تضم الهند أضخم أقلية مسلمة في العالم، وتحتل المركز الثالث في عدد السكان المسلمين بعد إندونيسيا وباكستان، وتضم أكثر من عُشر إجمالي تعدادهم العالمي. ومع الإقرار بتضارب الإحصاءات في هذا الصدد، من المؤكد أن نسبة هذه الأقلية لا تقل عن 14% من سكان الهند، أي نحو 200 مليون على أدنى تقدير.

وكان المسلمون يمثلون نسبة أكبر من ذلك بكثير في الهند، لكن عند الاستقلال عام 1947، انفصلت معظم الولايات ذات الأغلبية المسلمة وكوَّنت دولة باكستان خشية من التشدد الهندوسي.

صعود اليمين الهندوسي

تأسَّست منظمة آر أس أس (RSS) الهندوسية المتطرفة في عشرينيات القرن الماضي ولم تلعب أي دور في كفاح الهند من أجل الاستقلال عن الاحتلال الإنجليزي، بل اهتمت بقضايا دينية وعرقية وطبقية، بينما تزعَّم غاندي مسيرة الكفاح الوطني ضد الاحتلال من خلال حزب المؤتمر بجناحيه الهندوسي والإسلامي، وبعد استقلال الهند أصبح المؤتمر الوطني الحزب السياسي الأكثر شعبية في البلاد، وفاز في كل الدورات الانتخابية حتى عام 1977 عندما ضربته الانشقاقات وضعفت شعبيته بسبب السياسات التسلطية لرئيسة الوزراء وقتذاك، أنديرا غاندي، ومن هنا كان الصعود السياسي لليمين الهندوسي المتطرف.

تأسس حزب «جانا سانغ» اليميني 1951 ردًّا على سياسات حزب المؤتمر الوطني ليكون بمثابة الذراع السياسية لمنظمة آر أس أس RSS المتطرفة، وركزت أجندته على حماية الهوية الهندوسية والمزايدة الدينية على حزب المؤتمر، والمطالبة بإلغاء الوضع الخاص لإقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة، وقد اعتُقل موخيرجي، مؤسس الحزب، في مايو 1953 على خلفية رفضه لسياسة الدولة تجاه كشمير وتوفِّي في السجن.

وفي عام 1968 تولى قيادة الحزب أتال بيهاري فاجبايي، الذي عمل على توسيع تواصل الحزب مع القوى السياسية الأخرى وتوسيع قاعدته، وهو التوجه الذي تم تتويجه عام 1977، باندماج الحزب مع جميع أنحاء الطيف السياسي المعارض، وفي ذلك الحزب الاشتراكي والرأسماليون لتشكيل حزب «جاناتا» الذي كان جدول أعماله الرئيسي هزيمة أنديرا غاندي.

فاز حزب «جاناتا» بالأغلبية في عام 1977 وشكَّل حكومةً عُيِّن فاجبايي وزيرًا للشئون الخارجية وتقارب مع الولايات المتحدة، وفي عهده أصبح جيمي كارتر أول رئيس أمريكي يقوم بزيارة رسمية للهند.

فشلت تجربة جاناتا بسبب عدم تجانس مكوناته، فلم تنقطع صلة أعضائه اليمينيين بمنظمة آر أس أس (RSS) المتطرفة، وتزايد العنف بين الهندوس والمسلمين بصورة حادة خلال السنوات التي شكَّل فيها حزب جاناتا الحكومة، وتم اتهام أعضاء جانا سانغ السابقين بالتورط في أعمال العنف الطائفي وسرعان ما انهارت قوة الحزب غير المتجانس وعاد حزب المؤتمر بزعامة أنديرا غاندي للسلطة عام 1980، فأعاد جاناتا ترتيب صفوفه ومنع أعضاءه من أن يجمعوا عضوية الحزب مع منظمة آر أس أس، فانشق اليمينيون وكونوا حزب «بهاراتيا جاناتا»، ليحمل أيديولوجية الهندوتفا المتعصبة.

 تولى فاجبايي رئاسة الحزب، ثم خلفه أدفاني فقاد حملة لبناء معبد مخصص للإله الهندوسي رام بعد هدم المسجد البابري في ولاية أوتار براديش شمال البلاد، وحشد الجماهير الهندوسية في سبيل هذا الهدف، حتى تم هدم المسجد عام 1992 من قبل الغوغاء الذين حشدهم الحزب واندلعت موجات من العنف بين الهندوس والمسلمين في جميع أنحاء البلاد، مما أسفر عن مقتل أكثر من 2000 شخص، فحظرت الحكومة حزب «بهاراتيا جاناتا»، واعتقل العديد من قادته، ومنهم أدفاني، مما رفع شعبية الحزب لأقصى درجاتها بين الجماهير الهندوسية، وتم رفع الحظر عنه، ووصل الحزب إلى السلطة عام 1996 بزعامة فاجبايي لكنه استقال بعد 13 يومًا.

بعد الانتخابات العامة عام 1998، تشكَّل ائتلاف باسم «التحالف الوطني الديمقراطي» بقيادة رئيس الوزراء فاجبايي، واستمر في السلطة حتى تعرض للهزيمة في الانتخابات العامة سنة 2004. وعلى مدى السنوات العشر التالية كان «بهاراتيا جاناتا» هو حزب المعارضة الرئيسي، لكن في 2014 قاد ناريندرا مودي حزبه اليميني إلى الفوز في الانتخابات العامة، بعدما شغل منصب رئيس وزراء ولاية جوجارات لثلاثة عشر عامًا، أشعل فيها نيران العنف العنصري الذي أودى بأرواح عدد كبير من المسلمين شبَّههم مودي بالكلاب التي تـُدهس على الطرقات، مما جعل رئيس وزراء جوجارات الذي سبقه، كيشوبهاي باتل، يشبهه بـهتلر زعيم النازية.

وفي ظل حكم مودي المستمر حتى اليوم اشتعلت حملات القتل والتعذيب والتحريض الشعبوي ضد الأقلية المسلمة، وقاد الحزب الحاكم حملة لمقاطعة المسلمين تجاريًّا، ومنعهم من ممارسة أي نشاط اقتصادي في مناطق عديدة، والضغط عليهم للتحول إلى الهندوسية، وانتشرت حملات التهجير والسلب والنهب بشكل واسع، حتى إن حملة واحدة شنها المتطرفون في 2020 على منطقة أنديرا فيهار شمال نيودلهي أدت إلى وقوع عشرات القتلى وخسائر تزيد عن 30 مليار دولار شملت منازل ومتاجر ومساجد.

وتعرضت وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية نفسها للقمع حتى لم يعد لمنظمة هيومن رايتس ووتش أو العفو الدولية مثلًا مكاتب داخل البلاد، وأصبح قطع الإنترنت أثناء الاحتجاجات شيئًا معتادًا، أما في كشمير فتم إلغاء الحكم الذاتي بها، واقتصرت خدمات الإنترنت بها على عدة مواقع منتقاة وتعرضت لحملات أمنية في غاية العنف والصرامة.

ولاقت هذه الموجة اليمينية الصاعدة دعمًا كبيرًا من مجموعة فنانين سخَّروا مواهبهم في سبيل الشحن الطائفي، فظهر نوع جديد من الأغاني يطلق عليه «بوب الزعفران»، باعتبار أن هذا هو اللون المفضل في الهندوسية، وانتشرت تلك الأغاني الحماسية بقوة بما تتضمنه من إساءات إلى المسلمين وتحريض على باكستان، واشتهرت هذه الأغاني بظهور الأسلحة فيها بكثرة، والتغني بالأمجاد القديمة للبلاد قبل دخول الإسلام والهتاف بعبارة: «المجد للإله رام» التي يطلقها الغوغاء خلال الاعتداءات الوحشية على أبناء الأقلية المسلمة.

اعتناق الهندوسية أو الهجرة

وتشهد الهند انتخابات محلية تبدأ في خمس ولايات، وتتم على عدة مراحل، ومن المقرر أن تظهر نتيجتها في العاشر من مارس/آذار، وتعد ولاية أوتار براديش أهم هذه الولايات لأنها أكثرها سكانًا، بتعداد يزيد عن 243 مليون نسمة.

ويحكم بهاراتيا جاناتا هذه الولاية منذ سنوات، حقق خلالها فشلًا ذريعًا في كل الملفات تقريبًا، فالبطالة تضخمت والقوانين الرأسمالية الصارمة التي أقرها استفزت الفلاحين، فنظموا احتجاجات واسعة ضده بدعم من الحزب الاشتراكي حتى تم إلغاء القوانين، كما تم تعيين المتشددين الهندوس في مناصب إدارية مهمة بزعامة الراهب يوغي أديتياناث، رئيس وزراء الولاية، الذي يعد أبرز الوجوه السياسية في اليمين الهندي المتطرف والخليفة الأوفر حظًّا لرئيس الوزراء الحالي، ناريندرا مودي.

ونظرًا لضخامة حجم الولاية السكاني الذي يفوق معظم دول العالم، فإن الفوز فيها يتجاوز حدودها ويؤثر في مجمل الساحة السياسية في البلاد، لذا لجأ الحزب الحاكم إلى سياسة الحشد الطائفي، فصعَّد من حملته الشعبوية ضد المسلمين الذين يشكِّلون حوالي خمس السكان بدءًا من غلق الأنشطة الاقتصادية التابعة لهم واستهداف المساجد والمحجبات وممارسة وتشجيع أعمال العنف الطائفي ضد المسلمين بكثافة، وحتى ممارسة الإعدامات الميدانية والاعتقالات ضدهم.

وفي المقابل انتشرت ظاهرة الأبقار القاتلة، إذ مع إصدار الولاية تشريعات تحرم أكل لحومها أو التعرض لها وانتشار جماعات حماة البقر، سرح الكثير من المزارعين أبقارهم فهامت على وجهها تهاجم البشر وقتلت عددًا منهم، فتشكلت في المقابل مجموعات صغيرة للتصدي لهجمات الأبقار!

ونفذ اليمين المتطرف وعده ببدء بناء معبد هندوسي في نفس موقع المسجد الذي هدمه أتباعه عام 1992 بمدينة أيوديا بأوتار براديش، ووضع مودي حجر الأساس للمعبد في حفل حضره شخصان من الطائفة المسلمة كإشارة متعمدة مفادها الإيحاء برضوخ الطائفة إلى الواقع الجديد.

وتعهد رئيس وزراء الولاية بتكرار تجربة هدم المسجد البابري في مدينة ماثورا، قرب العاصمة نيودلهي إذ يريد هدم مسجد آخر لبناء معبد هندوسي مكانه بزعم أن الإله كريشنا ولد في نفس الموقع، ويرفع أديتياناث في هذه الانتخابات شعار «80% أمام 20%»، أي إن المنافسة محصورة بين الهندوس الذين يمثلون ثمانين بالمائة من السكان وبين المسلمين، رغم أن منافسه الرئيسي هو الحزب الاشتراكي وليس حزبًا إسلاميًّا.

ومنذ أيام انتشر على شبكة الإنترنت فيديو لمايانكيشوار سينغ، عضو المجلس التشريعي بأوتار براديش عن الحزب الحاكم، يخير المسلمين داخل الولاية بين الردة عن دينهم واعتناق الهندوسية وبين الهجرة إلى باكستان.