الأبطال لا يصنعون في صالات التدريب، بل يصنعون من أشياء عميقة في داخلهم تلك الأشياء هي: الحُلم والإرادة والرؤية.
«محمد علي كلاي»

معاناة من ضعف الإمكانيات ثم تطويع للإمكانيات حتى الوصول إلى النجاح بعد تخطيط محكم على مدار السنوات، هذا تحديدًا ما حدث مع الدولة صاحبة التطور الأبرز في الكرة الأفريقية خلال الفترة الحالية «موريتانيا».

اقتصرت معرفة الكثيرين عن دولة موريتانيا على أنها بلد عربي بالإضافة إلى بعض المعلومات الجغرافية أو التاريخية. وإذا كنت تحب الثقافة ستزيد من ذلك بأنها بلد المليون شاعر التي خرج منها أصل الشعر العربي قديمًا، ولكن عند الحديث عن كرة القدم ففي الغالب ستتوقف معلوماتك عند تذكرك لمباراة ودية كانت أمام منتخبك الوطني أو طرفًا في مباراة ضد أحد كبار القارة.

لا عيب في ذلك فـموريتانيا كانت غائبة تمامًا عن المحافل الأفريقية لكرة القدم، ولكن مع بداية العقد الثاني من الألفية الحالية بدأت ملامح التغيير. ظهر لنا منتخب شاب بدأ يتسلل بخطى ثابتة بين كبار القارة، يواجه بعض الصعوبات ولكن بالعزيمة والإصرار نجح في الوصول لأول هدف له من مجموعة الأهداف التي تم التخطيط لها على المدى البعيد.


بداية الحلم بقيادة الشاب «أحمد ولد يحيى»

تزامنت مع ثورات الربيع العربي على الصعيد السياسي وأنظمة الحكم ثورة أخرى في موريتانيا ولكن على صعيد كرة القدم بدأت بوصول السيد «أحمد ولد يحيى» لرئاسة الاتحاد الموريتاني لكرة القدم في يوليو/تموز من عام 2011، وهو في عامه الخامس والثلاثين بعد أن تقدم باستقالته من رئاسة نادي نواذيبو الذي أسسه بنفسه نهاية القرن الماضي.

كان صعبًا في البداية أن تتقدم الكرة الموريتانية خطوة للأمام، ولكن أحمد ولد يحيى كان له طموح آخر مختلف عن الآخرين،إذ قال في تصريح إعلامي فور توليه رئاسة الاتحاد الموريتاني لكرة القدم مباشرةً:

إن الخمول الذي تعاني منه كرة القدم الموريتانية ليس قدرًا محتومًا حتى نستسلم له، لكنه مرض يحتاج إلى علاج.

بالطبع لكل مرض علاج وأول خطوات العلاج له هو العلاج النفسي بـعدم الاستسلام للمرض، حتى وإن فشل فـيكفيه شرف المحاولة. نصائح كانت تقال لنا عندما كنا أطفالاً لم نكن نعرف عنها الكثير، لكن مع مرور السنوات تأكدنا من صحتها، فالحياة لن تضحك أبدًا لعديمي الطموح.

أول المشكلات التي واجهت الاتحاد الكروي الجديد كانت إيقاف المنتخب الموريتاني من المشاركة قاريًا بسبب الانسحاب من تصفيات كأس الأمم الأفريقة 2010 لوجود ضائقة مالية، ولكن ولد يحيى قرر عدم الاستسلام وأصر على تنفيذ البرنامج الذي وضعه لتطوير الكرة الموريتانية، وهو قيادة الكرة الموريتانية للظهور على الساحة الأفريقية.


الانطلاق نحو أدغال الماما أفريكا

بدأ «أحمد ولد يحيى» في جني أولى ثمار العمل الجاد بـتأهل المنتخب لكأس الأمم الأفريقية للاعبين المحليين عام 2014 بعد أن نجح المنتخب في تخطي منتخبي ليبيريا و السنغال لتكون المشاركة الأولى في تاريخ موريتانيا في البطولات القارية.

على الرغم من الخروج المبكر من الدور الأول من البطولة إلا أن الاتحاد الموريتاني أصر على إكمال ما تم البدء فيه، فبعد الخروج من البطولة أعلن الاتحاد الموريتاني التعاقد مع المدرب الفرنسي كورنتين مارتينيز ليكون مديرًا فنيًا للمنتخب، ثم تعيين الإسباني باكو فورتيس في منصب المدير الفني للاتحاد الموريتاني ليضع خطة تطوير المواهب الشابة.

وفي هذا الشأن صرح السيد الشيخان مولود، المدير العام للمنتخب الموريتاني، إلى موقع إضاءات عن مرحلة التطوير التي مر بها المنتخب الموريتاني قائلاً:

منذ وصول ولد يحيى كان لدينا برنامج مكتوب لتطوير الكرة الموريتانية ومنافسة دول القارة الأفريقية. عملنا على مشاركة منتخباتنا الوطنية بجميع الفئات العمرية في جميع التصفيات وكذلك البطولات الودية. شاركنا بشكل منتظم في دورات عالمية مثل «كوتيف» في إسبانيا وبطولات اتحاد شمال أفريقيا وغيرها، وهي المشاركات التي جعلت اللاعب الموريتاني مؤهلاً منذ صغره لخوض غمار التصفيات بكفاءة عندما وصل للمنتخب الوطني وتم ذلك بالتوازي مع تطوير بطولتنا المحلية لتحسين مستوى المنافسة فيها، فخرج من رحمها عدد كبير من لاعبي منتخبنا الحالي المتأهل لكأس أفريقيا.

تحت قيادة الفرنسي كورنتين مارتينيز نجح المنتخب الموريتاني في مرور الدور الأول من تصفيات أمم أفريقيا 2015 قبل الخروج أمام المنتخب الأوغندي في الدور الثاني من التصفيات. حلم التأهل للكان كان وشيكًا في نسخة 2017 لكن احتلال المركز الثاني خلف منتخب الكاميرون حال دون ذلك، وفي العام ذاته نجح المنتخب الموريتاني في الظهور في التصنيف الشهري للمنتخبات الصادر من الاتحاد الدولي فيفا ليحتل في شهر يوليو المركز الواحد والثمانين عالميًا.

تحصل الاتحاد الموريتاني في حفل جوائز الكاف لعام 2017 على جائزة أفضل اتحاد في القارة ،وتوج أحمد ولد يحيى بـلقب «قائد العام» في أفريقيا.


التأهل لكأس الأمم الأفريقية ولكن ما زال هناك الكثير

تحقق الحلم بالتأهل لكأس الأمم الأفريقية للمرة الأولى في تاريخ موريتانيا بعد التفوق على منتخبات انجولا و بتسوانا وبوركينا فاسو ليتأهل المرابطون إلى جانب المنتخب الأنجولي. ولكن التأهل لكأس الأمم ليس نهاية المطاف فهناك حلم أكبر من ذلك، إذ قال أحمد ولد يحيى في حديث إعلامي مع أحمد شوبير بعد التأهل لكأس الأمم الأفريقية: «تم التخطيط لكأس الأمم الأفريقية منذ سنوات والآن نأمل للتأهل لكأس العالم».

قد يكون الحلم صعبًا ولكن ليس مستحيلاً، فالاتحاد الموريتاني يسير على نظام صارم يتم تطبيقه على جميع الفئات العمرية للمنتخبات الوطنية، حيث انتشرت صورة من أحد معسكرات منتخب موريتانيا للشباب قبل مواجهة منتخب الجزائر يوضح فيها نظام اليوم الذي يسير عليه المنتخب بتوقيتات محددة ما بين مواعيد محددة للاستيقاظ والتدرب وأيضًا الالتزام بمواعيد الشعائر الدينية.

يتحاكى الجميع بالتزام الغرب في حياتهم عن العرب، هي حقيقة، هم يضعون نظامًا وقواعد يطبقونها دون إغفال أي جانب، هي كالمعادلة التقصير في أي جانب سيؤدي لضياع بقية القواعد. وفي هذا الشأن قال السيد الشيخان مولود لموقع إضاءات:

لدينا في كل المنتخبات بكل الفئات العمرية نفس البرنامج المهني الصارم، وهذا واحد من أسرار نجاح منتخبنا الوطني، لأن اللاعب يصل إليه بعد تجربة طويلة محكمة بنفس النظام.

المنتخب الموريتاني لديه عدد كبير من اللاعبين الشباب ولديه منظومة عمل قوية تضع خطة وتعمل على تنفيذها حتى تصل إلى ما تهدف إليه، لذلك فرضيات أن يكون ما تمر به الكرة الموريتانية طفرة وستعود أدراجها هي فرضيات خاطئة في الغالب. عندما تريد القيام بشيء لابد أن تعلم ماذا تريد وكيف ستقوم به، باختصار هذا ما يحدث في معسكر الاتحاد الموريتاني.


الحصان الأسود والعودة للماضي لبلاد شنقيط

اشتهرت موريتانيا قديمًا بأجود أنواع الخيول، إذ تُعرف موريتانيا ببلاد شنقيط، وشنقيط تعني «عيون الخيل». تراجعت أهمية الخيول في موريتانيا بوصول الاستعمار الفرنسي إلى أن جاء فرنسي آخر وهو «كورنتين مارتينيز»، المدير الفني للمنتخب الموريتاني، ليقود موريتانيا لتكون هي الحصان الأسود في أفريقيا خلال السنوات القليلة الماضية وتكون مرشحة بقوة لأخذ لقب الحصان الأسود في كأس الأمم الأفريقية.

أوقعت القرعة المرابطين في المجموعة الخامسة إلى جانب تونس، مالي، أنجولا. مجموعة قد تكون متوازنة للمنتخب الموريتاني وتزداد فرص التأهل للدور الثاني بـنظام البطولة الجديد بتأهل أصحاب المركز الأول والثاني مع أفضل أربعة منتخبات من أصحاب المركز الثالث. التأهل للدور الثاني سيكون إنجازًا في حد ذاته، لكن لن يكون الغاية الكبرى، فـإن كان الطموح هو مجرد تمثيل مشرف لما كان المنتخب الموريتاني في مصر، حيث تحدث السيد الشيخان مولود في حوارنا معه عن طموح المنتخب الوطني في البطولة:


القائد الذي خرج من التلفاز إلى الواقع

هدفنا هو المنافسة الجادة في كل مباراة نخوضها، ونسعى حاليًا إلى التأهل للدور الثاني، وبعدها سنخطو كل خطوة بما يناسبها. نحن نحترم جميع المنتخبات الموجودة معنا، ونعرف أنها منتخبات قوية وقد سبقتنا جميعًا لهذه البطولة، ولكن مع ذلك نرى أن حظوظنا هي تمامًا كحظوظهم.

نتذكر جيدًا أيام الطفولة، كان لنا بطل في أفلام الرسوم المتحركة نحاول أن نقلده في كل شيء. هل تتذكر كم مرة حاولت أن تقلد مراوغة لكابتن ماجد أو تسديدة قوية لبسام؟ هل تتذكر تفاعلك مع كل مباراة وانتظارك بشغف للحلقة التالية؟ لقد تعلقت بالكثير والكثير حول تلك السلسلة لكن مولاي أحمد خليل النجم الأول للكرة الموريتانية تأثر بهذه السلسلة بشكل خاص.

أحب مولاي شخصية بسام، قلد أسلوبه عندما كان يلعب رفقة أصدقائه. كان يقلده في كل شيء ليس في أسلوب لعبه فقط؛ لذلك أطلق عليه لقب بسام تيمنًا به حسب ما صرح به مولاي أحمد لموقع الاتحاد الدولي فيفا في عام 2015:

كنت أتابع هذه الرسوم المتحركة عندما كنت صغيرًا وعندما كنت ألعب مع الأصدقاء كانوا يلقبونني ’بسام‘ لأنني كنت أحب هذه الشخصية الكارتونية وكنت أقلده في كل شيء بما في ذلك طريقة لفّه لأكمام القميص الخاص به

هل تتذكرون ماذا كان يفعل بسام في أرضية الملعب؟ يراوغ الأول والثاني والثالث والرابع ثم يدخل منطقة الجزاء ثم يسدد كرة من فوق الحارس لتسكن الشباك. هذا ما فعله أيضًا مولاي أحمد عندما سجل هدفًا لمنتخب موريتانيا في مرمى منتخب جنوب أفريقيا في تصفيات كأس العالم 2018 بـروسيا.

يقود بسام ورفاقه أحلام الشعب الموريتاني للتحليق بعيدًا في سماء بلاد الفراعنة، يمتلك المنتخب الموريتاني مجموعة مميزة من اللاعبين إلى جانب بسام، هناك إسماعيل دياكيتيه، عبد الله با، خاسا كمارا بالإضافة إلى المزيد من اللاعبين الذين نجحوا في تحقيق حلم كبير بالتأهل الأول لكأس الأمم الأفريقية 2019.