حينما انتهت رحلة وائل جمعة مع الأهلي لاعبًا والتي استمرت 14 عامًا، كان لزامًا أن يجد مكانًا للعمل بين جدران القلعة الحمراء التي تجيد دائمًا إخلاء الأماكن للاعبين الأكفأ -والأقل إثارة للمشاكل- خلال فترات وجودهم في النادي، ووقع اختيار جمعة لمنصب شائك وحساس للغاية وهو مدير الكرة بالأهلي.

في 2014، حينما اختير جمعة لهذا المنصب، استمدت المهمة صعوبتها من الحالة الفنية والذهنية لفريق كرة القدم. فريق بدأ يتعاظم فيه نفوذ بعض اللاعبين مثل حسام غالي وعبد الله السعيد ووليد سليمان، وفي ذات التوقيت صعود لاعبين جدد من الناشئين مثل عمرو جمال ورمضان صبحي وكريم بامبو.

أضف إلى ذلك حالة التخبط الفني تحت إمرة كل من فتحي مبروك وخوان كارلوس جاريدو ثم عودة فتحي مبروك، وما استتبعه ذلك من خسارة الأهلي للقب الدوري الوحيد في آخر 16 عامًا لصالح الزمالك.

وبدلاً من أن يكون قرار الأهلي حينها بتعيين وائل جمعة مديرًا للكرة كفيلاً بضبط الموقف، زاد الطين بلة.. فوائل جمعة دخل في مشكلات مع كبار اللاعبين وبالتحديد مع حسام غالي، الذي يُعد ليكون كادرًا إداريًا أهلاويًا منذ عودته من هولندا، فدارت عملية «ترميزه» بشكل متقن تمامًا في آخر سنواته داخل الملاعب.

دخل جمعة في مشادة أعقبت إحدى مباريات الأهلي الإفريقية مع حسام غالي تم تصويرها بوضوح، ثم استبعده من قائمة الأهلي المتجهة إلى تونس لملاقاة الإفريقي في آخر مراحل الدور التأهيلي من دوري أبطال إفريقيا.

ثم فجر الصخرة حفنة من القنابل في حوار صحفي مع الإعلامي إسلام صادق بالمصري اليوم، تحدث فيها عن سباب حسام غالي للاعبي الأهلي الذي تجاوز كل الحدود. لم يفت على ذلك الحوار أيام حتى كان وائل جمعة خارج الأهلي بقرار من القلعة الحمراء التي غلّبت عليه غالي.

حينها بدأ جمعة يخسر دعم الأهلي بوضوح عبر مجلس إدارته، ومن المعروف أنك حينما تخسر مجلس إدارة في الأهلي بسبب قضية تتعلق بـإفشاء أسرار النادي للإعلام ونقل ما يدور في الغرف المغلقة دون تنسيق فإنك تخسر كل المجالس بعده.

الانتخابات: سقوط يطرح التساؤلات

خرج وائل من الملاعب تمامًا، وبدأ يتجه إلى مشوارين متوازيين، التحليل الإعلامي عبر شبكة قنوات بي إن سبورتس، ومحاولة إيجاد فرصة في اتحاد الكرة المصري، وهو ما كان يفترض أن يخوض استحقاقه في 2016. راهن جمعة على قائمة الفرس الرابح دائمًا في انتخابات الجبلاية: هاني أبو ريدة.

وفي 2016، ولدى نجاح غالبية أعضاء قائمة أبو ريدة، فوجئ الكل بفشل وائل جمعة، ما مثّل علامة استفهام كبيرة، ولكنه طرح سؤالاً هامًا: هل حظي جمعة بدعم الأهلي في تلك الانتخابات؟

الأهلي والزمالك يقودان كثيرًا من الكواليس في الجمعية العمومية لاتحاد الكرة المصري تاريخيًا، وميل أحدهما لكفة مرشح تعني غالبًا أنه سينجح في أي استحقاق انتخابي يخص الجبلاية، ورغم أن جمعة حصل على صوت الأهلي في الانتخابات، لكنه عرف جيدًا أنه شتان ما بين الصوت فقط، والدعم الكامل.

خلال الفترة التي أعقبت إقالة جمعة من منصب مدير الكرة وحتى فشله انتخابيًا، اقتصر ظهوره على قناة الأهلي مثلًا على مداخلات بين الحين والآخر، ولم تفرد له مساحات الرد حتى عبر وسائل الإعلام، واكتفى فقط برد مقتضب عبر بي إن سبورتس في 2016 حين قال: «الأهلي فوق الجميع».

عرف وائل جمعة أن المناخ المصري الرياضي كله أقفل في وجهه باكرًا رغم مرور عامين فقط على اعتزاله، والسبب أنه لم يكن على وفاق صريح مع مجلس إدارة الأهلي برئاسة محمود طاهر آنذاك.

لم يعد له سوى مساحة الأستوديوهات التحليلية في بي إن سبورتس، وهي المساحة التي بدأت تتخذ أهمية إستراتيجية في الوسط الرياضي المصري شيئًا فشيئًا، وكان لزامًا أن يستغلها جمعة أفضل استغلال.

أستوديوهات «بي إن سبورتس»: حياد مقنّع

أستوديوهات بي إن سبورتس التي تتعلق بدوري أبطال إفريقيا ويكون طرفاها عربيين، تكون عبارة عن محللين في الغالب تراهن القناة على السجال بينهما في سياسة جذب معتادة في أي منصة إعلامية «طرف مصري وطرف شمال إفريقي».

كان الاختبار الأول لجمعة في نهائي دوري أبطال إفريقيا 2017 أمام الوداد، وبالتحديد عقب مباراة الذهاب التي انتهت بهدف لمثله في برج العرب وطالب فيها كل المنتمين للأهلي بركلة جزاء لصالح وليد أزارو لم يحتسبها الإثيوبي باملاك تيسيما.

شاهد جمعة محلل بي إن سبورتس جمال الشريف وهو يقول إن هذه اللقطة لا تستوجب ركلة جزاء، ولم يرد مقاطعته أبدًا، ولم يعرف كيف يطرق أبواب الأهلي مجددًا ومجلس إدارته الجديد برئاسة محمود الخطيب.

قبل خوض مباراة العودة التي أدار الأستوديو الخاص بها هشام الخلصي، الذي يفضل دائمًا إعطاء دروس في الحياة لأي شخص في الأستوديو، فضلًا عن أن يكون مصريًا. حاول جمعة الرد على تصريحات مدرب الوداد الحسين عموتة التي قال فيها إن لاعبي الأهلي تعمدوا إصابة أوناجم في الذهاب كي لا يلحق بالعودة، فباغته الخلصي بنصائحه المعتادة التي يكسوها الحياد.

أتت مباراة العودة وخسر الأهلي، في مباراة شهدت جدلاً حول أداء الحكم باكاري جاساما­­، وبدا وائل جمعة مستعدًا لخوض معركة ضد جمال الشريف، لكن ما إن ظهر السوري على الشاشة وقال إن حكم اللقاء أدى مباراة ممتازة، حتى قال وائل جمعة: «مش هتكلم تاني عشان مش عايز أجادل»، قبل أن يترك المساحة لتهكمات هشام الخلصي في الأستوديو عليه.

لم يستغل جمعة هذا الحدث كي يبرز نفسه «كـحامٍ للحمى»، على عكس محمد أبو تريكة الذي تناول في أستوديو الدوري الإنجليزي لقطة وليد أزارو تلك، وتذكر جيدًا هذا الربط لأننا سنحتاجه بعد قليل.

اضرب يا بدري

كانت تلك اللحظة التي تعلم منها وائل جمعة من أين تؤكل الكتف، ولكنه دفع الضريبة غاليًا كي يتعلم!

الأهلي يواجه الترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا 2018، والأستوديو مكون من مهند الجالي والحسين عموتة وطارق دياب في تمثيل شمال إفريقي كامل، ووائل جمعة ممثلًا لمصر. كان لقاء من أكثر اللقاءات التي شهدت جدلاً تحكيميًا في تاريخ القارة السمراء، انتهى بفوز الأهلي 3-1 بركلتي جزاء مثيرتين للجدل احتسبتا لوليد أزارو.

بادر عموتة بعد نهاية المباراة بجملة: «مبروك للحكم»، ثم شكك طارق دياب في ذمة مهدي عبيد حكم المباراة، وأدار الجالي الأستوديو لحساب شمال إفريقيا بالكامل في تحيز غريب، سيفعله الجالي بعد ذلك كثيرًا.

صمت جمعة تمامًا أمام هذا التحيز الذي أكمله جمال الشريف برأيه التحكيمي.

ساعات قليلة وكان أداء وائل جمعة ذاته على طاولة برنامج أحمد موسى الذي لا يتكلم عادة من تلقاء نفسه. خصص موسى 3 دقائق للوم وائل جمعة ووصفه بأنه بدا ذليلًا ومستسلمًا أمام الأطراف التي كانت «تقسّم عليه» في الأستوديو على حد وصفه.

تخيل أن يتمنى أحمد موسى أن يكون محمد أبو تريكة حاضرًا في الأستوديو مكان وائل جمعة ليدافع عن شيء ما يحمل علم مصر!

تعلم وائل جمعة الدرس جيدًا، وقبل مباراة العودة استدعيت لقطات الذهاب، وطالب جمعة جمال الشريف بالعودة لعام كامل حيث ركلة جزاء أزارو أمام الوداد قبل أن يهاجم السوري بضراوة متهمًا إياه بالتناقض، ثم عاود الدفاع عن دوافع مهدي عبيد رغم أخطائه في الذهاب.

من هنا تشكّل وائل جمعة جديد في الأستوديوهات التحليلية التي تخص الأهلي. وائل جمعة سيدافع عن الأهلي مهما كلفه الأمر، لأن ذلك هو الباب الوحيد إداريًا وجماهيريًا للعودة مجددًا من تلك الفترة العصيبة التي حاول التصرف بها بحيادية تمامًا، ولكنه فوجئ بأن الوسط خارج مصر أيضًا لا يسير كذلك!

الوداد 2020

مع تحسن نتائج الأهلي، واقترابه من مصاف التتويج في 2020، كان الكل ينتظر وائل جمعة أمام الوداد في نصف النهائي، وفي الذهاب حينما احتسبت ركلة جزاء للمغاربة أهدرها بديع أووك.

هاجم جمعة الحكم بضراوة، وفي العودة تهكم على مطالبات عزيز بنيج المحلل المغربي بركلة جزاء لصالح الوداد في الشوط الأول.

هنا بدأ وائل جمعة يعود إلى الرادار الأهلاوي مجددًا، دافع عن الأهلي في كل وقت وفي الصغير والكبير وحتمًا ستتبدل الأحوال.

الترجي 2021

كما كانت الأقدار سخيفة مع وائل جمعة في تراتب الأستوديوهات التحليلية التي “تكاثر عليه فيها محللو شمال إفريقيا” وهبته الأقدار فرصة للعودة على طبق من ذهب.. وهي مباراة الترجي في نصف نهائي دوري أبطال إفريقيا 2021.

ولأن مباراة العودة على وجه الخصوص كان بها حادث تحكيمي مثير للجدل، ولأن مهند الجالي كان هو مدير الأستوديو مجددًا، في وجود طارق دياب وعزيز بنيج، فقد كان وائل جمعة يدرك جيدًا أنها فرصة مثالية لدخول أحضان الأهلي من جديد.

تدخل من إلياس الشتي على طاهر محمد طاهر، يُحتسب بتقنية الفار ركلة جزاء وطردًا على المدافع الجزائري، ويفتتح الأهلي التسجيل ويقصي الترجي إكلينيكيًا من البطولة.

ولأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين، فقد تنبأ جمعة هذه المرة بافتتاحية الجالي لفترة ما بين الشوطين والتي قال فيها بوضوح وبمنتهى التحيز، إن الأهلي استحق ركلة جزاء ولم يستحق طرد الشتي، ووافقه بنيج ودياب.

سكت جمعة كثيرًا ثم عقّب بحكم القانون –الذي قال فيما بعد إن بعضًا من جماهير الأهلي راسلوه وهو على الهواء ممدين إياه بالمعلومات التامة حول الأمر- وألجم جمعة كل من في الأستوديو بحجته التي اعترف الكل بصحتها فيما بعد، حتى أن الجالي تحدث فقط عن «أسلوب وائل جمعة» بعد أن كان قد بدأ التحليل «بـعدم استحقاق حالة الطرد».

مكافأة!

صارت قناة الأهلي مساحة تكريم لمن يريد الأهلي العرفان بالجميل لهم. البعض يكون الأهلي قاسيًا عليهم فيقصيهم من القناة، والبعض يُقصى لمدة ثم يعود، وهي الفئة التي كرم بها الأهلي جمعة على ذلك الأداء الملحمي في معركة أستوديو الأهلي والترجي 2021.

وبكلمات إشادة واضحة من زميله السابق والمذيع الحالي إسلام الشاطر الذي افتتح حلقته بتثمين جهد وائل جمعة في «إنه يجيب حق الأهلي» والعديد من التناولات لـلمتربصين والمشككين الذين رد عليهم جمعة.

وبحلقة استمرت لأكثر من ساعتين استدعيت فيها كل الذكريات، أعلن الأهلي عودة جمعة لأحضانه خصوصًا بعد سلسلة من الآراء خارج الأستوديوهات التحليلية وقف فيها جمعة عبر منصات التواصل الاجتماعي الخاصة به مع إدارة الأهلي في وجه لاعبين كبار راحلين ولاعبين سابقين في شتى المواقف التي لا يتسع المقام لذكرها كلها.

تلك الحلقة كانت الأطول والأكثر كثافة في المحتوى ضمن سلسلة من 3 حلقات ظهر فيها جمعة على قناة الأهلي منذ أن بدأ في «إحضار حق الأهلي» وكلها كانت في آخر عام فقط، بعد 6 سنوات كاملة انحصر فيها ظهور واحد من أهم لاعبي الأهلي التاريخيين على قناة النادي، في خانة المداخلات البسيطة واللقاءات الهامشية.

وهكذا أديرت الأستوديوهات، وبُيّضت الدفاتر.