إحدى الطرق التي قد تكون بها كرة القدم غريبة للغاية هي أنه من الممكن متابعة اللعبة لأكثر من 60 عامًا، كما فعلت، وما زلت تشعر بأنك لم تحصل على أدنى فكرة عما يحدث بالفعل أمام عينيك خلال المباراة. ومع ذلك -وهذا ما يجعلها فريدة من نوعها- قد تشعر أيضًا أنك قد فهمت اللعبة بشكل أفضل من بعض المدربين والمديرين الأعلى أجرًا والأكثر احترامًا.
الصحفي المخضرم «نيل ليندون» في جريدة التليجراف، عام 2014

قد تكون الحالة الغريبة التي وصفها «ليندون»، هي أكثر ما يحافظ للكرة على شغفها. ومهما أخبرنا المسئولون عن مدى التعقيد الحالي في اللعبة وقراراتها، يشعر المشجع نفسه أنه ملم بكافة التفاصيل، وإن لم يسعَ لذلك.

لكننا هذه المرة سنثبت أنك كمشجع، بإمكانك مراجعة قرارات أصحاب البدل، خاصة في حالة شراء اللاعبين.

سبب بديهي

يمكنك كمشجع وبكل جرأة أن تصنف «أنطوان جريزمان» كصفقة فاشلة، أو بالأحرى غير مناسبة لبرشلونة، ليس بناءً على ما يحدث، ولكن بناءً على ما سبق. عندما تأكد خبر انضمام اللاعب الفرنسي للبلوجرانا، خرج موقع «Football Whispers» بتحليل تحت عنوان: يجب على «جريزمان» أن يجد طريقة للهروب من مقبرة ميسي، والتي شملت إبراهيموفيتش وألكسيس سانشيز ونيمار وكوتينيو.

بنظرة سريعة إلى الخرائط الحرارية لسواريز وميسي، ثم مقارنتها بما كان يفعله جريزمان مع أتلتيكو مدريد، ستجد الأخير كان يملك حرية التحرك يمينًا ويسارًا أسفل منطقة الجزاء، في تطابق واضح مع مناطق لعب ميسي وسواريز، باستثناء تحركات المهاجم الأوروجواياني داخل منطقة الجزاء.

وبالتالي إن فرضنا قدرة «جريزمان» على الخروج من عباءة «دييجو سيميوني»، والتكيف مع أسلوب لعب فريقه الجديد، وشكله في التحولات، فما الحل في تداخل مناطق لعبه مع أفضل لاعب في العالم؟

نفس السبب الذي جعل «إبراهيموفيتش» يلعن أيامه في برشلونة، عقب تحول ميسي من الطرف إلى العمق. وهو نفسه سبب أيام «كوتينيو» التعيسة في الكامب نو، والتي يمكنك ملاحظة الفارق بينها وبين لعبه في المركز 10 مع البرازيل في كوبا أمريكا 2019، بصناعته 4.2 فرصة في المباراة، مقارنة بـ1.4 فرصة مع برشلونة.

يمكنك أيضًا إضافة «أليكسيس سانشيز» إلى القائمة، حين تطابقت مناطق لعبه، مع المناطق التي يفضل «بول بوجبا» التوغل بها، ليكتفي «سانشيز» بالمشاركة في 21% من تمريرات اليونايتد في الثلث الأخير، مقابل 33% مع منتخب تشيلي في كوبا أمريكا، لأن «تشارلي أرانجيز» كان موجودًا بدلاً من «بوجبا».

سذاجة مبررة

بالطبع فإن محاولة التنسيق بين نجوم الفريق، بحيث تكمل أدوارهم بعضها البعض، عوضًا عن التداخل، هي أمر بديهي، وهو ما أنجح ثنائيات مثل: بنزيما ورونالدو، سواريز وميسي، فالكاو ومبابي، دييجو كوستا ودافيد فيا ثم جريزمان، أو كان سببًا لتحول تيري هنري إلى جناح أيسر مع جوارديولا، وغيرها من الأمثلة.

وبقدر بداهة الأمر، ستسأل نفسك: كيف تقع إدارة النادي في مثل هذا الخطأ؟ ونحن نقرأ يوميًا عن الـ«ـMoneyBall»، وتطور البيانات والإحصائيات، والثورة التي غيرت كرة القدم، وإلى آخره.

أولاً، عليك أن تتذكر أن البيانات تخبرك أين تنظر، وليس ماذا تختار، وبالتالي فإن استخدام البيانات لا يقودنا بالضرورة إلى أفضل الاختيارات في كل مرة. ثانيًا، وهو الأهم، استخدام عدد كبير من المحللين، وإعداد عدد أكبر من التقارير المدعومة بأعقد الإحصائيات، يظل في النهاية مجرد توصيات، وما زال المسئول في الإدارة سيد قراره، إما يستعين بها أو يتخذ قراره وفقًا لرؤيته.

ومن هنا تملك بعض الأندية الكبيرة -كبرشلونة مثلاً- ما يمكن تسميته برفاهية سوء الاختيار، حيث يملك الفريق قوامًا رئيسيًا ونجمًا خارقًا مثل ميسي، سيحملون الفريق رغمًا عن الصفقات السيئة.

أما بالنسبة للفرق الصغيرة والمتوسطة، ونظرًا لمحدودية الميزانية، لن تتحمل سوء الاختيار، بل وبدأ كثير منهم يؤمن بأهمية البيانات للوصول إلى المواهب قبل الفرق الكبيرة.

وسواء هذا أو ذاك، فذلك يعني أن اللاعب عرضة للنجاح أو الفشل بناءً على النظام المتبع بكل نادي. وبالتالي سيحمل لنا المستقبل سانشيز آخر، وكوتينيو آخر، وجريزمان آخر، حتى يجد اللاعبون حلاً لتحسين اختياراتهم، كالذي وجده «ممفيس ديباي».

حل بسيط

كان «ديباي» واحدًا من الصفقات التي جلبها «لويس فان خال» إلى ملعب الأحلام، وانتظرت الجماهير منها الكثير. حتى رحل «فان خال» وأتى «مورينيو»، وفي النصف الأول من موسم 2016/2017، لم يبدأ «ممفيس» أي مباراة بالبريميرليج، فانهارت ثقته بنفسه وشعر أن مسيرته تذهب إلى مصير مجهول.

هنا تدخل وكيل أعماله، وقرر التواصل مع شركة «SciSports» للبيانات والإحصائيات، وطلب منهم القدوم لمدينة مانشستر، لمقابلة ديباي في منزله، حيث شاهدوا معًا مباراة ريال مدريد ودورتموند في دوري الأبطال، وبدأ اللاعب الهولندي يشرح لهم ما يريد عبر أوصاف عامة، مثل: الثقة، وحرية الحركة، والشعور بأهميته للفريق، إلى جانب رغبته في لعب كرة سريعة، وأن يجد مساحات للمراوغة من اليسار.

أخبر «جيلز براور»، مؤسس شركة «SciSports» موقع «The Athletic» أنهم قاموا بتحويل كلمات ديباي إلى خطوط عريضة لبدء البحث، وكانت البداية مع تحليل مباريات سابقة مع أيندهوفن والمنتخب الهولندي، ثم مانشستر يونايتد، لاكتشاف سبب معاناة اللاعب. ثم أتت الخطوة التالية بتجميع كل ما سبق في خوارزميات، وصناعة نموذج، يخبرهم بالأندية المناسبة.

وبما أن «ديباي» كان يريد التواجد في أحد الدوريات الخمس الكبرى، تم اختيار 5 أندية مناسبة، ثم وقع الاختيار على ليون الفرنسي، رغم أن الهولندي كان مطلوبًا في أندية أكبر حجمًا. ومع انخفاض سعره، كانت الصفقة مناسبة للطرفين. وبالفعل انفجر «ديباي» وتألق مع ناديه الجديد، وعاد للتألق مع منتخب بلاده. الأمر الذي دفعه لتوجيه الشكر للشركة ومؤسسها في سيرته الذاتية «Heart of a lion».

ما فعله «ديباي» ووكيله لم يكن أمرًا مألوفًا، ووفقًا لما قاله «جيلز براور» لـ«Tifo Podcast»، فإن البحث استغرق حينها من 7 إلى 10 أيام، أما الآن فيتم في غضون ساعات، والمزيد من الوكلاء واللاعبين يأتون تباعًا.

وإن حدث ذلك، وأصبح الأمر رائجًا، فإن المسار الحالي، الذي يحمل اللاعب إلى النادي، سيضاف إليه محطة جديدة أشبه بنقطة مراجعة، ستمكن اللاعب من مراجعة حسابات النادي – سواء مبنية على إحصائيات أو أهواء -وبالتبعية يزيد من فرص نجاحه، بدلاً من تعرضه لمصير كوتينيو وجريزمان.