محتوى مترجم
المصدر
المونيتور
التاريخ
2016/02/10
الكاتب
دورون بسكين

في ضوء سلسلة فضائح الفساد التي احتلت عناوين الأخبار في إسرائيل مؤخرًا، وهو ما تجلى في حكم المحكمة العليا الإسرائيلية بسجن رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت لمدة 18 شهرًا لإدانته بتلقي رشوة، يسري شعور عام بأن الفساد يتسرب بشكل غير مسبوق إلى داخل مؤسسات الدولة. ينعكس ذلك في استطلاع للرأي أُجرته القناة الإسرائيلية الثانية، في 8 يناير 2016، كشف عن أن 72% من المُستطلَع آرائهم يعتقدون أن المسئولين الذين انتخبوهم فاسدين.

تُصنف إسرائيل ضمن الثلث الأخير من أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تحتل المركز 24 ضمن 43 دولة

لم تداهن التصنيفات العالمية للفساد التي نُشرت خلال السنوات الأخيرة إسرائيل، خصوصًا عند مقارنتها بالدول الغربية الأخرى. فوفق مؤشر مدركات الفساد لعام 2015 الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية مؤخرًا، تُصنف إسرائيل ضمن الثلث الأخير من أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث تحتل المركز 24 ضمن 43 دولة.لكن بغض النظر عن الشعور العام بأن الفساد يستمر في الانتشار على الصعيدين الوطني والمحلي، يبدو أن الجمهور الإسرائيلي والنظام السياسي غير مبالين بالوضع، إن لم يكونوا في الواقع متسامحين تجاه اتهام الموظفين الحكوميين أو حتى إدانتهم بارتكاب جرائم فساد. يتمثل النموذج الأوضح على هذا التسامح في عودة قائد حزب «شاس»، «أرييه ديري»، إلى رئاسة وزارة الداخلية. بعد أن أُجبر على الاستقالة من ذات المنصب عام 1993 بسبب اتهامات بتلقي رشوة، ومن ثَمَّ تمت إدانته وقضى عامين في السجن. كذلك حظي موظفون عموميون آخرون بنفس الموقف المُتسامِح من جانب الجمهور، رغم تورطهم في فضائح فساد. على سبيل المثال، يظل «شلومو لاهياني»، عمدة «بات يام» السابق، الذي يقضي حاليًا عقوبة بالسجن لثمان سنوات، أحد أكثر رؤساء البلديات شعبيةً في تاريخ المدينة.يؤكد الخبراء الذين أجرى المونيتور معهم مقابلات على أن اللامبالاة التي يُظهِرها الجمهور الإسرائيلي تجاه التبعات الضارة؛ الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية للفساد لا تمثل أقل من تهديدٍ وجودي للدولة. ويعلق «إيتان إيرز»، المحامي المخضرم والناشط المناهض للفساد: «يعد الضرر الذي تتكبده إسرائيل بفعل الفساد حتى الآن أكثر خطورة من أي ضرر أحدثه بنا حزب الله خلال العقد الماضي».كذلك حذر «إيلي سولام»، المدير التنفيذي لـ «الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل» من التداعيات المُدمِرة للفساد العام، قائلًا: «بالنسبة للفساد، تتجه إسرائيل نحو الحالة التي يُرثى لها الخاصة بدول العالم الثالث. وتعتقد حركتنا أن التهديد الوجودي الحقيقي للدولة مُتمثِل في الفساد، الذي يحمل خطر تمزيق النسيج الاجتماعي للدولة. وتُعتبر الفجوات الأوسع مطلقًا بين مستويات الدخل، وتراجع الأخلاق، الذين نشهدهم في المجتمع الإسرائيلي حاليًا خطرًا أكبر من أي تهديدٍ أمني».

إن اللامبالاة التي يُظهِرها الجمهور الإسرائيلي تجاه التبعات الضارة للفساد تمثل تهديدًا وجوديًا «للدولة»

يشير الخبراء إلى أن الفساد في إسرائيل يُعتبر أحيانًا – خصوصًا على مستوى البلديات ومن قبل المُقيِمين – عملية بنّاءة تعزّز سرعة إنهاء الأمور العالقة وتتجاوز الإجراءات البيروقراطية. وصرح «يوفال فيلدمان»، عضو كلية الحقوق بجامعة بار إيلان والزميل البارز بالمعهد الإسرائيل للديمقراطية، للمونيتور: «يمكن تعقب بعض آثار الفساد على مستوى البلديات وصولًا إلى الخطوط الغامضة الفاصلة بين الساحة الشخصية والمجال المهني. ففي الحقيقة، يسعى الإسرائيليون إلى التواصل بشكل مباشر مع رؤساء البلديات. ويهتم رؤساء البلديات من جانبهم بتعزيز أوضاع المدينة واجتذاب الاستثمارات والتعاقدات، وتحقيقًا لهذا الهدف، يتبنون سلسلة من الإجراءات بنيّة حسنة في ظاهرها. ولكن بشكل عملي يتضح أنهم يتجاوزون القوانين، وعند ذلك يكونون أقرب إلى التعرض للاتهام».أضاف سولام، الذي يعتقد أن الجمهور الإسرائيلي غير واعٍ بالخطر الكامن وراء الفساد: «يُنظر إلى الفساد على أنه شرعي. ويُعتبر الخطر الأخلاقي الناتج عن ذلك هو الأخطر». ويسلّط سولام الضوء على الفارق بين إسرائيل والدول الأخرى في رؤيتها للفساد، حيث أكد: «في الدول التي تحترم قوانينها، سيتحمل المسئول البارز (المتورط في قضية ما غير مقبولة) المسئولية وسيستقيل، حتى مع عدم توجيه أي تهم جنائية إليه. ولكن في إسرائيل، تسري العادة على العكس تمامًا. فإن تم توجيه اتهامات بارتكاب جرائم فساد ضد مسئول بارز، وخرج من إجراءات التقاضي بحكم براءة، أو حتى إن تمت تبرئته جزئيًا فقط. فإن الجمهور، وكذلك هو نفسه، يعتبر حكم البراءة شهادة بشرعية ما فعله».ورغم أن الإسرائيليين ربما يكونون غير مدركين لذلك، يؤثر الفساد على المقيمين في إسرائيل بالكامل. وقد طرح سولام مثالًا على ذلك، قائلًا: «وجدت حركتنا أن بعض الشراكات التي تعمل في قطاع صناعة الخضراوات والعسل مشبوهة. حيث تتعاون تلك الكيانات لرفع الأسعار على حساب الجمهور».حيث ترتفع أسعار العسل في إسرائيل عن نظيراتها في الولايات المتحدة بنسبة 35% لأن الأسواق المحلية خاضعة لسيطرة اتحاد احتكاري يحمل اسم «مجلس العسل». على خلاف ما قد يشير إليه اسمه، لا يمثل ذلك الكيان هيئة حكومية، بل اتحاد خاص يتمتع بسلطات هائلة ويحتكر السوق، بعد نجاحه في القضاء على جميع منافسيه تقريبًا، فيما عدا اثنين. في تلك الحالة، ما يثير الشكوك بصدد ارتكاب جرائم فساد وتضارب المصالح، هو أن ممثل الحكومة في المجلس يمتلك حصة في إحدى الشركات التي تسيطر على سوق العسل.بعد الإشارة إلى المشكلات المتعلقة بالفساد، اقترح الخبراء إجراءات للتعامل مع المشكلة في إسرائيل، والتي اشتملت على الشجب العلني للفساد وفرض عقوبات أقوى. «لماذا نمنح، كمجتمع، هؤلاء المدانين بالفساد امتياز أن يصبحوا مشاهير يتصدرون برامج الواقع وأعمدة القيل والقال؟ يتعين على الجمهور تجنب أي حدث يحضره أي شخص مُدان بالفساد»، وفق إيرز.

نحن الإسرائيليون لدينا ولع بتطوير الإجراءات الجنائية، فلا نحاول فهم طبيعة الوضع الذي يدفع أشخاصًا أمناء إلى التحول إلى مجرمين فاسدين

بينما يقترح فيلدمان نهجًا مختلفًا. حيث قال: «نحن الإسرائيليون لدينا ولع بتطوير الإجراءات الجنائية، ونبحث باستمرار عن الثمار العفنة على الشجرة. فلا نحاول حتى أن نفهم طبيعة الوضع الذي يدفع أشخاصًا أمناء إلى التحول إلى مجرمين فاسدين. وما نحن في حاجة إليه هو أسلوب واسع الأفق يتجاوز الحدود الصارمة للقانون الجنائي. يجب تبني جميع الجهود اللازمة للتوصل إلى جميع أبعاد المشكلة».كما أشرت آنفًا، يسري اعتقاد بين المواطنين الإسرائيليين بأن الفساد آخذ في التفاقم داخل مؤسسات الدولة، ولكن الإسرائيليين يبدون غير مباليين تجاه ذلك الوضع ومخاطره المحتملة. لقد قاد الساسة الإسرائيليون الجمهور نحو الاعتقاد بأن الخطر الحقيقي الذي يواجهونه يكمن في التهديدات الأمنية، وبناءً على ذلك يجب تنحية أي نقاش عام بشأن العواقب الخطيرة للفساد جانبًا. وبالتالي، يُرجّح أن تستمر التطورات الجيوسياسية في المنطقة في صوغ بنود الأجندة العامة، ما يسمح باستمرارية انتشار الفساد.