تنتجها، واستخدمت حينها تقنية تدعى «كول موشن»؛ لتتلاءم مع الأجواء.

التطور على المستوى التكنولوجي لم يتوقف، في كأس العالم 2014 كانت قمصان المنتخب الإيطالي مصممة لتقدم تدليكًا للاعبين يمنحهم شعورًا بالراحة.

وخارج الملعب، فإن قمصان التدريب والسفر قد لحقتها تلك الثورة. يرتدي الكثير من اللاعبين الآن ملابس ذكية خلال التدريبات، ملابس يمكنها أن تحدد الأحمال على العضلات وتعطي بيانات واضحة عن مدى تأثر العضلة بالتدريب.

هذه الملابس تخبرك عن مدى دقتك في أداء التمرين، وقدرتك على استهداف العضلة المطلوبة، وعبر البيانات التي تنتجها الملابس وتحليلها يمكن استنتاج الكثير حول مستوى اللاعب البدني وحالة عضلاته.

كما لم يعد غريبًا الآن الملابس المكيفة ذاتيًّا والتي تقدم تبريدًا للاعبين أو تدفئة حسب الأجواء، والتي يرتديها اللاعبون خلال السفر عادة.

أحد التقنيات المميزة في الملابس الرياضية أيضًا، تقنية تقدمها شركة كايميرا، والتي تعتمد على الأشعة تحت الحمراء، حيث تمتص حرارة الجسم وطاقة الضوء المحيطة، وتعيدها للجسم ليعيد استخدامها، وتساعد على تحسين أداء الرياضيين بشكل كبير.

كروس على حق

لا يقتصر التطور على قمصان كرة القدم، بل على العكس، فإن الرياضات الأخرى قد شهدت قفزات أكبر في هذا المجال، والصراع على تطوير بدل السباحة على سبيل المثال يسهم في كل عام في كسر الأرقام القياسية، وبدلة مميزة قد تساهم في كسر عشرات الأرقام، كما فعلت بدلة «سبيدو ريسر» الشهيرة.

والأهم أن رحلة التطور التي حدثت تثبت مدى الأهمية الكبيرة لتلك القمصان، على راحة الرياضي وعلى أدائه، ولذلك فإن توني كروس يعي ما يقول بالفعل، وربما لا يعجبه شكل قمصان البولو فعلًا، لكن الأهم هو أنها لا تقدم الراحة المطلوبة التي نشدها عالم كرة القدم منذ  كان اللاعبون يرتدون ملابس العمل خلال المباريات.

ورغم أهمية شكل القميص بالنسبة للمبيعات، فربما يستجيب ريال مدريد لطلب لاعبه ويغير قميصه في العام القادم، وعندها ربما يحقق لقب الدوري بأريحية في العام القادم، فياقة القميص المزعجة هي ما سيمنعهم هذا العام على الأرجح.